ــ[304]ــ
مسألة 205 : يجوز للمحرم أن يقتل الأفعى والأسود الغدر وكلّ حيّة سوء والعقرب والفارة ، ولا
كفارة في قتل شيء من ذلك (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
ولا يخفى أنّ الاستدلال به متوقف على ثبوت الملازمة بين ثبوت الكفّارة للقتل في الحرم وبين القتل
حال الإحرام ، وموضوع الرّواية هو القتل في الحرم ، ومورد كلامنا القتل حال الإحرام وإن لم يكن في
الحرم ، فالرواية أجنبيّة عن محل الكلام .
هذا ، مضافاً إلى ضعف السند بالعطار والمكاري كما صرّح به المحقق في الشرائع(1) والمشهور أيضاً
لم يلتزموا بثبوت الكفّارة حتّى يدّعى الإنجبار ، فحال الأسد حال سائر السباع في عدم ثبوت الكفّارة
في قتله سواء جاز قتله أم لا .
وكذلك يجوز قتل سباع الطير المؤذي لحمام الحرم ولا كفارة في قتله ، لصحيح معاوية بن عمار «أ
نّه اُتي أبو عبدالله (عليه السلام) فقيل له : إنّ سبعاً من سباع الطير على الكعبة ليس يمر به شيء من
حمام الحرم إلاّ ضربه فقال : فانصبوا له واقتلوه فإنّه قد ألحد» (2) .
(1) لا كلام في جواز قتل هذه الحيوانات ، إنّما الكلام في أنّ الحكم بالجواز هل يختص بما إذا
أرادته وخاف منها أم لا ؟
المعروف بينهم جواز القتل مطلقاً ، ويدل عليه صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه
السلام) في حديث قال : «ثمّ اتّق قتل الدواب كلّها إلاّ الأفعى والعقرب والفارة ، فأمّا الفارة فإنّها
توهي السقاء ، وتضرم على أهل البيت ، وأمّا العقرب فإنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مدّ
يده إلى الحجر فلسعته ، فقال : لعنك الله لا برّاً تدعينه ولا فاجراً ، والحيّة إن أرادتك فاقتلها ، وإن لم
تردك فلا تردها ، والأسود الغدر فاقتله على كل حال ، وارم الغراب والحدأة رمياً على ظهر بعيرك»
(3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشرائع 1 : 326 .
(2) الوسائل 13 : 83 / أبواب كفارات الصّيد ب 42 ح 1 .
(3) الوسائل 12 : 545 / أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 2 .
ــ[305]ــ
ولو كان جواز القتل مختصّاً بما أراده لم يكن وجه لذكر المذكورات بالخصوص بل كان حالها حال
جميع السباع ، مضافاً إلى أنّ الفارة لا تريد الشخص بل تهرب من الإنسان ، ولعل العقرب كذلك .
على أنّ اختصاص الحيّة بما إذا أرادت يدل على أنّ المذكورات غير مختصّة بصورة الإرادة وأنّ
الحكم مطلق .
وأمّا قوله : «والأسود الغدر فاقتله على كل حال» فلا يوهم اختصاص القتل المطلق به ، بل هذا
استثناء من الحيّة الّتي لا تقتل على كل حال ، وأنّ هذا القسم من الحيّة يقتل مطلقاً ، فإطلاق الصدر
على حاله .
ويدل عليه أيضاً إطلاق صحيح الحلبي قال «يقتل في الحرم والإحرام الأفعى والأسود الغدر وكل
حيّة سوء ، والعقرب والفارة هي الفويسقة» (1) .
وأمّا صحيح حسين بن أبي العلاء عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «قال لي : يقتل المحرم الأسود
الغدر والأفعى والعقرب والفارة ، فإنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سمّاها الفاسقة والفويسقة ،
ويقذف الغراب ، وقال : اقتل كل واحد منهنّ يريدك» (2) فربّما يوهم الاختصاص بصورة الإرادة ،
ولكن قد عرفت أنّ الرّواية مشتملة على ما لا يريد كالفارة فلا تتحقق الإرادة في موردها ، بل الظاهر
أنّ قوله (عليه السلام) : «اقتل كل واحد منهنّ يريدك» حكم آخر وجوبي يختص بصورة الإرادة فإنّه
يجب القتل حينئذ دفعاً للخطر والضرر العظيم ، فلا يوجب تقييد الحكم بالجواز في الصدر بذلك .
عود على بدء : سبق لنا أن ذكرنا الرّوايات المجوّزة لذبح المحرم الحيوانات الأهليّة (3) ، فقد روى
الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «يذبح
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 12 : 546 / أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 6 .
(2) الوسائل 12 : 546 / أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 5 .
(3) راجع ص 298 .
ــ[306]ــ
مسألة 206: لابأس للمحرم أن يرمي الغراب والحدأة ولا كفارة لو أصابهما الرّمي وقتلهما(1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
في الحرم الإبل والبقر والغنم والدجاج» (1) .
وفي النسخة القديمة المطبوعة بالطبع الحجري : «في الحل» بدل قوله «في الحرم» والفرق بينهما
واضح ، ولا ريب أنّ النسخة المطبوعة بالحجري فيها تحريف وغلط لإطباق بعض النسخ الخطية
والطبعة الجديدة على قوله : «في الحرم» كما في الوسائل (2) ، وكذلك نقلها في الوافي (3) ، وفي
الوسائل أسقط كلمة «والغنم» مع أ نّها مذكورة في التهذيب ، وذلك إمّا اشتباه من الوسائل أو من
غلط النساخ .
وكيف كان : الجملة المذكورة في التهذيب جملة إيجابيّة إلاّ أنّ الصدوق روى في الفقيه بنفس السند
بالجملة السلبية وأ نّه قال (عليه السلام) : «لا يذبح في الحرم إلاّ الإبل والبقر والغنم والدجاج» (4)
وقد ذكرنا آنفاً (5) أ نّه لا يمكن الاعتماد على رواية الصدوق ، فإنّه مضافاً إلى ما تقدّم يرد عليه :
أنّ دلالة رواية الصدوق على عدم جواز غير الأنعام وغير الدجاج بالإطلاق ، ويرفع اليد عنه بالكلية
المذكورة الصريحة الدالّة على جواز ذبح المحرم كلّما جاز للمحل ذبحه ، ولا ريب في جواز ذبح هذه
الحيوانات للمحل في الحرم فيجوز ذبحه للمحرم أيضاً ، فإنّ المحرّم على أهل الحرم إنّما هو صيد الحرم
ومن دخل الحرم مستجيراً به ، وشي منهما غير صادق على الحيوانات الأهليّة .
(1) لا كلام في جواز قتل الغراب والحدأة للنصوص المتعدّدة .
وإنّما يقع الكلام في اُمور :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التهذيب 5 : 367 .
(2) الوسائل 12 : 548 / أبواب تروك الإحرام ب 82 ح 1 .
(3) الوافي 12 : 125 / 11675 .
(4) الفقيه 2 : 172 .
(5) في ص 298 .
ــ[307]ــ
الأوّل : هل يختص جواز القتل بما إذا كان المحرم على ظهر بعيره ، كما جاء ذلك في الرّواية المتقدّمة
، فلا يجوز إذا كان راجلاً أو راكباً غير البعير ، أو يعم جميع الحالات ؟ .
الثّاني : أنّ جواز القتل هل يختص بالغراب الأبقع أو يشمل غيره ؟ .
الثّالث : هل يختص الحكم المذكور بالرّمي أو يعم مطلق القتل وإن لم يكن بسبب الرّمي ؟ .
أمّا الأوّل : فلا يخفى أنّ الرّوايات على قسمين :
أحدهما : مطلق الرجم والقتل وإن لم يكن على ظهر البعير كصحيح الحلبي «ويرجم الغراب والحدأة
رجماً» (1) .
ثانيهما : خصّ الجواز بما إذا كان على ظهر بعيره كما في صحيحة معاوية بن عمار «وارم الغراب
والحدأة رمياً على ظهر بعيرك» (2) .
ولكن الظاهر أ نّه لا موحب للتقييد ، فإنّه محمول على الغالب ، والقيد وإن كان له مفهوم عندنا في
الجملة لكن فيما إذا لم يحمل على الغالب .
وممّا يدل على أنّ القيد إنّما ذكر لأجل الغلبة وأ نّه غير دخيل في الحكم المذكور قوله : «على ظهر
بعيرك» إذ لا نحتمل دخل ملكيّة البعير في الحكم بعدم الجواز .
هذا كلّه مضافاً إلى القطع بعدم الفرق بين الراجل والراكب ، وبعدم الفرق بين المراكب .
وأمّا الثّاني : فالظاهر أن ذكر الأبقع في بعض النصوص كمعتبرة حنان بن سدير «والغراب الأبقع
ترميه» (3) لا دلالة فيها على الاختصاص ، إذ لعلّ التقييـد به فيها لأجل كثرة الابتلاء بخصوص هذا
الحيوان وأ نّه حيوان خبيث ، ويشهد لذلك قوله :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 12 : 546 / أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 6 .
(2) الوسائل 12 : 545 / أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 2 .
(3) الوسائل 12 : 547 / أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 11 .
ــ[308]ــ
«فإن أصبته فابعده الله» فإنّ ذلك يكشف عن خصوصيّة في الأبقع وخيانته .
وأمّا الثّالث : هل يجوز قتله بأيّ سبب من أسباب القتل ولو بغير الرّمي كالسيف والعصا ونحو ذلك
؟ .
ذكر بعضهم الاختصاص بالرّمي والرّجم ، ومنهم من جوّز القتل بأيّ سبب كان كشيخنا النائيني (
قدس سره) (1) .
والظاهر هو الاختصاص ، لأنّ التفصيل في الرّوايات بينه وبين بقيّة المذكورات فيها قاطع للشركة ،
فإنّه بالنسبة إلى بقيّة الحيوانات اُطلق القتل فيها ، وأمّا في خصوص الغراب قيّد القتل بالرّمي ، فيعلم أنّ
للغراب حكم خاص .
هذا مضافاً إلى عدم جواز قتل الدواب على الإطلاق ، وقد خرجنا منه في قتل الغراب بسبب الرّمي
أو الرّجم ، وأمّا بقيّة أقسام القتل فيشملها عموم المنع .
انتهى الجزء الثّالث بحوله تعالى
ويليه الجزء الرّابع وأوّله كفارات الصّيد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لاحظ دليل الناسك (المتن) : 180 .
|