19 ـ ستر الرأس للرّجل
مسألة 262 : لا يجوز للرّجل المحرم ستر رأسه ، ولو جزء منه بأيّ ساتر كان حتّى مثل الطين ، بل
وبحمل شيء على الرأس على الأحوط ، نعم لا بأس بستره بحبل القربة ، وكذلك تعصيبه بمنديل ونحوه
من جهة الصداع (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ (2) لا خلاف بين العلماء في حرمة تغطية الرجل رأسه وستره ، كما لا خلاف في عدم الفرق في
حرمة التغطية بين جميع أفرادها وأنواعها كالثوب والطين والدواء وحمل ما يستر جميع رأسه ونحو ذلك
للنصوص المستفيضة :
منها : ما دلّ على أن إحرام المحرمة في وجهها والرجل في رأسه ، كصحيحة عبدالله ابن ميمون(1)
وفي معتبرة حريز «عن محرم غطى رأسه ناسياً ، قال : يلقي القناع عن رأسه ويلبِّي ولا شيء عليه»
(2) ، فانّ المستفاد منه أنّ تغطية الرأس مبغوضة شرعاً إذا تذكّر ، وفي صحيحة زرارة «الرجل المحرم
يريد أن ينام يغطِّي وجهه من الذّباب ؟ قال : نعم ، ولا يخمر رأسه»(3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ، (2) ، (3) الوسائل 12 : 505 / أبواب تروك الاحرام ب 55 ح 2 ، 3 ، 5 .
ــ[475]ــ
بل يستفاد من بعض النصوص عدم جواز ستر بعض الرأس ، وعدم اختصاص الحرمة بتغطية تمام
الرأس كما في صحيح عبدالله بن سنان قال : «سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول لأبي وشكى إليه
حر الشمس وهو محرم وهو يتأذى به ، فقال : ترى أن أستتر بطرف ثوبي ؟ قال : لا بأس بذلك ما لم
يصبك رأسك» (1) فان إصابة طرف من الثوب تصدق بتغطية بعض الرأس .
ثمّ إنّ المراد بالرأس في المقام منبت الشعر مقابل وجه المرأة ، فانّ الوجه وإن كان من الرأس في بعض
الاطلاقات والاستعمالات ولكن المراد به هنا منبت الشعر بقرينة مقابلته لوجه المرأة في النصوص .
ولا فرق في تغطية تمام الرأس أو بعضه بين جميع أفرادها من الثوب والطين ونحوهما مما يغطي الرأس ،
كما لا يجوز للمرأة ستر وجهها بأيّ نحو كان ، فلا خصوصية لنوع الساتر ، والسؤال في بعض الأخبار
وإن كان عن الستر بالثوب ، ولكن العبرة باطلاق الجواب والمنع عن مطلق الستر فلا خصوصية
للثوب .
وهل يعم الحكم ما يحمل على رأسه شيئاً كالطبق والحنطة أو الفراش أو الكتاب ونحو ذلك أم لا ؟
المعروف بينهم هو التعميم ، بل لا خلاف بينهم في عدم جواز التغطية بنحو ذلك .
ولكن للمناقشة فيه مجال ، فان حمل الشيء على رأسه إذا كان ساتراً لجميع رأسه وتمامه كحمل
الحشيش ونحوه فلا كلام في المنع ، لشمول الاطلاقات المانعة لذلك ، فانّ الرأس يغطى ولو بحمل شيء
على رأسه ، وقد عرفت أ نّه لا خصوصية لنوع من أنواع الساتر ، وأمّا إذا كان الحمل موجباً لتغطية
بعض الرأس كحمل الطبق والكتاب ونحوهما فلا دليل على المنع ، فانّ الحكم بالمنع وإن كان مشهوراً
ولكن لا يبلغ حدّ الاجماع القطعي ، وما دلّ على المنع من إصابة بعض الرأس إنّما يدل فيما إذا كان
الستر ولو ببعض الرأس مقصوداً ، وأمّا إذا لم يكن قاصداً لستر الرأس بل كان قاصداً لأمر آخر وذاك
يستلزم الستر لم يكن مشمولاً للنص الدال على منع ستر البعض ، نظير
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 12 : 525 / أبواب تروك الاحرام ب 67 ح 4 .
ــ[476]ــ
النائم المتوسد فان بعض رأسه يستر بالوسادة أو بوضع رأسه على الأرض ولكنّه لا يمنع عن ذلك ، لأ
نّه لا يريد ستر رأسه وإنّما يريد النوم ، فقهراً يستر بعض رأسه بالوسادة أو بالفراش أو بالأرض، وكما
إذا أراد حك رأسه بالحائط أو بخشبة أو حديدة عريضة ، فانّه وإن يستر بذلك ولكن لا يصدق عليه
عنوان تغطية الرأس الممنوع في الروايات لعدم كونها مقصودة ، فالّذي يستفاد من النص أن يكون
الستر مقصوداً في نفسه ، وأمّا المطلقات فالمستفاد منها عدم جواز ستر تمام الرأس كما هو الحال في
حلق الرأس ونتف الإبط .
والحاصل : لو كنّا نحن والمطلقات فلا دليل على منع ستر بعض الرأس ، لعدم شمول المطلقات لستر
بعض الرأس ، وإنّما منعنا عن ستر بعض الرأس لخصوص صحيح عبدالله بن سنان المانع عن ستر بعض
الرأس ، والمستفاد منه أن يكون الستر بنفسه مقصوداً ولا يشمل ستر البعض الّذي لم يكن مقصوداً ،
ومع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط لذهاب المشهور إلى المنع عن ستر البعض مطلقا .
ويستثنى من حرمة ستر الرأس موردان :
أحدهما : ستر الرأس من جهة الصداع ، لصحيح معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عيه السلام) قال
: «لا بأس بأن يعصّب المحرم رأسه من الصداع» (1) .
الثاني : ستر الرأس بحبل القربة كما هو المتعارف حتّى في الأزمنة المتأخرة ، واستدلّوا بما رواه
الصدوق عن محمّد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) «عن المحرم يضع عصام القربة على رأسه إذا
استسقى ؟ فقال : نعم» (2) ومن الغريب ما في الجواهر(3) والحدائق(4) من توصيف الخبر
بالصحيح ، خصوصاً من الحدائق مع تدقيقه في أسناد الروايات ، ولعلهما وصفا الخبر بالصحّة لجلالة
محمّد بن مسلم ورواية
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 12 : 507 / أبواب تروك الاحرام ب 56 ح 1 .
(2) الوسائل 12 : 508 / أبواب تروك الاحرام ب 57 ح 1 ، الفقيه 2 : 221 / 1024 .
(3) الجواهر 18 : 383 .
(4) الحدائق 15 : 496 .
ــ[477]ــ
وكذلك لا يجوز ستر الاُذنين (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
الصدوق عنه ، وغفلا عن أن طريق الصدوق إلى محمّد بن مسلم ضعيف لوجود علي ابن أحمد بن
عبدالله البرقي عن أبيه أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي عبدالله البرقي (1) ، وهما مما لم يوثقا .
والّذي ينبغي أن يقال في جواز ستر الرأس بحبل القربة : إن ستر بعض الرأس إذا لم يكن مقصوداً
بنفسه لا مانع منه كما عرفت ، وصحيح ابن سنان الّذي منع عن ستر بعض الرأس لا يشمل ذلك ،
لاختصاصه بما إذا كان الستر مقصوداً بنفسه ، والاطلاقات غير شاملة لذلك أيضاً ، فالمقتضي للمنع
قاصر .
ومع قطع النظر عن ذلك نجزم بجواز ذلك للسيرة القطعية على ذلك ، فان حمل القربة وشدّ حبلها
بالرأس أمر متعارف شائع حتّى في زماننا فضلاً عن الأزمنة السابقة ، ولو كان ذلك أمراً محرّماً مع كثرة
الابتلاء به لشاع وظهر وبان ، ولم يرد في رواية ولا سمعنا من أحد عدم جواز ذلك ، وذلك كلّه
يوجب الاطمئنان بالجواز ، فلا نحتاج في الحكم بالجواز إلى خبر محمّد بن مسلم حتّى يقال إنّه ضعيف .
(1) إن قلنا بأنّ المراد بالرأس فوق الوجه وفي قبال الوجه ، فالاُذنان داخلان فيه ، وإن قلنا بأنّ المراد
به منابت الشعر ، فالاُذنان خارجان منه ولكن مع ذلك لا يجوز سترهما كالرأس ، لصحيح صفوان عن
عبدالرّحمن (بن الحجاج) قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المحرم يجد البرد في اُذنيه يغطيهما
؟ قال : لا» (2) وعبدالرّحمن هذا مردد بين أشخاص أربعة : عبدالرّحمن بن أبي عبدالله ، عبدالرّحمن
بن الحجاج ، عبدالرّحمن بن أعين ، عبدالرّحمن الحذاء . أمّا عبدالرّحمن بن أبي عبدالله فهو ثقة ، ورواية
صفوان عنه قليلة . وأمّا عبدالرّحمن بن أعين فهو قليل الحديث في نفسه سواء كان الراوي عنه صفوان
أم غيره ، وقد روى عنه صفوان في موردين . وأمّا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفقيه 4 (المشيخة) : 6 .
(2) الوسائل 12 : 505 / أبواب تروك الاحرام ب 55 ح 1 .
ــ[478]ــ
مسألة 263 : يجوز ستر الرأس بشيء من البدن كاليد ، والأولى تركه (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
عبدالرّحمن الحذاء فقد روى عنه صفوان في مورد واحد . وأمّا عبدالرّحمن بن الحجاج فقد روى عنه
صفوان ما يزيد على مائة حديث ، وهو الشهير المعروف واُستاذ صفوان كما صرّح بذلك الشيخ في
رجاله (1) ، فالمتعين أن عبدالرّحمن هو ابن الحجاج وهو ثقة ثقة .
(1) الظاهر جواز الستر باليد أو الذراع ، لأن دليل حرمة ستر الرأس قاصر الدلالة على ذلك ، لما
عرفت أن مورد الأخبار المانعة هو الثوب ، وتعدينا إلى غيره من أنواع التغطية والستر حتّى الستر
بالطين والدواء ، وقلنا إنّ المنظور هو الستر ولا نظر إلى خصوصية الثوب ، ولكن التعدي إنّما هو
بالنسبة إلى الأجزاء الخارجية ، وأمّا الستر بسائر أعضاء بدنه وبما هو متصل به فلا تشمله الروايات ،
ولو سلمنا شمول ذلك فلا ريب في جوازه عند مسح الرأس في وضوئه ، وكذا ما دلّ على جواز حكّ
المحرم رأسه (2) فانّه يوجب ستر بعض رأسه عند الحك هذا كلّه مضافاً إلى النص المجوّز صريحاً ، وهو
صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه
من حر الشمس ، ولا بأس أن يستر بعض جسده ببعض» (3) .
وبالجملة : المستفاد من مجموع ما ذكرنا أنّ الممنوع هو الستر بأمر خارجي مطلقاً ، وأمّا الستر
بالعضو المتصل ببدنه كيده أو ذراعه فلا مانع منه .
وهل يجوز ستر رأسه عند النوم أم لا ؟ وبعبارة اُخرى : الحكم بحرمة ستر الرأس هل يختص بحال
اليقظة أو يعم عند النوم ؟ الظاهر أ نّه لا خلاف بينهم في التعميم كما صرّح بذلك في الجواهر .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال الطوسي : 236 / 3215 .
(2) الوسائل 12 : 533 / أبواب تروك الاحرام ب 73 .
(3) الوسائل 12 : 524 / أبواب تروك الاحرام ب 67 ح 3 .
ــ[479]ــ
ولكن خبر زرارة جوّز التغطية عند إرادة النوم «في المحرم ، قال : له أن يغطي رأسه ووجهه إذا أراد
أن ينام» (1) وذكر في الجواهر أ نّه يطرح أو يحمل على حال التضرر بالتكشف أو على التظليل ،
مضافاً إلى عدم حجية الخبر في نفسه وضعفه سنداً (2) .
ولكن الخبر صحيح ، فان رواتها ثقات ورواها أيضاً غير الثقات ، ولا يضر في صحّة الخبر ضمّ
الضعيف إلى الثقة إذا كانت الرواة متعددة ، فانّ الشيخ رواه عن سعد ابن عبدالله وهو ثقة ، وعن
موسى بن الحسن وهو ثقة أيضاً ، وفي نسخة موسى بن الحسين وهو مجهول ، ولكن لا يضر ذلك ،
لأن سعد يرويه عن موسى والحسن بن علي وهو ابن فضال الثقة ، وهو يرويه عن أحمد بن هلال
ومحمّد بن أبي عمير ، ولا يضر ضعف أحمد بن هلال بناءً على ضعفه ، وأمّا بناءً على وثاقته كما هو
المختار عندنا فلا كلام ، وكذا لا يضر ضعف اُمية بن علي القيسي ، لأنّ الحسن بن علي بن فضال
يروي عن أحمد بن هلال ومحمّد بن أبي عمير واُمية بن علي القيسي جميعاً ، فيكفي وثاقة ابن أبي عمير
، وهم يروون عن علي بن عطية وهو ثقة ، وهو يروي عن زرارة فالخبر ثبت عن زرارة برواية الثقات
عنه وإن انضموا إلى غير الثقة ، فالخبر لا يُرمى بالضعف .
فالصحيح في الجواب أن يقال : إنّه معارض بصحيحتين لزرارة «إنّه لا يخمر رأسه عند النوم إذا أراد
أن ينام» (3) وبعد المعارضة والتساقط يرجع إلى المطلقات المانعة عن ستر الرأس ، والتقييد بحال اليقظة
مبتلى بالمعارض .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 12 : 507 / أبواب تروك الاحرام ب 56 ح 2 .
(2) الجواهر 18 : 389 .
(3) الوسائل 12 : 506 / أبواب تروك الاحرام ب 55 ح 5 ، والوسائل 12 : 510 / أبواب
تروك الاحرام ب 59 ح 1 .
ــ[480]ــ
حرمة الارتماس للمحرم
مسألة 264 : لا يجوز للمُحرم الارتماس في الماء، وكذلك في غير الماء على الأحوط والظاهر أنّه
لافرق في ذلك بين الرجل والمرأة (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
(1) لا خلاف ولا إشكال في عدم جواز الارتماس في الماء ويدل عليه جملة من الأخبار المعتبرة(1).
إنّما وقع الكلام في أ نّه موضوع مستقل ومحرّم عليحدة ، أو أ نّه من مصاديق التغطية ، قال المحقق
في الشرائع بعد أن ذكر تغطية الرأس : وفي معـناه الارتماس(2) ومقتضى كلامه هذا عدم اختصاص
الارتماس بالماء لأ نّه (قدس سره) جعل الارتماس من فروع التغطية ومصاديقها ، فلا فرق بين الماء وغيره
، ولكن قال في باب الكفّارات : تجب الكفّارة إذا ارتمس في الماء (3) ، فيظهر منه أنّ الارتماس في غير
الماء ليس له هذا الحكم . وصرّح صاحب الجواهر وغيره أن تحريم الارتماس من جهة التغطية وكونه من
ستر الرأس ، فلا فرق بين الماء وغيره ، ولا يختص بتمام الرأس بل لا يجوز الارتماس ببعض الرأس ،
لعدم جواز ستر بعض الرأس(4) ، ومقتضى كلامهم اختصاص التحريم بالرجال وجواز الارتماس
للمرأة ، لاختصاص حرمة التغطية بالرجل . وبالجملة يجرى في الارتماس جميع ما يترتب على التغطية ، لأ
نّه من مصاديقها وعدم كونه موضوعاً مستقلاًّ .
ولكن الظاهر أ نّه موضوع مستقل ، فانّ الارتماس في الماء والستر به لا يصدق عليه التغطية ، ولو
كان الارتماس تغطية لما جاز صبّ الماء وإفاضته على رأسه ، لا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 12 : 508 / أبواب تروك الاحرام ب 58 .
(2) الشرائع 1 : 284 .
(3) الشرائع 1 : 343 .
(4) الجواهر 18 : 386 ـ 387 .
ــ[481]ــ
مسألة 265 : إذا ستر المحرم رأسه فكفارته شاة على الأحوط ، والظاهر عدم وجوب الكفّارة في
موارد جواز الستر والاضطرار (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
سيما إذا كان الماء كثيراً ، وعنوان تخمير الرأس وتغطيته لا يصدق على الارتماس ، والّذي يكشف عن
ذلك جعل الصائم كالمحرم في حرمة الارتماس في النصوص (1) ولا يحتمل حرمة الستر على الصائم ،
فيعلم أنّ الارتماس غير الستر وله خصوصية ولم يكن مصداقاً للتغطية ، فهو حكم مستقل وموضوعه
الماء ، والروايات منعت من الارتماس في الماء ، وأمّا الارتماس في غير الماء فلا دليل على تحريمه ، كما أن
موضوع المنع رمس تمام الرأس في الماء ، وأمّا رمس بعض الرأس فلا دليل على حرمته .
ومما ذكرنا ظهر أ نّه لا يختص الحكم بالرجل ، بل يعم الرجل والمرأة ، لأن موضوع الحكم أمر
مستقل وليس من مصاديق التغطية ليختص الحكم بالرجل ، كما أنّ الأمر كذلك بالنسبة إلى الصائم
والصائمة ، ولا يجوز لها الارتماس ، وكذلك الارتماس في باب الاحرام ، فهذا من أحكام الاحرام ، كما
أ نّه من أحكام الصوم ولا فرق بين الرجل والمرأة ، والاحتياط حسن على كل حال ، فلا يرمس في
غير الماء حتّى ببعض رأسه .
(1) المعروف بين الأصحاب وجوب الكفّارة بشاة إذا غطى المحرم رأسه ، بل ادعي عليه الاجماع .
وعن المدارك وغيره أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب (2) . وذكر صاحب الحدائق أنّهم ذكروا
الحكم ولم ينقلوا عليه دليلاً ، وكأنّ مستندهم إنّما هو الاجماع (3) .
أقول : إن تمّ الاجماع فهو ، وإلاّ فالحكم به مشكل .
والظاهر عدم تمامية الاجماع ، لأن جملة من الأصحاب لم يتعرضوا لذلك ، وعدم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 35 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ، والوسائل 12 : 508 / أبواب
تروك الاحرام ب 58 .
(2) المدارك 8 : 444 .
(3) الحدائق 15 : 492 .
ــ[482]ــ
تعرّضهم يكشف عن عدم الوجوب ، وإلاّ لو كانت الكفّارة واجبة في المقام لذكروه كما ذكروا في
غير المقام كالصيد والجماع والتظليل ونحوها من الموارد . وممن صرّح بعدم الكفّارة بالشاة صاحب
الوسائل فانّه صرّح بأن كفارته طعام مسكين ، فقد ذكر في عنوان الباب الخامس من أبواب بقية
كفارات الاحرام : باب أنّ المحرم إذا غطّى رأسه عمداً لزمه طرح الغطاء ، وطعام مسكين (1) .
واستدلّ صاحب الجواهر بعد الاجماع بروايات (2) .
الاُولى : صحيحة زرارة الدالّة على أن من لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه ، عليه دم شاة (3) .
ولا يخفى أنّ الاستدلال بها للمقام ينبغي أن يعدّ من الغرائب ، فان اللبس شيء والتغطية وستر الرأس
شيء آخر ، فانّه قد يتحقق اللبس بلا تغطية للرأس كما إذا لبس القميص ونحوه ، وقد يتحقق ستر
الرأس وتغطيته بدون اللبس كما إذا طيّن رأسه أو حمل على رأسه ، وقد يتحقق الأمران كما إذا لبس
قلنسوة ونحوها ، وكلامنا في الستر والتغطية وإن لم يتحقق عنوان اللبس .
الثانية : رواية علي بن جعفر المتقدِّمة (4) «لكل شيء خرجت (جرحت) من حجك فعليك فيه دم
تهريقه» (5) وقد ذكرنا غير مرة أ نّها ضعيفة سنداً ودلالة .
الثالثة : مرسلة الخلاف ، قال : إذا حمل على رأسه مكتلاً أو غيره لزمه الفداء ، ثمّ قال : دليلنا
عموم ما روي في مَن غطّى رأسه أن عليه الفدية (6) ، بعد دعوى انجبار المرسل بالاجماع المدعى .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 13 : 153 .
(2) الجواهر 20 : 418 .
(3) الوسائل 13 : 157 / أبواب بقية كفارات الاحرام ب 8 ح 1 .
(4) في ص 407 .
(5) الوسائل 13 : 158 / أبواب بقية كفارات الاحرام ب 8 ح 5 .
(6) الخلاف 2 : 299 .
ــ[483]ــ
وفيه مضافاً إلى عدم تمامية الانجبار عندنا ، لا نحتمل استناد المشهور إلى هذا المرسل ، لعدم ذكره في
شيء من الكتب الفقهية الاستدلالية ، حتّى أنّ الشيخ بنفسه لم يذكره في كتابيه التهذيب والاستبصار
فكيف نحرز استناد المشهور إلى هذا المرسل ومع ذلك كلّه فالاحتياط في محلِّه ، لأجل عدم مخالفة
المعروف بين الفقهاء .
هل تثبت الكفّارة في حالتي الاختيار والاضطرار كالصداع والوقاية عن حر الشمس ونحو ذلك نظير
كفّارة التظليل الثابتة في الحالتين ، أم تختص بحالة الاختيار وترتفع الكفّارة عند الاضطرار ؟
صرّح في الجواهر بعدم الفرق ، وحكى عن بعضهم أن على المختار لكل يوم شاة وعلى المضطر
لكل المدّة شاة ، وأورد عليهم بعدم الفرق بينهما (1) .
وفيه : أنّ الكفّارة لو كانت ثابتة فمدركها الاجماع ، وهو دليل لبي لا إطلاق له والقدر المتيقن منه
حال الاختيار .
بقي الكلام فيما ذكره صاحب الوسائل في الباب الخامس من أبواب بقية كفارات الاحرام ، فانّه
ذكر في عنوان الباب : إنّ المحرم إذا غطى رأسه عمداً لزمه طرح الغطاء وطعام مسكين ، ثمّ ذكر
صحيحة الحلبي عن التهذيب «المحرم إذا غطى رأسه فليطعم مسكيناً في يده» (2) .
ولا ينبغي الشك في أن صاحب الوسائل اشتبه في النقل ولا وجود لهذه الرواية في التهذيب ، بل
صاحب الوسائل بنفسه روى هذه الرواية بعينها وبنفس السند في الباب الخامس والخمسين من تروك
الاحرام ذكر «إذا غطى وجهه» (3) بدل قوله «رأسه» ولا يحتمل اختلاف نسخ التهذيب ، كما
احتمله صاحب الحدائق حيث نقل عن الوافي بلفظ «وجهه» ثمّ ذكر : ولعل نسخ التهذيب كانت
مختلفة (4) ، والظاهر أن صاحب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 20 : 419 .
(2) الوسائل 13 : 153 / أبواب بقية كفارات الاحرام ب 5 ح 1 .
(3) الوسائل 12 : 505 / أبواب تروك الاحرام ب 55 ح 4 .
(4) الحدائق 15 : 493 .
|