وقد استدلّ له بعدّة روايات :
منها : مقطوعة معاوية بن عمار «قال : يفدي المحرم فداء الصيد من حيث أصابه» (1) .
وهذه الرواية مخدوشة سنداً ، لأ نّها مقطوعة ولا يعلم أن معاوية بن عمار يروي عن الإمام أو ينقل
فتوى نفسه . ودلالة لأنّ الفداء ليس ملازماً للذبح ، والمراد بالفداء هنا البدل ، فالمعنى أ نّه يجب عليه
البدل في ذلك المكان وأ نّه يشتري البدل في موضع الاصابة وذلك بقرينة معتبرة زرارة عن أبي جعفر
(عليه السلام) أ نّه قال : «في المحرم إذا أصاب صيداً فوجب عليه الفداء فعليه أن ينحره إن كان في
الحجّ بمنى حيث ينحر الناس ، وإن كانت عمرة ينحره بمكّة ، وإن شاء تركه إلى أن يقدم مكّة ويشتريه
فانّه يجزي عنه» (2) فان قوله : «وإن شاء تركه» ظاهر الدلالة على أ نّه يشتري الفداء في مكان
الاصابة ، وأ نّه يجوز له تأخير الشراء إلى مكّة ، فقوله «وإن شاء تركه» أي لا يشتري ويشتري بمكّة ،
فلا دلالة في الرواية على الذبح في موضع إصابة الصيد كذا حمله الشيخ في التهذيب (3) .
ومنها : صحيحة أبي عبيدة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إذا أصاب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 13 : 98 / أبواب كفارات الصيد ب 51 ح 1 .
(2) الوسائل 13 : 98 / أبواب كفارات الصيد ب 51 ح 2 .
(3) التهذيب 5 : 373 / 1300 .
ــ[526]ــ
المحرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الّذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النعم دراهم»
الحديث (1) فانّ المتفاهم منها أن مكان الذبح موضع الاصابة ، فان لم يجد الفداء في ذلك المكان قوّم
جزاؤه .
وفيه ، أنّ الصحيحة لم تتعرض لموضع الذبح أصلاً ، وإنّما المستفاد منها أ نّه إذا وجد البدنة في
موضع الاصابة فالواجب عليه ذبح البدنة ، وأمّا أ نّه يذبحها في مكان الصيد أو في غيره فالصحيحة
ساكتة عن ذلك ، وأمّا إذا لم يجد البدنة في مكان الصيد قوّم بالدراهم ، فمكان الصيد مبدأ عدم
وجدان البدنة وأ نّه ينتقل الحكم من البدنة إلى التقويم بالدراهم في ذلك الموضع فيما إذا لم يجد البدنة
من مكان الصيد إلى الآخر ، وليس في الرواية أيّ إشعار على أن موضع الذبح مكان الصيد فضلاً عن
الدلالة ، وفي الجواهر نقل الصحيحة ، ولكن فيها تصحيف في متنها قال «إذا أصاب المحرم الصيد ولم
يكفّر في موضعه الّذي» الحديث (2) .
ومنها : مرسلة المفيد «المحرم يفدي فداء الصيد من حيث صاده» (3) .
وفيه : ما تقدّم قريباً من أنّ الفداء ليس بمعنى الذبح ، بل بمعنى البدل ، فالمعنى أ نّه في مكان الصيد
يجب عليه البدل فيأخذه معه من مكان الصيد إلى مكّة فان ذلك أفضل ، خصوصاً إذا كان المذكور في
المرسلة «يهدي» مكان يفدي كما هو المحكي عن المقنعة (4) ، فان ذلك أوضح فيما ذكرناه ، فالرواية
ساقطة سنداً ودلالة .
ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل اُهدي إليه حمام
أهلي جيء به وهو في الحرم محل، قال: إن أصاب منه شيئاً فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه»(5) بدعوى
أنّ المراد بقوله «مكانه» مكان الاصابة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 13 : 8 / أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 1 .
(2) الجواهر 20 : 345 .
(3) الوسائل 13 : 16 / أبواب كفارات الصيد ب 3 ح 4 .
(4) المقنعة : 452 .
(5) الوسائل 13 : 28 / أبواب كفارات الصيد ب 10 ح 10 .
ــ[527]ــ
مسألة 284 : إذا وجبت الكفّارة على المحرم بسبب غير الصيد فالأظهر جواز تأخيرها إلى عودته
من الحجّ فيذبحها إن شاء والأفضل إنجاز ذلك في حجّه (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
والجواب : أن هذه الرواية أجنبية عن محل الكلام بالمرة .
أمّا أوّلاً : فلان الحكم المذكور فيها من أحكام الحرم ، وكلامنا في المحرم بما هو محرم وإن لم يدخل
الحرم .
وثانياً : أ نّها واردة في الثمن ومقامنا في موضع الذبح .
وثالثاً : أن ضمير «مكانه» يرجع إلى المأكول أي : يعطي بدل ما أكله وعوضاً عنه بنحو من ثمنه .
وبعبارة اُخرى : فليتصدق مكانه معناه : أ نّه يتصدق عوض الصيد ومكان الصيد بالثمن .
فظهر أنّ الصحيح ما عليه المشهور والمعروف وهو عدم جواز تقديم فداء الصيد على مكّة أو منى ،
كما لا يجوز التأخير عنهما قطعاً ، هذا تمام الكلام في فداء الصيد .
(1) المشهور والمعروف بين الأصحاب أن كل ما يلزم المحرم من فداء سواء كان لأجل الصيد أو
بسبب غير الصيد يذبحه بمكّة إن كان معتمراً وبمنى إن كان حاجاً ، بل قال في المدارك : هذا مذهب
الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً ، ولكنّه قال : إن هذا الحكم يختص بفداء الصيد ، وأمّا غيره فيجوز ذبح
الكفّارة حيث شاء (1) .
أمّا الصيد فقد عرفت أ نّه لا إشكال ولا خلاف أصلاً في ثبوت هذا الحكم بالنسبة إليه ، إنّما
الكلام في كفّارة غير الصيد فيقع البحث تارة : في الحجّ ، واُخرى : في العمرة المفردة ، وثالثة : في
عمرة التمتّع .
أمّا الأوّل : فاعلم أ نّه لم نجد رواية في مورد الحجّ تعيّن موضع ذبح الكفّارة ، بل ورد في موثقة
إسحاق بن عمار جواز الذبح إذا رجع إلى أهله قال : «قلت له : الرجل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المدارك 8 : 405 .
ــ[528]ــ
يخرج من حجّه وعليه شيء يلزمه فيه دم يجزئه أن يذبح إذا رجع إلى أهله ؟ فقال : نعم» (1) .
وهذه الموثقة وإن كانت مطلقة من حيث كفّارة الصيد وغيرها ولكن كفّارة الصيد تخرج منها
للنصوص الخاصّة الّتي تقدمت .
نعم ، في خصوص التظليل ورد الذبح بمنى كما في صحيحتي ابن يزيع قال «سألت أبا الحسن (عليه
السلام) عن الظل للمحرم من أذى مطر أو شمس ، فقال : أرى أن يفديه بشاة ويذبحها بمنى» (2) .
وفي صحيحته الاُخرى ، «وسأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس وأنا أسمع ، فأمره أن
يفدي شاة ويذبحها بمنى» (3) .
ولا يعارضهما ما دلّ على أن علي بن جعفر نحر بدنة في مكّة لكفّارة الظل(4) لعدم حجية فعله .
فلو كنّا نحن وهاتان الصحيحتان لالتزمنا بوجوب الذبح بمنى للتظليل ، وإطلاقهما يشمل إحرام
العمرة وإحرام الحجّ ، لأن موضوع الحكم فيهما المحرم ، إلاّ أ نّه بالنسبة إلى خصوص الحجّ يعارضهما
ما دلّ على أن من وجب عليه الدم من أيّ سبب كان سواء كان من التظليل أو من غيره يذبحهه حيث
شاء ، كموثقة إسحاق بن عمار المتقدِّمة (5) والنسبة بينها وبين الصحيحتين عموم من وجه ، لأن
مقتضى موثقة إسحاق جواز الذبح في أيّ مكان شاء في إحرام الحجّ ، سواء كان سبب الدم التظليل أم
غيره ، ومقتضى الصحيحتين لزوم الذبح بمنى للتظليل سواء كان في إحرام العمرة أو إحرام الحجّ ،
فيقع التعارض في مورد الاجتماع وهو التظليل في إحرام الحجّ ، فان مقتضى إطلاق الموثقة جواز الذبح
في أيّ مكان شاء ، ومقتضى إطلاق الصحيحين
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 13 : 97 / أبواب كفارات الصيد ب 50 ح 1 .
(2) الوسائل 13 : 154 / أبواب بقية كفارات الاحرام ب 6 ح 3 .
(3) الوسائل 13 : 155 / أبواب بقية كفارات الاحرام ب 6 ح 6 .
(4) الوسائل 13 : 154 / أبواب بقية كفّارات الاحرام ب 6 ح 2 .
(5) في الصفحة السابقة .
ــ[529]ــ
لزوم الذبح بمنى ويتساقط الاطلاقان ، والمرجع أصالة البراءة من وجوب الذبح بمنى ، لدوران الأمر
بين التعيين والتخيير والأصل عدم التعيين ، هذا بالنسبة إلى حكم التظليل ، وأمّا بالنسبة إلى مطلق ما
يوجب الدم فالظاهر أيضاً جواز تأخير الذبح إلى أيّ مكان شاء ، ويدل عليه موثق إسحاق المتقدِّم
لقول السائل : «أيجزئه أن يذبح إذا رجع إلى أهله ؟ فأجاب (عليه السلام) بقوله : نعم» .
|