ــ[140]ــ
مسألة 344 : حكم الزيادة في السعي حكم الزيادة في الطّواف ، فيبطل السعي إذا كانت الزيادة
عن علم وعمد على ما تقدم في الطّواف ، نعم إذا كان جاهلاً بالحكم فالأظهر عدم بطلان السعي
بالزيادة وإن كانت الاعادة أحوط (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
(1) حال السعي حال الطّواف في البطلان بالزيادة بالمعنى المفسّر المتقدم(1) للزيادة في الطّواف .
ويدل على ذلك صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إن طاف الرجل بين
الصفا والمروة تسعة أشواط فليسع على واحد وليطرح ثمانية ، وإن طاف بين الصفا والمروة ثمانية
أشواط فليطرحها وليستأنف السعي»(2) فانه صريح في أنه إذا طاف ثمانية يلغي الجميع وإذا طاف
تسعة تلغى الثمانية ويحسب التاسع أول الأشواط .
ويدل عليه أيضاً صحيحة اُخرى عن معاوية بن عمار «من طاف بين الصفا والمروة خمسة عشر شوطاً
طرح ثمانية واعتد بسبعة»(3) فان طرح الثمانية السابقة يدل على بطلان السعي بالزيادة .
وفي صحيح عبدالله بن محمد عن أبي الحسن (عليه السلام) «قال: الطّواف المفروض إذا زدت عليه
مثل الصلاة، فاذا زدت عليها فعليك الاعادة وكذا السعي»(4) .
وقد تقدّم الكلام في عبدالله بن محمّد ، وأن صاحب المدارك أشكل في السند ، لاشتراك عبدالله بن
محمد بين الثقة وغيره ، ووافقه الحدائق في أصل الاشكال ، ولكن أجاب بجبر الرواية بعمل الأصحاب
، مضافاً إلى أنه يرى صحة جميع الروايات المذكورة في الكتب الأربعة(5) . ولكن قد عرفت أن المراد
بعبدالله بن محمد بحسب المرتبة والطبقة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 62 .
(2) الوسائل 13 : 489 / أبواب السعي ب 12 ح 1 .
(3) الوسائل 13 : 491 / أبواب السعي ب 13 ح 4 .
(4) الوسائل 13 : 490 / أبواب السعي ب 12 ح 2 .
(5) تقدّم كل ذلك في ص 64 .
ــ[141]ــ
مسألة 345: إذا زاد في سعيه خطأً صحّ سعيه، ولكن الزائد إذا كان شوطاً كاملاً يستحب له أن
يضيف إليه ستة أشواط ليكون سعياً كاملاً غير سعيه الأول فيكون انتهاؤه إلى الصفا ، ولا بأس بالاتمام
رجاء إذا كان الزائد أكثر من شوط واحد (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
هو عبدالله بن محمد الحجّال وهو ثقة ثقة .
وهل يختص الحكم بالبطلان بالعالم أو يعمّ الجاهل بالحكم أيضاً بعد تسالم الأصحاب على الصحة
بالزيادة السهوية ؟
ولا يخفى أن مقتضى إطلاق الروايات المتقدمة أن حاله حال الطّواف من دون فرق بين العالم والجاهل
، ولكن الظاهر اختصاص الحكم بالبطلان بصورة العلم ، فلو طاف أربعة عشر شوطاً بين الصفا
والمروة مثلاً جهلاً بتخيل أن الذهاب والاياب معاً شوط واحد صح سعيه .
ويدل عليه صحيح جميل ، قال «حججنا ونحن صرورة فسعينا بين الصفا والمروة أربعة عشر شوطاً ،
فسألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ذلك ، فقال : لا بأس سبعة لك وسبعة تطرح» (1) .
وكذا صحيح هشام بن سالم، قال: «سعيت بين الصفا والمروة أنا وعبيدالله بن راشد فقلت له :
تحفظ عليّ ، فجعل يعدّ ذاهباً وجائياً شوطاً واحداً فبلغ مثل (منِّي) ذلك فقلت له : كيف تعد ؟ قال :
ذاهباً وجائياً شوطاً واحداً ، فأتممنا أربعة عشر شوطاً فذكرنا لأبي عبدالله (عليه السلام) فقال: قد
زادوا على ما عليهم، ليس عليهم شيء»(2) وبهما نخرج عن الاطلاق المتقدم .
(1) ويدل على ذلك بعد تسالم الأصحاب على الصحة صحيحة عبدالرّحمن بن الحجاج عن أبي
إبراهيم (عليه السلام) «في رجل سعى بين الصفا والمروة ثمانية أشواط
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 13 : 492 / أبواب السعي ب 13 ح 5 .
(2) الوسائل 13 : 488 / أبواب السعي ب 11 ح 1 .
ــ[142]ــ
ما عليه ؟ فقال : إن كان خطأً أطرح واحداً واعتدّ بسبعة» (1) فانها بالمنطوق يدل على الصحة في
صورة الخطأ وبالمفهوم يدل على البطلان في صورة العلم وعدم الخطأ .
ثم إن جماعة صرّحوا باستحباب إضافة ستة أشواط في خصوص هذه الصورة وهي ما إذا سعى سهواً
ثمانية أشواط ليكون المجموع أربعة عشر شوطاً ، ويدل عليه صحيح محمد بن مسلم الذي رواه الشيخ
بطريقين صحيحين عن أحدهما (عليهما السلام) في حديث قال : «وكذلك إذا استيقن أنه طاف بين
الصفا والمروة ثمانية فليضف إليها ستة»(2) ورواها الصدوق أيضاً بإسناده إلى محمد بن مسلم(3)
ولكن قد عرفت غير مرّة أنّ طريقه إليه ضعيف ، وفي ما رواه الشيخ غنى وكفاية ، هذا .
ولكن صاحب الحدائق استشكل في هذه الصحيحة بوجهين :
الأوّل : أن السعي ليس مثل الطّواف والصلاة عبادة برأسها تقع مستحبة أو واجبة فما فائدة هذه
الاضافة بعد عدم ثبوت الاستحباب النفسي للسعي .
الثاني : أن اللاّزم من إضافة الستة وجعل المجموع سعيين كاملين ، كون الابتداء في الطّواف الثاني
من المروة والختم بالصفا ، وهذا خلاف المعهود والمتسالم والمصرّح به في الروايات من لزوم البدأة
بالصفا والختم بالمروة في السعي ، فالعمل بهذه الصحيحة مشكل (4) .
وأورد عليه صاحب الجواهر بأنّ ما ذكره اجتهاد في مقابل النص (5) .
ولقد أجاد (قدس سره) فانّ السعي وإن لم يكن مستحبّاً في نفسه في غير هذا المورد ، ولكنه ليس
بأمر منكر عقلي غير قابل للتخصيص ، فيمكن الحكم باستحبابه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 13 : 491 / أبواب السعي ب 13 ح 3 .
(2) الوسائل 13 : 491 / أبواب السعي ب 13 ح 2 . التهذيب 5 : 472 / 1661 ،
الاستبصار 2 : 240 / 835 .
(3) الفقيه 2 : 257 / 1247 .
(4) الحدائق 16 : 281 .
(5) الجواهر 19 : 433 .
ــ[143]ــ
مسألة 346 : إذا نقص من أشواط السعي عامداً عالماً بالحكم أو جاهلاً به ولم يمكنه تداركه إلى
زمان الوقوف بعرفات ، فسد حجّه ولزمته الاعادة من قابل ، والظاهر بطلان إحرامه أيضاً ، وإن كان
الأولى العدول إلى حج الإفراد وإتمامه بنية الأعم من الحج والعمرة المفردة . وأمّا إذا كان النقص نسياناً
، فان كان بعد الشوط الرابع وجب عليه تدارك الباقي حيثما تذكر ، ولو كان ذلك بعد الفراغ من
أعمال الحج . وتجب عليه الاستنابة لذلك إذا لم يتمكن بنفسه من التدارك أو تعسّر عليه ذلك ولو
لأجل أن تذكّره كان بعد رجوعه إلى بلده ، والأحوط حينئذ أن يأتي النائب بسعي كامل ينوي به فراغ
ذمة المنوب عنه بالاتمام أو التمام . وأمّا إذا كان نسيانه قبل تمام الشوط الرابع فالأحوط أن يأتي بسعي
كامل يقصد به الأعم من التمام والاتمام ، ومع التعسر يستنيب لذلك (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
في خصوص هذه الصورة ، فلا مانع من التقييد والتخصيص في مورد خاص حسب التعبّد الشرعي ،
وكذلك البدأة من المروة والختم بالصفا وإن لم يكن جائزاً في نفسه ولكن لا مانع من جواز ذلك في
خصوص هذا المورد .
وبالجملة : الرواية صحيحة السند وواضحة الدلالة ، عمل بها الأصحاب فلا مانع من الالتزام
بمضمونها . نعم ، مورد الصحيحة زيادة شوط واحد لا زيادة أزيد من شوط واحد ، وحيث إن الحكم
على خلاف القاعدة نقتصر على موردها ، فلو زاد شوطين أو أكثر لا يستحب له التكميل إلى أربعة
أشواط .
والعجب من صاحب الحدائق فانه لا يعوّل على الاستحسانات والاستبعادات بعد النص خصوصاً
إذا كان صحيحاً ، كيف استشكل في ذلك .
(1) إذا نقص من السعي عمداً ـ من دون فرق بين العالم والجاهل بالحكم ، كما إذا تخيل أنّ
الواجب مثلاً خمسة أشواط ولم يلتفت إليه إلى أن فات زمان التدارك ـ فلا محالة يفسد حجّه ، فانّه
داخل في من ترك السعي عمداً برأسه ، إذ لا دليل على
ــ[144]ــ
الاجتزاء بالناقص .
ولكن قد عرفت أنّ بطلان حجّه يستلزم بطلان إحرامه من الأوّل ، لارتفاع موضوع الحج ، فلا
يحتاج إلى محلل آخر للخروج من إحرامه وعليه الحج من قابل .
وإن كان الأحوط الأولى العدول إلى حج الإفراد وإتمامه بنية الأعم من حج الافراد والعمرة المفردة
.
وأمّا إذا نقص من أشواط السعي نسياناً وسهواً فلا يوجب البطلان جزماً ، فانّ نقصان بعض أجزاء
السعي سهواً لا يزيد على ترك أصل السعي نسياناً الذي قد عرفت أنه لا يوجب البطلان .
ولكن الفقهاء ذكروا فيه تفصيلاً وهو أنه ، لو ترك شوطاً أو أكثر بعد التجاوز من نصف السعي ،
أي بعد الشوط الرابع وجب عليه تدارك الباقي ، فيأتي بالناقص متى تذكر ولو كان بعد الوقوفين ،
لعدم اعتبار الموالاة في خصوص هذه الصورة فينضم اللاّحق إلى السابق ، ويسقط الترتيب أيضاً في
فرض النسيان ، لأنّ الترتيب بين التقصير والسعي أو بين أعمال الحج والسعي شرط ذُكري يسقط عند
النسيان . وإن لم يتمكّن من الاتيان بنفسه لمانع من الموانع كالرجوع إلى بلده يستنيب فيأتي النائب
بالناقص ، والأمر كما ذكروه .
أمّا أصل وجوب الاستنابة فلا ينبغي الريب فيه ، لأن السعي من أركان الحج وحاله حال الطّواف في
وجوب الاتيان بنفسه مباشرة أو بأن يسعى به شخص آخر أو يُسعي عنه .
إنما الاشكال في أمر آخر وهو إتيان النائب خصوص الناقص كشوطين أو ثلاثة أشواط وهذا غير
وارد في النص، لأن المذكور فيه أن النائب يسعى عنه، وظاهره إتيان النائب تمام الأشواط ، وأمّا
انضمام الناقص كالثلاثة إلى الأربعة فيحتاج إلى الدليل فمقتضى القاعدة أن الحاج إذا لم يتمكن من
السعي بتمامه فما أتى به كأربعة أشواط في حكم العدم فكأنه لم يسع ، ولا دليل على الاكتفاء بفعل
الغير في إتيان الناقص ، فلا بدّ
ــ[145]ــ
له أن يستنيب لتمام السعي ، ولكن حيث إن المشهور ذكروا الاستنابة للباقي فالأحوط أن يأتي النائب
بسعي كامل ينوي به فراغ ذمة المنوب عنه بالاتمام أو بالتمام .
وأمّا لو ترك أزيد من النصف وكان نسيانه قبل تمام الشوط الرابع فسعيه باطل فيجب عليه التدارك
والاستئناف بنفسه إن تمكن ، ومع التعسر يستنيب ، وأمّا تتميمه باتيان الباقي فلا نلتزم به في هذه
الصورة ، وإنما التزمنا بذلك في الفرض الأوّل للإجماع والتسالم من الأصحاب بخلاف هذه الصورة فانه
لا إجماع فيها ، خصوصاً إذا كان الفصل كثيراً ، ولكن مع ذلك الاحتياط يقتضي بالسعي الكامل
القاصد به الأعم من الاتمام والتمام .
فتحصل : أنه من نقص شوطاً أو أكثر بعد التجاوز من النصف صح سعيه ويرجع ويبني ويأتي
بالناقص ، والظاهر أنّ ذلك ممّا لا خلاف فيه .
ويدل عليه أيضاً : صحيح سعيد بن يسار الآتي(1) ومورده وإن كان إتيان ستة أشواط ونسيان
شوط واحد ، ولكن الظاهر أنه لا فرق بين إتيان الخمسة والستة .
وأمّا الأمر بالاعادة والاستئناف فيما إذا لم يحفظ أنه سعى ستة ، فهو حكم الشك في عدد الأشواط ،
فتأمل .
ولو نقص نسياناً قبل التجاوز من النصف ، أي قبل تمام الشوط الرابع ، كما إذا سعى شوطاً أو
شوطين ونسي ، فلا إجماع على الصحة في المقام ، ومقتضى القاعدة فساد السعي ، ولا يشمله صحيح
سعيد بن يسار ، لأن غايته التعدي إلى نسيان الشوطين والثلاثة بعد التجاوز من النصف لا قبل
النصف .
ثم لا يخفى أن الاحتياط الذي ذكرناه في الفرض الأول باتيان تمام السعي قاصداً به التمام والاتمام
مبني على اعتبار الموالاة في أشواط السعي وإلاّ فيأتي بالناقص حتى بعد فوات الموالاة بمقتضى الاجماع
المتقدم الدال على جواز البناء من حيث القطع وبمقتضى الصحيحة الواردة بعد التجاوز من النصف .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 147 .
ــ[146]ــ
ثم إن صاحب المستند ذكر رواية اُخرى كصحيحة معاوية بن عمار تدل على أنّ مَن سعى أقل من
سبعة أشواط يرجع ويسعى الباقي ، وذكر (قدس سره) أن إطلاقها يشمل ما إذا نقص أكثر من نصف
، فان عنوان الأقل من سبعة أشواط يشمل حتى ما إذا سعى شوطاً واحداً ونسي الباقي (1) .
ولكن العبارة التي نسبها إلى الرواية ليست من الرواية ، بل هي من كلام الشيخ جزماً ، قان الشيخ
روى رواية معاوية بن عمار أوّلاً ، ثم ذكر في ذيلها : فان سعى الرجل أقل من سبعة أشواط ثم رجع إلى
أهله فعليه أن يرجع فيسعى تمامه وليس عليه شيء ، وإن كان لم يعلم ما نقص فعليه أن يسعى سبعاً ،
وإن كان قد أتى أهله أو قصّر وقلّم أظفاره فعليه دم بقرة روي (2) . وذكر رواية سعيد بن يسار
دليلاً لما ذكره وقد اشتبه على صاحب المستند والوافي (3) والحدائق(4) فزعموا هذه العبارة من تتمة
صحيحة معاوية بن عمار، مع أنه من كلام الشيخ قطعاً ، ويدل عليه بوضوح قوله : «روي» بعد نقل
هذه العبارة ، فان من عادة الشيخ في التهذيب أنه يذكر حكماً من الأحكام ويستدل بالرواية ويقول :
روى فلان ، ولو كانت هذه العبارة من ذيل الصحيحة لا معنى لقوله: «روي» في هذا المورد، ولذا لم
تذكر هذه العبارة في الوسائل(5) ولا في منتقى الجمان(6) فكأنه تنبها لذلك ، راجع التهذيب تجد
صدق ما ذكرناه (7) .
وفي المقام نكتة يجب التنبّه إليها ولم أر من تعرّض إليها ، وهي أنه في صورة لزوم التدارك والاتمام
على الحاج بنفسه ، لا إشكال في لزوم الاتيان بالسعي في شهر ذي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المستند 12 : 180 .
(2) التهذيب 5 : 153 ذيل الحديث 503 .
(3) الوافي 13 : 948 باب ترك السعي والسهو فيه ح 17 .
(4) الحدائق 16 : 284 .
(5) الوسائل 13 : 489 / أبواب السعي ب 12 ح 1 .
(6) منتقى الجمان 3 : 279 .
(7) التهذيب 5 : 153 .
|