محلّ الذبح والنحر - الكلام في الذبح في المذبح الفعلي الموجود في زماننا 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4277


ــ[237]ــ

ويجب أن يكون الذّبح أو النّحر بمنى (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

وجوب الهدي على الحاج ، والمطلوب منه وقوع هذا الفعل الخارجي فلا يستفاد من الأدلّة وجوب

صدوره منه بنفسه مباشرة .

   (1) للقطع به عند الأصحاب ، وللسيرة القطعية المستمرة من زمن النبي (صلّى الله عليه وآله

وسلّم) إلى زماننا ، ويدل عليه ـ  مضافاً إلى ما ذكر  ـ الكتاب العزيز بضميمة ما ورد في تفسيره من

الروايات .

   أمّا الكتاب فقوله تعالى : (وَأتِمُّوا الحَجَّ والعُمْرَةَ للهِِ فَإن اُحْصِرْتُمْ فَما اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا

رُؤُوسْكُم حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّه)(1) فيظهر من الآية الكريمة أن الهدي له محل معيّن خاص لا يجوز ذبحه

في غيره ، وفي رواية معتبرة فسّر المحل بمنى عن زرعة قال : «سألته عن رجل اُحصر في الحج ، قال :

فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه ، ومحله أن يبلغ الهدي محله ، ومحله منى يوم النحر إذا كان في الحج»

(2) . فضم الرواية إلى الآية ينتج أن الكتاب العزيز يدل على لزوم الذبح بمنى .

   بل يمكن الاستدلال بنفس الآية الشريفة مع قطع النظر عن المعتبرة المفسرة لها ، لأن الآية صريحة في

أن الهدي له محل خاص ، معين وليس ذلك غير منى قطعاً فيتعيّن كونه منى .

   ويدل عليه أيضاً صحيح منصور بن حازم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في رجل يضل هديه

فوجده رجل آخر فينحره ، فقال : إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضل عنه ، وإن كان

نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه» (3) فانه دال على عدم الاجتزاء لو ذبح في غير منى في حال

الاضطرار وعدم الاختيار فكيف بحال التمكن والاختيار .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة 2 : 196 .

(2) الوسائل 13 : 182 / أبواب الاحصار والصد ب 2 ح 2 .

(3) الوسائل 14 : 137 / أبواب الذبح ب 28 ح 2 .

ــ[238]ــ

   ويؤيد ذلك بعدة من الروايات الضعيفة .

   منها : رواية إبراهيم الكرخي «في رجل قدم بهديه مكة في العشر ، فقال : إن كان هدياً واجباً فلا

ينحره إلاّ بمنى ، وإن كان ليس بواجب فينحره بمكة إن شاء»(1) وهي ضعيفة بـإبراهيم الكرخي .

   ومنها : رواية عبدالأعلى ، قال : «قال أبو عبدالله (عليه السلام) لا هدي إلاّ من الابل ، ولا ذبح

إلاّ بمنى»(2) وهي أيضاً ضعيفة بعبد الأعلى فانه مشترك بين الثقة والضعيف ، فان عبد الأعلى اسم

لعبد الأعلى بن أعين العجـلي الثقة بشهادة الشيخ المفيد وعلي بن إبراهيم القمي ، وكذلك اسم

لعبد الأعلى بن أعين مولى آل سام الذي لم تثبت وثاقته ، بل الظاهر أن الراوي في هذه الرواية هو عبد

الأعلى غير الثقة بقرينة رواية أبان عنه في هذه الرواية وغيرها من الروايات. واحتمل بعضهم اتحاد عبد

الأعلى مولى آل سام مع عبد الأعلى بن أعين العجلي الثقة (3) ويدل على الاتحاد ما في رواية الكليني

والشيخ من التصريح بأن عبد الأعلى بن أعين هو عبد الأعلى مولى آل سالم(4) .

   والجواب: أن غاية ما يثبت بذلك أن والد كل منهما مسمّى بأعين، ومجرّد ذلك لايكشف عن

الاتحاد، ويكشف عن التعدّد أن الشيخ عدّ كُلاًّ منهما مستقلاًّ من أصحاب الصادق (عليه السلام)(5)

.

   ومنها: رواية مسمع عن أبي عبدالله (عليه السلام) «منى كله منحر، وأفضل المنحر كله

المسجد»(6) والدلالة واضحة ، فان المستفاد منها المفروغية عن كون منى مذبحاً وأنه لا يختص المذبح

بمكان خاص من منى ، ولكن السند ضعيف بالحسن اللؤلؤي ، فانه الحسن بن الحسين ، فانه وإن كان

ممن وثقة النجاشي(7) ولكن يعارض توثيقه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 14 : 88 / أبواب الذبح  ب 4 ح 1 ، 6 .

(3) راجع معجم الرجال 10 : 276 .

(4) الكافي 5 : 334 / باب فضل الابكار ح 1 ، التهذيب 7 : 400 / 1598 .

(5) رجال الطوسي : 142 / 235 ، 237 .

(6) الوسائل 14 : 90 / أبواب الذبح ب 4 ح 7 .

(7) رجال النجاشي 40 / 83 .

ــ[239]ــ

وإن لم يمكن ذلك كما قيل إنه كذلك في زماننا لأجل تغيير المذبح وجعله في وادي محسّر ، فان تمكن

المكلف من التأخير والذبح أو النحر في منى ولو كان ذلك إلى آخر ذي الحجة حلق أو قصّر وأحل

بذلك وأخّر ذبحه أو نحره وما يترتب عليهما من الطّواف والصلاة والسعي ، وإلاّ جاز له الذبح في

المذبح الفعلي ويجزئه ذلك (1) .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

بتضعيف ابن الوليد له ، وتبعه تلميذه الشيخ الصدوق وأبو العباس بن نوح ، فان ابن الوليد استثنى

من روايات محمد بن أحمد بن يحيى ما كان ينفرد به الحسن بن الحسين اللؤلؤي (1) .

   ومنها : النبوي «منى كلها منحر» (2) .

   (1) بعد ما عرفت من لزوم إيقاع الذبح في منى ، يقع الكلام فيما إذا لم يتمكن المكلف من ذلك

لمانع خارجي كما في زماننا ، لأجل تغيير المذبح وجعله في وادي محسر كما قيل ، فهل يؤخر الذبح عن

يوم العيد إلى زمان يتمكن من الذبح في يوم العيد في غير منى ؟

   ولا يخفى أن فقهاءنا الأبرار لم يتعرضوا لصورة العجز عن الذبح في منى ، لعدم الابتلاء بذلك في

الأزمنة السابقة وإنما حدث ذلك في زماننا فالمسألة من المسائل المستحدثة .

   والذي ينبغي أن يقال : إن من لم يتمكن من الذبح في منى يوم العيد قد يستمر عدم تمكنه من الذبح

في منى إلى آخر ذي الحجة ، وقد لا يستمر بل يتمكن من الذبح في منى أيام التشريق أو في سائر أيام

شهر ذي الحجة .

   أمّا الأوّل : فمقتضى القاعدة هو الذبح في يوم العيد في غير منى ، أي في المذبح

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع رجال الطوسي 424 / 45 ، رجال النجاشي 348 / 939 .

(2) المستدرك 9 : 282 / أبواب كفارات الصيد ب 35 ح 34 .

ــ[240]ــ

الفعلي الذي عينته السلطة هناك ، ويسقط اشتراط وقوع الذبح بمنى ، والوجه في ذلك : أن الكتاب

(1) والسنة كصحيحة زرارة «في المتمتع قال : وعليه الهدي» (2) متفقان على وجوب أصل الهدي ،

وكذلك قوله تعالى : (وَالبُدْنَ جَعَلْنَاها لَكُم مِن شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ

، فَإذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأطْعِمُوا القَانِعَ والمُعْتَرّ) (3) يدل على وجوب الهدي حيث جعل الله

تعالى البدن من شعائر الله وأعلام دينه .

   فمقتضى هذه الاطلاقات وجوب أصل الذبح ، وإنما قيدناه بلزوم وقوعه في منى ، لصحيح منصور

بن حازم (4) ولما ورد في تفسير الآية المباركة ، ولكنهما لا يدلان على التقييد المطلق ، بل غاية ما

يدلان عليه إنما هو التقييد في الجملة ، فان الرواية المتقدمة المفسرة للآية الشريفة لم تكن في مقام بيان

وجوب الذبح على إطلاقه حتى في مورد العذر ، وإنما هي في مقام بيان أن المحصور إذا بعث بهديه يجوز

له الحلق إذا بلغ الهدي محله ، وكذلك صحيح منصور بن حازم فان السؤال والجواب فيه غير ناظرين

إلى الشرطية المطلقة ، وإنما هما ناظران إلى مَن ضلّ هديه ونحره مَن وجده ، فأجاب (عليه السلام) أنه

إذا نحره من وجده بمنى أجزأ عن صاحبه ، وإن نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه ، فغاية ما يستفاد من

ذلك الاشتراط في الجملة .

   وكذلك الاجماع المدعى على وجوب ذبحه بمنى لا يشمل مورد العجز عن ذبحه بمنى . فالمرجع حينئذ

هو إطلاقات أدلّة وجوب الذبح ، فان دليل القيد إذا لم يكن له إطلاق فيؤخذ باطلاق دليل أصل

الواجب ، ومقتضاه الذبح في أيّ مكان شاء .

   فعلى ما ذكرنا لا موجب للانتقال إلى الصوم بدل الهدي ، فان الصوم الذي هو بدل عن الهدي إنما

يجب على من لم يتمكن من الهدي لفقده ، وأمّا من يتمكن من الهدي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة 2 : 196 .

(2) الوسائل 14 : 101 / أبواب الذبح ب 10 ح 5 .

(3) الحج 22 : 36 .

(4) المتقدم في ص 237 .

 
 

ــ[241]ــ

ويجد ثمنه ولكن لا يتمكن من الذبح بمنى فلا يشمله هذا الحكم .

   وبالجملة : فمقتضى القاعدة المستفادة من الأدلة وجوب الذبح في يوم العيد في غير منى كالمذبح

الفعلي المتعين ويجزئه ذلك .

   وأمّا الثاني : وهو ما لو تمكن من الذبح بمنى في غير يوم العيد ، فيتعيّن عليه تأخير الذبح إلى آخر

أيام التشريق [ أو ] إلى آخر ذي الحجّة .

   والوجه في ذلك : أن لزوم الذبح في يوم العيد كما سيأتي مبني على الاحتياط ، فان المسألة كما

ستعرف قريباً إن شاء الله تعالى خلافية ، فان عمدة دليل لزوم إيقاع الذبح في يوم العيد إنما هو الأمر

بالحلق بعد الذبح كما في رواية عمر ين يزيد «إذا ذبحت اُضحيتك فاحلق رأسك»(1) والمفروض أن

الحلق لا بدّ من إيقاعه يوم العيد ـ  على كلام سيأتي إن شاء الله تعالى  ـ فلازم ذلك وقوع الذبح في

يوم العيد ، ولكن ذلك لا يقتضي سقوط الذبح بمنى ، لأن الحلق إنما يترتب على الذبح الصحيح وهو

الذبح بمنى .

   وبعبارة اُخرى: الترتيب المعتبر بين الذبح والحلق إنما هو بين الذبح المأمور به والحلق فما دلّ على

الترتيب لا يدل على أنه متى يجب الحلق أو الهدي ومتى لا يجب ، فمقتضى اشتراط وقوعه في منى جواز

التأخير عن يوم العيد حتى يذبح في منى في أيام التشريق أو في بقية أيام ذي الحجة ، وقد ورد جواز

التأخير لمن لم يجد الهدي لفقده وتمكّن من ثمنه ، أن يودع ثمنه عند ثقة ليشـتري به هدياً ويذبحه عنه

إلى آخر ذي الحجّة (2) .

   والحاصل : شرطية وقوع الحلق بعد الذبح إنما هي بعد الذبح الصحيح ، وإن لم يتمكّن من ذلك

فيجوز له الحلق بالفعل ويحلّ بذلك ، ويؤخر ذبحه وما يترتب عليه من الطّواف وصلاته والسعي إلى ما

بعد الذبح .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 211 / أبواب الحلق / ب 1 ح 1 .

(2) الوسائل 14 : 176 / أبواب الذبح ب 44 ح 1 ، 2 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net