ــ[243]ــ
مسألة 383 : لا يجزئ هدي واحد إلاّ عن شخص واحد (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
مقتضى قاعدة الترتيب إعادة الطّواف، ولكن مقتضى صحيح جميل ومحمد بن حمران المؤيدين بخبر
البزنطي(1) عدم الاعادة وأن الترتيب شرط ذكري. وأمّا إذا قدّم الطّواف عالماً عامداً ولو عن عذر
يحكم بفساد الطّواف ، لفقدان الترتيب ، ولعدم شمول صحيح جميل وصحيح ابن حمران للمقام .
(1) لا ريب في أن مقتضى الآية الكريمة (فَمَن تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ فَما اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ فَمَن لَمْ
يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثةِ أيَّام فِي الحَجِّ وَسَبْعَة إذَا رَجَعْتُم)(2) والروايات المعتبرة كصحيحة زرارة «في المتمتع ،
قال : وعليه الهدي ، قلت : وما الهدي ؟ فقال : أفضله بدنة» الحديث(3) وصحيحة محمد بن مسلم
«لا تجوز البدنة والبقرة إلاّ عن واحد بمنى»(4) هو إجزاء هدي واحد عن شخص واحد ، فلا يجزئ
هدي واحد عن شخصين أو أكثر ، فان الهدي اسم للحيوان بتمامه ، فاذا وجب الهدي على شخص
لازمه إجزاء هدي واحد بتمامه عن شخص واحد ، بل صحيح محمد بن مسلم صريح في ذلك ،
فاشتراك شخصين في هدي واحد والاجتزاء به يحتاج إلى دليل .
وقد يقال بجواز اشتراك خمسة أو سبعة أو خوان واحد بهدي واحد اعتماداً على عدّة من الروايات،
وعمدتها ثلاث روايات :
أحدها : معتبرة حمران قال : «عزت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة مائة دينار فسئل أبو جعفر (
عليه السلام) عن ذلك ، فقال : اشتركوا فيها ، قال قلت : كم ؟ قال : ما خف فهو أفضل ، قال
فقلت : عن كم يجزئ ؟ فقال : عن سبعين» (5) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 14 : 155 / أبواب الذبح ب 39 ح 4 ، 6 ، وص 215 / أبواب الحلق ب 2 ح
2 .
(2) البقرة 2 : 196 .
(3) الوسائل 14 : 101 / أبواب الذبح ب 10 ح 5 .
(4) الوسائل 14 : 117 / أبواب الذبح ب 18 ح 1 .
(5) الوسائل 14 : 119 / أبواب الذبح ب 18 ح 11 .
ــ[244]ــ
والجواب : أنه لم يذكر فيها الهدي الواجب ، لأن الهدي غير واجب على جميع أصناف الحجاج،
وإنما يجب على المتمتع خاصة، وأمّا المفرد بالحج فلايجب عليه الهدي فيحمل الهدي على المندوب في حج
الافراد ، فان المفرد بالحج يستحب له الهدي ولعل أكثر الحجاج سابقاً كان حجهم حج إفراد .
ويؤكد ذلك ما في صحيح محمد الحلبي الذي فصّل بين الهدي الواجب والمندوب «عن النفر تجزئهم
البقرة ، فقال : أمّا في الهدي فلا ، وأمّا في الأضحى فنعم»(1) فانه صريح في عدم الاجتزاء في الهدي
والاجتزاء في الأضحى المراد به الاُضحية المستحبة.
ثانيها : صحيحة الحجاج «عن قوم غلت عليهم الأضاحي وهم متمتعون وهم مترافقون ، وليسوا
بأهل بيت واحد وقد اجتمعوا في مسيرهم ومضربهم واحد ، أ لهم أن يذبحوا بقرة ؟ قال: لا اُحب
ذلك إلاّ من ضرورة» (2) بناء على حمل قوله «لا اُحب» على المرجوحية مع الجواز .
وفيه : أن قوله «لا اُحب» لا يدل على الجواز وإنما يدل على الكراهة والمبغوضية وهي أعم من
الكراهة المصطلحة والحرمة ، بل كثيراً ما يستعمل هذه الكلمة في الحرمة في اللغة العربية وغيرها ،
فالرواية على خلاف المطلوب لعله أدل . ولو تنزلنا فغاية الأمر عدم دلالته على الحرمة .
ثالثها : صحيحة معاوية بن عمار «تجزئ البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان واحد» (3)
وربما يتخيل أنها مقيدة لعدم جواز الاشتراك ، والنتيجة بمقتضى قانون الاطلاق والتقييد هي إجزاء
هدي واحد عن خمسة إذا كانوا أهل خوان واحد (4) .
وفيه : أن هذه الرواية رواها أبو الحسين النخعي عن معاوية بن عمار ، وللنخعي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 14 : 119 / أبواب الذبح ب 18 ح 3 .
(2) الوسائل 14 : 119 / أبواب الذبح ب 18 ح 10 .
(3) الوسائل 14 : 118 / أبواب الذبح ب 18 ح 5 .
(4) الخوان ما يوضع عليه الطعام . مجمع البحرين 6 : 245 .
ــ[245]ــ
رواية اُخرى عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي تدل على عدم جواز الاشتراك في الهدي في منى
وجوازه في الهدي في الأمصار «قال (عليه السلام) تجزئ البقرة أو البدنة في الأمصار عن سبعة ، ولا
تجزئ بمنى إلاّ عن واحد» (1) فبقرينة عدم جواز الاشتراك في منى وجوازه في الأمصار تكون الرواية
موردها الاُضحية لا الهدي الواجب ، ففي الحقيقة تكون هذه الرواية مقيدة للاُضحية ، وأن الاُضحية
المستحبة لو ذبحت في منى فلا يجزئ الواحد عن شخصين ، وأمّا في سائر الأمصار فيجزئ عن أكثر من
واحد فيظهر أن لمنى خصوصية ، وهي عدم إجزاء الهدي الواحد إلاّ عن واحد ، فتكون هذه قرينة
للرواية الثانية في أن التخصيص بالنسبة إلى الاُضحية لا الهدي ، فالنتيجة أن الاُضحية في منى لا تجزئ
إلاّ عن واحد إلاّ إذا كانوا أهل خوان واحد .
ولو أغمضنا عن روايته الثانية الدالة على عدم جواز الاشتراك ، وكنّا نحن والرواية الدالّة على
جواز الاشتراك عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان واحد ، لكانت دلالته على الاجتزاء حتى في الهدي
الواجب بالاطلاق ، فتقع المعارضة بينها وبين صحيح الحلبي المتقدم الدال على عدم إجزاء الاشتراك في
الهدي ، فان مقتضى إطلاق صحيح الحلبي عدم الفرق بين من وجب عليه الهدي ، كانوا من خوان
واحد أم لا ، والنسبة عموم من وجه ، لأن صحيح الحلبي مطلق من حيث خوان واحد وعدمه ،
وصحيح معاوية مطلق من حيث الهدي وعدمه ، فيقع المعارضة في الهدي بالنسبة إلى جماعة إذا كانوا من
خوان واحد ، فان صحيح الحلبي باطلاقه يدل على عدم إجزاء الاشتراك وصحيح معاوية يدل باطلاقه
على الاجزاء ويتساقطان فيرجع إلى إطلاق الأدلّة العامّة الدالّة على لزوم الهدي على كل أحد ،
ومقتضاه إجزاء هدي واحد بتمامه عن شخص واحد .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 14 : 118 / أبواب الذبح ب 18 ح 4 .
ــ[246]ــ
مسألة 384 : يجب أن يكون الهدي من الابل أو البقر أو الغنم . ولا يجزئ من الابل إلاّ ما أكمل
السنة الخامسة ودخل في السادسة ، ولا من البقر والمعز إلاّ ما أكمل الثانية ودخل في الثالثة على
الأحوط (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
(1) لا ريب في أن المعتبر في الهدي أن يكون من الأنعام الثلاثة : الابل والبقر والغنم ، ولا يجزي
غيرها من الحيوانات كالغزال والطير ونحوهما .
ويدل على ذلك مضافاً إلى التسالم والضرورة قوله تعالى : (وَأذِّن في النّاسِ بِالحَجِّ يَأتُوكَ رِجَالاً ...
إلى أن قال : وَيَذْكرُونَ اسمَ اللهِ في أيّام مَعْلُومَات عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الأَ نْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأطْعِمُوا
البائِسَ الفَقِير)(1) لاجماع المفسرين والفقهاء واللغويين(2) على أن المراد ببهيمة الأنعام الحيوانات
الثلاثة : الابل والبقر والغنم .
وكذلك تدل عليه النصوص الكثيرة: منها صحيحة زرارة المتقدمة غير مرّة «في المتمتع قال: وعليه
الهدي ، قلت : وما الهدي ؟ فقال : أفضله بدنة ، وأوسطه بقرة وآخره شاة»(3) هذا من حيث
الجنس .
وأمّا أسنانه فلا يجزئ من الابل إلاّ ما أكمل السنة الخامسة ودخل في السادسة ومن البقر ما أكمل
سنة ودخل في الثانية ، وكذلك المعز كما في صحيح عيص بن القاسم عن أبي عبدالله (عليه السلام)
عن علي (عليه السلام) أنه كان يقول «الثنية من الابل والثنية من البقر ، والثنية من المعز»(4) وفسر
الثني في الابل بما أكمل السنة الخامسة ودخل في السادسة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحج 22 : 27 ، 28 .
(2) البهيمة وهي كل ذات أربع من دواب البر والبحر وكل ما كان من الحيوان لا يميز فهو بهيمة.
مجمع البحرين 6 : 19 .
فبهيمة الأنعام من قبيل إضافة الجنس إلى ما هو أخص منه .
(3) الوسائل 14 : 101 / أبواب الذبح ب 10 ح 5 .
(4) الوسائل 14 : 103 / أبواب الذبح ب 11 ح 1 .
ــ[247]ــ
والظاهر أنه لا خلاف ولا كلام في ذلك ، إنما وقع الكلام في المراد من ثني المعز فالمشهور ما له سنة
ودخل في الثانية ، وذهب جماعة إلى أن ثنى المعز ما دخل في الثالثة .
أقول : لا شك أن التحديد بما ذكر في الروايات إنما هو بالنسبة إلى أقل ما يجزي وإلاّ فلا إشكال في
إجزاء الأزيد ، فليس ما ذكر في النصوص حداً للأكثر ، فعليه لو دار الأمر بين كون الواجب ما دخل
في الثانية أو في الثالثة فيدخل المورد من صغريات مسألة الشك في الأقل والأكثر ، إذ نعلم بوجوب
ذبح الجامع بين الأقل والأكثر ونشك في خصوص اعتبار الأكثر ، فالمرجع البراءة العقلية والشرعية
ونرفع القيد والكلفة الزائدة بالأكثر بالبراءة ونحكم باجزاء الأقل ، وهو ما دخل في الثانية وإن لم
تكمل السنتان ، نعم لا ريب أن ما دخل في الثالثة أحوط كما ذكرنا في المتن .
وأمّا البقر فالحكم فيه ما في المعز بعينه من حيث القاعدة ، من الرجوع إلى أصالة البراءة عن الأزيد ،
فنقتصر في البقر بما أكمل سنة ودخل في الثانية . وأمّا بالنسبة إلى النصوص الواردة فيه ففي صحيح
الحلبي قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الابل والبقر أيهما أفضل أن يضحى بها ؟ قال :
ذوات الأرحام ، وسألته عن أسنانها فقال : أمّا البقر فلا يضرك بأيّ أسنانها ضحيت» (1) فربما يتوهم
معارضته لصحيح العيص المتقدم الدال على اعتبار الثني ، ولكن التأمل يقضي بعدم التعارض ، لأن ثني
البقر الذي فسر بما دخل في الثانية أوّل ما يصدق عليه اسم البقر ، ولو كان سنّه أقل من ذلك لا
يصدق عليه اسم البقر وإنما هو عجل ، فيتفق مورد العيص ومورد صحيح الحلبي ولا تعارض بينهما .
وبعبارة اُخرى : صحيح الحلبي يؤكد أن المعتبر ما صدق عليه اسم البقر ، والبقر لا يصدق على ما
كان سنّه أقل من سنة ، وإنما يصدق على ما أكمل سنة ودخل في الثانية ، فيتفق صحيح الحلبي مع
صحيح العيص ، ولا أقل من الشك في صدق اسم البقرة على الأقل من ذلك ، فلا بدّ من اعتبار
إكمال سنة واحدة والدخول في الثانية
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 14 : 104 / أبواب الذبح ب 11 ح 5 .
ــ[248]ــ
تحفّظاً على صدق العنوان وهو البقرة .
وممّا ذكرنا يظهر الحال بالنسبة إلى معتبرة محمد بن حمران عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «
أسنان البقرة تبيعها ومسنها في الذبح سواء» (1) فانه فسرت التبيعة بأقل من السنة ، فيكون معارضاً
لصحيح العيص المتقدم الدال على اعتبار الثني وهو ما دخل في الثانية ، ولكن الظاهر أنه لا تعارض
بينهما ، لأن التبيعة ذكرت في باب الزكاة وتسالموا هناك بأن المراد من التبيعة ما أكمل سنة واحدة
ودخل في الثانية ، ومن المستبعد جداً أن يراد بالتبيعة هنا غير ما يراد في باب الزكاة ، بل الظاهر وحدة
المراد بها في الموردين فيتحد التبيعة مع الثنية .
نعم ، لو اُريد من الثنية ما دخل في الثالثة يتحقق التعارض بين صحيح العيص وصحيح محمد بن
حمران ، ولكن قد عرفت أن الصحيح في تفسير الثنية ما دخل في الثانية ، فما ذكره المشهور من اعتبار
الدخول في الثانية في البقر هو الصحيح .
ثم إن الشيخ أحمد الجزائري صاحب كتاب آيات الأحكام ذكر رواية محمد بن حمران عن الكافي «
أسنان البقر ثنيها ومسنها سواء» (2) وعلى نسخته فلا تعارض في البين برأسه ، إلاّ أن الموجود في
نسخ الكافي(3) التي بأيدينا وكذلك المنتقى(4) والوافي(5) والوسائل (6) وغيرها ممن نقل عن الكافي
«تبيعها» لا «ثنيها» (7) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 14 : 105 / أبواب الذبح ب 11 ح 7 .
(2) قلائد الدرر 2 : 40 .
(3) الكافي 4 : 489 / 3 .
(4) منتقى الجمان 3 : 398 .
(5) الوافي 13 : 1114 / 10 .
(6) المصدر المتقدم آنفاً .
(7) والظاهر أن الجزائري (عليه الرحمة) ذكر في الرواية «تبيعها» كما في الوسائل لا «ثنيها» ويشهد
لذلك قوله (قدس سره) بعد الرواية بلا فصل : والتبيع ما دخل في الثانية ، فان كان المذكور في الرواية
«ثنيها» لا مناسبة لتفسير التبيع في هذا المقام بلا فصل ، فيعلم أن الغلط والاشتباه من الناسخ لا من
المؤلف .
|