تعيّن الحلق على الملبّد والمعقوص - وظيفة الصرورة 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5690


   وأمّا القسم الأوّل : وهو الملبد والمعقوص شعره فالمشهور أنه مخير بينهما أيضاً واختاره المحقق في

الشرائع (3) .

   ولكن لا مقتضي للقول بالجواز والتخيير بعد تظافر النصوص ، فان الآية الكريمة وإن كانت مطلقة

ولكن لابد من رفع اليد عن إطلاقها للنصوص الدالة على لزوم الحلق وتعيينه عليه كالصحيحة المتقدمة

، ولا معارض لهذه الروايات ، فلا مناص إلاّ من التقييد والأخذ بما في الروايات ، بل لم يرد التخيير له

في رواية واحدة ، فلو قصّر قبل الحلق عليه كفارة إزالة الشعر .

   وأمّا القسم الثاني : وهو الصرورة ففيه خلاف ، فالمشهور ذهبوا أيضاً إلى التخيير له ، ولكن يتأكد

الاستحباب في حقه . وقال الشيخ في المبسوط (4) وابن حمزة في الوسيلة (5) أنه يتعين عليه الحلق

كالملبّد والمعقوص .

   ولا ريب أن اطلاق الآية الشريفة يقتضي التخيير ، والقول بلزوم الحلق يحتاج إلى دليل آخر ،

فكلامنا يقع في مقامين .

   الأوّل : في أن الروايات في نفسها هل تدل على وجوب الحلق أم لا .

   الثاني : بعد الفراغ عن دلالة الروايات على الوجوب هل يتعين العمل بها أو تحمل على الاستحباب

لقرينة اُخرى ، وبعبارة اُخرى : يقع الكلام تارة في وجود المقتضي

ــــــــــــــ
(3) الشرائع 1 : 302 .

(4) المبسوط 1 : 376 .

(5) الوسيلة : 186 .

ــ[327]ــ

للوجوب ، واُخرى في وجود المانع .

   أمّا المقام الأوّل : فقد استدل على الوجوب بصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (1) «قال : ينبغي

للصرورة أن يحلق ، وإن كان قد حج فان شاء قصّر وإن شاء حلق» فان كلمة «ينبغي» في نفسها لا

تدل على الوجوب ولكن مقابلتها لقوله : «وإن كان قد حج فان شاء قصّر وإن شاء حلق» تقتضي

الوجوب ، وإلاّ فلا معنى للمقابلة والتفصيل فيظهر من الجملة الثانية أن التخيير غير ثابت للصرورة

وإلاّ فلا معنى للتقابل ، وأمّا حمل وينبغي على الاستحباب فبعيد ، لأن غير الصرورة أيضاً يستحب له

الحلق .

   وهذا الوجه في نفسه جميل إلاّ أن ذيل الصحيحة يوجب رفع اليد عن ظهور كلمة «ينبغي» في

الوجوب ، لقوله في ذيل الصحيحة «فاذا لبد شعره أو عقصه فان عليه الحلق» فيعلم من ذلك أن غيره

لا يجب عليه الحلق ولا يتعين عليه ، وإنما الذي يتعيّن عليه الحلق هو الملبّد خاصة ، وإلاّ لو كان الحلق

متعيناً على الصرورة أيضاً فلا معنى لهذا التقسيم والتفصيل المذكور في الرواية ، فيحمل «ينبغي» الوارد

في الصرورة على شدة الاستحباب وتأكده .

   فالمتحصل من الرواية : أن الصرورة يتأكد له استحباب الحلق وأمّا غيره فلا تأكد فيه وإن كان

الحلق أفضل ، وأمّا الملبد فيتعيّن عليه الحلق .

   ويؤكد ما ذكرنا صحيحة اُخرى لمعاوية بن عمار(2) حيث دلّت على أن الملبّد يتعيّن عليه الحلق ،

وأمّا غيره فمخيّر بين التقصير والحلق ، وإطلاقه يشمل الصرورة .

 ومن جملة الروايات التي استدل بها على وجوب الحلق ما روي عن سويد القلا عن أبي سعيد عن أبي

عبدالله (عليه السلام) قال : «يجب الحلق على ثلاثة نفر : رجل لبّد ، ورجل حج بدواً لم يحج قبلها ،

ورجل عقص رأسه» (3) . ولكن السند مخدوش

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 325 .

(2) تقدمت في ص 326 .

(3) الوسائل 14 : 222 / أبواب الحلق ب 7 ح 3 .

ــ[328]ــ

بأبي سعد كما في التهذيب(1) فانه مجهول، وبأبي سعيد كما في الوسائل والوافي(2) لتردّده
بين الثقة وغيره ، لأنه مشترك بين أبي سعيد القماط الثقة وأبي سعيد المكاري ولا قرينة في البين أنه الثقة

، ولا يوجد رواية لسويد القلا عن أبي سعد في الكتب الأربعة إلاّ في هذا الموضع .

   ومنها : موثقة عمار الساباطي «عن رجل برأسه قروح لا يقدر على الحلق ، قال : إن كان قد حج

قبلها فليجز شعره ، وإن كان لم يحج فلا بدّ له من الحلق» الحديث (3) .

   والجواب : أن مضمونها مما لا يمكن الالتزام به ولم يفت أحد بذلك ، لأن مفروض السؤال أن الحلق

مما لا يقدر عليه ولا يتمكّن منه ولا أقل أن تكون فيه مشقة شديدة لفرض وجود القروح في رأسه ،

فكيف يجب عليه الحلق ، ولو قلنا بوجوب الحلق فانما نقول به في فرض الامكان وعدم الحرج لا في

صورة المشقة والحرج الشديد . على أن الحلق في مفروض السؤال مستلزم لخروج الدم فكيف يأمره

بالحلق المستلزم للادماء .

   ومنها : خبر بكر بن خالد «ليس للصرورة أن يقصّر وعليه أن يحلق» (4) ولكنه ضعيف السند

ببكر بن خالد فانه مجهول الحال .

   ومنها : خبر أبي بصير «على الصرورة أن يحلق رأسه ولا يقصّر ، إنما التقصير لمن قد حج حجّة

الاسلام» (5) وهو ضعيف أيضاً بعلي البطائني الواقع في السند . مضافاً إلى أن الدلالة مخدوشة ، لأن

الحلق لو قيل بوجوبه فانما يجب على الصرورة ، أي في أوّل حج أتى به سواء كان حج الاسلام أم لا ،

ولا يجب في الحج الثاني وإن كان حج الاسلام ، فكون الحج حج الاسلام غير دخيل في الحلق والتقصير

.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 5 : 485 / 1729 .

(2) الوافي 1 : 1203 / 14089 .

(3) الوسائل 14 : 222 / أبواب الحلق ب 7 ح 4 .

(4) الوسائل 14 : 224 / أبواب الحلق  ب 7 ح 10 .

(5) الوسائل 14 : 223 / أبواب الحلق ب 7 ح 5 .

ــ[329]ــ

   ومنها : رواية سليمان بن مهران «كيف صار الحلق على الصرورة واجباً دون من قد حج ؟ قال :

ليصير بذلك موسماً بسمة الآمنين ، ألا تسمع قول الله عزّ وجلّ (لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامِ إن شَاءَ اللهُ

آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِين)»(1) فان المفروض عندهم كان وجوب الحج وإنما يسأل عن العلة

لذلك . وفيه : ضعف السند بعدة من المجاهيل الواقعين في السند .

   فالمقتضي لوجوب الحلق قاصر ، لما عرفت من أن النصوص بين ما هي ضعيفة السند وضعيفة الدلالة

. مضافإ إلى أن التعليل بذكر المحلقين في الآية مما لا نفهمه ، فان التقصير مذكور في الآية أيضاً .

   وعلى تقـدير التنزل وتسليم تمامية المقتضي(2) والالتزام بعدم قصـور الأدلّة عن الوجوب فالمانع

والقرينة الخارجية موجودة على عدم الوجوب ، فلا بدّ من رفع اليد عن الأدلّة المقتضـية ، والمانع هو

قوله تعالى (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامِ إن شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ

رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِين ...)(3) فان الله تعالى وعد المسلمين بأنهم يدخلون المسجد الحرام حال كونهم

محلِّقين ومقصِّرين أي تدخلون المسجد الحرام وأنتم بين محلِّق ومقصِّر ، وهذا لا ينطبق إلاّ على دخولهم

المسجد الحرام بعد الفراغ من أعمال ومناسك منى ، وأمّا في دخولهم الأوّل إلى المسجد الحرام لأداء

عمرة التمتّع أو العمرة المفردة أو لحج القران والافراد فلم يكونوا محلِّقين ولا مقصِّرين حين الدخول،

والظاهر من الآية الكريمة أنهم يدخلون حال كونهم محلِّقين ومقصِّرين، فقوله تعالى محلِّقين مقصِّرين حال

للدخول ، وهذا ينطبق على إتيان أعمال الحج ومناسك منى ، فالآية الشريفة واردة مورد الحج .

   إذا عرفت ذلك فلا ريب في أن حج المسلمين الذين حجّوا مع النبي (صلّى الله عليه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 225 / أبواب الحلق ب 7 ح 14 .

(2) من هنا شرع في المقام الثاني .

(3) الفتح 48 : 27 .

ــ[330]ــ

   مسألة 405 : من أراد الحلق وعلم أن الحلاق يجرح رأسه فعليه أن يقصّر أوّلاً ثم يحلق (1) .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

وآله وسلّم) في تلك السنة كان حج صرورة إذ لم يحجّوا قبل ذلك ، ومع ذلك خيّرهم الله تعالى بين

الحلق والتقصير ، أي تدخلون المسجد الحرام بعد أعمال الحج ومناسك منى قد حلق بعضكم رأسه

وقصّر بعضكم(1)

   (1) لو علم بخروج الدم عند الحلق لا يجوز له اختيار الحلق ، بل لا بدّ له أن يختار الشق الآخر

للواجب التخييري وهو التقصير ، لأن إخراج الدم محرّم فلا يجوز له الامتثال بالفرد المستلزم للحرام ،

بل عليه أن يختار الفرد الذي لم يستلزم الحرام وهو التقصير .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يخفى أنّ ما ذكره سيِّدنا الاُستاذ (دام ظله) في تفسير هذه الآية الشريفة وبيان المراد منها لم

يسبق إليه أحد من المفسِّرين ولا من الفقهاء فيما نعلم ، فانهم ذكروا في تفاسيرهم ما ينطبق هذه الآية

الشريفة على العمرة المفردة ، فقد قالوا إن الله تعالى لما أرى نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في المنام

بالمدينة أن المسـلمين دخلوا المسجد الحرام فأخبر بذلك أصحابه فانصرفوا إلى مكة لأداء العمرة

المفردة في السنة السادسة من الهجرة ، فلما وصل (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو وأصحابه إلى

الحديبية التي تسمّى في زماننـا هذا بـ  (شميسي) قريب من مكة على طريق المدينـة ، وقع صلح

الحديبية المعروف فيها فرجع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولم يدخلوا مكة ، فقال المنافقون ما حلقنا

ولا قصّرنا ولا دخلنا المسجد الحرام .

         وروي أن بعض الأصحاب قال : ما شككت في الاسلام إلاّ في ذلك الوقت ، فجاء إلى النبي

(صلّى الله عليه وآله) وقال : يا رسول الله أليس وعدتنا أن ندخل المسجد الحرام محلقين ومقصرين؟

فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قلت لكم إنّا ندخلها العام ؟ فقال : لا فقال : (صلّى الله عليه

وآله) فانكم تدخلونها إن شاء الله ، فأنزل الله هذه الآية وأخبر سبحانه بأن ما أراه النبيّ (صلّى الله عليه

وآله) هو الصدق والحق وليس بالباطل، فلما كان ذو القعدة من السنة السابعة للهجرة اعتمروا

ودخلوا المسجد الحرام كما وعدهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) [ تفسير التبيان 9 : 332 ]

فبناء على ما ذكر المفسرون تكون الآية أجنبية عن الاستدلال بها للحلق والتقصير الواردين في الحج ،

ولكن ما ذكره الاُستاذ (أطال الله بقاءه) وجيه وقد سبقه المحقق الأردبيلي في آيات الأحكام [ زبدة

البيان في أحكام القرآن : 289 ] .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net