الثامن : ذكر بعضهم أنه يشترط أن يكون رأس المال بيد العامل ، فلو اشترط المالك أن يكون بيده لم يصح . لكن لا دليل عليه (3) فلا مانع أن يتصدّى العامل للمعاملة مع كون المال بيد المالك ، كما عن التذكرة . التاسع : أن يكون الاسترباح بالتجارة . وأما إذا كان بغيرها ، كأن يدفع إليه ـــــــــــــــــــــــــ (3) إذ المضاربة إنما تكون باعتبار صدور العمل من العامل ، ورجوع الربح إليه وإلى المالك مشتركاً على النسبة المتفق عليها . وأما كون المال بيد العامل فلم يدلّ عليه دليل ، بل ربّما لا يكون في العامل وثوق فيُبقي المالك ماله في يده تحفظاً عليه . نعم ، بعض النصوص تضمن التعبير بـ (يعطي مالاً) (2) وهو ظاهر في الدفع إليه ـــــــــــــ (2) الوسائل ، ج 19 كتاب المضاربة ، ب 1 ح 1 ، 2 . ــ[18]ــ ليصرفه في الزراعة مثلاً ويكون الربح بينهما ، تشكل صحته (1) إذ القدر المعلوم من الأدلّة هو التجارة . ولو فرض صحة غيرها للعمومات ، كما لا يبعد ((1)) (2) لا يكون داخلاً في عنوان المضاربة . العاشر : أن لا يكون رأس المال بمقدار يعجز العامل عن التجارة به ، مع اشتراط المباشرة من دون الاستعانة بالغير ، أو كان عاجزاً حتى مع الاستعانة بالغير ، وإلاّ فلا يصحّ ((2)) (3) لاشتراط كون العامل قادراً على العمل . كما أن الأمر كذلك في الإجارة للعمل ، فإنه إذا كان عاجزاً تكون باطلة . وحينئذ فيكون تمام الربح للمالك ، وللعامل اُجرة عمله ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وجعله في يده ، إلاّ أن التقييد وارد في كلام السائل دون جوابه (عليه السلام) ، فلا يدلّ على اعتبار كونه في يد العامل ، وعدم صحتها عند الخلاف . على أنّ بعض النصوص مطلقة . ففي بعضها : (الرجل يقول للرجل : ابتاع لك متاعاً والربح بيني وبينك) (3) . وفي بعضها : (الرجل يعمل بالمال مضاربة) (4) وغيرها . فإنّ هذه التعابير إن لم تكن ظاهرة في كون المال في يد المالك ، فلا أقلّ من كونها عامة لكلا الطرفين . (1) لاختصاص المضاربة ، على ما يستفاد من نصوصها ، بالاسترباح بالتجارة . (2) بل هو بعيد ، لما عرفت من عدم تمامية العمومات ، واحتياج الحكم بالصحة في هذه المعاملات إلى الدليل الخاص ، وحيث انه مفقود ، فالقاعدة تقتضي البطلان . (3) فيه إشكال ، بل منع . فإنّ المضاربة كغيرها من العقود تنحل إلى عقود متعددة على أجزاء رأس المال، وإن كانت بحسب الإنشاء واحدة حالها في ذلك حال سائر العقود . ــــــــــــــــــــــــــــ (1) بل هو بعيد . (2) لا تبعد الصحّة في المقدار الذي يقدر العامل على الاتجار به . (3) الوسائل ، ج 19 كتاب المضاربة ، ب 3 ح 1 . (4) الوسائل ، ج 19 كتاب المضاربة ، ب 1 ح 3 . ــ[19]ــ ومن هنا فحيث إنّ المفروض أن العامل ليس بعاجز عن التجارة بجميع أجزاء ذلك المال وإن كان عاجزاً عن الاتجار بمجموعه ، فلا موجب للحكم بالبطلان من رأس وفي جميع المال ، بل يتعين الحكم بالصحة فيما يقدر عليه ، والبطلان فيما يعجز عنه . فإنه لا محذور فيه سوى توهم أنّ الجهالة بالمقدار المقدور يستتبع الغرر الموجب لبطلان العقد ، إلاّ أنك قد عرفت ما في هذا التوهم ، حيث لا غرر فلا موجب للحكم بالفساد . نعم ، لو كانت اُجرة المثل في الخارج أقلّ من الربح المجعول للعامل ، وكان المالك حين العقد جاهلاً بعجز العامل عن الاتجار ببعض المال ، كان له الخيار في فسخ العقد من رأس ، لتخلف الشرط ، وهو انضمام المضاربة بكل جزء بالمضاربة بالجزء الآخر كما هو الحال في سائر موارد تبعض الصفقة . فيثبت للعامل اُجرة مثل عمله حينئذ ، أو إمضاء العقد في ذلك الجزء ، فيكون له ما اتفقا عليه من النسبة . وأما الحكم بالبطلان من رأس كما أفاده الماتن (قدس سره) ، فلا وجه له ولا يمكن المساعدة عليه . وبعبارة اُخرى نقول : إن المقدار المقدور ، تارة يكون متميزاً عن غير المقدور واُخرى لا يكون كذلك . ففي الأوّل : لا ينبغي الشك في صحة المعاملة بالنسبة إلى المقدار المقدور ، فإنه من ضم المعاملة الصحيحة إلى المعاملة الفاسدة . نظير بيع الخنزير والشاة جملة ، أو بيع ماله ومال غيره كذلك ، فإنها تتبعض لا محالة ، فتبطل في الخنزير ومال الغير ، وتصحّ في الشاة وماله . وهذا جار في الإجارة أيضاً ، فإنه لو آجره لعملين أحدهما مقدور والآخر غير مقدور دفعة ، صحّت بالنسبة إلى المقدور ، وبطلت بالنسبة إلى غيره . والحاصل إنَّ ضمَّ معاملة صحيحة إلى اُخرى فاسدة ، لا يوجب البطلان بالنسبة إلى الصحيحة ، بل تنحلّ المعاملة الواحدة إلى معاملتين ، فتصحّ بالنسبة إلى الواجدة للشرائط ، وتبطل بالنسبة إلى غيرها . ومنه يتّضح فساد ما ذكره (قدس سره) من عدم استحقاق العامل شيئاً من الربح فإنّ له النسبةَ المتَّفقَ عليها من ربح ما اتّجر به ، لانكشاف كونه مقدوراً وصحيحاً . ــ[20]ــ مع جهله بالبطلان (1) ويكون ضامناً ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وفي الثاني : فيحكم بالصحة في المقام أيضاً ، وإن كنا نحكم بالفساد في الإجارة باعتبار أنه يعتبر فيها معلومية العمل بخلاف المضاربة ، حيث قد عرفت أنه لا يعتبر فيها معرفة مقدار المال ، لعدم الغرر في الجهل به . وعلى تقديره ، فلا دليل على نفيه بقول مطلق . إذن فلا موجب للحكم فيه بالبطلان فيما ظهر مقدوريته بعد ذلك من رأس ، بعد أنْ كانت المضاربة عقداً جائزاً ولم يتضمّن التمليك من الابتداء ، ولا مجال لقياسها بالإجارة التي هي من العقود اللازمة المتضمنة للتمليك من الطرفين . بل المتعين هو الحكم بثبوت النسبة المعينة من الربح للعامل ، فيما إذا لم يكن المالك جاهلاً بعجزه عن المضاربة بالجميع من أوّل الأمر . وإلاّ فهو بالخيار ، إن شاء أبقى المعاملة كما كانت فيأخذ العامل نصيبة من الربح . أو فسخ ، لتبعض الصفقة ، فيكون للعامل اُجرة مثل عمله . (1) ما أفاده (قدس سره) متفرع على اختياره لبطلان المضاربة في المقام ، فلا تثبت له الحصّة المعينة من الربح. وأما بناءً على ما اخترناه من صحّتها بالنسبة إلى المقدور، فلا موضوع لهذا الكلام كما عرفت . وكيف كان ، فكأنّ الوجه فيما أفاده (قدس سره) من استحقاق العامل لاُجرة مثل عمله عند جهله بالبطلان خاصّة ، هو عدم إقدام العامل حينئذ على التبرع بعمله والمجانية ، بخلاف ما لو كان عالماً بالفساد وعدم استحقاقه للنصيب المعيَّن ، فانه وبإقدامه بعد ذلك على العمل يكون مقدماً على التبرع بالعمل والمجانية . إلاّ أنك عرفت في مبحث الإجارة ، أنّ العلم بالفساد لا يعني إقدام العامل على العمل مجّاناً ، بل غاية ما يقتضيه هو العلم بعدم إمضاء الشارع المقدس للعقد وعدم إستحقاقه للنصيب المعين ، وهو لا يعني التبرع بعمله والإقدام على المجّانية . ولذا ضمن كلٌّ من المتبايعين ما قبضاه بالعقد الفاسد ، حتى مع علمهما بالفساد .
ــ[21]ــ
لتلف المال ((1)) (1) إلاّ مع علم المالك بالحال (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعليه فلا وجه للقول بعدم استحقاق العامل لاُجرة مثل عمله على تقدير علمه بفساد العقد ، بل هو مستحقّ لها على كلا التقديرين ، نظراً لعدم إقدامه على المجانية .
نعم ، استحقاقه لاُجرة المثل إنما هو في فرض عدم زيادتها عن الحصّة المعينة في المضاربة الفاسدة ، وإلاّ فليس له إلاّ ذلك المقدار ، لإقدامه على العمل بذلك المقدار وإلغاء احترامه بالنسبة إلى الزائد .
(1) فيه إشكال ، بل منع . فإنّ الضمان إنما يثبت ببناء العقلاء ، أو ضمّ الدليل الشرعي إليه ، أو التعبد المحض في موارد خاصّة ، من تعدٍّ ، أو تفريط ، أو أخذ مال الغير بغير رضاه ، أو الإتلاف ، أو إقدام الآخذ على الضمان كما هو الحال في العقود الضمانية ، أو عارية الذهب والفضة .
ولا شيء من هذه العناوين متحققة في المقام . فإنّ المفروض عدم التعدي أو التفريط . وكلمة الأخذ ظاهرة في القهر والغصب ، فلا تشمل ما إذا كان برضاه أو اختياره . والإتلاف العمدي مفروض العدم . وليس الآخذ مقدماً على الضمان ، بل ولم يسلمه المالك المال في المقام على أن يكون دركه عليه . ولا نصّ خاص يقتضي الضمان في المقام .
ومن هنا فمقتضى كون اليد أمانة مالكية ، عدم الضمان في المقام .
ويقتضيه مضافاً إلى ذلك ، تسالمهم ـ على ما ذكره الشيخ الأعظم (قدس سره) ـ على أنّ «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» وبالعكس . فإنّ مقتضاه عدم ثبوت الضمان فيما نحن فيه ، لأنّ المضاربة الصحيحة غير مضمونة ، فتكون فاسدتها كذلك .
(2) ظهر مما تقدّم أنه لا وجه لتقييد عدم الضمان بفرض علم المالك بالحال ، فإنّ أدلّة الضمان قاصرة عن شمول المقام ، سواء علم المالك بالحال أم جهل .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الظاهر أ نّه لا يضمن مطلقاً .
ــ[22]ــ
وهل يضمن حينئذ جميعه ، لعدم التميز مع عدم الإذن في أخذه على هذا الوجه . أو القدر الزائد ، لأن العجز إنما يكون بسببه ، فيختصّ به . أو الأوّل إذا أخذ الجميع دفعة . والثاني إذا أخذ أوّلاً بقدر مقدوره ، ثمّ أخذ الزائد ولم يمزجه مع ما أخذه أوّلاً ؟ أقوال ، أقواها الأخير .
ودعوى أنه بعد أخذ الزائد يكون يده على الجميع ، وهو عاجز عن المجموع من حيث المجموع ، ولا ترجيح الآن لأحد أجزائه ، إذ لو ترك الأوّل وأخذ الزيادة لا يكون عاجزاً (1) ، كما ترى ، إذ الأوّل وقع صحيحاً ، والبطلان مستند إلى الثاني وبسببه (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وبعبارة اُخرى : إنّ الدفعين الأوّل والثاني لما كانا مبنيين على المضاربة الواقعة على الجميع ، والمحكوم عليها بالفساد بالنسبة إلى جميع المال أيضاً المقدور وغير المقدور كما هو المفروض ، لم يكن للتفصيل وترجيح الأوّل على الثاني وجه ، فإنّ العقد واحد ، ونسبة كل واحد من الدفعين إليه واحدة أيضاً .
(2) وتوضيحه أن يقال : إنّ عقد المضاربة لما كان جائزاً من الطرفين ، وكان المالك غير ملزم بدفع المال إلى العامل بعد العقد ، حيث إنه ليس له مطالبته به كما أنه ليس للمالك الزام العامل بالعمل ، فلا وجه لأن يقال إنّ تسليم المالك للعامل من الجري على المعاملة الفاسدة ، ونسبة تلك المعاملة إلى كلا الدفعين واحدة .
فإنّه إنما يتمّ في العقود اللازمة ، حيث لا يكون التسليم بعد الحكم بالفساد بنفسه مصداقاً لإنشاء ذلك العقد ، فيتعيّن كونه جرياً على العقد الفاسد . وأما في العقود الجائزة التي يكون العمل بعد العقد الفاسد بنفسه مصداقاً لذلك العقد ، فلا مجال لأن يكون العمل بعده جرياً على العقد السابق ، بحيث يرى المالك نفسه ملزماً به ، بل هو بعينه يكون مصداقاً لذلك العقد .
فلو أكره شخصٌ آخر ليهب ماله إليه ، فوهب ومن ثمّ سلَّم المال باختياره إليه ، لم يكن ذلك من الجري على الهبة الفاسدة ، وإنما كان التسليم بنفسه مصداقاً للهبة .
وما نحن فيه من هذا القبيل . فإنّ دفع المالك للمال بعد فساد المضاربة إلى العامل
ــ[23]ــ
والمفروض عدم المزج (1) .
هذا ولكن ذكر بعضهم أن مع العجز المعاملة صحيحة ، فالربح مشترك ، ومع ذلك يكون العامل ضامناً مع جهل المالك . ولا وجه له ، لما ذكرنا ، مع أنه إذا كانت المعاملة صحيحة لم يكن وجه للضمان .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يمكن أن يكون جرياً على المعاملة الفاسدة ، وإنما هو مضاربة حقيقية اُنشِئتْ بالفعل لا اللفظ ، حيث إنّ المالك بدفعه للمال قاصد لمتاجرة العامل به على أن يكون الربح بينهما على النسبة التي اتفقا عليها ، فيحكم بصحّته حيث لا موجب للحكم بالفساد فإنّ مجرّد كون العقد السابق اللفظي محكوماً بالفساد ، لا يقتضي الحكم بالبطلان فيما أنشأ بعده بالفعل .
وعلى هذا الأساس يتّضح وجه ما أفاده الماتن (قدس سره) من التفصيل . فإن المقدار المقدور المقبوض أوّلاً مضاربة مستقلة عن المضاربة بالمقدار الثاني، حيث يكونان من الجري على المضاربة القولية الفاسدة ، فيحكم بصحّة الاُولى حيث لا موجب للبطلان ، وفساد الثانية لكونها غير مقدورة .
والظاهر أنّ ما ذكرناه هو مراد الماتن (قدس سره) من قوله : إذ الأوّل وقع صحيحاً ، فإنه محمول على أنّ الأوّل مضاربة معاطاتية صحيحة ، وإلاّ فالجري على العقد السابق فعل خارجي لا معنى لوصفه بالصحة والفساد .
وبالجملة فالمتعين بناءً على القول ببطلان تمام المضاربة عند عدم القدرة على بعضها ، والحكم بضمان العامل لتلف المال مع جهل المالك بالحال كما بنى عليها الماتن (قدس سره) ، هو ما أفاده (قدس سره) من التفصيل بين قبض المال جملة وتدريجاً .
(1) لم يظهر لنا وجه تقييد عدم الضمان في المقدار المقدور المقبوض أوّلاً ، بما إذا لم يمزج الثاني به ، بحيث لو مزجه لكان ضامناً للجميع . فإنّ المزج وعدم التمييز لا يقتضي ثبوت الضمان فيما لم يكن مضموناً من قبل ، فإنّه لا موجب للضمان فيه ، لا سيما وإنّ المالين ملك لمالك واحد .
ــ[24]ــ
ثمّ إذا تجدّد العجز في الأثناء ، وجب عليه ردّ الزائد (1) وإلاّ ضمن . ـــــــــــــــــــــــ
(1) يظهر وجهه مما تقدّم . فإنّ هذا المال بعد العجز عن المضاربة به يكون أمانة شرعية في يد العامل ، وعليه ردّه إلى مالكه في أقرب أزمنة الإمكان .
|