ــ[47]ــ
ثمّ إنّ الشراء في الذمّة يتصوّر على وجوه :
أحدها : أن يشتري العامل بقصد المالك وفي ذمّته من حيث المضاربة (1) .
الثاني : أن يقصد كون الثمن في ذمّته من حيث إنه عامل ووكيل عن المالك . ويرجع إلى الأوّل ، وحكمها الصحّة ، وكون الربح مشتركاً بينهما على ما ذكرناه (2) . وإذا فرض تلف مال المضاربة قبل الوفاء ، كان في ذمّة المالك ((1)) يؤدّي من ماله الآخر (3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بمعنى قصده لأداء الثمن من مال المضاربة .
(2) لما تقدّم من عدم اعتبار كون الشراء أو البيع شخصياً ، وجواز كونهما في الذمّة .
(3) اعتبره في المسالك من المسلّمات(2) واستدل عليه في الجواهر بأنه مقتضى إطلاق إذن المالك(3).
وفيه : أما التسالم فلم يثبت . وعلى تقديره فلا يمكن المساعدة عليه ، إذ كيف يمكن الزام المالك بالدفع من ماله الخاص ، والحال أنه لم يأذن فيه ، فإن الزامه بذلك تعسّف محض وبلا موجب ، فإنّ المالك إنما أذن بالشراء من ماله إما شخصياً أو كلياً على أن يدفع بدلهُ من المال المعين للمضاربة ، ولم يأذن في غيره .
وأما دعوى الإطلاق فهو واضح الاندفاع ، حيث إنّ المالك إنما أذن في التصرّف بالمال المعين ، ولم يجز في الزائد منه كي يكون مضموناً في مالِهِ الخاص .
وعليه فالصحيح هو الحكم ببطلان هذهِ المعاملة . فإنّ الثمن وإن كان كلياً في الذمّة لكنه لما كان مقيداً بالدفع من المال الخارجي المعيّن وتعذر ذلك ، كان من مصاديق تلف الثمن قبل قبضهِ ، فيحكم بانفساخ العقد ورجوع مقابله إلى مالكهِ الأصلي . ولا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في إطلاقه إشكال بل منع .
(2) مسالك الافهام 4 : 351 .
(3) الجواهر 26 : 360 .
ــ[48]ــ
الثالث : أن يقصد ذمّة نفسه وكان قصده الشراء لنفسه ، ولم يقصد الوفاء حين الشراء من مال المضاربة ، ثمّ دفع منه . وعلى هذا الشراء صحيح (1) ويكون عاصياً في دفع مال المضاربة من غير إذن المالك ، إلاّ إذا كان مأذوناً في الاستقراض وقصد القرض .
الرابع : كذلك ، لكن مع قصد دفع الثمن من مال المضاربة حين الشراء ، حتى يكون الربح له ، فقصد نفسه حيلة منه . وعليه يمكن الحكم بصحّة الشراء (2) وإن كان عاصياً في التصرّف في مال المضاربة من غير إذن المالك ، وضامناً له بل ضامناً للبائع أيضاً ، حيث إنّ الوفاء بمال الغير غير صحيح .
ويحتمل القول ببطلان الشراء (3) لأن رضى البائع مقيّد بدفع الثمن ، والمفروض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موجب للحكم بالصحّة ، مع تحمل العامل أو المالك للضرر ، بدفع عوضه من ماله الخاص .
(1) بلا إشكال فيه . فإنّ البيع أو الشراء أمر ، والأداء الخارجي أمر آخر ، فيصحّ الشراء لكونه في الذمّة ، ويبطل الأداء لكونه تصرفاً في مال الغير بغير إذنه . ومن هنا فلا تبرأ ذمّته من الثمن بالنسبة إلى البائع ، في حين أنه ضامن للعين بالنسبة إلى المالك لتصرّفه فيها من غير إذنه .
وبالجملة حال الدفع من مال المضاربة في هذه الصورة ، حال الأداء من غير مال المضاربة من أموال الغير ، كمال الوديعة أو الغصب فإنّ الحال فيهما واحد .
(2) لأنه قد اشتراه لنفسه ، ونيته لأداء ثمنه من مال القراض أمر خارج عن حقيقة البيع ، فإنه عبارة عن مبادلة مال بمال ، فلا تكون موجبة لفساده .
(3) وفيه: أن التقيد لم يثبت بدليل . فإن معنى البيع ـ على ما عرفت ـ إنما هو المبادلة بين المالين ، والمنشأ إنما هو ملكيّة كل منهما لمال الآخر ، وأما الزائد عنه فلم يثبت بدليل . ودفع الثمن شرط ضمني يوجب تخلفه الخيار لا غير ، وليس هو مقوِّماً للبيع ، وإلاّ لوجب القول بالبطلان في الصورة السابقة أيضاً ، إذ لا فرق بينهما من هذه الجهة حيث إنّ القيد
ــ[49]ــ
أنّ الدفع بمال الغير غير صحيح ، فهو بمنزلة السرقة (1) كما ورد في بعض الأخبار أن من استقرض ولم يكن قاصداً للأداء فهو سارق (2) .
ويحتمل صحّة الشراء ، وكون قصده لنفسه لغواً بعد أن كان بناؤه الدفع من مال المضاربة ، فإنّ البيع وإن كان بقصد نفسه وكليّاً في ذمّته ، إلاّ أنه ينصبّ على هذا الذي يدفعه ، فكأنّ البيع وقع عليه (3) .
والأوفق بالقواعد الوجه الأوّل ، وبالاحتياط الثاني (4) وأضعف الوجوه الثالث وإن لم يستبعده الآقا البهبهاني .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
متخلف فيهما ، فلا مبرر للفرق .
(1) لأنه ناو لعدم دفع الثمن .
(2) النص ضعيف ، ولا أقل من كونه مرسلاً . ولعلّه محمول على عدم قصده للدين من أوّل الأمر ، حيث يكون اختلاساً وسرقة .
ثمّ إن نصوص المقام غير منحصرة فيما أشار إليه الماتن (قدس سره) ، إلاّ أن جميعها لا يخلو من ضعف في السند ، أو قصور في الدلالة .
(3) وفيه : أنّ مجرّد قصده للأداء من مال الآخر ، كيف يجعله منصباً عليه ويجعل البيع له ، مع عدم قصد العامل الشراء له بالمرة ؟ فإنّ العقد لا ينقلب عما وقع عليه والأداء وفاء للمعاملة وخارج عنها . ولذا لو قصد المشتري الأداء من مال غير مال المضاربة ، غصباً كان أم وديعة أم غيرهما ، لم يحكم بكون العقد لصاحب المال .
ومن هنا يظهر الحال فيما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدس سره) في تعليقته ، من أنه ليس ببعيد ، فإنه بعيد جداً بل لم نعرف له وجهاً .
(4) ووجهه غير واضح . فإنّ كلاًّ من الأمرين على حد سواء ، وليس أحدهما أحوط من الآخر ، إذ الأمر دائر بين ملكيّة المبيع للمشتري أو البائع أو مالك المال ومع احتمال كل منها لا وجه للقول بأن الثاني موافق للاحتياط .
ــ[50]ــ
الخامس : أن يقصد الشراء في ذمّته من غير التفات إلى نفسه وغيره . وعليه أيضاً يكون المبيع له (1) وإذا دفعه من مال المضاربة يكون عاصياً . ولو اختلف البائع والعامل في أن الشراء كان لنفسه ، أو لغيره وهو المالك المضارب ، يقدم قول البائع ، لظاهر الحال (2) . فيلزم بالثمن من ماله ، وليس له ارجاع البائع إلى المالك المضارب . ــــــــــــــــــــــ
(1) فإنّ كونه للغير يحتاج إلى مؤونة زائدة ، فما لم يقصده المنشئ يحكم بكون العقد لنفسه ، كما هو الحال في سائر الوكلاء .
(2) فإنّ ظاهر الإنشاء انتسابه إلى نفسه وكونه هو المسؤول عن بدله ، بحيث يكون هو طرف العقد والمطالب به ، كما يقتضيه بناء العقلاء والسيرة الجارية .
|