[ 3431 ] مسألة 42 : لا إشكال في عدم جواز وطء العامل للجارية التي اشتراها بمال المضاربة بدون إذن المالك، سواء كان قبل ظهور الربح أو بعده، لأنها مال الغير ، أو مشتركة بينه وبين الغير الذي هو المالك . فإن فعل كان زانياً يحدّ مع عدم الشبهة كاملاً إن كان قبل حصول الربح (3) وبقدر نصيب المالك إن كان بعده (4) . كما لا إشكال في جواز وطئها إذا أذن له المالك بعد الشراء ، وكان
ــــــــــــــــــــــــــــ (3) لتمحض الجارية في الرقية لمولاها وانفراده في ملكها .
(4) لاشتراكهما في ملكيّتها .
ــ[91]ــ
قبل حصول الربح (1) بل يجوز بعده ، على الأقوى(2) من جواز تحليل أحد الشريكين صاحبه وطء الجارية المشتركة بينهما .
وهل يجوز وطؤها بالإذن السابق في حال ايقاع عقد المضاربة ، أو بعده قبل الشراء، أم لا ؟ المشهور على عدم الجواز، لأن التحليل إما تمليك أو عقد، وكلاهما لا يصلحان قبل الشراء (3) .
والأقوى ـ كما عن الشيخ في النهاية ـ الجواز ، لمنع كونه أحد الأمرين ، بل هو إباحة (4) ولا مانع من إنشائها قبل الشراء إذا لم يرجع عن إذنه بعد ذلك ، كما إذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حيث تكون محللة من قبل المالك .
(2) تقدّم الكلام في هذا الفرع في المسألة الحادية والعشرين من فصل نكاح العبيد والإماء . وقد عرفت أنّ مقتضى القاعدة في المقام وإن كان هو المنع والحرمة ، باعتبار أنّ الملفقة من التحليل والملك لا يشملها شيء من أسباب الحلّ المذكورة في الآية الكريمة والنصوص ، إلاّ أنه لا محيص عن رفع اليد عنها والالتزام بالجواز .
وذلك لصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن جارية بين رجلين دبّراها جميعاً ، ثمّ أحلّ أحدهما فرجها لشريكه ، قال : «هو حلال وأ يّهما مات قبل صاحبه فقد صار نصفها حراً من قبل الذي مات ونصفها مدبّراً» الحديث (1) ، فإنها صريحة في جواز وطء الجارية المشتركة بإذن الشريك .
وهذه الصحيحة وإن لم تكن واردة في المضاربة ، إلاّ أن الحكم ثابت فيما نحن فيه أيضاً ، للقطع بعدم وجود خصوصية للتدبير ، فإنّ الحكم ثابت للأمة المشتركة بما هي مشتركة .
(3) لعدم ملكيّته لها ، ومن هنا فلا أثر لتمليكه وطأها لغيره أو العقد عليها له .
(4) وفيه : أنّ الوطء وإن كان من منافع الأمة ، فيمكن تمليكه للغير بإباحتها له ويدخل ذلك في قوله تعالى : (أَوْ مَا ملَكتْ أَيمانُهُمْ) (2) إلاّ أنه لا دليل على جوازه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والاماء ، ب 41 ح 1 .
(2) سورة المؤمنون 23 : 6 .
ــ[92]ــ
قال : اشتر بمالي طعاماً ثمّ كل منه (1) .
هذا مضافاً إلى خبر الكاهلي((1)) (2) عن أبي الحسن (عليه السلام) ، قلت : رجل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على أنّ الظاهر من الآية الكريمة كون المجوز للوطء هو ملكيّة عين الأمة ، فلا تشمل ملكيّة منفعتها .
وبعبارة اُخرى : إنّه لو كنا نحن والآية الكريمة لقلنا بعدم جواز وطء الأمة المحللة حيث إنها ظاهرة في حصر سبب الحل في الزوجية وملك اليمين ، والتحليل خارج عنهما .
غير أننا التزمنا بجوازه به للنصوص الخاصّة الدالّة عليه ، فإنّها تكون مخصِّصة لعموم الآية الكريمة .
لكن هذا لا يعني الموافقة على ما أفاده الماتن (قدس سره) في مقام التعليل . فإنّ هذه النصوص وإن كانت دالّة على حلّية الجارية بالتحليل ، إلاّ أنها ظاهرة في حلّيتها بالتحليل الصادر من المالك بالفعل ، فلا تشمل المقام ، حيث لا يكون الآذن مالكاً لها حين إذنه وإنما سيملكها بعد ذلك .
(1) قياسه (قدس سره) للمقام على ما ذكره من المثال ، قياس مع الفارق . فإنّ جواز الأكل في المثال على القاعدة ، حيث لا يعتبر في أكل مال الغير والتصرّف فيه إلاّ تحصيل رضاه وطيب نفسه ولو باطناً ، فيجوز التصرّف فيه حتى مع عدم الإذن الإنشائي بالمرّة ، فضلاً عن وجوده في مرحلة سابقة على ملكيته له .
وأين هذا من المقام ، أعني باب التحليل ، حيث يعتبر فيه الإنشاء ولا يكفي مجرّد إحراز رضا المالك ؟ !
والحاصل أنّ المؤثر في حلّية الجارية إنما هو إنشاء المالك لحلّيتها له ، ومن هنا فلا أثر لإنشاء غيره وإن كان سيملكها فيما بعد ، لعدم الدليل عليه .
(2) رواه الشيخ (قدس سره) بإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن محمد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا هو العمدة ، وإلاّ فللمناقشة فيما ذكره مجال .
ــ[93]ــ
سألني أن أسألك : أنّ رجلاً أعطاه مالاً مضاربة يشتري له ما يرى من شيء وقال له : اشتر جارية تكون معك ، والجارية إنما هي لصاحب المال ، إن كان فيها وضيعة فعليه وإن كان ربح فله ، فللمضارب أن يطأها ؟ قال عليه السلام : «نعم» . ولا يضر ظهورها في كون الشراء من غير مال المضاربة من حيث جعل ربحها للمالك لأنّ الظاهر عدم الفرق بين المضاربة وغيرها في تأثير الإذن السابق وعدمه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابن زياد ، عن عبدالله بن يحيى الكاهلي ، عن أبي الحسن (عليه السلام) (1) .
وهذه الرواية هي العمدة في الاستدلال ، فإنها إن تمّت أمكن الالتزام بالجواز في المقام ، وإلاّ فمقتضى القاعدة هو المنع . وما ذكره الماتن (قدس سره) أوّلاً لا يصلح دليلاً .
وكيف كان ، قد أورد على هذه الرواية تارة بضعف السند ، واُخرى بضعف الدلالة .
أمّا الأوّل : فلأن المذكورين في السند وإن كانوا بأجمعهم ثقات ، إلاّ أنّ طريق الشيخ (قدس سره) إلى الحسن بن محمد بن سماعة ـ على ما في الفهرست ـ ضعيف بأبي طالب الأنباري وعلي بن محمد بن الزبير (2) .
وفيه : أنّ الأمر وإن كان كذلك ، فإنّ طريق الشيخ (قدس سره) في الفهرست إلى الحسن بن محمد بن سماعة ضعيف ، خلافاً لما ادعاه الأردبيلي (قدس سره) من صحّته (3) ، إلاّ أن ذلك لا يمنع من القول بصحّة الرواية بعد وجود طريق آخر صحيح للشيخ (قدس سره) إلى الحسن بن محمد بن سماعة ، وهو ما ذكره (قدس سره) في المشيخة (4) .
والحاصل أنّ صحّة طريقه (قدس سره) في المشيخة إلى الحسن بن محمد بن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التهذيب 7 : 191 / 845 ، الوسائل / ج 19 كتاب المضاربة ، ب 11 ح 1 .
(2) الفهرست ص : 51 ـ 52 رقم 193 .
(3) جامع الرواة 2 : 472 .
(4) التهذيب 10 : 75 من المشيخة .
ــ[94]ــ
سماعة ، تكفي في الحكم بصحّة هذه الرواية ، وان كان طريقه (قدس سره) في الفهرست إليه ضعيفاً .
إذن فالرواية صحيحة من حيث السند .
وأمّا الثاني : فقد أورد على دلالتها بإيرادين :
الأوّل : ما ذكره (قدس سره) في المتن من كونها أجنبية عن محل الكلام ، نظراً لتضمنها الحكم بكون الربح بأجمعه للمالك .
وفيه : ما أفاده (قدس سره) من عدم وجود فرق بين المضاربة وغيرها من هذه الناحية ، فإذا كان التحليل قبل الملكيّة مجوِّزاً لوطء الجارية في غير مال المضاربة لكان مجوِّزاً له في مال المضاربة أيضاً .
الثاني : ما ذكره غير واحـد من كونها مضطربة من حيث المفهوم والدلالة ومتروكة أو مهجورة من قبل الأصحاب . وذلك لظهورها في كون الجارية وديعة عنده ، حيث لم يرد فيها ما دلّ على تحليله إياها له ، وهذا المعنى مما يقطع ببطلانه ولم يلتزم أحد بجوازه . ومن هنا فلا بدّ من ردّ علمها إلى أهلها .
وفيه : منع عدم دلالتها على التحليل ، فإنّ كلمة : (تكون معك) ظاهرة فيه ، فإنها بمعنى المصاحبة، وهي في المقام كناية واضحة عن جواز وطئها باتخاذها زوجة أم أمة محللة له ، على ما يشهد استعمالها في القرآن الكريم فيه .
قال تعالى : (يَوَدُّ الُمجرمُ لَو يَفْتدي مِنْ عذَابِ يَوْمئذ بِبَنيهِ * وصَاحِبَتهِ وأَخيهِ) (1) .
وقال تعالى : (يَوْمَ يَفِرُّ المْرءُ مِنْ أَخيهِ * وأُمّهِ وأَبيهِ * وصَاحبِته وبَنِيه) (2) .
والحاصل أنّ الرواية واردة في المقام ، أعني تحليل الرجل الأمة لغيره قبل أن يملكها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة المعارج 70 : 11 ـ 12 .
(2) سورة عبس 80 : 34 ـ 36 .
ــ[95]ــ
وأما وطء المالك لتلك الجارية ، فلا بأس به قبل حصول الربح (1) بل مع الشك فيه، لأصالة عدمه . وأما بعده، فيتوقف على إذن العامل، فيجوز معه، على الأقوى من جواز إذن أحد الشريكين صاحبه . ـــــــــــــــــــــــ
وأما دعوى إعراض المشهور عنها ، فقد عرفت منّا غير مرّة أنه لا يوجب رفع اليد عن الرواية وطرحها بعد تمامية سندها .
إذن فما ذهب إليه الماتن (قدس سره) من الجواز هو الصحيح ، حيث لا موجب لرفع اليد عن صحيحة الكاهلي ، وإن كان ما استند إليه (قدس سره) أوّلاً قابلاً للمناقشة .
(1) لاستقلاله حينئذ في ملكيّتها .
|