أحكام كون الربح وقاية لرأس المال 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4336


ــ[116]ــ

   [ 3444 ] مسألة 47 : قد عرفت أنّ الربح وقاية لرأس المال ، من غير فرق بين أن يكون سابقاً على التلف أو الخسران أو لاحقاً ، فالخسارة تجبر بالربح اللاحق ، وبالعكس (1) .

   ولا يلزم أن يكون الربح حاصلاً من مجموع رأس المال ، وكذا لا يلزم أن تكون الخسارة واردة على المجموع . فلو اتّجر بجميع رأس المال فخسر ، ثمّ اتّجر ببعض الباقي فربح ، يجبر ذلك الخسران بهذا الربح . وكذا إذا اتّجر بالبعض فخسر ثمّ اتّجر بالبعض الآخر أو بجميع الباقي فربح . ولا يلزم في الربح أو الخسران أن يكون مع بقاء المضاربة حال حصولها ، فالربح مطلقاً جابر للخسارة((1)) والتلف مطلقاً (2) ما دام لم يتمّ عمل المضاربة .

   ثمّ إنّه يجوز للمالك أن يستردّ بعض مال المضاربة في الأثناء (3)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) على ما يقتضيه عقد المضاربة ، حيث قد عرفت أنّ مقتضاه كون رأس المال محفوظاً ، بمعنى إرجاعه إلى المالك والاشتراك في الربح خاصة .

   (2) قد عرفت فيما تقدّم أنّ جبر الخسران بالربح إنما يختص بفرض بقاء عقد المضاربة . وأما بعد ارتفاعه ، واستقرار ملكيّة كل من المالك والعامل على ماله وحصّته فلا وجه للتدارك بالمرّة .

   (3) فإنّه ماله وملكه ، والعقد جائز ، فله التصرّف فيه كيفما يشاء .

   والإشكال عليه بأنّ العقد الواحد كيف يجوز فسخه في بعضه دون بعض ، والحال أ نّه لم يلتزم الفقهاء به في باب الخيارات .

   مدفوع بالفرق بين المقامين .

   إذ الجواز قد يكون حقّياً كالخيارات ، حيث يكون العقد بطبعه الأوّلي لازماً ، لكن الشارع يجعل الخيار لهما أو لأحدهما ، ابتداءً كخيار المجلس ، أو إمضاءً لجعل البائعين كخيار الشرط .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قد تقدّم أنّ الربح إنّما يكون جابراً إذا كانت المضاربة باقية ، ومع عدم بقائها قد استقرّت ملكيّة كل من المالك والعامل ولا وجه للجبر .

ــ[117]ــ

ولكن تبطل بالنسبة إليه ، وتبقى بالنسبة إلى البقية (1) وتكون رأس المال . وحينئذ فإذا فرضنا أنه أخذ بعد ما حصل الخسران أو التلف بالنسبة إلى رأس المال مقداراً من البقيّة، ثمّ اتّجر العامل بالبقية أو ببعضها، فحصل ربح، يكون ذلك الربح جابراً للخسران أو التلف السابق بتمامه(2).

   مثلاً إذا كان رأس المال مائة فتلف منها عشرة أو خسر عشرة وبقي تسعون ثمّ أخذ المالك من التسعين عشرة وبقيت ثمانون ، فرأس المال تسعون . وإذا اتّجر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وقد يكون حكمياً ، حيث يكون العقد بطبعه الأوّلي جائزاً ، كالهبة والوديعة والعارية والمضاربة إلى غيرها من العقود الجائزة .

   ففي الأوّل حيث إنّ ظاهر الدليل تعلّق الخيار بالعقد على ما وقع عليه لا أبعاضه بما هي ، فليس لمن له الخيار التبعيض ، بل أما أن يفسخ في الجميع أو يلتزم به ، فإنّ الإنشاء واحد وإن كان البيع منحلاً إلى بيوع متعددة ، وظاهر دليل الخيار ثبوت الحقّ له في فسخ ما أنشأ . ومن هنا فلا يجوز له التبعيض .

   وبالجملة فدليل الخيار قاصر الشمول للفسخ في البعض خاصة .

   وهذا بخلاف الثاني ، فإنّ العقد لما كان منحلاًّ إلى عقود متعددة ، كان جواز الفسخ في البعض على القاعدة ، فإنّ كل عقد من هذه العقود جائز في حدّ نفسه ، وله الفسخ بأيّ مقدار شاء ، لإطلاق الدليل .

   والحاصل أنّ قياس ما نحن فيه على باب الخيارات ، قياس مع الفارق . فإنّ العقد في المقام جائز في حدّ نفسه ، والمالك مسلط على ماله ، غاية الأمر أنه أذِن للغير في التصرّف فيه ، فله رفع إذنه في أي مقدار منه شاء ، كما هو الحال في الوكالة .

   (1) قد عرفت وجهه مما تقدّم .

   (2) لأن عقد المضاربة من الأوّل مبني على وصول رأس المال المدفوع إلى العامل بتمامه إلى المالك ومن دون ورود أي نقص عليه مع فرض ما يمكنه جبره ، سواء أكانت التجارة بجميع رأس المال أم بعضه .

ــ[118]ــ

بالثمانين فصار تسعين ، فهذه العشرة الحاصلة ربحاً تجبر تلك العشرة ، ولا يبقى للعامل شيء .

   وكذا إذا أخذ المالك بعدما حصل الربح مقداراً ((1)) من المال (1) سواء كان بعنوان استرداد بعض رأس المال ، أو هو مع الربح ، أو من غير قصد إلى أحد الوجهين . ثمّ اتجر العامل بالباقي أو ببعضه ، فحصل خسران أو تلف ، يجبر بالربح السابق بتمامه ، حتى المقدار الشائع منه في الذي أخذه المالك ، ولا يختصّ الجبر بما عداه ، حتى يكون مقدار حصّة العامل منه باقياً له .

   مثلاً إذا كان رأس المال مائة فربح عشرة ، ثمّ أخذ المالك عشرة ، ثمّ اتّجر العامل بالبقية فخسر عشرة أو تلف منه عشرة ، يجب جبره بالربح السابق حتى

المقدار الشائع منه في العشرة المأخوذة ، فلا يبقى للعامل من الربح السابق شيء .

   وعلى ما ذكرنا فلا وجه لما ذكره المحقق وتبعه غيره ، من أن الربح اللاّحق لا يجبر مقدار الخسران الذي ورد على العشرة المأخوذة ، لبطلان المضاربة بالنسبة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وبعبارة اُخرى : إنّ مقتضى أصل عقد المضاربة رجوع ما يدفعه المالك بعنوان رأس المال إليه من غير نقص فيه ، حتى ولو لم تكن التجارة بكل ذلك المال ، بل ومع الفسخ في بعضه وانحصار المضاربة في الباقي ، لأنه لا يعني عدم كون المضاربة الأصلية مبنيّة على رجوع رأس المال بتمامه إليه ، حتى على تقدير استرداده للبعض .

   (1) وفيه ما لا يخفى .

   فإنه لا وجه للجبران في المقام ، نظراً إلى أنّ ما يأخذه المالك إن كان بعنوان استرداد بعض المال ، فهو فسخ للمعاملة بالنسبة إلى ذلك المقدار ، فينحصر رأس المال بالباقي لا محالة ، وحينئذ يكون العامل مالكاً لحصّته من الربح في ذلك المقدار ومعه لا وجه لجبران ما يطرأ من الخسارة على رأس المال الجديد ، فإنّ الفسخ موجب لاستقرار ملكه فيه ، كما هو الحال في فسخ العقد في الجميع .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال ولا تبعد تماميّة عمل المضاربة بالإضافة إلى المقدار المأخوذ ، فلا يجبر خسران الباقي بربحه .

ــ[119]ــ

إليها ، فمقدار الخسران الشائع فيها لا ينجبر بهذا الربح ، فرأس المال الباقي بعد خسران العشرة في المثال المذكور لا يكون تسعين ، بل أقل منه بمقدار حصّة خسارة العشرة المأخوذة ، وهو واحد وتسع ، فيكون رأس المال الباقي تسعين إلاّ واحد وتسع ، وهي تسعة وثمانون إلاّ تسع .

   وكذا لا وجه لما ذكره بعضهم في الفرض الثاني ، أن مقدار الربح الشائع في العشرة التي أخذها المالك لا يجبر الخسران اللاّحق ، وأن حصّة العامل منه يبقى له ويجب على المالك ردّه إليه (1) فاللاّزم في المثال المفروض عدم بقاء ربح للعامل بعد حصول الخسران المذكور ، بل قد عرفت سابقاً أنه لو حصل ربح واقتسماه في الأثناء وأخذ كلٌّ حصّته من ثمّ حصل خسران ، أ نّه يستردّ من العامل مقدار ما أخذ ، بل ولو كان الخسران بعد الفسخ((1)) (2) قبل القسمة ، بل أو بعدها إذا اقتسما العروض وقلنا بوجوب الإنضاض((2))

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وإن كان بعنوان كونه من مجموع رأس المال والربح ، فالأمر كذلك ، إذ الربح الحاصل عند الفسخ في البعض ينقسم على ذلك والباقي بالنسبة ، ومعه يكون للعامل حصّة فيما أخذه المالك لا محالة ، ويعتبر ذلك ديناً في ذمّته .

   وعليه فإذا خسرت المعاملة في الباقي بعد ذلك ، لم يكن وجه لإرجاع ما ملكه العامل وأقرضه للمالك إلى رأس المال وجبر الخسارة به .

   والحاصل أنه لا وجه لجبران الخسران اللاحق بالربح السابق على الفسخ ، بلا فرق فيه بين كون الفسخ في الكل أو البعض .

   (1) لكنك قد عرفت أ نّه الصحيح ، ولا مناص من الالتزام به .

   (2) إلاّ أ نّك قد عرفت فيما مضى أ نّه لا وجه للجبران ، لا سيما إذا كانت الخسارة بعد القسمة ، حيث يستقر ملك كل منهما على ما في يده .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّم أ نّه لا يتدارك الخسران بعد الفسخ بالربح السابق مطلقاً حتى قبل القسمة .

(2) مرّ أ نّه لا إشكال في عدم وجوبه في هذا الفرض ، ثمّ إنّ ظاهر كلامه أنّ تدارك الخسران هنا منوط بوجوب الإنضاض على العامل ، وقد تقدّم منه عدم وجوبه .

ــ[120]ــ

على العامل (1) وأ نّه من تتمات المضاربة .
ــــــــــــــــــــــ

   (1) ظاهر كلامه (قدس سره) في المقام إناطة تدارك الخسران بوجوب الإنضاض على العامل ، بحيث لو لم نقل به لما وجب التدارك . وهو ينافي ما تقدّم منه (قدس سره) في الفرع الخامس من المسألة السادسة والأربعين ، من عدم كونه منوطاً به ، حيث اختار (قدس سره) عدم وجوب الإنضاض على العامل ، ومع ذلك قال بوجوب التدارك عليه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net