[ 3491 ] مسألة 12 : تبطل الشركة بالموت (5)
ـــــــــــــ (5) بلا إشكال فيه ولا خلاف . فإنّ جواز تصرف العامل في المال مستند إلى إذن المالك ، وحيث إنّ المال قد انتقل من الآذن إلى ورثته وبذلك بطل إذنه ، فلا يجوز له التصرّف فيه إلاّ بإذن شريكه الجديد ـ الورثةـ .
وكذا الحال فيما لو كان العقد مع ولي شريكه . فإنّ موته يمنعه من جواز التصرّف في المال المشترك ما لم يأذن الولي الجديد في ذلك، فإنّ إذن الأوّل إنما يختص بدور
ــ[211]ــ
والجنون (1) والإغماء (2) والحجر بالفلس أو السفه (3) . بمعنى : أنه لا يجوز للآخر التصرّف ، وأما أصل الشركة فهي باقية (4) . نعم ، يبطل أيضاً ما قرّراه((1)) من زيادة أحدهما في النماء بالنسبة إلى ماله أو نقصان الخسارة كذلك (5) .
وإذا تبيّن بطلان الشركة ، فالمعاملات الواقعة قبله محكومة بالصحّة ، ويكون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولايته ، فإذا انتفت بموته وانتقلت إلى غيره بطل إذنه ، واحتاج جواز التصرّف فيه إلى إذن من له الولاية على الشريك بالفعل .
(1) فإنّ حكم المجنون حكم الحيوانات من حيث فقدانه للأهلية . وحيث إنّ جواز التصرّف متوقّف على الإذن بقاءً ، وهو منتف في المقام نظراً لانعدام أهليته ، فلا محيص عن الالتزام ببطلان الشركة ، وعدم جواز تصرف الآخر في المال المشترك .
والحاصل أنه إنما يحكم على الإذن الصادر من أحد بالبقاء فيما إذا صح منه الإذن فعلاً ، وحيث إنّ المجنون ليس كذلك ، فيبطل إذنه السابق ولو كان صادراً حال عقله وأمانته .
(2) فإنّه ملحق بالمجنون ، فإنّه لا يقاس بالنائم على ما هو المتسالم عليه بينهم . فإنّ الإذن السابق لا أثر له ، واللاّحق ساقط عن الاعتبار ، لانتفاء أهلية المجيز .
(3) يظهر وجهه مما تقدّم . فإنّ جواز الإذن متوقف على صلاحية الآذن وأهليته للقيام بذلك التصرّف مباشرة ، وحيث إنّه مفقود في المقام ، فلا اعتبار بإذنه .
وبعبارة اُخرى : ان العقود الجائزة متقومة بالأذن حدوثاً وبقاءً ، فتنتفي بمجرّد انتفائه . وحيث إنّ المحجور عليه ليس له التصرّف في ماله ، فليس له حق الإذن في ذلك فعلاً ـ بقاءً ـ أيضاً . ومعه فلا يجوز للمأذون سابقاً التصرّف فيه ، لانتفاء الإذن الفعلي ، وعدم تأثير الإذن السابق .
(4) غاية الأمر أ نّها في فرض الموت تكون بينه وبين الورثة ، لانتقال المال إليهم .
(5) لاختصاصه على تقدير صحته بالإذن السابق والمفروض انتفاؤه ، إلاّ أنك قد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تقدّم أنّ هذا الشرط في نفسه باطل ولو كان عقد الشركة صحيحاً .
ــ[212]ــ
الربح على نسبة المالين ، لكفاية الإذن المفروض حصوله (1) . نعم ، لو كان مقيّداً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عرفت أنّ هذا الشرط باطل على كل تقدير .
(1) وقد تقدّم نظيره في المضاربة ، حيث ذكرنا أنّ بطلانها لسبب من الأسباب لا ينافي صحة المعاملات الواقعة على مال المالك بعد أن كانت صادرة عن إذنه .
نعم ، لا يستحقّ العامل في الفرض الحصّة المعيَّنة له في العقد ، فإنه فرع صحته والمفروض بطلانه . إلاّ أنّ ذلك لا يعني ذهاب عمله هدراً ، فإنه عمل مسلم محترم صدر عن أمر الغير لا على وجه المجانية ، فيكون ضامناً له لا محالة ، وبذلك فيستحق العامل اُجرة المثل .
وهذا الكلام بعينه يجري في المقام . فإنّ صحة العقد الصادر من الشريك العامل غير متوقفة على صحة عقد الشركة بالمرّة ، وإنما هي متوقفة على تحقق الإذن من الشريك الثاني في التصرّف المفروض وجوده ، فيحكم بصحته لا محالة ، وبذلك يستحقّ العامل اُجرة المثل على عمله ، نظراً لصدوره عن أمر الغير لا على وجه التبرع كما إذا اشترط الزيادة للعامل . وأما مع عدمه ، فلا يستحقّ شيئاً ، لانه متبرع بعمله .
بقي أن نعرف في المقام أن فساد عقد الشركة ، قد يفرض من جهة فقدان العاقد لبعض الشروط المعتبرة في صحته ، كالبلوغ والعقل . وقد يفرض من جهة فقدان العقد لبعض الشروط المعتبرة فيه ، كالمزج بناءً على القول باعتباره .
والظاهر أنّ موضوع كلام الماتن (قدس سره) في المقام هو الثاني ، وإن كان ذلك لا يلتئم مع سياق عبارته ، إذ فيه يأتي ما ذكره (قدس سره) من فساد عقد الشركة مع صحة المعاملات الصادرة من العامل واستحقاقه اُجرة المثل .
إلاّ أنه يرد عليه أنه لا وجه لتقيد الحكم بالمعاملات الواقعة قبل تبين بطلان الشركة والعلم به ، بل ينبغي الحكم بالصحة مطلقاً ، كانت المعاملة صادرة قبل العلم بالبطلان أو بعده . فإنه لا أثر لذلك بعد أن كان المعيار فيه هو صدورها عن إذن
ــ[213]ــ
بالصحّة ، تكون كلّها فضوليّاً بالنسبة إلى من يكون إذنه مقيّداً (1) . ولكلّ منهما اُجرة مثل عمله (2) بالنسبة إلى حصّة الآخر إذا كان العمل منهما ، وإن كان من أحدهما فله اُجرة مثل عمله .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المالك ، فإنه موجود في كلا الفرضين على حدّ سواء ، إذ لا منافاة بين العلم بالفساد وبقاء الإذن .
نعم ، لو كان موضوع كلامه (قدس سره) هو الأوّل ، على ما يشهد له سياق عبارته (قدس سره) حيث ذكر ذلك بعد تعرضه للبطلان بفقد شيء من الشرائط المعتبرة في العاقد ، فما أفاده (قدس سره) من بطلان المعاملات الواقعة بعد العلم بالفساد وإن كان صحيحاً ، إلاّ انه يستلزم انعكاس الإشكال السابق ، حيث أنّ لازم ذلك الحكم بفساد المعاملات الصادرة منه قبل العلم بالفساد أيضاً ، إذ لا عبرة بإذن المجنون أو الصغير أو المحجور عليه ، فإنه من هؤلاء مساوق للعدم .
والحاصل أنه لا وجه لما أفاده (قدس سره) من التفصيل ، بين المعاملات الصادرة من العامل قبل العلم بفساد عقد الشركة ، والصادرة بعد العلم به ، فإنّ الحكم على كلا التقديرين واحد . فإنّ الفساد إذا كان ناشئاً من جهة فقدان العاقد لبعض الشروط المعتبرة فيه ، تعيّن الحكم ببطلان المعاملات الصادرة من العامل ، سواء في ذلك الصادرة منه قبل علمه بالفساد أم بعده . وإن كان ذلك ناشئاً من جهة فقدان العقد لبعض الشروط المعتبرة فيه ، تعيّن الحكم بصحتها مطلقاً ، صدرت منه قبل علمه بالفساد أم بعده .
(1) لفقدانه لإذن المالك . ومن هنا فإن أجاز العقد بعد ذلك فهو ، وإلاّ حكم ببطلانها .
(2) الظاهر رجوع هذه الفقرة إلى فرض عدم بطلان المعاملات ، أعني عدم كون الإذن مقيداً بصحّة الشركة . فإنّ الشريك العامل حينئذ يستحق اُجرة مثل عمله بالنسبة إلى حصّة صاحبه ، مضافاً إلى ما يأخذه من ربح حصّته ، كما عرفت .
ــ[214]ــ
وعليه فيكون قوله (قدس سره) : (نعم ، لو كان مقيداً ... يكون إذنه مقيّداً) جملة معترضة ، وإلاّ فلا وجه لإثبات اُجرة المثل في فرض عدم الإذن في المعاملة وكونها فضولية محضة ، إذ لا موجب لضمان المالك حتى على تقدير إجازته لتلك المعاملات والربح فيها ، على ما عرفته مفصلاً في كتاب المضاربة .
ومما يشهد لما ذكرناه أنه (قدس سره) لم يفرض الفضولية من الطرفين ، فقد يكون أحدهما كذلك والآخر مأذوناً ، ومعه فلا وجه لاستحقاق كل منهما الاُجرة بالنسبة إلى حصّة صاحبه ، فإنه انما ينسجم مع كون الإذن من كل منهما غير مقيد بصحّة الشركة .
على أنّ إطلاق استحقاق كل منهما اُجرة مثل عمله ، يعمّ فرض إجازة المالك للعقد الفضولي وعدمها . وهو مما لا يمكن الالتزام به في فرض الردّ جزماً ، وإن التزم (قدس سره) به في فرض الإجازة في كتاب المضاربة . وقد عرفت منّا منعه ، نظراً لعدم صدور المعاملات عن أمره ، وكون ما يصل إليه من الربح حاصـلاً من فعله أعني الإجازة .
والحاصل أنّ في المقام يستحقّ كلّ من العاملين على صاحبه اُجرة مثل عمله في حصّته إذا كان العمل منهما معاً ، وإلاّ فالعامل منهما خاصة ، لصدوره عن أمره به لا على سبيل التبرع والمجانية إذ لا يذهب عمل المسلم هدراً ، حيث لم يسلم له شرط الزيادة في الربح ، نظراً لفساده بفساد العقد .
إلاّ أن هذا إنما يتمّ فيما إذا كانت الزيادة مشروطة للعامل منهما . وأما لو اشترطت لمن لا عمل له ، وقلنا بصحّة هذا الشرط في نفسه ، فلا يستحقّ العامل في فرض الفساد شيئاً زائداً عن ربح حصّته ، وذلك لإقدامه على التبرع بعمله والإتيان به مجاناً.
ثمّ إنه وفي فرض اشتراط الزيادة له ، فهو إنما يستحق اُجرة المثل فيما إذا لم تزد عن الزيادة التي كانت له على تقدير الصحة ، وإلاّ فلا يستحقّ الزائد عنها ، لإقدامه على عدم استحقاقه والتبرع بهذا المقدار ، فهو في الحقيقة إنما يستحق أقل الأمرين من الزيادة واُجرة المثل .
ــ[215]ــ
[ 3492 ] مسألة 13 : إذا اشترى أحدهما متاعاً وادّعى أنه اشتراه لنفسه وادّعى الآخر أنه اشتراه بالشركة ، فمع عدم البيّنة القول قوله مع اليمين ، لأنه أعرف بنيته (1) . كما أنه كذلك لو ادّعى أنه اشتراه بالشركة ، وقال الآخر أنه اشتراه لنفسه ، فإنه يقدم قوله أيضاً ، لأنه أعرف ، ولأنه أمين (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بل لظهور إطلاق البيع والعقد وبطبعه الأوّلي في كونه للعاقد نفسه ، وكونه للغير تقييد يحتاج إلى مؤونة زائدة . ومن هنا فعلى مدّعيه الإثبات ، وإلاّ فالأصل عدمه .
(2) بل للسيرة العقلائية والمتشرعية القطعية على قبول قول الوكيل فيما هو وكيل فيه ، ودخوله تحت قاعدة : «من ملك شيئاً ملك الإقرار به» التي اُرسلت في كلماتهم إرسال المسلّمات .
نعم ، لو ادّعى الشريك كذبه في ذلك كان له إحـلافه، على ما تقتضـيه قواعد الدعوى
والحمد لله أوّلاً وآخراً
ــ[216]ــ
|