ــ[217]ــ
كتاب المزارعة
ــ[218]ــ
ــ[219]ــ
كتاب المزارعة
وهي المعاملة على الأرض بالزراعة بحصّة من حاصلها. وتسمّى: مخابرة أيضاً. ولعلّها من الخبرة بمعنى النصيب ، كما يظهر من مجمع البحرين .
ولا إشكال في مشروعيتها ، بل يمكن دعوى استحبابها ، لما دلّ على استحباب الزراعة بدعوى كونها أعمّ من المباشرة والتسبيب (1) .
ففي خبر الواسطي ، قال : سألت جعفر بن محمد (عليه السلام) عن الفلاّحين قال : «هم الزارعون كنوز الله في أرضه ، وما في الأعمال شيء أحبّ إلى الله من الزراعـة ، وما بعث الله نبيّـاً إلاّ زارعـاً ، إلاّ إدريـس (عليه السلام) فإنه كان خيّاطاً»((1)) .
وفي آخر عن أبي عبدالله (عليه السلام): «الزارعون كنوز الأنام يزرعون طيباً أخرجه الله عز وجل ، وهم يوم القيامة أحسن الناس مقاماً وأقربهم منزلة يدعون المباركين»((2)) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذه الدعوى عهدتها على مدعيها . فإن الظاهر من كلمة «الزراعة» إنما هو الفعل الخارجي بنفسه ، بحيث يباشر المكلف الإتيان به . ومن هنا فإثبات كون الإتيان بسببه محبوباً ايضاً ، يحتاج إلى الدليل وهو مفقود .
نعم ، لا يبعد دعوى استحبابه من باب كونه مقدمة لأمر مستحب في نفسه وإعانة عليه ، فيدخل في قوله تعالى : (وَتَعاونُوا علَى البِرِّ والتَّقْوى) (3) . إلاّ أنه خارج عن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 17 كتاب التجارة ، أبواب مقدمات التجارة ، ب 10 ح 3 .
(2) الوسائل ، ج 19 كتاب المزارعة والمساقاة ، ب 3 ح 7 .
(3) سورة المائدة 5 : 2 .
ــ[220]ــ
وفي خبر عنه (عليه السلام) قال : «سُئل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أي المال خير ؟ قال : زرع زرعه صاحبه وأصلحه وأدّى حقه يوم حصاده. قال: فأيّ المال بعد الزرع خير؟ قال: رجل في غنم له قد تبع بها مواضع القطر يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة. قال : فأيّ المال بعد الغنم خير ؟ قال : البقر تغدو بخير وتروح بخير . قال : فأيّ المال بعد البقر خير؟ قال: الراسيات في الوحل، المطعمات في المحل ، نعم المال النخل ، من باعه فإنما ثمنه بمنزلة رماد على رأس شاهق اشتدت به الريح في يوم عاصف، إلاّ أن يخلف مكانها. قيل: يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فأيّ المال بعد النخل خير؟ فسكت فقام إليه رجل فقال له: فأين الإبل؟ قال : فيها الشقاء والجفاء والعناء وبعد الدار ، تغدو مدبرة وتروح مدبرة ، لا يأتي خيرها إلاّ من جانبها الأشأم ، أما أنها لا تعدم الأشقياء الفجرة» ((1)) .
وعنه (عليه السلام) : «الكيمياء الأكبر الزراعة» ((2)) .
وعنه (عليه السلام) : «إن الله جعل أرزاق أنبيائه في الزرع والضرع ، كيلا يكرهوا شيئاً من قطر السماء» ((3)) .
وعنه (عليه السلام) ، أنه سأله رجل فقال له : جعلت فداك أسمع قوماً يقولون : إنّ المزارعة مكروهة ؟ فقال : «ازرعوا واغرسوا ، فلا والله ما عمل الناس عملاً أحلّ ولا أطيب منه» (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محل الكلام ، فإنّ الكلام إنما هو في استحبابه بعنوان المعاملة والمزارعة ، لا استحبابه مطلقاً وتحت أي عنوان كان ، ولو كان ذلك هو عنوان الإعانة على أمر محبوب ومرغوب عند الشارع المقدس .
(1) هذه الرواية قد رواها المشايخ الثلاثة ، غير أنّ الصدوق (قدس سره) قد رواها
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 11 كتاب الحج ، أبواب احكام الدواب ، ب 48 ح 1 .
(2) الكافي 5 : 261 .
(3) الوسائل ، ج 19 كتاب المزارعة والمساقاة ، ب 3 ح 2 .
ــ[221]ــ
ويستفاد من هذا الخبر ما ذكرنا((1)) من أن الزراعة أعم من المباشرة والتسبيب(1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن ابن سيابة (2) ، والكليني والشيخ (قدس سرهما) قد روياها عن سيابة (3) ، وكذا في الوافي والوسائل (4) .
والظاهر أنّ نسخة الصدوق (قدس سره) خطأ ، إذ لا وجود لابن سيابة ـ بهذا العنوان ـ في غير هذا الموضع من كلامه (قدس سره) فضلاً عن غيره .
نعم ، لسيابة ولدان عبدالرحمن وصباح ـ والأوّل أكثر رواية من أخيه ـ إلاّ أنه لم يرد في شيء من النصوص ذكرهما بعنوان ابن سيابة بقول مطلق ، وإنما هما يذكران باسمهما الخاص : عبدالرحمن بن سيابة ، وصباح بن سيابة .
إذن فالصحيح هو سيابة ـ صاحب الكتاب ـ وفاقاً للكليني (قدس سره) الذي هو أضبط نقلاً من الصدوق (قدس سره) ، لا سيما بعد موافقة الشيخ (قدس سره) له في موضعين من التهذيب .
وعليه فتكون الرواية ضعيفة السند ، نظراً لعدم وثاقة سيابة .
وكيف كان ، فالموجود في الكتب الثلاثة : (أسمع قوماً يقولون : إنّ الزراعة مكروهة) بدلاً عن (أسمع قوماً يقولون : إنّ المزارعة مكروهة) ولا أدري أنّ الماتن (قدس سره) من أين أتى بهذه النسخة .
ومن هنا فيكون حالها حال سائر النصوص الواردة في المقام ، من حيث الدلالة على استحباب الزراعة ، بمعنى مباشرة الإنسان للفعل بنفسه ، وقد عرفت أنها أجنبية عن محل الكلام .
(1) قد عرفت منع ذلك ، وأنّ هذه الرواية ليست رواية مستقلة بإزاء تلك النصوص السابقة ، وإنما هي مثلها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا يستفاد ذلك لأنّ المذكور في الخبر : «أسمع قوماً يقولون : إنّ الزراعة مكروهة» .
(2) الفقيه 3 : 158 / 694 .
(3) الكافي 5 : 260 ، التهذيب 6 : 384 / 1139 .
(4) الوافي 18 : 436 ح 7 ، الوسائل ، ج 19 كتاب المزارعة والمساقاة ، ب 3 ح 1 .
ــ[222]ــ
وأمّا ما رواه الصدوق مرفوعاً عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : «أنه نهى عن المخابرة ، قال : وهي المزارعة بالنصف أو الثلث أو الربع» ((1)) فلا بدّ من حمله على بعض المحامل ، لعدم مقاومته لما ذكر((2)) (1) . وفي مجمع البحرين : وما روي من أنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نهى عن المخابرة ، كان ذلك حين تنازعوا فنهاهم عنها ((3)) . ـــــــــــــــــ
(1) إلاّ أنك قد عرفت عدم تمامية شيء مما تقدّم في الدلالة على استحباب المزارعة بعنوانها المستقل ، ومن هنا فلا تكون معارضة لهذه الرواية .
إلاّ أن هذا لا يعني التزامنا بالحكم بالكراهة ، فإنّ هذه الرواية ساقطة من حيث السند ، نظراً لكونها مرفوعة . ومعه فلا تصلح للاستدلال بها على شيء .
إذن فالصحيح أنّ عقد المزارعة في نفسه وكمعاملة مستقلة ، غير متصف بشيء من الاستحباب أو الكراهة ، حاله في ذلك حال سائر العقود ، كالبيع والإجارة ونحوهما . وإنما يتصف بالأحكام الخمسة ، بلحاظ ما يقترن به ويعرض عليه من الأوصاف والعناوين الخاصة ، فإنه وبهذا اللحاظ قد يكون واجباً ، وقد يكون مستحباً ، وقد يكون حراماً ، وقد يكون مكروهاً ، وقد يكون مباحاً أيضاً . ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) معاني الأخبار ج 2 باب المحافلة والمزاينة و ... / 277 .
(2) الرواية ضعيفة ، وتقدّم أ نّه ليس فيما ذكر دلالة على الاستحباب .
(3) مجمع البحرين 1 : 490 مادّة خبر .
|