عدم اشتراط كون الأرض ملكاً للزارع - حكم الاذن في زرع أرضه 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3555


ــ[236]ــ

   [ 3493 ] مسألة 1 : لا يشترط في المزارعة كون الأرض ملكاً للمزارع ، بل يكفي كونه مسلّطاً عليها بوجه من الوجوه ، كأن يكون مالكاً لمنفعتها بالإجارة أو الوصية أو الوقف عليه ، أو مسلّطاً عليها بالتولية كمتولّي الوقف العامل أو الخاصّ والوصي ، أو كان له حق اختصاص بها بمثل التحجير والسبق ونحو ذلك أو كان مالكاً للانتفاع بها ، كما إذا أخذها بعنوان المزارعة فزارع غيره أو شارك غيره . بل يجوز أن يستعير الأرض للمزارعة (1) .

   نعم ، لو لم يكن له فيها حق أصلاً لم يصحّ مزارعتها ، فلا يجوز المزارعة في الأرض الموات مع عدم تحجير أو سبق أو نحو ذلك ، فإنّ المزارع والعامل فيها سواء .

   نعم ، يصحّ الشركة في زراعتها مع اشتراك البذر أو بإجارة أحدهما نفسه للآخر في مقابل البذر أو نحو ذلك . لكنه ليس حينئذ من المزارعة المصطلحة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والسقي والعمل في الزرع حتى يصير حنطة أو شعيراً ، وتكون القسمة ، فيأخذ السلطان حقه ويبقى ما بقي على أنّ للعلج منه الثلث ولي الباقي ، قال : «لا بأس بذلك» . قلت : فلي عليه أن يرد عليّ ممّا أخرجت الأرض البذر ويقسم ما بقي ؟ قال : «إنما شاركته على أنّ البذر من عندك ، وعليه السقي والقيام» (1) .

   إلاّ أنه ضعيف السند ، فلا يصلح إلاّ شاهداً لما ذكرناه .

   على أنّ المزارعة من العقود العرفية المعهودة التي يكثر تحققها في الخارج ، بحيث جرت عليها سيرة العقلاء قاطبة فضلاً عن سيرة المتشرعة المتصلة بعهد المعصوم (عليه السلام) . ومن هنا فلو كان اعتبار كون البذر من العامل شرطاً فيها ، لوجب أن يكون من الواضحات ، فكيف وقد قام الإجماع على خلافه !

   (1) كل ذلك لعدم الدليل على اعتبار الملك ، بل وقيام الدليل ـ  على ما ستعرف  ـ على خلافه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 19 كتاب المزارعة والمساقاة ، ب 10 ح 1 .

ــ[237]ــ

   ولعل هذا مراد الشهيد في المسالك من عدم جواز المزارعة في الأراضي الخراجية التي هي للمسلمين قاطبة ، إلاّ مع الاشتراك في البذر أو بعنوان آخر. فمراده هو فيما إذا لم يكن للمزارع جهة اختصاص بها(1) وإلاّ فلا إشكال في جوازها بعد الإجارة من السلطان ، كما يدلّ عليه جملة من الأخبار .

   [ 3494 ] مسألة 2 : إذا أذن لشخص ((1)) في زرع أرضه على أن يكون الحاصل بينهما بالنصف أو الثلث أو نحوهما ، فالظاهر صحّته وإن لم يكن من المزارعة المصطلحة (2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) أيضاً (2) إلاّ أنه بعيد جدّاً ، إذ الشهيد (قدس سره) قد رتّب حكمه هذا على اعتبار الملكيّة صريحاً (3) .

   إذن فالصحيح أن يقال : إنّ ما أفاده الشهيد (قدس سره) في المسالك من سهو قلمه الشريف . إذ لا دليل على اعتبار الملكيّة في المزارعة ، بل الدليل قائم على عدمه ففي صحيحة محمد بن مسلم المتقدِّمة الحكم بصحّة المزارعة على الأرض المستأجرة . بل وفي نصوص المزارعة في الأرض الخراجية ، ما فيه الكفاية لإثبات المدعى .

   والحاصل أنّ المتعينّ في جميع الموارد المذكورة في المتن هو الحكم بالصحة ، ولا وجه لما أفاده الشهيد (قدس سره) من الحكم بالبطلان .

   (2) إلاّ أنك قد عرفت غير مرّة ، عدم إمكان التمسك بالعمومات والمطلقات لإثبات الصحة لمثل هذه المعاملة ، تحت أي عنوان كانت الجعالة أو غيرها ، وإنّ صحتها تحتاج إلى دليل خاص .

   والوجه فيه أن التزام مالك البذر إذا كان متعلقاً بكون الحاصل مشتركاً ومن حين حدوثه وحصوله بينه وبين صاحبه ـ كما هو مقتضى الأدلّة في الزكاة ـ فهو باطل ولا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إذا كان مالك الأرض قاصداً بذلك إنشاء عقد المزارعة صحّ ولزم بقبول الزارع ولو قبولاً فعليّاً وأمّا إذا كان قاصداً مجرّد الإباحة لم يصح بعنوان المزارعة ، وبذلك يظهر الحال في الفروض الآتية .

(2) الجواهر  27 : 33 .

(3) مسالك الافهام  5 : 12 .

ــ[238]ــ

بل لا يبعد كونه منها أيضاً (1) . وكذا لو أذن لكل من يتصدّى للزرع وإن لم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أثر له ، فإنه غير مشروع في نفسه لمخالفته للكتاب والسنّة ، فإن النتاج تابع للبذر في الملكيّة ، فلا يمكن ان يكون ولو بعضاً ملكاً للغير حين حدوثه .

   فهو نظير ما لو التزم أحد في عقد بكون ما يتركه أبوه عند وفاته ـ  كلاًّ أو بعضاً  ـ لغيره ، فإنّ هذا الالتزام لا يكون نافذاً ، ولا يشمله قوله تعالى : (أَوْفُوا بالعُقُودِ) .

   وإن كان التزامه متعلقاً بتمليك ما سيملكه بعد ذلك ، بأن يلتزم بانتقال نصف الحاصل مثلاً إلى صاحبه بعد انتقاله بتمامه إليه أوّلاً ، بحيث يملك صاحبه من الآن الأمر المتأخر ، فهو وإن لم يكن مخالفاً للكتاب والسنة ، إلاّ أنه القدر المتيقن من إجماعهم على بطلان التعليق في العقود . بل لم يقع مثله إلاّ في الوصية ، حيث إنها ولإطلاقات أدلّتها تعمّ ما يملكه الموصي بعدها إلى حين الوفاة ، وأما في غيرها فلم يقع بتاتاً حتى في التعبير ، إذ لا يصح أن يقول : العبد الذي سأملكه غداً حر بعد وفاتي .

   وهذا الكلام غير مختص بباب المزارعة ، فإنه كما لا يجوز فيها لا يجوز في غيرها من أنواع المعاملات أيضاً حتى ولو كان ذلك بعنوان الجعالة ، فلا يصحّ أن يجعل لمن يرجع عبده إليه ثلث ما سيملكه في المستقبل أو ثلث ما ستخرجه أرضه .

   ومن هنا تكون صحّتها محتاجة إلى دليل خاص ، ولا يكفي فيها التمسك بالعمومات والإطلاقات ، فإنها غير شاملة له . وحيث لا دليل على الصحة إلاّ في المضاربة والمزارعة والمساقاة ، فلا بدّ من الحكم بالبطلان ، لعدم المخرج له عن عموم المنع .

   ولذا لم يلتزم أحد من الأصحاب  ـ فيما نعلم ـ  بصحّة مثل ذلك في غير المزارعة من العقود .

   والحاصل أنّ الصحيح في المقام هو الحكم بالبطلان ، لعدم الدليل على الصحة . ومن هنا فلا يستحقّ العامل إلاّ اُجرة مثل عمله .

   (1) بل هو في غاية البعد . فإنّ المزارعة من العقود اللازمة ـ  على ما سيأتي  ـ

ــ[239]ــ

يعيِّن شخصاً .

   وكذا لو قال : (كلّ من زرع أرضي هذه أو مقداراً من المزرعة الفلانية فلي نصف حاصله أو ثلثه) مثلاً ، فأقدم واحد على ذلك ، فيكون نظير الجعالة (1) . فهو كما لو قال : (كل من بات في خاني أو داري فعليه في كل ليلة درهم) أو (كل من دخل حمامي فعليه في كل مرّة ورقة) (2) . فإنّ الظاهر صحّته للعمومات((1)) ، إذ هو نوع من المعاملات العقلائية ، ولا نسلم انحصارها في المعهودات ، ولا حاجة إلى الدليل الخاص لمشروعيتها ، بل كل معاملة عقلائية صحيحة إلاّ ما خرج بالدليل الخاص ، كما هو مقتضى العمومات (3) .
ــــــــــــــــــــــــ

ويتضمّن التزاماً من الطرفين مع وجوب الوفاء عليهما ، بحيث لا يكون لكل منهما رفع اليد عنه . وهذا كلّه مفقود في المقام ، فإنه من موارد الإذن والإباحة بالتصرف الخارجي ، وليس من العقد الذي يجب الوفاء به في شيء .

   والحاصل أنّ الإذن المجرد مغاير للعقد اللازم بالضرورة ، فلا وجه لجعله منها .

   (1) التنظير إنما يتمّ فيما إذا كان البذر من المالك ، إذ المالك حينئذ يجعل على نفسه شيئاً للغير عند قيامه بالعمل المعين . وأما إذا كان البذر من العامل فلا وجه لتنظيره بالجعالة ، حيث إنّ المالك حينئذ يجعل لنفسه شيئاً على الغير ، أعني الحصّة من النتاج الذي يكون تابعاً للبذر في الملكيّة ، ولا يلتزم على نفسه شيئاً للغير .

   (2) وهو من القياس مع الفارق . فإنه أجنبي عن المزارعة بالمرة ، إذ المال الذي يجب دفعه على الداخل أمر معلوم معيّن ، فيدخل في عنوان الإباحة بالعوض ، وهي أجنبية عن باب المعاملات كلية .

   (3) قد عرفت أنها لا تعمّ المعاملات التي تتضمّن تمليك المعدوم بالفعل .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) العمومات لا تشمل الموارد التي يكون التمليك والتملّك فيها متعلِّقاً بأمر معدوم حال العقد .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net