[ 3509 ] مسألة 17 : إذا كان العقد واجداً لجميع الشرائط وحصل الفسخ في الأثناء ، إمّا بالتقايل ، أو بخيار الشرط لأحدهما ، أو بخيار الاشتراط بسبب تخلّف ما شرط على أحدهما .
فعلى ما ذكرنا من مقتضى المزارعة ـ وهو الوجه الأوّل من الوجوه المتقدِّمة ـ
ــ[281]ــ
فالزرع الموجود مشترك بينهما على النسبة ((1)) (1) وليس لصاحب الأرض على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وفيه : أنّ تأثير الفسخ وإن كان من حينه ، إلاّ أنّ معناه لما كان رفع العقد وفرضه كأن لم يقع بالمرّة ، كان مقتضاه إرجاع كلّ من الطرفين ما وصله من صاحبه إليه عيناً أو بدلاً . وحيث كان المختار في مبدأ الأشتراك هو حين خروج الزرع ، كان مقتضى الفسخ رجوع هذه الحصّة التي ملّكها مالك البذر إياه إليه ، كما يقتضيه فرض العقد كأن لم يكن ، فإنّ فرضه كذلك يعني كون الزرع بأكمله لمالك البذر بقانون التبعيّة .
نعم ، بناءً على ما اختاره الماتن (قدس سره) من كون مبدأ الاشـتراك هو البـذر يتم ما أفاده (قدس سره) من الاشتراك في الزرع ، فإنّ مالك البذر إنما ملّك صاحبه الحصّة منه ، ولم يملّكه الزرع وإنّما هو قد حصل في ملكه .
ومن هنا فإذا انفسخ العقد لم يكن لصاحب البذر المطالبة بالزرع الموجود بتمامه فإنّ حصّة صاحبه منه لم يكن هو قد ملّكها إياه كي يستردّها بالفسخ ، وإنّما الواجب على صاحبه ردّ البذر إليه . وحيث إنه ممتنع بعينه لتلفه نتيجة للزرع ، تعين عليه ردّه بمثله إن كان مثلياً ، وقيمته إن كان قيمياً . ولا أثر للفسخ حينئذ في كون الزرع لأحـدهما خاصّة ، فإنه ـ وعلى هذا التقدير ـ لهما سواء أكان هناك فسخ أم لم يكـن فإنّ الاشتراك في الزرع ثابت وعلى كلا التقديرين الفسخ وعدمه ، وحينئذ فيجري ما ذكره (قدس سره) تفريعاً على ذلك من أحكام .
والحاصل أنّ ما ذكره (قدس سره) إنما يتم بناءً على ما ملكه من ايجاب عقد المزارعة كون البذر مشتركاً بين الطرفين ، بمعنى ملكيّة الطرف الآخر للحصة منه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كيف يكون كذلك والفسخ يوجب ارتفاع العقد وفرضه كأن لم يكن ، وتأثير الفسخ وإن كان من حينه إلاّ أ نّه يوجب رجوع كل من العوضين أو ما بحكمهما إلى من انتقل عنه ، وعليه فبناءً على ما ذكرناه من حصول الشركة من حين خروج الزرع رجع الزرع إلى مالك البذر ، فإن كان هو العامل لزم عليه للمالك اُجرة مثل المنفعة الفائتة من الأرض ومع ذلك كان المالك مخيّراً بين إبقاء الزّرع مجّاناً أو بالاُجرة وإلزام العامل بقلعه ، وإن كان هو المالك استحقّ العامل عليه اُجرة المثل .
ــ[282]ــ
العامل اُجرة أرضه(1) ولا للعامل اُجرة عمله بالنسبة إلى ما مضى ، لأن المفروض صحة المعاملة وبقاؤها إلى حين الفسخ. وأما بالنسبة إلى الآتي فلهما التراضي على البقاء إلى البلوغ بلا اُجرة أو معها ، ولهما التراضي على القطع قصيلاً . وليس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيضاً ، فإنه حينئذ يكون الزرع مشتركاً بينهما ، سواء أحصل الفسخ أم لم يحصل .
وكان عليه (قدس سره) أن ينبه على رجوع البذر بتمامه بالفسخ إلى مالكه ، حيث إنه يوجب فرض العقد كأن لم يكن ، فيجب على آخذه إرجاعه إليه ، إلاّ أنه لما لم يكن يمكن إرجاعه بعينه لتلفه ، تعين ردّه بالمثل أو القيمة ، كما هو الحال في سائر موارد الفسخ .
وبعبارة اُخرى : إنّ حصّة الطرف الثاني من الزرع لا ترجع بالفسخ إلى مالك البذر ، فإنّه لم يملكه إياه وإنما أعطاه البذر خاصة ، وملك الطرف الثاني الزرع بقانون تبعية النماء للبذر . وعليه فإذا حصل الفسخ ، لم يجب على الطرف الآخر إلاّ إرجاع ما أخذه من البذر ، وحيث إنه ممتنع بعينه ينتقل الأمر إلى البدل .
نعم ، بناءً على ما ذكرناه من كون مبدأ الاشتراك بينهما هو خروج الزرع ، فلا يمكن المساعدة على ما أفاده (قدس سره) ، لما عرفت من أنّ المنقول من صاحب البذر إلى صاحبه إنما هو الزرع ، وهو قابل للرجوع إليه بالفسخ .
وهذه ثمرة واضحة بين المسلكين .
(1) فيه منع واضح ، يظهر وجهه مما تقدّم . فإنه لما كان الفسخ موجباً لرجوع كل مال إلى صاحبه وكأن العقد لم يكن ، كانت منافع الأرض للمالك لا محالة . وحيث إنّ العامل قد استوفاها بزرع بذره فيها على تقدير كون البذر منه فعليه ضمانها باُجرة المثل .
نعم ، لو كان البذر للمالك لم يكن على العامل شيء من جهة الأرض ، إلاّ أنه لما لم يكن أقدمَ على العمل مجاناً وإنما أقدمَ عليه ليكون بإزاء ذلك الحصّة المعيَّنة من الحاصل ، وكان عمله صادراً عن أمر المالك وقد استوفى منافعه ، فعليه ـ المالك ـ أن
ــ[283]ــ
للمزارع الإبقاء إلى البلوغ بدون رضى المالك (1) ولو بدفع اُجرة الأرض ، ولا مطالبة الأرش إذا أمره المالك بالقلع (2) . وللمالك مطالبة القسمة وإبقاء حصّته في أرضه إلى حين البلوغ وأمر الزارع بقطع حصّته قصيلاً (3) .
هذا وأمّا على الوجهين الآخرين، فالزرع الموجود لصاحب البذر (4) . والظاهر عدم ثبوت شيء من اُجرة الأرض أو العمل (5) لأن المفروض صحة المعاملة إلى هذا الحين ، وإن لم يحصل للمالك أو العامل شيء من الحاصل ، فهو كما لو بقي الزرع إلى الآخر ولم يحصل حاصل من جهة آفة سماوية أو أرضية (6) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يرجع إليه ـ العامل ـ ما يعادل بدل عمله ، أعني اُجرة مثله في تلك المدة .
والحاصل أنّ تأثير الفسخ وإن كان من حينه ، إلاّ أن مدلوله إنما هو فرض العقد كأن لم يكن ، وعليه فيرجع كل شيء إلى صاحبه .
لكن هذا لا يعني ذهاب حق الطرف الثاني هدراً ، فإنّ البذر إن كان للمالك أخذ تمام الزرع وضمن للعامل اُجرة مثل عمله ، لأنه قد استوفاه بأمر منه لا مجاناً . وإن كان من العامل ضمن للمالك اُجرة أرضه .
(1) وقد ظهر الوجه فيه في المسألة السادسة ، فراجع .
(2) لأنه قلع بحق .
(3) ظهر الحال فيما تقدّم .
(4) حالهما في ذلك حال الوجه الأوّل ، لعين ما مرّ . فإنّ الفسخ يوجب ارتفاع العقد وفرضه كأن لم يكن ، ومن هنا فيعود كل شيء إلى محلّه الأوّل .
(5) وقد عرفت ما فيه فلا نعيد .
(6) قياس ما نحن فيه ، بصورة عدم حصول شيء نتيجة لآفة سماوية أو أرضية قياس مع الفارق . فإنّ كلاًّ من المتعاقدين لم يلتزم لصاحبه في العقد بشيء زائداً على الاشتراك في الحاصل إن كان ، ومن هنا فليس لأحدهما مطالبة صاحبه بشيء عند
ــ[284]ــ
ويحتمل ثبوت الاُجرة عليه إذا كان هو الفاسخ (1) .
فذلكة : قد تبيّن مما ذكرنا في طيّ المسائل المذكورة أنّ ههنا صوراً :
الاُولى : وقوع العقد صحيحاً جامعاً للشرائط والعمل على طبقه إلى الآخر حصل الحاصل ، أم لم يحصل ، لآفة سماوية أو أرضية (2) .
الثانية : وقوعه صحيحاً مع ترك الزارع للعمل إلى أن انقضت المدّة (3) سواء زرع غير ما وقع عليه العقد أو لم يزرع أصلاً .
الثالثة : تركه العمل في الأثناء بعد أن زرع اختياراً أو لعذر خاص به (4) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهاء أمر الزرع وعدم تحقّق شيء نتيجة لآفة سماوية أو أرضية ، على ما يستفاد ذلك من النصوص الواردة في المقام مضافاً إلى الاتفاق ، فإنّ المستفاد منها قسمة ما يخرج من الأرض بينهما خاصّة ، ومن دون أن يكون لأحدهما على الآخر شيء على تقدير العدم ، وأين هذا من الفسخ بالاختيار وفرض العقد كأن لم يكن !
(1) لاستيفاء المنفعة العائدة إلى غيره ، إما بالزرع في أرضه ، أو عمل الغير له فيضمنه لا محالة .
(2) وقد ظهر حكمها مما تقدّم في صور الكتاب ، من أنّ عقد المزارعة عقد لازم يوجب اشتراك العامل وصاحب الأرض في الحاصل إن كان ، وإلاّ فلا شيء لأحدهما على الآخر .
(3) وقد تقدّم حكمها في المسألة السابعة والتاسعة ، فراجع .
(4) لم يظهر حكم هذه الصورة مما تقدّم منه (قدس سره) ، فإنه (رحمه الله) لم يتعرّض إليها فيما تقدّم .
ودعوى كون حكمها حكم ما لو ترك العامل العمل بالمرة ، مما لا وجه لها ، فإنّ الأمر ليس كذلك ، والمسألتان مختلفتان .
وكيف كان ، فالحكم في هذه الصورة هو ثبوت الخيار للمالك، بين إجبار العامل
ــ[285]ــ
الرابعة : تبين البطلان من الأوّل (1) .
الخامسة : حصول الانفساخ في الأثناء ، لقطع الماء أو نحوه من الأعذار العامّة (2) .
السادسة : حصول الفسخ بالتقايل أو بالخيار في الأثناء (3) .
وقد ظهر حكم الجميع((1)) في طي المسائل المذكورة ، كما لا يخفى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على إتمام العمل ، لما عرفت من اقتضاء عقد المزارعة جواز إلزام كلّ منهما للآخر بأداء ما عليه ، ولو بالرجوع إلى الحاكم الشرعي ، وإلاّ فالعدول من المؤمنين ، وإلاّ فبنفسه .
وبين فسخه للعقد . وحينئذ فإنْ كان البذر للعامل ، كان للمالك مطالبته باُجرة الأرض للفترة الماضية ، ويأمره بالقلع بلا ضمان ، أو إبقائه مجاناً أو باُجرة ، مع التراضي بالنسبة إلى الآتي .
وإن كان للمالك ، رجع بتمامه إليه . وفي مثله لا يبعد الالتزام بعدم وجوب شيء عليه للعامل ، فيقال بذهاب عمله هدراً ، لأنه الذي فوّته على نفسه بترك الإكمال .
والوجه فيه أنّ الضمان في هذه الموارد إنما كان بملاك صدور العمل عن أمر الغير لا مجاناً ، وأنّ هذا الملاك غير متوفر فيما نحن فيه ، فإنّ عمل العامل هذا لم يصدر عن أمر صاحب البذر ، فإنه إنما أمره بالعمل مستمراً إلى الآخر ، وأما العمل الناقص فلم يكن مأموراً به من قبله ، فلاحظ .
وسيأتي مزيد توضيح لذلك عند التعرض لنظير هذه المسألة في المساقاة .
(1) وقد عرفت حكمها في المسألة الرابعة عشرة .
(2) وقد تقدّم حكمها في المسألة السادسة عشرة .
(3) وقد عرفت حكمها في المسألة السابعة عشرة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لم يظهر حكم الصورة الثالثة ممّا تقدّم ، وأنّ حكمها حكم الصورة الثانية .
ــ[286]ــ
[ 3510 ] مسألة 18 : إذا تبيّن بعد عقد المزارعة أن الأرض كانت مغصوبة فمالكها مخير بين الإجازة ، فتكون الحصّة له ، سواء كان بعد المدّة أو قبلها في الأثناء أو قبل الشروع في الزرع ، بشرط أن لا يكون هناك قيد أو شرط لم يكن معه محل للإجازة (1) .
وبين الردّ . وحينئذ فإن كان قبل الشروع في الزرع فلا إشكال (2) وإن كان بعد التمام فله اُجرة المثل لذلك الزرع (3) وهو لصاحب البذر ((1)) . وكذا إذا كان في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كما لو غصبت المرأة أرضاً ، وزارعت رجلاً اشترط عليها في ضمن العقد التزوج منه . أو غصب الطبيب أرضاً ، وزارع غيره واشترط عليه مباشرته لعلاج مريض . إلى غير ذلك من الشروط التي لا يبقى معها مجال لإجازة المالك ، ومن ثم لا يمكن الحكم بالصحة ، لأنها مع الإجازة إما أن تكون مع الشرط أو لا معه .
والأوّل ممتنع ، لفرض عدم قابليته للإجازة . والثاني لا مجال للمصير إليه ، لأنّ العقد إنما اُنشئ مقيّداً به ، فلا يمكن تصحيحه من دونه ، فإنّ المطلق لم ينشأ .
والحاصل أنّ هناك من الشروط ما لا يمكن الوفاء به بالقياس إلى المالك الحقيقي وحينئذ فلا محيص عن الحكم بالبطلان ، وعدم قابلية العقد للحوق الإجازة .
(2) فإنّه يحكم ببطلان العقد ، ولا شيء لأحدهما على الآخر ، لعدم تحقّق ما يوجبه .
(3) وتفصيل الكلام في المقام :
أنّ الأرض قد يفرض كونها بيد الغاصب وتحت سلطنته ، بحيث يكون هو الآمر لغيره بزرعها . وقد يفرض كونها بيد غيره جهلاً بالحكم ، أو مع العلم بالحال ، فيكون هو المزارع لغيره دون الغاصب .
وعلى التقديرين ، فقد يكون البذر من العامل ، وقد يكون من الآمر .
أما إذا كانت الأرض بيد الغاصب وتحت سلطانه ، كان للمالك تضمين كل من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لكنّه إذا كان للمزارع يرجع الزارع إليه باُجرة عمله .
ــ[287]ــ
الآمر والعامل ، لتعاقب يديهما على ملكه ، فله الرجوع على أيهما شاء .
ثمّ لو كان البذر للعامل كان النتاج بعد الحكم بفساد العقد بتمامه له ، لقانون تبعية النماء للبذر .
وحينئذ فلو رجع عليه المالك باُجرة الأرض ، لم يكن له الرجوع على الغاصب الآمر بها ، وإن كان هو ضامناً أيضاً وللمالك الرجوع عليه مباشرة . وذلك لأنّ العامل لم يقدم على أخذ الأرض من صاحبه مجاناً ومن دون الضمان ، وإنما أقدم عليه بإزاء إعطاء الحصّة المعيّنة من النماء له . وحيث إنها لم تسلم له لحكم الشارع بفساد العقد ونظراً لاستيفاء العامل المنفعة ، يُلزم بدفع اُجرة المثل .
ومن هنا يظهر حكم ما لو رجع المالك على الغاصب فباشره وألزمه بدفع اُجرة المثل عن أرضه ، فإنّ له الرجوع على العامل وأخذها منه ، لاستقرار الضمان عليه نظراً لاستيفائه منفعة الأرض بعد الإقدام على أخذها مع الضمان .
وإن كان البذر للغاصب ، فالأمر كذلك أيضاً . فإنّ النماء لصاحب البذر بقانون التبعية ، والمالك مخيّر في الرجوع بعوض منافع أرضه اُجرة مثلها بين الرجوع عليه أو الرجوع على العامل ، على ما يقتضيه قانون تعاقب الأيدي على المال المغصوب .
ومن هنا فإنْ رجع على الآمر لم يكن له الرجوع على العامل ، فإنّ الضمان مستقر عليه ، لأنه إنما سلّمها إليه على أن لا يكون عليه شيء ، فهو قد أقدم على أخذها مجاناً وبإزاء لا شيء عليه ، بل على أن يكون له النصيب المعين من النماء .
فهو ـ العامل ـ لم يتعهّد للمالك بشيء كي يقال بضمانه لإقدامه على أخذها لا مجاناً بل الأمر بالعكس من ذلك تماماً ، فإنه إنما أقدم على أن يكون له شيء من مال صاحب البذر ـ الحصّة من النماء ـ .
ومن هذا يظهر أنّ للعامل الرجوع على صاحب البذر ومطالبته باُجرة عمله ، لأنه قد صدر عن أمره لا مجاناً ، حيث كانت بإزائه الحصّة من الزرع ، فإذا لم تسلم له نتيجة للفساد ، تعيّن دفع اُجرة مثل العمل له .
والحاصل إنّ استقرار الضمان إنما يكون على الذي سلّم الأرض إلى صاحبه بعنوان
ــ[288]ــ
المجانية ، حيث ذكرنا في مبحث تعاقب الأيدي أنّ الذي يخسر نتيجة لأخذ المالك منه البدل ، يملك المال التالف ببناء العقلاء ، ولذا يكون له الرجوع على الذي بعده إلى أن يستقر على الذي استوفاه وتلف عنده ، ما لم يكن قد سلّمه إليه بعنوان المجانية ، فإنه حينئذ لا حقّ له في الرجوع عليه .
ثمّ إنّ مما ذكرناه يظهر حكم ما لو رجع المالك على العامل مباشرة ، فإنّ له الرجوع على الغاصب ـ صاحب البذر ـ باُجرة مثل عمله مضافاً إلى ما غرمه للمالك .
هذا كله فيما إذا كانت الأرض بيد الغاصب وتحت سلطانه . وإلاّ كما لو كان المزارع قد استلمها من غيره ، فليس للعامل الرجوع عليه فيما إذا كان البذر له ـ العامل ـ بما غرمه للمالك من اُجرة الأرض ، ما لم يكن مغروراً من قبله إجماعاً ، فإنّ الأرض لم تقع تحت يده كي يلزمه ضمانها باُجرة مثلها . وأما إذا كان مغروراً من قبله ، فقد قيل بأنّ له الحق في الرجوع عليه لقاعدة الغرور ، إلاّ أنك ستعرف قريباً أنه لا أساس لهذه القاعدة يعتمد عليه .
ثمّ إن هذا كله من جهة ضمان الأرض والبذر ، وأما ضمان العمل فلم يتعرض له الماتن (قدس سره) . والحق فيه أن يقال : أما إذا كان البذر للعامل ، فلا يضمن له أحد بإزاء عمله شيئاً ، لأنه إنما كان لنفسه ومجاناً ، وقد استوفى منافعه أيضاً حيث كان النتاج له . ومن هنا فلا معنى لأن يرجع به على غيره .
وإن كان البذر للآمر، فلا يذهب عمل العامل فيه هدراً ، لأنه عمل مسلم محترم صدر عن أمر الغير بإزاء الحصّة المعيّنة من الحاصل فلم يكن مجانياً ، وقد استوفاه الآمر فلا بدّ من ضمانه .
إلاّ أن مقدار الضمان يختلف باختلاف الفرض .
فقد يفرض أنه ليس للعامل إلاّ العمل المجرّد ، بأن يكون المالك قد رجع عليه باُجرة مثلها ، أو يكون قد رجع على العامل لكنه قد رجع عليه وأخذها منه .
وحينئذ فلا يكون له إلاّ قيمة العمل المجرد فقط ، يرجع بها على الآمر الذي استوفى المنافع بأكملها بما في ذلك الحصّة المجعولة للعامل ، نظراً لفساد العقد .
ــ[289]ــ
الأثناء (1) ويكون بالنسبة إلى بقية المدّة الأمر بيده فإمّا يأمر بالإزالة ، وإما يرضى بأخذ الاُجرة ، بشرط رضا صاحب البذر. ثمّ المغرور من المزارع والزارع يرجع فيما خسره على غارّه((1))(2) ومع عدم الغرور فلا رجوع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد يفرض أنّ للعامل العمل في الأرض المضمونة عليه ، بأن يكون المورد من الموارد التي لا يكون له حق الرجوع باُجرة مثل الأرض التي غرمها للمالك على الآمر ، نظراً لعدم كونها تحت يده .
وحينئذ فله الرجوع على الآمر بقيمة العمل الواقع في أرض مضمونة عليه وتكون مسؤوليتها عليه .
وهذه القيمة تزيد على قيمة العمل المجرّد طبعاً ، وبهذه الزيادة تتدارك خسارة العامل التي خسرها للمالك ، أعني اُجرة مثل الأرض ، وإن لم يكن له الرجوع بها بعنوانها على الآمر .
والحاصل أنّ قيمة العمل في هذا الفرض ، تتدارك خسارة العامل من جهة اُجرة الأرض لا محالة ، وإن لم يكن ذلك بهذا العنوان مباشرة .
(1) الكلام في هذه الصورة هو الكلام في صورة تبين الفساد بعد التمامية . فإنّ للمالك مطالبة من له الزرع باُجرة مثل أرضه عن الفترة السابقة . وله الخيار بالنسبة إلى الفترة الباقية ، بين أمره بالقلع وتفريغه أرضه من غير ضمان لأنه إلزام بحق حيث لم يكن الزرع بإذنه ، وبين إبقائه مع الاُجرة ، كما ليس لصاحبه إلزامه بذلك .
وأما الزرع فهو تابع في الملكيّة للبذر ، على ما تقدّم بيانه .
وكذا الحال في اُجرة العمل ، فإنّ الكلام فيه هو الكلام في الفرض السابق .
نعم ، لو طالب مالكُ الأرض مالكَ البذر بالقلع وتضرر بذلك ، كان له في فرض الغرر الرجوع إلى الغار ، بناءً على تمامية قاعدة الغرور ، وإلاّ ـ بأن لم يكن غرور ، أو لم تتمّ قاعدة الغرور ـ فلا رجوع له على أحد ، لعدم الموجب له .
(2) لقاعدة الغرور .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا فرق في جواز الرجوع وعدمه بين فرض الغرور وعدمه .
ــ[290]ــ
وإذا تبيّن كون البذر مغصوباً ، فالزرع لصاحبه((1)) (1) وليس عليه اُجرة الأرض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكنّنا قد ذكرنا في مبحث المكاسب أن هذه القاعدة وإن اشتهرت في ألسن الأصحاب وكلماتهم ، إلاّ أنها مما لا أساس لها بالمرّة ، فإنّ أسباب الضمان معدودة محدودة وليس منها الغرور .
وكلمة «المغرور يرجع على من غرّ» لم ترد حتى في رواية ضعيفة فضلاً عن المعتبرة .
نعم ، قد يستند فيها إلى رواية محمد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل نظر إلى امرأة فأعجبته ، فسأل عنها فقيل : هي ابنة فلان ، فأتى أباها فقال : زوّجني ابنتك ، فزوّجه غيرها فولدت منه ، فعلم بها بعد أنها غير ابنته وأنها أمة ، قال : «ترد الوليدة على مواليها والولد للرجل ، وعلى الذي زوّجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة كما غر الرجل وخدعه» (2) . حيث إنّ ظاهر التعليل كون التدليس موجباً للضمان .
إلاّ أن هذه الرواية ، وإن عُبِّر عنها بالصحيحة في كلمات بعضهم ، ضعيفة السند بمحمد بن سنان حيث لم يثبت توثيق الرجل .
إذن فهي ساقطة عن الاعتبار ، ولا يمكن الاعتماد عليها في شيء . وحيث لا دليل غيرها على القاعدة ، فلا مجال للاستدلال بها .
(1) على ما تقتضيه قاعدة تبعية الحاصل للبذر .
إلاّ أنه من غير الخفي أنه إنما يتمّ فيما إذا لم يطالب صاحب البذر الغاصب ببدل بذره التالف نتيجة للزرع ، فإنه له ذلك على ما تقتضيه قاعدة الضمان . وإلاّ فالذي يغرم للمالك قيمة البذر ، يملك وبالسيرة القطعية البذر التالف قهراً ، على ما تقدّم بيانه غير مرّة . وحينئذ فيكون الزرع له دون صاحبه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا فيما إذا لم يؤدّ بدله .
(2) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ، ب 7 ح 1 .
ــ[291]ــ
ولا اُجرة العمل (1) . نعم ، إذا كان التبيّن في الأثناء كان لمالك الأرض الأمر بالإزالة (2) .
هذا إذا لم يكن محل للإجازة ـ كما إذا وقعت المعاملة على البذر الكلّي لا المشخص في الخارج أو نحو ذلك ـ أو كان ولم يجز . ولو كان له محلّ وأجاز ، يكون هو الطّرف للمزارعة((1)) (3) ويأخذ الحصّة التي كانت للغاصب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لعدم صدور العمل عن أمره ، كما هو واضح .
(2) على ما تقتضيه قاعدة السلطنة بعد وقوع الفعل من دون إذنه .
(3) هذا فيما إذا كان البذر مذكوراً في عقد المزارعة مستقلاً بحيث يكون صاحبه طرفاً للعامل ، كما إذا كان البذر على العامل وقد زارع غيره في حصّته على أن يكون البذر على الغير . أو للمالك، كما لو بذل أحد البذر وزارع غيره على أن يكون الأرض والعمل والعوامل من الغير ، ثمّ بانَ كون البذر المبذول من الطرف الأوّل مغصوباً ، فإنّ مالكه يكون طرفاً لصاحب الأرض في المعاملة . أو لهما معاً ، بأن يكون من أحدهما الأرض ، ومن الآخر العمل والعوامل ، ومن الثالث البذر خاصة ، بناءً على ما اختاره الماتن (قدس سره) من صحة عقد المزارعة بين أكثر من اثنين .
فإنه وعلى تقدير تبين الفساد بانكشاف غصبية البذر ، يصبح ملكه بالإجازة للمعاملة .
وأما في غير هذه الصورة ، كما لو زارع المالك غيره على أن يكون البذر من الثاني فغصب البذر من غيره وزرع ، فلا مجال لإجازة مالك البذر المعاملة ، لأنه ليس بطرف للعقد ، ويعتبر في صحة العقد الفضولي بالإجازة أن يكون المجيز طرفاً له .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا إذا كان باذل البذر طرفاً للعقد مع العامل أو مالك الأرض بل مع كليهما أيضاً بناءً على القول بصحّة عقد المزارعة بين الأكثر من اثنين ، وأمّا إذا كان العقد بين المالك والعامل مع اشتراط البذر على الثاني فلا محلّ للإجازة كما هو ظاهر ، وبذلك يظهر الحال فيما إذا كانت العوامل أو نحوها مغصوبة وكان صاحب العوامل طرفاً للمعاملة .
ــ[292]ــ
وإذا تبيّن كون العامل عبداً غير مأذون فالأمر إلى مولاه (1) . وإذا تبيّن كون العوامل أو سائر المصارف مغصوبة فالمزارعة صحيحة (2) ولصاحبها اُجرة المثل أو قيمة الأعيان التالفة (3) .
وفي بعض الصور (4) يحتمل جريان الفضولية وإمكان الإجازة ، كما لا يخفى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والحاصل أ نّه لا مجال للمساعدة على إطلاق كلام الماتن (قدس سره) من صحة العقد بالإجازة إذا كان البذر مشخَّصاً ، فإنه قد يكون مورداً للإجازة كما في الصور الاُوَل المتقدِّمة ، وقد لا يكون مورداً لها كما في الصورة الأخيرة .
فالصحيح هو التفصيل ، بين ما إذا كان باذل البذر طرفاً للمعاملة فيصحّ العقد بالإجازة ، وعدمه فلا يصح .
(1) إن شاء أجاز ، وإن شاء فسخ . فإن فسخ بطلت المعاملة ، وإن أجاز كانت المزارعة له . وعلى الأوّل يستحق على المستفيد اُجرة مثل العمل ، لكونه قد استوفى منفعة ملك الغير .
(2) يظهر الحال فيه مما تقدّم . فإنّ الغصب في جميعها لا يضرّ بصحّة المعاملة ، فإنها إنما تتحقق بإباحة البذر والأرض ، وأما غيرهما فهو يرجع إلى المقدمات ، ولا أثر لها في الحكم بالصحة .
والحاصل انّ الغصبية في هذه الاُمور لا تضرّ بالصحة ، فإنّ الجعل إنما عين على الزرع ، وهو إنما يتحقق بالأرض والبذر ، وما عداهما يرجع إلى مقدمات التحصيل ولا أثر لها .
(3) على ما تقتضيه قاعدة الضمان .
(4) كما لو فرض وقوع العقد مع باذل هذه الاُمور بحيث يكون طرفاً فيه ، حيث تقدّم جواز كون أحد الأركان الأربعة خاصة على أحدهما والباقي على الآخر . فلمالك هذه الاُمور حينئذ أن يمضي المعاملة ويكون طرفاً لها ، كما هو الحال في مالك البذر بعينه .
|