هذا وربّما يقال بعدم وجوب الزكاة على العامل في المقام ، ويعلل بوجهين آخرين :
أحدهما : أنها إنما تجب بعد إخراج المؤن ، والفرض كون العمل في مقابل الحصّة فهي من المؤن . وهو كما ترى (1) وإلاّ لزم احتساب اُجرة عمل المالك والزارع لنفسه أيضاً ، فلا نسلّم أنها حيث كانت في قبال العمل تعدّ من المؤن .
الثاني : أنه يشترط في وجوب الزكاة التمكّن من التصرّف ، وفي المقام وإن حصلت الملكيّة للعامل بمجرد الظهور ، إلاّ أنه لا يستحقّ التسلّم إلاّ بعد تمام العمل. وفيه: مع فرض تسليم عدم التمكّن من التصرّف((1)) أنّ اشتراطه مختصّ بما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الآخر بما تعهد به .
(1) حيث قد عرفت في مسالة استثناء المؤن في باب الزكاة ، أنه وإن كان هو المشهور والمعروف بينهم إلاّ أنه لا دليل عليه بالمرة ، فإنّ الدليل على الاستثناء إنما يختص بالخمس ، فلا وجه لإثبات الحكم في الزكاة أيضاً . وعليه فمقتضى إطلاقات وجوب العشر أو نصفه في الحاصل ، وجوب الزكاة في الجميع .
على أننا لو قلنا بالاستثناء تنزلاً ، فالتعبير بالمؤونة لا يعمّ العمل الذي يقوم به الإنسان في سبيل تحصيل الثمر ، فإنها ليست إلاّ الأموال الخارجية التي يبذلها الإنسان في سبيل تحصيله . كما هو الحال في الخمس أيضاً ، حيث يتعلق الخمس بالفاضل عن مؤونة سنة العامل مما جمعه من اُجور عمله ، من دون استثناء شيء بعنوان عمله وهكذا .
وعليه فحيث إنّ العامل في المقام لم يصرف شيئاً من أمواله الخاصة في سبيل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الصحيح عدم تسليمه ، وإلاّ فقد تقدّم في محله عدم اختصاص الاشتراط بما يعتبر الحول في زكاته .
ــ[376]ــ
يعتبر في زكاته الحول ـ كالنقدين والأنعام ـ لا في الغلاّت (1) ففيها وإن لم يتمكن من التصرف حال التعلق يجب إخراج زكاتها بعد التمكن على الأقوى ، كما بُيِّن في محلّه .
ولا يخفى أنّ لازم كلام هذا القائل عدم وجوب زكاة هذه الحصّة على المالك أيضاً (2) كما اعترف به . فلا يجب على العامل لما ذكر ، ولا يجب على المالك لخروجها عن ملكه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحصيل الزرع ، وإنما صرف العمل خاصة ، فلا وجه لاستثناء شيء له بعنوان المؤونة .
(1) تقدّم الكلام في هذا الفرع في كتاب الزكاة مفصلاً . وقد عرفت هناك أنّ الصحيح اعتبار التمكن من التصرف بقول مطلق ومن غير اختصاص له بالنقدين والأنعام ، فإنّ مجرد ملكيّة العين لا يوجب تعلق الزكاة بها حتى ولو لم يمكن المالك التصرّف فيها وإن كانت من الغلاّت .
ومن هنا فالصحيح في الجواب أن يقال : إنّ عدم التمكن من التصرف الذي يكون مانعاً من تعلق الزكاة بالعين ، لا يعمّ العجز الناشئ من الحكم التكليفي ، فإنّ المراد به إنما هو العجز الخارجي الناشئ من خروج المال عن تحت سلطانه ، بالغصب أو السرقة أو ما شاكلهما . وأمّا العجز الناشئ من الحكم التكليفي ولو من جهة النذر ونحوه ، فلا يوجب انتفاء الزكاة عن العين ، وإلاّ لما وجبت الزكاة على المالك أيضاً لعدم جواز تصرفه في المال المشترك ، بل وعدم وجوبها في مطلق المال المشترك باعتبار أنّ كلاًّ من الشركاء يكون ممنوعاً من التصرف في المال المشترك من دون إذن سائر الشركاء ، وهو مقطوع البطلان ولا يمكن الالتزام به .
(2) بل وفي حصّته أيضاً ، بل وفي مطلق المال المشترك وإن لم يكن الاشتراك من جهة المساقاة ، حيث لا يجوز لأحد من الشركاء التصرف في المال المشترك قبل إذن سائر الشركاء ، كما تقدّم .
ــ[377]ــ
[ 3564 ] مسألة 34 : إذا اختلفا في صدور العقد وعدمه فالقول قول منكره (1) وكذا لو اختلفا في اشتراط شيء على أحدهما وعدمه (2) . ولو اختلفا في صحّة العقد وعدمها ، قدم قول مدعي الصحّة (3) . ولو اختلفا في قدر حصّة العامل ، قدم قول المالك المنكر للزيادة (4) وكذا لو اختلفا في المدّة (5) .
ولو اختلفا في قدر الحاصل ، قدم قول العامل (6) وكذا لو ادّعى المالك عليه سرقة أو إتلافاً أو خيانة (7) وكذا لو ادّعى عليه أنّ التلف كان بتفريطه إذا كان أميناً له ، كما هو الظاهر .
ولا يشترط في سماع دعوى المالك تعيين مقدار ما يدعيه عليه ، بناءً على ما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فإنّ إلزام الغير بشيء ـ جواز التصرف في بستانه أو العمل في الاُصول ـ يحتاج إلى الإثبات ، وإلاّ فالأصل عدمه .
(2) لما تقدّم ، فإنه أمر زائد على العقد ، فإلزامه به يحتاج إلى الإثبات ، كما هو الحال في سائر العقود .
(3) لأصالة الصحة المستفادة من السيرة العملية القطعية .
(4) لقانون تبعية النماء للأصل في الملكيّة ، فإنّ مقتضاه كون جميع النماء للمالك ، وإنما خرجنا عنه في خصوص القدر المتيقن لثبوت الجعل بالنسبة إليه في العقد الصحيح فيبقى الباقي على ملك المالك بمقتضى القاعدة .
(5) فإنّ إلزام مدعي الأقل بالفترة الزائدة يحتاج إلى الإثبات .
(6) لم يظهر لنا ثمرة هذا النزاع ، كي يقال بتقديم قول العامل أو المالك . فإنّ مجرد النزاع في قدر الحاصل بوحده لا أثر له ما لم يرجع إلى الدعوى الآتية ، من الاتهام بالإتلاف أو السرقة أو الخيانة ، أو التلف مع التفريط ، أو الاستيلاء عليه من غير إذن المالك ولو اشتباهاً ، وإلاّ فأصل النزاع لا يجدي شيئاً بعد أن كان الاشتراك في أصل الثمار لا بدلها .
(7) للأصل .
ــ[378]ــ
هو الأقوى من سماع الدعوى المجهولة (1) خلافاً للعلاّمة في التذكرة في المقام . ـــــــــــــــــــــ
(1) لإطلاقات أدلّة القضاء بالبيّنات والأيمان وأنّ على المدعي البيّنة واليمين على من أنكر ، فإنّ مقتضاها عدم اختصاص ذلك بكون الدعوى محدودة المقدار ، بل تسمع حتى ولو ادعى السرقة على الإطلاق ومن غير تحديد للكميّة المسروقة .
|