[ 3565 ] مسألة 35 : إذا ثبت الخيانة من العامل بالبيّنة أو غيرها ، هل له رفع يد العامل على الثمرة أو لا ؟ قولان ، أقواهما العدم((1)) (2) لأنه مسلط على ماله . وحيث إنّ المالك أيضاً مسلط على حصّته ، فله أن يستأجر أميناً يضمّه مع العامل ، والاُجرة عليه لأنّ ذلك لمصلحته . ومع عدم كفايته في حفظ حصّته ، جاز رفع يد العامل (3)
ــــــــــــــــــــــــــــ (2) بل أقواهما الجواز . وذلك لأنّ في عقد المساقاة خصوصية تمتاز بها عن سائر موارد الشركة ، ألا وهي تصرّف العامل في البستان والملك الخاص للمالك زائداً عن تصرّفه في الاُصول والثمر ، وهذا التصرف إنما كان العامل مأذوناً فيه ما دام كان يقوم به لحفظ الثمرة وتربيتها مجرّداً عن الخيانة والتعدِّي ، فإذا تغيّرت الحالة وثبت خيانة العامل كان للمالك رفع اليد عن إذنه في هذا التصرف ، ومعه فلا يجوز للعامل الدخول إلى البستان .
وبعبارة اُخرى : إنّ العامل إنما هو مأذون في حصّة خاصّة من الدخول والتصرّف في البستان ، وهي ما يكون لصالح الثمر من الحفظ والتربية مجرّداً عن الخيانة ، فإنّ هذه الحصّة من التصرف هي التي التزم المالك بها ، فإذا تجاوز العامل تلك الحدود وقام بخيانة المالك كان له رفع يده عن إذنه ومنعه من التصرّف فيه ، ومجرّد سلطنة العامل على الثمرة لا يقتضي لزوم الإذن على المالك للعامل في التصرّف في ماله الخاص به أعني البستان .
(3) وكأنه لدليل نفي الضرر الحاكم على قاعدة السلطنة . فإنّ سلطنة العامل على
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فيه إشكال .
ــ[379]ــ
واستئجار من يحفظ الكلّ ، والاُجرة على المالك أيضاً (1) .
[ 3566 ] مسألة 36 : قالوا المغارسة باطلة((1)) (2) . وهي أن يدفع أرضاً إلى غيره ليغرس فيها على أن يكون المغروس بينهما ، سواء اشترط كون حصّة من الأرض أيضاً للعامل أو لا . ووجه البطلان الأصل بعد كون ذلك على خلاف القاعدة ، بل ادعى جماعة الإجماع عليه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ماله إذا كانت موجبة لتضرر شريكه ـ المالك ـ كان مقتضى حكومة لا ضرر على قاعدة السلطنة ، ثبوت الحق للشريك في منعه منه ورفع يده عن المال .
فليس للشريك أن يضرّ بشريكه وإن كان مسلّطاً على ماله ، فإنّ ذلك لا يعني جواز الإضرار بالشريك على ما يستفاد ذلك من قضيّة سمرة بن جندب مع الأنصاري ، حيث كان له عذق في بستانه فكان يدخل ويخرج من غير استئذان مما كان يسبب إزعاجاً للأنصاري وعائلته ، فشكا عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأمر الرجل بالالتزام بما لا يوجب تضرّر الأنصاري ، لكنه لما امتنع عن امتثاله أمر (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الأنصاري بقلع الشجرة وإلقائها (2) .
وهذا التوجيه تامّ ومتين . إلاّ أنّ مقتضاه عدم اختصاص الحكم بصورة عدم كفاية ضمّ الأمين إلى العامل في حفظ الحصّة ، وثبوته حتى مع التمكن من الاستئجار ، لأنّ الاستئجار من أجل منع صاحبه من الخيانة حكم ضروري أيضاً ، فلا وجه لإلزام المالك به .
ومن هنا فلا يبعد الحكم بجواز رفع المالك ليد العامل عن الحصّة ، سواء تمكن من استئجار من يضمّه إلى العامل أم لم يتمكن . وحينئذ فيلزم المالك بحفظ المال المشترك حذراً من التلف .
(1) لما تقدّم .
(2) وهو الصحيح ، على ما ستعرف بيان الوجه فيه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وقولهم هو الصحيح .
(2) الكافي 5 : 292 / 2 ، الوسائل 25 : 428 كتاب إحياء الموات ب 12 ح 3 .
ــ[380]ــ
نعم ، حكي عن الأردبيليّ وصاحب الكفاية الإشكال فيه ، لإمكان استفادة الصحة من العمومات . وهو في محلّه (1) إن لم يتحقّق الإجماع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بل الصحيح هو القول بالفساد ، لعدم إمكان التمسك بالعمومات في المقام من جهات :
الاُولى : إنّ ظاهر العمومات والإطلاقات اتحاد زمان الإنشاء والمنشأ ، بحيث يكون الأثر فعلياً ومتحققاً مقارناً للإنشاء في زمانه ، ولذا قلنا بعدم صحة بيع داره في غير الآن أو إطلاق زوجته كذلك .
وحيث إنّ هذا الشرط غير متوفّر في المقام ، إذ المغارسة ـ على ما هو ظاهر تعريف الماتن (قدس سره) وغيره لها ـ إنما تقتضي استقلال مالك الفسلان بملكيّتها قبل غرسها وكون شركتهما في المغروس، وهو من إنشاء ملكيّة الأمر المتأخر حيث يكون الإنشاء فعلياً في حين إنّ المنشأ ـ الملكيّة ـ إنما يكون بعد الغرس ، فلا تشمله العمومات ولا يمكن الحكم بصحتها .
وبعبارة اُخرى : إنّ ظاهر العمومات اعتبار اتصال المنشأ وما يحكم بانتقاله بموجب العقد، بالإنشاء والعقد نفسه . وحيث إنّ هذا مفقود في المغارسة ، باعتبار أنها مستلزمة للتفكيك بين الإنشاء والمنشأ ، فلا تشمله العمومات .
ولا يقاس ذلك بباب الإجارة ، حيث لا خلاف في صحّة إجارة الدار أو غيرها في الشهر القادم أو السنة القادمة من الآن .
فإنه توهم فاسد، إذ لا انفكاك بين الإنشاء والمنشأ والعقد والملكيّة فإنهما متحدان زماناً، غاية الأمر أنّ المُملَّك ـ بالفتح ـ بالعقد هو المنفعة المتأخرة ، ولا ضير في ذلك بعد أن كانت المنافع بأجمعها الموجودة بالفعل واللاّحقة مملوكة للمالك .
الثانية : جهالة فترة الملكيّة ، حيث لا حدّ للعمل الذي التزم به الغارس بالنسبة إلى الأشجار ، فإنه غير موقت بوقت معيّن . ومن هنا فإن كان مبهماً فلا مجال للحكم بصحّة ما لا واقع له ، وإن كان موقّتاً ببقاء الأشجار حكم ببطلانها لمجهولية تلك الفترة .
ــ[381]ــ
ثمّ على البطلان يكون الغرس لصاحبه (1) . فإن كان من مالك الأرض ، فعليه اُجرة عمل الغارس (2) إن كان جاهلاً بالبطلان((1)) (3) . وإن كان للعامل ، فعليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ودعوى أنّ الجهالة في غير البيع لا تقتضي البطلان ، لعدم الدليل عليه .
مدفوعة بأنّ ذلك إنما هو فيما لا دخل له في مالية الشيء ، وإلاّ فلا يصحّ العقد معها .
الثالثة : مجهولية المنفعة التي يسلّمها المالك للغارس بالتمليك أو الإذن ، فيما إذا كان عوض عمله منحصراً في انتفاعه بالأرض بحيث لم يكن قد اشترط له الحصّة من الأرض ، فإنّ هذه المنفعة مجهولة لعدم تحديدها بحدّ معيّن . ومعه فلا مجال للحكم بصحتها .
والحاصل أنّ الحكم بصحة المغارسة يحتاج إلى الدليل الخاص ، وحيث أنه مفقود فالأصل هو الفساد .
ثمّ إنّ الحكم بالصحة على تقدير تسليمه ، إنما يتمّ فيما إذا كانت الأشجار معلومة من حيث الكمّ والجنس ، وإلاّ فلا مجال للحكم بها ، إذ لا موقع للحكم بصحة ما لا واقع له أصلاً .
(1) لعدم الموجب لانتقـاله عنه إلى غيره ، فإنّ السبب المتصـوّر إنما هو العقـد والمفروض الحكم ببطلانه وعدم تأثيره شيئاً .
(2) لصدور عمله المحترم عن أمره لا بقصد المجانية . وحيث لم يسلّم له العوض المسمّى ، تثبت له اُجرة المثل ، لئلا يذهب عمله المضمون هدراً .
(3) بل ومع العلم به أيضاً ، لما عرفته في غير موضع من أنّ العلم بالفساد لا يلازم تبرع العامل بالعمل ، فإنه إنما يقدم على القيام بالعمل مضموناً على المالك ، حتى مع علمه بعدم إمضاء الشارع لذلك العوض .
نعم ، حيث حكم على العقد بالبطلان ، لا يستحق العامل العوض المسمى والضمان المعيّن في العقد ، وإنما ينتقل حقّه إلى بدل عمله واُجرة مثله .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بل مع العلم به أيضاً فيه وفيما بعده .
ــ[382]ــ
اُجرة الأرض للمالك (1) مع جهله به (2) . وله الإبقاء بالاُجرة (3) أو الأمر بقلع الغرس (4) أو قلعه بنفسه (5) وعليه أرش نقصانه إن نقص من جهة القلع (6) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لاستيفائه لمنافعها وتصرّفه فيها مضموناً عليه .
(2) ظهر الحال فيه مما تقدّم في نظيره .
(3) أو مجّاناً مع التراضي . فإنّ الملك لهما ، فالأرض للمالك والغرس للعامل ، فالحقّ لا يعدوهما.
(4) لسلطنته على أرضه ، فله مطالبته بتخلية ملكه عن مال لا يعود إليه .
(5) فإنّ جواز تخليته لملكه عن مال الغير من حقوق المالكيّة المملوكة له ، فله مباشرتها بنفسه وليس للغارس منعه عنها ، كما هو الحال في غير الأشجار من الأموال .
ثمّ هل يكون هذا الحقّ في طول أمره للعامل بالتخلية وامتناعه عنها ، أو في عرضه بحيث يكون له مباشرتها ابتداءً وقبل مراجعة العامل ؟
الظاهر هو الثاني ، فإنه مسلّط على ماله ، وليس للغارس حق في الإبقاء كي يتوهّم منافاة التخلية لسلطنته على الأشجار . فهو نظير ما يذكرونه فيما إذا دخل مال الغير في ملكه بغير إذنه ، كما لو دخل بعض القطيع إلى داره ، فإنه يجوز له إخراجه ابتداء وقبل مراجعة مالكه وأمره بذلك ، ولا يعدّ ذلك منافياً لسلطنة صاحبه عليه ، بعد أن لم يكن لصاحبه حقّ وسلطان في إبقائه في ذلك المكان .
(6) هذا إذا لم يباشر العامل القلع بنفسه ، وإلاّ فلا وجه للضمان ، فإنّ العيب إنما حصل بفعله هو ، فلا يكون مضموناً على غيره وإن كان ذلك نتيجة لمطالبته إيّاه وأمره به ، فإنه حقّ له فليس لأحد منعه منه .
وكذا الحال فيما إذا امتنع العامل عن تخلية أرضه ، فرفع أمره إلى الحاكم ليجبره عليه ، فأمره الحاكم بالتخلية . فإنه أيضاً لا يستتبع الضمان ، نظراً لأنّ الحاكم وليّ الممتنع ، فيكون حال الفعل الصادر منه عن أمره ، حال مباشرة العامل للقلع بنفسه .
ــ[383]ــ
ويظهر من جماعة أنّ عليه تفاوت ما بين قيمته قائماً ومقلوعاً . ولا دليل عليه بعد كون المالك مستحقاً للقلع (1) . ويمكن حمل كلام بعضهم على ما ذكرنا من أرش النقص الحاصل بسبب القلع إذا حصل ، بأن انكسر ـ مثلاً ـ بحيث لا يمكن غرسه في مكان آخر . ولكن كلمات الآخرين لا تقبل هذا الحمل ، بل هي صريحة في ضمان التفاوت بين القائم والمقلوع ، حيث قالوا : مع ملاحظة أوصافه الحالية من كونه في معرض الإبقاء مع الاُجرة أو القلع .
ومن الغريب ما عن المسالك ، من ملاحظـة كون قلعه مشروطاً بالأرش لا مطلقاً ، فإنّ استحقاقه للأرش من أوصافه وحالاته ، فينبغي أن يلاحظ أيضاً في مقام التقويم . مع أنه مستلزم للدور (2) كما اعترف به .
ثمّ أنه إن قلنا بالبطلان ، يمكن تصحيح المعاملة بإدخالها تحت عنوان الإجارة أو المصالحة أو نحوهما ، مع مراعاة شرائطهما (3) . كأن تكون الاُصول مشتركة بينهما ، إمّا بشرائها بالشركة ، أو بتمليك أحدهما للآخر نصفاً منها مثلاً إذا كانت من أحدهما . فيصالح صاحب الأرض مع العامل بنصف منفعة أرضه مثلاً أو بنصف عينها على أن يشتغل بغرسها وسقيه إلى زمان كذا ، أو يستأجره للغرس والسقي إلى زمان كذا بنصف منفعة الأرض مثلاً . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وبعبارة اُخرى : إنه لا وجه لملاحظة قيمة الغرس قائماً ، بعد أن لم يكن بقاء الشجرة في الأرض وكونها فيها من حقوق الغارس ، ولذا لم يجب شيء فيما إذا لم تتعيب الشجرة بالقلع ، بحيث كانت قابلة للغرس في مكان آخر .
(2) لأخذه (قدس سره) الأرش والتفاوت في موضوع وجوب الأرش ، لاعتباره ارش ما بين الشجرة قائمة والشجرة مقلوعة مع الأرش .
(3) من معلومية المدة والمنفعة إلى غير ذلك ، مما هو دخيل في صحة المعاملة .
|