الثاني - الثالث - الرابع 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3849


   الثاني : القبول من المضمون له (2) . ويكفي فيه أيضاً كل ما دلّ على ذلك من قول أو فعل .

   وعلى هذا فيكون من العقود المفتقرة إلى الإيجاب والقبول ، كذا ذكروه .

   ولكن لا يبعد (3) دعوى عدم اشتراط القبول على حدّ سائر العقود اللاّزمة

 ــــــــــــــــــــــــــــ
   (2) ليصحّ معه صدق العقد .

   (3) بل هو بعيد جداً ، لعدم الدليل على كفاية الرضا الباطني المجرّد عن المبرز له في الخارج في انتقال الدَّين من ذمّة شخص إلى ذمّة غيره ، فإنّ الانتقال يحتاج إلى العقد بين الضامن والمضمون له على حدّ العقد الواقع على المال الخارجي ، حتى يستند ذلك إلى المالك المضمون له ، إذ ليس الضامن ولياً عنه كي يقوم به قهراً عليه .

   وحيث إنّ من الواضح عدم صدق العقد على الرضا الباطني المجرّد ، فلا تشمله عمومات الوفاء به. وعليه فلا بدّ في القول بكفايته في المقام من الدليل الخاص، وحيث إنه مفقود ، فالمتعيّن هو القول باعتبار المبرز للرضا الباطني .

   وأما دعوى دلالة صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، في رجل يموت وعليه دين فيضمن ضامن للغرماء ، فقال : «إذا رضي به الغرماء ، فقد برئت ذمّة الميت» (1) على كفاية الرضا المجرّد .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 18 كتاب الضمان ، ب 2 ح 1 .

ــ[391]ــ

بل يكفي رضا المضمون له ((1)) سابقاً أو لاحقاً ، كما عن الإيضاح والأردبيلي ، حيث قالا : يكفي فيه الرضا ، ولا يعتبر القبول العقدي . بل عن القواعد : وفي اشتراط قبوله احتمال (1) . ويمكن استظهاره من قضية الميت المديون ، الذي امتنع النبيّ

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   مدفوعة بأنّ كلمة «الرضا» في هذه الصحيحة وبفضل الفهم العرفي من قوله : (فيضمنه ضامن للغرماء) مستعملة في الرضا العقديّ المبرز في الخارج ، كما يشهد له إضافته للغرماء ، لا طيب النفس المجرّد عن الإظهار .

   وبعبارة اُخرى: إنّ الرضا يستعمل في معنيين: مجرّد طيب النفس. وطيب النفس المبرز في الخارج ، وهو ما يعبّر عنه بالرضا العقديّ أو المعامليّ .

   فإن كان متعلّق الرضا أمراً خارجياً ، كجواز الدخول في ملك الغير أو التصرّف في ماله، فالظاهر منه وبحسب ملاحظة مناسبة الحكم والموضوع إرادة المعنى الأوّل، بمعنى اعتبار طيب النفس وإن لم يظهره في الخارج . وإن كان متعلّقه من الاُمور العقدية الاعتبارية المتعلقة بأموال النفس وحقوقهم ، فالظاهر منه إرادة المعنى الثاني ، إذ لا بدّ له من إظهاره حتى يستند العقد إليه .

   ثمّ لو فرضنا أنّ كلمة «الرضا» ليست ظاهرة فيما ذكرناه، يكفينا كونها مجملة من هذه الناحية، حيث لا بدّ معه من الحكم بالفساد في موارد خلوّ الرضا عن المبرز له في الخارج استناداً إلى القاعدة، نظراً لعدم الدليل على صحة المعاملة ، فإنّ عنوان العقد غير صادق عليه ، فإنه ليس من ضمّ الالتزام بالالتزام .

   (1) ظهر الحال في هذا القول مما تقدّم ، فإنّ اعتبار القبول أمر متعيّن ، ولا يكفي فيه الرضا الباطني المجرد كما عرفت ، فضلاً عن القول بعدم اعتباره بالمرة .

   ويدلّ عليه، مضافاً إلى دلالة النص السابق، أنّ نقل مال الغير من ذمّة إلى اُخرى تصرّف في سلطانه، فلا يجوز من دون إذنه، كما هو الحال في تبديل عين ماله الخارجية بعين اُخرى، أو نقلها من مكان إلى مكان آخر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا إذا أبرزه في الخارج بمبرز .

ــ[392]ــ

(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يصلّي عليه حتى ضمنه عليٌّ (1) . وعلى هذا فلا يعتبر فيه ما يعتبر في العقود ، من الترتيب والموالاة وسائر ما يعتبر في قبولها .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) ذكرها الشيخ (قدس سره) في الخلاف ، تارة عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(1) واُخرى عن أبي قتادة (2) إلاّ أنه أورد على الاستدلال بالروايتين بضعف السند .

   لكن الظاهر أنه في غير محلّه . فإنّ سند هاتين الروايتين وإن كان ضعيفاً ، إلاّ أنّ أصل القضية مما ثبت تحققه في الخارج ، وذلك لما رواه معاوية بن وهب في الصحيح عن أبي عبدالله (عليه السلام) من غير ذكر فيها لأمير المؤمنين (عليه السلام) وأبي قتادة (3) .

   إذن فالصحيح في الجواب أن يقال : إن هذه الروايات إنما تتضمن قضية شخصية في واقعة ، فلا يمكن جعلها دليلاً على عدم اعتبار القبول في الضمان ، ولعلّ الدائن في تلك القضية كان حاضراً ورضي بذلك .

   على أنّ الضمان المذكور فيها أجنبيّ عن الضمان المبحوث عنه في المقام ، فإنّ الكلام إنما هو في الضمان بمعنى نقل ما في ذمّة شخص إلى ذمة غيره على نحو تبرأ ذمّة الأوّل وهذا المعنى غير ثابت في هذه النصوص ، إذ لم يرد في شيء منها براءة ذمّة الميت .

   فيكشف ذلك على أنّ الضمان هنا إنما هو بمعنى التعهد بالأداء ، ليطمئن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعدم بقاء ذمة الميت مشغولة ، وعدم ذهاب حق الدائن هدراً . واستعماله في هذا المعنى كثير ومتعارف ، فالصديق يضمن لصديقه القيام بما يشغل باله ويمنعه من السفر أو القيام بأمر أهمّ ، وليس ذلك إلاّ بمعنى تعهده المجرّد به .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الخلاف 2 : 79 ، الوسائل ، ج 18  كتاب الضمان ، ب 3 ح 2 .

(2) الخلاف 2 : 80 ، الوسائل ، ج 18  كتاب الضمان ، ب 3 ح 3 .

(3) الوسائل ، ج 18  كتاب الضمان ، ب 2 ح 2 .

ــ[393]ــ

   وأمّا رضا المضمون عنه فليس معتبراً فيه (1) إذ يصحّ الضمان التبرعي ، فيكون بمنزلة وفاء دين الغير تبرعاً ، حيث لا يعتبر رضاه . وهذا واضح فيما لم يستلزم الوفاء أو الضمان عنه ضرراً عليه ((1)) أو حرجاً (2) من حيث كون تبرع هذا الشخص لوفاء دينه منافياً لشأنه ، كما إذا تبرّع وضيع دَيناً عن شريف غنيّ قادر على وفاء دينه فعلاً .

   الثالث : كون الضامن بالغاً عاقلاً . فلا يصحّ ضمان الصبي (3)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) فإنّه أجنبي عن المال بالمرّة ، ولا سلطنة له عليه . ومن هنا فكما يجوز للمالك أن يبيع ماله هذا إلى غيره من غير إذنه ، يجوز له أن ينقله إلى ذمة اُخرى بغير رضاه أيضاً .

   وبعبارة اُخرى : إنّ ذمّة المضمون عنه ليست إلاّ ظرفاً ووعاءً للمال هذا ، وإلاّ فلا سلطنة له عليه مطلقاً ، وإنما أمره بيد مالكه فله نقله إلى أيّ ذمة شاء .

   (2) وربّما يعلل ذلك كما في بعض الكلمات ، بنفي الضرر في الشريعة المقدّسة ، فإنه مانع عن الحكم بصحة الضمان في المقام .

   وفيه ما لا يخفى . إذ لا مهانة ولا ضرر على الشريف في الحكم بسقوط ما في ذمته بوفاء الوضيع لدينه أو ضمانه له ، وإنما هما في تصدي الوضيع لذلك ومباشرته ، ومن هنا فيكون فعله من مصاديق الإضرار بالشريف وإلقائه في المهانة فيكون محرّماً تكليفاً . إلاّ أنّ من الواضح أنّ الأحكام التكليفية لا تلازم الأحكام الوضعية ، فثبوت الحرمة في المقام لا يعني عدم نفوذ الضمان أو الإبراء .

   والحاصل أنّ الحكم في المقام تكليفيّ محض ، باعتبار أنّ فعل الوضيع من صغريات عنوان الإضرار بالغير وهو محكوم بالحرمة . وحيث إنه غير ملازم للفساد ، فلا وجه لاستثناء هذه الصورة من الحكم بعدم اعتبار رضا المضمون عنه في نفوذ الضمان .

   (3) كما هو الحال في سائر المعاملات ، فإنه لا يجوز أمره حتى يحتلم ـ على ما جاء

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل ولو استلزم ذلك ، فإنّ التكليف لا يرتبط بالوضع .

ــ[394]ــ

وإن كان مراهقاً (1) بل وإن أذن له الوليّ على إشكال((1)) (2) . ولا ضمان المجنون (3) إلاّ إذا كان أدوارياً في دور إفاقته (4) . وكذا يعتبر كون المضمون له بالغاً عاقلاً (5) . وأمّا المضمون عنه فلا يعتبر فيه ذلك (6) ، فيصحّ كونه صغيراً أو مجنـوناً . نعم لا ينفع إذنهما في جواز الرجوع بالعوض (7) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في النصوص (2)  ـ فلا يكون فعله موضوعاً لحكم من الأحكام الشرعية .

   (1) لإطلاق الأدلّة .

   (2) والأقوى الجواز . فإنه إذا صحّ ذلك للولي بالمباشرة فيما إذا اقتضت مصلحة الطفل له ، صحّ له ذلك بالتسبيب أيضاً .

   وبعبارة اُخرى : إنه ليس حال الصبي كالمجنون من حيث سلب عبارته ، فإنّ عبارة الصبي غير مسلوبة ، ولذا يجوز له القيام بالبيع أو النكاح أو غيرهما من العقود والإيقاعات بالوكالة عن الغير ، بل غاية ما هناك أنه لا يجوز أمره بمعنى عدم نفوذ عقده بالإضافة إليه بحيث يستقلّ به ويكون الأمر أمره ، وهذا لا ينافي نفوذه بالإضافة إلى الولي ، بحيث يكون كأنه هو الذي قام بالعقد وإن كان المباشر له هو الصبيّ .

   (3) لرفع القلم عنه ، وقصور عبارته ، فلا يترتّب عليها أثر شرعي .

   (4) لكونه حينئذ عاقلاً كسائر العقلاء ، فلا موجب للمنع عن نفوذ أمره .

   (5) لما تقدّم في الضامن حرفياً .

   (6) لما عرفت من كونه أجنبياً عنه ، فلا يعتبر وجوده في الخارج ، كما دلّت عليه صحيحة ابن سنان المتقدِّمة الواردة في الضمان عن الميّت ، فضلاً عن رضاه .

   (7) لأنّ الأمر إنما يوجب الضمان على الآمر فيما إذا كان صادراً ممن له أهلية ذلك الفعل ، فإذا لم يكن متّصفاً بذلك لم يكن أمره موجباً للضمان .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر الجواز إذا كانت فيه مصلحة وإن كان هذا الفرض نادراً ، وأولى بالجواز ما إذا كان المضمون له صبياً .

(2) انظر المبسوط  2 : 323 .

ــ[395]ــ

   الرابع : كونه مختاراً (1) فلا يصحّ ضمان المكره((1)) (2) .
ــــــــــــــــــ

   وبعبارة اُخرى : إنه لما كان أمر الصبيّ والمجنون بمنزلة العدم ، كان الضمان عنهما ضماناً تبرّعياً حتى في فرض أمرهما به ، ومعه فلا يثبت للضامن جواز الرجوع بالمال عليهما .

   (1) فإنه لا عبرة بفعل المكره ، فإنه بمنزلة العدم وكأنه لم يكن . ويدلّ عليه ، مضافاً إلى حديث الرفع ، النصوص الواردة في الموارد الخاصّة كالطلاق ونحوه .

   (2) وكذلك الحال في المضمون له ، لما تقدّم في الضامن حرفاً بحرف .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وكذلك المضمون له .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net