[ 3592 ] مسألة 25 : إذا أذن المولى لمملوكه في الضمان في كسبه ، فإن قلنا إنّ الضامن هو المولى ، للانفهام العرفي (3) أو لقرائن خارجية ، يكون من اشتراط الضمان في مال معين ، وهو الكسب الذي للمولى . وحينئذ فإذا مات العبد ، تبقى ذمّة المولى مشغولة إن كان على نحو الشرط في ضمن العقود (4) ويبطل إن كان على وجه التقييد ((1)) (5) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ (3) نظير أمره له بالاستدانة ، حيث يفهم العرف منه كونه هو المستدين وكأنه هو المباشر له .
(4) لثبوته في ذمّته من بادئ الأمر ، وتعذّر الشرط لا يوجب السقوط ، فيجب عليه أداؤه من سائر أمواله ، كما هو واضح .
(5) تقدّم الكلام فيه في المسألة السابقة . وقد عرفت أنّ التقييد في مثل هذه الموارد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مرّ آنفاً أنه لا محصّل له في المقام .
ــ[440]ــ
وإن انعتق يبقى وجوب الكسب عليه((1)) (1) .
وإن قلنا أنّ الضامن هو المملوك ، وأنّ مرجعه إلى رفع الحجر عنه بالنسبة إلى الضمان ، فإذا مات لا يجب على المولى شيء(2) وتبقى ذمّة المملوك مشغولة يمكن تفريغه بالزكاة ونحوها . وإن انعتق يبقى الوجوب عليه(3) .
[ 3593 ] مسألة 26 : إذا ضمن اثنان أو أزيد عن واحد(4) فإما أن يكون على التعاقب ، أو دفعة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يرجع إلى معنى محصّل ، إلاّ التعليق المبطل للعقد في حدّ نفسه ، ومن هنا فلا بدّ من حمله على الاشتراط لا محالة .
(1) عملاً بمقتضى الشرط ، كذا قيل . إلاّ أنه مشكل جداً ، والظاهر أنّ حال العتق حال الموت ، فكما ينقطع سلطان المولى عن العبد ومنافعه بالموت ، فكذلك ينقطع بالعتق ، فما يكسبه العبد بعد ذلك إنما هو له وملكه ولا سلطان لمولاه عليه . ومن هنا فلا وجه لإلزامه بأداء دين مولاه السابق من ممتلكاته الخاصّة .
بل الظاهر كون المولى هو المطالب بالدَّين فلا بدّ له من أدائه من ماله ، وجواز أدائه من كسب العبد إنما كان ثابتاً له باعتبار ملكيّته له ولمنافعه ، فإذا انتفى ذلك بالعتق والتحرر فلا مجال للحكم ببقائه أيضاً ، فإنه لا يكون إلاّ من أداء الدَّين بمال الغير .
(2) لكون المولى أجنبياً عنه فلا يلزم به ، كما هو الحال في سائر ديون العبد وضماناته غير العقدية .
(3) فيجب عليه الاكتساب والخروج عن عهدة المال ، عملاً بالشرط وتفريغاً لذمّته .
(4) الظاهر كون مفروض الكلام في ضمان الاثنين أو الأزيد لواحد على نحو الاستقلال ، لا ضمان المجموع كما لا يبعد دعوى كونه هو المتعارف في الخارج ، وإلاّ فلا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بل تبقى ذمة المولى مشغولة كما في الموت .
ــ[441]ــ
فعلى الأوّل ، الضامن من رضي المضمون له بضمانه (1) . ولو أطلق الرضا بهما كان الضامن هو السابق . ويحتمل قوياً (2) كونه كما إذا ضمنا دفعة ((1)) خصوصاً بناءً على اعتبار القبول من المضمون له ، فإن الأثر حاصل بالقبول نقلاً لا كشفاً .
وعلى الثاني ، إن رضي بأحدهما دون الآخر فهو الضامن (3) . وإن رضي بهما معاً ، ففي بطلانه كما عن المختلف وجامع المقاصد واختاره صاحب الجواهر ، أو التقسيط بينهما بالنصف أو بينهم بالثلث إن كانوا ثلاثة وهكذا ، أو ضمان كلّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينبغي الإشكال في صحّته ، لرجوعه إلى ضمان بعض الدَّين من قبل كلّ منهما ، وهو صحيح جزماً . فيتعين تقسيط المال عليهم بالنسبة ، وعدم جواز رجوع المضمون له على أحدهم بتمامه .
(1) لاعتبار رضاه في تحقق الضمان جزماً ، وإن لم نقل باعتبار قبوله .
(2) بل هو المتعيّن . فإنّ الضمان إنما يتمّ برضاه أو قبوله ، فقبله لا ضمان وعند تحققه يكون نسبته إليهما على حدّ سواء ، فيجري فيه ما يجيء في ضمانهما دفعة .
والحاصل أنّ حال هذه الإجازة حال إجازة المالك للعقدين الفضوليّين الواقعين على ماله على التعاقب ، حيث يحكم ببطلانهما معاً ومن غير أن يكون لسبق إيجاب أحدهما على الآخر أثر ، فإنّ الأثر إنما هو لسبق العقد على غيره لا سبق إيجابه على إيجاب غيره ، من غير فرق في ذلك بين القول بالنقل كما هو الصحيح في المقام ، أو الكشف كما هو الصحيح في باب الإجازة بناءً على ما اخترناه من الكشف الحكمي فإنّ الحكم إنما يكون من الآن .
نعم ، بناءً على القول بالكشف الحقيقي وجعل القبول معرفاً محضاً ، يمكن القول بصحّة السابق خاصّة ، إلاّ أنه احتمال غير وارد على ما عرفته في محلّه .
(3) لتمامية الضمان بالنسبة إليه دون صاحبه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا هو المتعيّن .
ــ[442]ــ
منهما فللمضمون له مطالبة من شاء كما في تعاقب الأيدي ، وجوه ((1)) أقواها الأخير (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بل الأوّل .
إذ الثاني لا وجه له بالمرّة . فإنّ الضمان إنما تعلق بتمام المال ، فلا وجه للحكم بصحّة كلّ منهما في مقدار والبطلان في مقدار آخر ، فإنه ليس إلاّ التفكيك في مدلول كلّ عقد بلا مبرر .
وأمّا الأخير، فهو وإن كان معقولاً في حدّ نفسه وممكناً بحسب مقام الثبوت ، فإنه وكما يمكن تصوّره في الأحكام التكليفية ـ الواجب الكفائي ـ يمكن تصوّره في الأحكام الوضعية أيضاً ، إلاّ أنّ الكلام في الدليل عليه في مقام الإثبات ، فإنه لا دليل عليه بالمرّة .
وقياسه على ضمان الأعيان والمنافع باطل . فإنّ متعلق الضمان في باب تعاقب الأيدي لما كان هو العين ، كانت مسؤوليتها وبفضل عموم «على اليد» على من يأخذها وتصل إليه ، فهي في عهدة كلّ من يأخذها ويكون مسؤولاً عنها ، على ما ذكرناه في معنى ضمان الأعيان . ومن هنا فإن أمكن ردّها وجب ، وإلاّ تعيّن ردّ بدلها مثلاً أو قيمة .
ونسبة هذا المعنى إلى جميع الأيادي سواء ، فإنه وبمقتضى عموم «على اليد» ثابت على الأخير على حدّ ثبوته على الأوّل ، فإذا أدّى أحدهم بدلها ملك العين التالفة بالسيرة العقلائية .
ومن هنا يكون له الرجوع على من تأخّر عنه دون من تقدّم عليه ، لأنها انتقلت منه إليه ، فلا معنى لرجوعه عليه ببدلها أيضاً .
وأين هذا من ضمان ما في الذمّة ، حيث لا دليل على انتقال المال الواحد إلى ذمّتين
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا إذا لم يكن ضمان المتعدد من ضمان المجموع ، وإلاّ فلا ينبغي الشك في لزوم التقسيط ، وأما إذا كان بنحو ضمان المتعدد استقلالاً فهو باطل على الأظهر .
ــ[443]ــ
معاً ، بحيث يكون ماله الواحد ثابتاً في كلّ من الذمّتين أو الذمم على نحو الاستقلال بأن يكون له الرجوع إليهما معاً ، ومطالبة كلّ واحد منهما بتمام ماله في عرض مطالبته للآخر .
وبعبارة اُخرى : لا دليل على تضاعف دين المضمون له وثبوته في كلّ من الذمّتين بل إنّ ثبوته في كلّ منهما ملازم لبراءة ذمّة الآخر .
وأمّا ثبوته في ذمّتهما على نحو البدل ، نظير الواجب الكفائي ، فلم يدلّ على صحّته دليل ، فإنّ الضمان على البدل كالوجوب على البدل ، إنما يتصوّر على نحوين لا ثالث لهما ، على ما ذكرناه مفصلاً في مبحث الواجب الكفائي من المباحث الاُصولية .
الأوّل : أن يكون المخاطب والمكلف به هو الجامع . فإنّ الواجب لما كان من الاُمور الاعتبارية ، صحّ توجيهه إلى الجامع كما يصحّ تعلقه به ، كما هو الحال في موارد الواجبات التخييرية .
الثاني : أن يكون الخطاب متوجهاً إلى كلّ واحد منهما على نحو الواجب المشروط بحيث يكون كلّ واحد منهما مخاطباً به على تقدير عدم اتيان الغير به ، فيرجع الوجوب الكفائي إلى الوجوب المشروط .
وهذان المعنيان كما يمكن تصوّرهما في الأحكام التكليفية ، يمكن تصوّرهما في الأحكام الوضعية أيضاً . فيكون المخاطب بالضمان هو الجامع ، أو كلّ منهما على تقدير عدم أداء الآخر .
إلاّ أنّ الكلام في إثباته بالدليل ، والظاهر عدم إمكان إثبات شيء منهما .
أمّا الأوّل ، فواضح . فإنّ الضمان إنما صدر من كلّ منهما بشخصه ، فلا وجه لإثباته للجامع . فالذي صدر منه الضمان ـ الفرد ـ لم نقل بضمانه على الفرض ، والذي نقول بضمانه لم يصدر منه ضمان ، فلا وجه للالتزام به .
وأمّا الثاني ، فالأمر فيه كسابقه . فإنّ المنشأ من قبل كلّ من الضامنين ، إنما هو الضمان المطلق دون المقيد بعدم أداء غيره ، فحمله عليه إمضاء لما لم ينشِئْهُ . نظير ما ذكرناه في كتاب الإجارة ، فيما إذا آجر من يجب الحجّ عليه نفسه للحجّ نيابة عن
ــ[444]ــ
وعليه إذا أبرأ المضمون له واحداً منهما برئ دون الآخر (1) إلاّ إذا علم إرادته إبراء أصل الدَّين ، لا خصوص ذمّة ذلك الواحد . ــــــــــــــــــــــ
غيره ، حيث حكمنا فيه ببطلان الإجارة ، باعتبار أنه وإن أمكن تصوّر ذلك صحيحاً على نحو الترتب إلاّ أنه خلاف ما أنشأه المنشئ ، فيكون من مصاديق ما اُنشئ لم يُمضَ شرعاً وما يمكن إمضاؤه لم يُنشأ .
على أننا لو فرضنا التصريح بالثاني ، اعني الضمان على تقدير عدم أداء الآخر ، لم ينفع ذلك لاستلزامه التعليق المبطل للعقود .
إذن فلا دليل على صحّة الضمان البدلي بجميع تقاديره . فإنّ غاية أدلّة الضمان إثبات صحّة انتقال الدَّين من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن ، وأمّا انتقاله من ذمّته إلى ذمّة ما ومن غير تعيين فلم يدلّ على صحّته دليل .
والحاصل أنّ القول بانتقال الدَّين الواحد إلى الذمّتين معاً وجمعاً غير ممكن ، وإليهما على البدل وإن كان ممكناً إلاّ أنه لا دليل عليه .
ومن هنا فيتعيّن القول الأوّل والحكم بالبطلان فيهما معاً ، كما ذهب إليه غير واحد من الأصحاب .
(1) وهو يناقض ما تقدم منه (قدس سره) في المسألة الثالثة ، من الحكم ببراءة الذمّتين على تقدير القول بأن الضمان ضمّ ذمّة إلى ذمّة .
وكيف كان ، فبراءة الذمّتين معاً بإبراء إحداهما هو الصحيح ، لما عرفته في تلك المسألة من رجوع الإبراء إلى إسقاط الدَّين ورفع اليد عنه أساساً ، لا خصوص الضمّ فقط ، فراجع .
|