إذا ضمن كل من المدنيين لواحد دين الآخر - عدم اعتبار علم الضامن بثبوت الدَّين 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4766


   [ 3594 ] مسألة 27 : إذا كان له على رجلين مال ، فضمن كلّ منهما ما على الآخر بإذنه ، فإن رضي المضمون له بهما صحّ (2) . وحينئذ فإن كان الدَّينان متماثلين جنساً وقدراً ، تحوّل ما على كلّ منهما إلى ذمّة الآخر . ويظهر الثمر في الإعسار

 ـــــــــــــــــــــــــــ
   (2) لتمامية الضمان في كلّ من الجانبين .

ــ[445]ــ

واليسار (1) وفي كون أحدهما عليه رهن دون الآخر ، بناءً على افتكاك الرهن بالضمان . وإن كانا مختلفين قدراً أو جنساً ، أو تعجيلاً وتأجيلاً ، أو في مقدار الأجل ، فالثمر ظاهر .

   وإن رضي المضمون له بأحدهما دون الآخر ، كان الجميع عليه (2) . وحينئذ فإن أدَّى الجميع رجع على الآخر بما أدّى ، حيث إنّ المفروض كونه مأذوناً منه . وإن أدَّى البعض ، فإن قصد كونه مما عليه أصلاً ، أو مما عليه ضماناً ، فهو المتبع (3) ويقبل قوله إن ادّعى ذلك (4) . وإن اطلق ولم يقصد أحدهما ، فالظاهر التقسيط ((1)) . ويحتمل القرعة . ويحتمل كونه مخيَّراً في التعيين بعد ذلك . والأظهر الأوّل (5) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) بناءً على ما ذهب إليه المشهور واختاره هو (قدس سره) ، من ثبوت الخيار للمضمون له عند ظهور إعسار الضامن حين الضمان . فإنه وعلى هذا التقدير ، لو ظهر إعسار أحد الضامنين ، كان للمضمون له فسخ ضمانه خاصّة ، وبذلك يثبت المال بتمامه في ذمّة صاحبه . إلاّ أنك قد عرفت في محله عدم تمامية هذا القول .

   (2) أمّا دين نفسه ، فلعدم صحّة ضمانه من قبل صاحبه ، نظراً لعدم قبول المضمون له به . وأمّا دين صاحبه ، فلصحّة ضمانه له .

   (3) فإنّ المال ماله والولاية فيه له ، فله أن يعيّن أيّ الدينين شاء .

   (4) للسيرة العقلائية القطعية على قبول قول من له الولاية على شيء فيه والمعروفة اختصاراً في كلماتهم بقاعدة : «من ملك شيئاً ملك الإقرار به» .

   نعم ، لو كذّبه المضمون عنه ، انتهى الأمر إلى الترافع لا محالة .

   (5) بل هناك احتمال رابع هو أظهر الكلّ . وحاصله احتسابه عما في ذمّته بالأصالة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الظاهر أ نّه يقع وفاءً لما في ذمّته أصلاً ، فلا يجوز له الرجوع على المضمون عنه ما لم يقصد وفاء ما وجب عليه من قبله . والوجه في ذلك أنّ الرجوع عليه من آثار أداء ما ثبت في ذمّته من قبله ، فما لم يقصد بخصوصه لا يترتب أثره ، وبذلك يظهر حال نظائر المسألة .

ــ[446]ــ

خاصّة ، وعدم رجوعه بشيء منه على المضمون عنه .

   والوجه فيه إنّ اشتغال الذمّة بواجبين متماثلين ، سواء في ذلك الواجبات التكليفية والوضعية ، يكون على أنحاء :

   فقد يفرض عدم وجود الخصوصية لهما معاً ، بأن يكون المطلوب من المكلف هو فردان من الطبيعي ، من غير تقييد بهذا أو ذاك ، أو تمايز بينهما . نظير من فاته يومان من رمضان ، أو صلاتان متماثلتان من يومين ، أو كان عليه دينان لشخص واحد بأن يكون قد استقرض منه مرتين . حيث لا مائز بين الواجبين في هذه الموارد بحسب الواقع وعلم الله ، بل الواجب عليه هو فردان من طبيعي ذلك الواجب ، من غير تحديد بأحدهما دون الآخر .

   وقد يفرض وجود الخصوصية لأحدهما دون الآخر ، كما لو كان عليه صيام يومين ، يوم عمّا فاته في السنة السابقة ، ويوم عمّا فاته من السنة التي هو فيها . حيث إنّ الأوّل لا خصوصية له ، في حين إنّ من خصوصية الثاني وجوب الفدية عند عدم الاتيان به إلى رمضان القادم . وكذا الحال في دينين بإزاء أحدهما رهانة ، حيث يكون من خصوصية ما بإزائه رهانة افتكاك الرهانة بأدائه ، في حين لا خصوصية في أداء صاحبه .

   وقد يفرض وجود الخصوصية لهما معاً ، بأن يكون المطلوب منه هو الفردين الممتازين أحدهما عن الآخر ، كما لو كان عليه صيام يومين ، يوم عن الكفارة والآخر قضاء ، أو كان كلّ منهما نيابة عن شخص معين .

   وعليه فإذا أتى المكلّف بأحد الواجبين الثابتين في ذمّته ، من غير تعيين له وقصد إليه بحسب الواقع.

   فإن كان من قبيل الأوّل ، سقط الواحد لا بعينه وبقي الآخر لا بعينه ، إذ لا خصوصية تميز أحدهما عن صاحبه ، والجامع قابل للانطباق على كلّ منهما ، فيسقط أحدهما لا محالة ويبقى الآخر . فلو كان قد صام يوماً من اليومين أو أدّى أحد الدَّينين ، سقط يوماً وبقيت ذمّته مشغولة بيوم آخر ، وكذا الدَّين .

ــ[447]ــ

   وإن كان من قبيل الثاني ، تعيّن الاحتساب عما لا خصوصية فيه وبقاء الذمّة مشغولة بذي الخصوصية ، نظراً إلى أنّ الاحتساب من الأوّل لا يحتاج إلاّ إلى قصد أصل الطبيعي وهو حاصل ، بخلاف الثاني حيث يحتاج الاحتساب عنه إلى قصد الخصوصية وهو مفقود .

   وبعبارة اُخرى : إنّ الاحتساب عن ذي الخصوصية لا يكون إلاّ مع قصده بعينه فإنه من الاُمور القصدية ، وما لم يقصد لم يسقط أمره ولم يتحقق امتثاله . بخلاف صاحبه ، حيث لا يتوقف احتسابه عنه على قصد زائد عن قصد أصل الطبيعي .

   فالجامع ينطبق على ما لا خصوصية فيه من الواجبين قهراً ، لكفاية القصد إلى أصل الطبيعي فيه . ولا ينطبق على ما فيه الخصوصية ، لعدم قصدها .

   وإن كان من قبيل الثالث ، اختلف الحال فيه بالنظر إلى ما يقبل التقسيط وما لا يقبله .

   ففي الأوّل يتعين التقسيط ، كما لو ضمن لشخص دينين له على رجلين فأدّى مقداراً منه ، فإنه يحسب منهما لا محالة وإن لم يكن قد قصد إحدى الخصوصيتين حين الأداء ، فإنّ دفعه عما في ذمّته من قصد المجموع قهراً ، لأنه لم يدفعه تبرّعاً ومجّاناً . فليس هذا في الحقيقة من عدم قصد الخصوصية ، بل هو من قصد الخصوصيتين معاً فيحسب عليهما لا محالة .

   وفي الثاني يتعين الحكم بالبطلان ، لعدم إمكان الاحتساب عليهما بالنسبة ، وبطلان الترجيح بلا مرجح . كما لو كان عليه صوم يومين عن شخصين ، فصام يوماً واحداً من غير تعيين للمنوب عنه ، فإنه لا محيص عن الحكم ببطلانه ، لعدم قابليته للتقسيط بينهما .

   إذا عرفت ذلك كلّه، فحيث إنّ ما نحن فيه ـ أداء الضامن المديون لبعض المجموع من غير تعيين ـ من قبيل القسم الثاني أعني وجود الخصوصية في أحدهما خاصّة باعتبار أنّ ثبوت الرجوع على المضمون عنه من خصوصيات الأداء عنه ، تعيّن الحكم فيه بالاحتساب عن نفسه وجعله بتمامه وفاءً عن دينه ، لعدم احتياجه إلاّ إلى أصل قصد الطبيعي . بخلاف الأداء عن الغير ، حيث يتوقف على قصد الخصوصية .

ــ[448]ــ

   وكذا الحال في نظائر المسألة (1) . كما إذا كان عليه دَين وعليه رهن ودَين آخر لا رهن عليه فأدّى مقدار أحدهما ، أو كان أحدهما من باب القرض والآخر ثمن المبيع ، وهكذا . فإنّ الظاهر في الجميع التقسيط .

   وكذا الحال إذا أبرأ المضمون له مقدار أحد الدَّينين ، مع عدم قصد كونه من مال الضمان أو من الدَّين الأصلي . ويقبل قوله إذا ادّعى التعيين في القصد (2) لأنه لا يعلم إلاّ من قبله .

   [ 3595 ] مسألة 28 : لا يشترط علم الضامن حين الضمان بثبوت الدَّين على المضمون عنه(3). كما لا يشترط العلم بمقداره (4) فلو ادعى رجل على آخر دَيناً فقال : عليّ ما عليه ، صحّ . وحينئذ فإن ثبت بالبيّنة يجب عليه أداؤه ، سواء  كانت

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   والحاصل أنّ الجامع منطبق على دينه الأصلي انطباقاً قهرياً ، فيكون ما أدّاه وفاءً عنه ، وتبقى ذمّته مشغولة بالدَّين الضماني ، لأنّ انطباقه عليه يحتاج إلى القصد ، وهو مفقود .

   ومن هنا يظهر أنه لا وجه في المقام للقول بالتقسيط أو القرعة أو الرجوع في التعيين إليه ، لانتفاء موضوعها بعد تعين الاحتساب عليه قهراً .

   (1) ظهر الحال فيها مما تقدّم ، فإنّ ما ذكرناه من القاعدة سيالة فيها أجمع .

   (2) بالسيرة العقلائية القطعية ، على ما تقدّم .

   (3) على ما هو المعروف والمشهور بين الأصحاب . وقد نسب الخلاف فيه إلى بعض ، بدعوى استلزامه الغرر المنفي .

   إلاّ أنك قد عرفت في المسألة الاُولى من هذا الكتاب ، الإشكال منّا في عموم دليل القاعدة لغير البيع وفي صدق الغرر في المقام ، فراجع .

   هذا مضافاً إلى رجوع الشكّ في المقدار إلى الشكّ في أصل الوجود بالنسبة إلى الزائد ، فإذا صحّ الضمان في الأوّل صحّ في الثاني أيضاً ، ولا وجه للتفكيك بينهما .

   (4) لعمومات أدلّة الضمان ، على ما تقدّم بيانه في المسألة الاُولى من الكتاب .

ــ[449]ــ

سابقة أو لاحقة(1). وكذا إن ثبت بالإقرار السابق على الضمان، أو باليمين المردودة(2) كذلك(3).

   وأمّا إذا أقرّ المضمون عنه بعد الضمان، أو ثبت باليمين المردودة، فلا يكون حجّة على الضامن إذا أنكره (4) ويلزم عنه بأدائه في الظاهر (5) .

   ولو اختلف الضامن والمضمون له في ثبوت الدَّين أو في مقداره، فأقرّ الضامن أو ردّ اليمين على المضمون له فحلف، ليس له الرجوع على المضمون عنه إذا كان

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لعدم اختصاص حجية البيّنة بما يكون قبل الضمان .

   (2) من المضمون عنه المنكر ، على المضمون له المدّعي .

   (3) أي قبل الضمان .

   (4) أمّا الأوّل ، فلاختصاص حجّيته بالمقر دون غيره ، فما يكون عليه يلزم بإقراره ، وأمّا ما يكون له أو على غيره فلا أثر لإقراره . وما نحن فيه من هذا القبيل حيث إنّ إقراره إنما هو في حقّ الغير ، فلا وجه للقول بنفوذه .

   وأمّا الثاني ، فلاختصاص أثره وحجّيته بمن ردّ اليمين على الحالف ، فهو الملزم بمقتضى اليمين دون غيره .

   (5) أي يلزم المضمون عنه أداء المال إلى المضمون له عن الضامن ظاهراً .

   وقد أورد عليه في بعض الكلمات بما حاصله نفي المقتضي لهذا اللزوم ، باعتبار أنّ إقراره هذا كالعدم ، للقطع بفراغ ذمّته وعدم اشتغالها بشيء ، لأنه إن كان كاذباً في إقراره فالأمر واضح فإنه بريء الذمّة قبل الضمان وبعده ، وإن كان صادقاً فقد برئت ذمّته بانتقال ما فيها إلى ذمّة الضامن بحكم الضمان . ومن هنا فمطالبة المضمون له بالمال وأخذه منه ، ليس إلاّ من أخذ ما يعلم بعدم استحقاقه له .

   وفيه : إنه يمكن تقريب ما أفاده الماتن (قدس سره) بأحد وجهين :

   الأوّل : إنّ إقراره لما كان حجة في ثبوت الدَّين عليه أوّلاً لزمه أداؤه ، نظراً إلى ان الضمان وإن اقتضى نقله إلى ذمّة الضامن ، إلاّ أنه لما لم يكن إثبات الدَّين في حال سابق

ــ[450]ــ

منكراً (1) وإن كان أصل الضمان بإذنه . ولا بدّ في البيّنة المثبتة للدَّين أن تشهد بثبوته حين الضمان . فلو شهدت بالدَّين اللاّحق أو أطلقت ولم يعلم سبقه على

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على الضمان بدليل معتبر ، ومن ثمّ لم يكن الضامن ملزماً بأدائه ، كان لازم سقوطه من المضمون عنه أيضاً ذهاب مال المسلم هدراً ، وهو أمر لا يمكن المصير إليه فإنّ ماله كدمه لا يذهب هدراً .

   ومن هنا فلا بدّ للمضمون عنه المعترف بثبوت الدَّين عليه أوّلاً الخروج عن عهدته ، وحيث لم يكن بدفعه عن نفسه مباشرة لاعتراف المضمون له ببراءة ذمّته فلا بدّ له من دفعه وفاءً عن الضامن ، حيث به يصل المال إلى صاحبه .

   الثاني : الالتزام بفساد الضمان ، فيبقى الدَّين على حاله ثابتاً في ذمّة المدين الأوّل ومن هنا فيجب عليه الأداء وفاءً .

   وذلك لا لأجل توقف صحّة الضمان على العلم بالدَّين فإنه أمر غير صحيح ، بل لإناطة صحّة الضمان بثبوت الدَّين شرعاً كإناطتها بثبوته الواقعي ـ وهو غير قادح لكونه تعليقاً على ما يتقوّم به ـ فإنه ليس إلاّ أخذه في العهدة ، وهو إنما يكون فيما إذا ثبت وجوده شرعاً ، فما لم يثبت ذلك لم يكن المعلّق عليه الضمان حاصلاً فيحكم بفساده .

   وهذا الاحتمال وإن كان هو الأوجه ، إلاّ أنّ من غير الخفي كون الأوّل هو الأوفق بعبارته (قدس سره) .

   (1) لعدم نفوذ إقرار الضامن أو يمينه المردودة على خصمه في المضمون عنه .

   ثمّ إنّ اختلاف الضامن والمضمون له في أصل ثبوت الدَّين وإنكار المضمون عنه لذلك بعد ثبوته بإقرار الضامن أو اليمين المردودة ، مع فرض كون الضمان بأمر المضمون عنه ، إنما يتصور في موارد الإذن في الضمان على نحو كلّي ، بأن يقول المضمون عنه للضامن : (اضمن عني ديوني) . فإنه حينئذ يمكن فرض إنكار المضمون عنه لدين معين مع كون أصل الضمان عن إذنه ، وإلاّ فلو كان الإذن شخصياً بأن أذن له في ضمان الدَّين المعين لم يكن لهذا البحث مجال ، إذ لا يمكن الجمع بين الاعتراف بأصل الدَّين

ــ[451]ــ

الضمان أو لحوقه لم يجب على الضامن أداؤه (1) .
ــــــــــــــــــ

الناشئ من إذنه في ضمانه شخصياً مع إنكاره لأصله .

   والحاصل أن إذنه ـ المضمون عنه ـ في ضمان الدَّين المعيّن الشخصي اعتراف منه به وبثبوته عليه ، ومعه فلا مجال لإنكاره له بعد ذلك .

   (1) إذ لا بدّ في جواز الرجوع عليه وإلزامه بما ضمنه ، من ثبوت الدَّين في ذمّة المضمون عنه شرعاً حال الضمان ، لينتقل به منها إلى ذمّة الضامن .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net