حكم ضمان مال الجعالة والسبق والرماية - حكم ضمان الأعيان المضمونة 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5341


ــ[463]ــ

   [ 3604 ] مسألة 37 : اختلفوا في جواز ضمان مال الجعالة قبل الإتيان بالعمل وكذا مال السبق والرِّماية ، فقيل بعدم الجواز ، لعدم ثبوته في الذمّة قبل العمل .

   والأقوى ـ وفاقاً لجماعة ـ الجواز ((1)) (1) لا لدعوى ثبوته في الذمّة من الأوّل وسقوطه إذا لم يعمل ، ولا لثبوته من الأوّل بشرط مجيء العمل في المستقبل، إذ الظاهر أنّ الثبوت إنما هو بالعمل، بل لقوله تعالى: (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم ) ((2)) (2)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسر لدين المعسر ويجوز مطالبته به جزماً ، وإن لم يكن يجوز مطالبة المضمون عنه به لإعساره .

   والحاصل أنّ كلّ حكم تابع لموضوعه سعة وضيقاً ، وليس عدم زيادة الفرع على اصله قاعدة ثابتة يجوز التعويل عليها في تخصيص عمومات الأحكام وإطلاقاتها .

   بل ذكر في الجواهر أنّ الصحّة هنا أولى منها في العقود الجائزة كبيع الخيار ونحوه حيث لا مجال ـ فيما نحن فيه ـ لإعمال الخيار بعد الضمان ، نظير انعتاق العبد به مباشرة ، وإعمال الخيار فرع عبوديته . بخلاف الحال في العقود الجائزة ، حيث يجوز له اعمال خياره حتى بعد الضمان ، فيرتفع العقد ويبطل الضمان .

   (1) بل الأقوى هو التفصيل بين الجعالة من جهة والسبق والرماية من جهة اُخرى ، على ما سيأتي تفصيله .

   (2) وفيه : إنّ الآية الكريمة أجنبية عن محل الكلام . إذ الكلام إنما هو في الضمان بالمعنى المصطلح ، أعني نقل المال الثابت في ذمّة شخص إلى ذمّة غيره ، والمستلزم لتغاير الضامن والمضمون عنه ـ الجاعل في الفرض ـ . في حين إن ظاهر الآية الكريمة اتحاد الضامن والجاعل ، ومن هنا فلا بدّ من حمل الضمان فيها على تأكيد الجعل والتزامه به ، فتكون خارجة عن المعنى المبحوث عنه ، كما هو واضح .

   ثمّ لو تنزلنا وسلّمنا دلالتها على المدّعى في الضمان ، فالتعدي عن موردها إلى غيره

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال ، والاحتياط لا يترك .

(2) سورة يوسف 12 : 72 .

ــ[464]ــ

ولكفاية المقتضي للثبوت في صحّة الضمان (1) ومنع اعتبار الثبوت الفعلي كما أشرنا إليه سابقاً .

   [ 3605 ] مسألة 38 : اختلفوا في جواز ضمان الأعيان المضمونة ـ كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد ونحوهما ـ على قولين ، ذهب إلى كلّ منهما جماعة .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مما يكون مشابهاً له ، لا يخرج عن حدّ القياس الباطل .

   (1) تقدّم الكلام فيه غير مرّة ، وقد عرفت أنه مما لا يمكن المساعدة عليه . فإنه وبعد الاعتراف بعدم اشتغال ذمّة الجاعل والعاقد بشيء بالفعل ، كيف يمكن الالتزام بصحّة الضمان بالمعنى المصطلح ، أعني نقل الدَّين من ذمّة إلى غيرها ، فإنه ليس إلاّ من السالبة بانتفاء الموضوع .

   ودعوى عدم الدليل على بطلان ضمان ما لم يجب، حيث لم يرد فيه نص، ولم يثبت عليه الإجماع، على ما سيأتي منه (قدس سره) في المسألة الآتية .

   واضحة الاندفاع ، فإنّ بطلانه ـ الضمان ـ من القضايا التي قياساتها معها ، ولا حاجة في إثباته إلى النص أو التمسك بالإجماع . فإنه وبعد تسليم أنّ الضمان نقل للدَّين من ذمّة إلى اُخرى ، والاعتراف بعدم ثبوت شيء في ذمّة الجاعل والعاقد بالفعل ، فلا موضوع له بالمرّة كي يكون إثبات بطلانه محتاجاً إلى النص أو الإجماع .

   نعم ، بناءً على عدم اشتراط التنجيز في الضمان ، لا بأس بالالتزام بصحّة ضمانها على وجه التعليق ، إلاّ أنه واضح الفساد كما لا يخفى .

   وكيف كان ، فالصحيح هو التفصيل بين ضمان مال الجعالة وضمان مال السبق والرماية ، والالتزام في الأوّل بالصحّة وفي الثاني بالبطلان .

   وذلك لرجوع ضمان مال الجعالة قبل العمل إلى أمر الضامن للعامل بالعمل المحترم لا مجاناً، بل مع الاُجرة المسماة ـ الجعل ـ لكن على تقدير عدم وصول حقّه إليه من الجاعل ـ المضمون عنه ـ  .

   وهذا ليس من الضمان المصطلح ، كي يرد عليه بأنه من ضمان ما لم يجب ، نظراً لفراغ ذمّة المضمون عنه بالفعل. وإنما هو من التعهد بالجعل في طول تعهد الجاعل به

ــ[465]ــ

والأقوى الجواز ((1)) (1) سواء كان المراد ضمانها بمعنى التزام ردّها عيناً ومثلها أو

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فإنّ أمره به يوجب الضمان ، إلاّ أنّ التزامه به إنما هو عند عدم وصول حقّ المجعول له بعد العمل إليه ، ولا بأس بالالتزام بصحّته ، لبناء العقلاء وشمول عمومات الأمر بالوفاء بالعقود له .

   إلاّ أنّ هذا إنما يختص بضمان مال الجعالة بالمعنى الذي ذكرناه ، حيث إنه من العقود المتعارفة التي عليها بناء العقلاء . ولا يتمّ في مال السبق والرماية ، فإنهما وبحدّ ذاتهما من أظهر مصاديق القمار ، أكل المال بالباطل كما هو ظاهر ، وإنما صحّا بالدليل الخاص لبعض الاعتبارات الملزمة .

   ومن هنا يجب الاقتصار في الحكم على مقدار دلالة الدليل عليه خاصّة ، والحكم فيما زاد عنه بالبطلان .

   وحيث إن دليل صحّتهما إنما تضمن صحّتهما بالقياس إلى طرفي العقد ، صحّ أكل أحدهما لمال الآخر وإن كان بحسب القاعدة الأوّلية هو البطلان ، ويبقى الأجنبي الضامن الذي لا يعود العقد بالنفع عليه على كلّ تقدير ولا يرتبط به في شيء على القاعدة المقتضية للبطلان .

   والحاصل أنّ ثبوت الضمان بالأمر فرع صحّة العمل المأمور به وإباحته . وحيث لا دليل عليها بالقياس إليه ، وإن كان صحيحاً بالقياس إلى طرفي العقد ، يتعين الرجوع إلى قاعدته الأوّلية المقتضية للبطلان ، من حيث كون العمل قماراً ، وأكل المال بإزائه أكلاً للمال بالباطل .

   (1) بل الأقوى هو التفصيل ، فإنّ المنشأ من قبل الضامن :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر فيه التفصيل . فإنّ المنشأ إذا كان هو التعهّد الفعلي للعين المضمونة ليترتب عليه وجوب ردّها مع بقائها ودفع البدل عند تلفها ، فلا بأس به للعمومات ، ولا سيما أنه متعارف في الخارج . وإذا كان اشتغال الذمّة بالبدل فعلاً على تقدير تلفها واشتغال ذمّة الضامن الأوّل به متأخراً فهو واضح الفساد ، بل صحّته غير معقولة . وإذا كان اشتغال الذمّة بعد اشتغال ذمّة الضامن الأوّل به على نحو الواجب المشروط ، فصحته مبتنية على عدم اعتبار التنجيز . وبذلك يظهر الحال في ضمان الأعيان غير المضمونة .

ــ[466]ــ

   تارة يكون هو الضمان المصطلح ، أعني التزامه لصاحب المال باشتغال ذمّته من الآن بالبدل ، فيما إذا تلفت العين بعد ذلك واشتغلت ذمّة المضمون عنه ـ الغاصب أو القابض بالعقد الفاسد ـ به .

   واُخرى يكون اشتغال ذمّته به على نحو الواجب المشروط ، أعني إنشاء الضمان المتأخر والمعلّق على التلف من الآن .

   وثالثة يكون بمعنى كون المال في عهدته ، وكونه هو المسؤول عن ردّه ما دام موجوداً ، وردّ بدله مثلاً أو قيمة عند تلفه . كما هو الحال في الغاصب نفسه ، فإنّ ضمانه ليس بمعنى وجوب ردّ بدله عليه بالفعل ، إذ العين ما دامت موجودة لا وجه لاشتغال ذمّته بالبدل ، بل هو بمعنى كونه مسؤولاً عن العين وكون العين في عهدته ، بحيث يجب عليه ردّها ما دامت موجودة وردّ بدلها عند تلفها .

   والأوّل : باطل جزماً ، لكونه من ضمان ما لم يجب . وقد عرفت في المسألة السابقة أنّ بطلانه لا يحتاج إلى دليل خاصّ من نص أو إجماع ، فإنه من القضايا التي قياساتها معها . إذ لو لم تكن ذمّة المضمون عنه مشغولة بشيء بالفعل ، كما هو مفروض الكلام فأيّ شيء هو ينتقل بالضمان من ذمّته إلى ذمّة غيره ؟

   والثاني : وإن كان ممكناً في نفسه ، إلاّ أنه محكوم بالبطلان قطعاً ، للإجماع على اشتراط التنجيز في الضمان وعدم صحّة التعليق فيه .

   والثالث : وإن كان خارجاً عن الضمان بالمعنى المصطلح المبحوث عنه في المقام ، إذ لم تشتغل ذمّة أحد بالمال كي ينتقل إلى ذمّة غيره ، إلاّ أنه لا مانع من الالتزام بصحّته لعمومات الأمر بالوفاء بالعقود ، بل وجريان السيرة العقلائية عليه خارجاً .

   وعليه فيحكم على هذا النحو من الضمان بالصحّة واللزوم ، ومقتضاه ثبوت حقّ المطالبة للمضمون له من الضامن بالعين ما دامت موجودة وبالبدل إذا تلفت .

   ثمّ إنّ هذا الضمان ليس من الضمان على مذهب العامة ، فإنه ليس من ضمّ ذمّة إلى ذمّة اُخرى ، إذ لا اشتغال للذمّة الاُولى فضلاً عن الثانية كي تضمّ إليها . وإنما هو من

ــ[467]ــ

قيمتها على فرض التلف أو كان المراد ضمانها بمعنى التزام مثلها أو قيمتها إذا تلفت ، وذلك لعموم قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : «الزعيم غارم» ((1)) (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ضمّ ضمان إلى ضمان آخر وإن اختلف سببهما ، فضمان الغاصب والقابض بالعقد الفاسد فعليّ ، في حين إنّ ضمان الضامن عقديّ. وهو ـ ضمّ ضمان إلى ضمان ـ لا محذور فيه بالمرّة، بل هو ثابت بالإجماع في غير مورد من الفقه، كالأيادي المتعاقبة على المغصوب أو المقبوض بالعقد الفاسد .

   والذي يتحصل مما ذكرناه أنّ الحقّ في المقام هو التفصيل ، بين إرادة الضمان بالمعنى المبحوث عنه ، وبين إرادة التعهد وتحمل المسؤولية . فإنّ الأوّل باطل ، لدورانه بين ضمان ما لم يجب الباطل على القاعدة ، والتعليق الموجب للبطلان في حدّ نفسه . والثاني محكوم بالصحّة ، للعمومات والسيرة .

   (1) وفيه : إنّ الرواية نبوية لم تثبت من طرقنا ، بل في معتبرة الحسين بن خالد قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك، قول الناس: الضامن غارم، قال: فقال : «ليس على الضامن غرم ، الغرم على من أكل المال» (2) تكذيبه .

   على أنّ مدلول النبوية بحسب تفسير المعتبرة لها أجنبي عن محل الكلام ، فإنّ ظاهرها أنّ الناس كانوا يتخيلون استقرار الخسارة في الضمان على الضامن نفسه فأنكر ذلك الإمام (عليه السلام) وحكم باستقرارها على المضمون عنه ، وأين هذا عن محلّ الكلام ؟

   على أننا لو تنزّلنا عن جميع ذلك ، فلا دلالة للنبوية على موارد صحّة الضمان أو عدمها ، فإنها لو صحّت إنما تدلّ على استقرار الغرم على الضامن عند صحّة الضمان وتحقّقه ، ولا تتكفل بيان صحّة الضمان في الأعيان الخارجية المضمونة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مستدرك الوسائل 13 : 435  كتاب الضمان ب 1 ح 1 ، فقه الرضا (عليه السلام) ص 34 .

(2) الوسائل ، ج 18 كتاب الضمان ، ب 1 ح 1 .

ــ[468]ــ

والعمومات العامّة (1) مثل قوله تعالى : (أوفوا بالعقود ) .

   ودعوى أنه على التقدير الأوّل يكون من ضمان العين بمعنى الالتزام بردّها مع أنّ الضمان نقل الحقّ من ذمّة إلى اُخرى . وأيضاً لا إشكال في أنّ الغاصب أيضاً مكلّف بالردّ ، فيكون من ضمّ ذمّة إلى اُخرى ،وليس من مذهبنا . وعلى الثاني يكون من ضمان ما لم يجب ، كما أ نّه على الأوّل أيضاً كذلك بالنسبة إلى ردّ المثل أو القيمة عند التلف .

   مدفوعة بأنه لامانع منه بعد شمول العمومات، غاية الأمر أنه ليس من الضمان المصطلح. وكونه من ضمان ما لم يجب، لايضرّ بعد ثبوت المقتضي (2) ولا دليل على عدم صحة ضمان ما لم يجب من نصّ أو إجماع (3) وإن اشتهر بين الألسن . بل في جملة من الموارد حكموا بصحّته ، وفي جملة منها اختلفوا فيه ، فلا إجماع .

   وأمّا ضمان الأعيان غير المضمونة ـ كمالِ المضاربة والرهن والوديعة قبل تحقّق

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وعلى هذا فهي نظير قولنا : مشتري الحيوان بالخيار إلى ثلاثة أيام ، حيث لا يدلّ إلاّ على ثبوت الخيار عند صحّة البيع ، وأمّا تعيين موارد الصحّة وإنه هل يحكم بصحّة البيع عند الشكّ فيه لجهة من الجهات ، فهو أجنبي عنه بالمرّة .

   (1) يظهر الحال فيها مما ذكرناه من التفصيل . فإنّ التمسّك بها لإثبات صحّة الضمان إنما يصحّ بناءً على إرادة المعنى الذي ذكرناه من الضمان ، وإلاّ فهو بالمعنى الأوّل غير معقول وبالثاني باطل جزماً ، ومعه فلا مجال للتمسّك بالعمومات .

   (2) تقدّم الكلام فيه غير مرّة . وقد عرفت أنّ ثبوت المقتضي لا يصحِّح الضمان بعد أن كان عبارة عن نقل الدَّين من ذمّة إلى اُخرى ، فإنه ما لم يكن الدَّين ثابتاً لا يعقل نقله إلى ذمّة اُخرى .

   (3) ظهر الحال فيه في المسألة السابقة . فإنّ بطلانه من الوضوح إلى حدّ لا يحتاج إلى الدليل ، فإنه أمر غير معقول في نفسه ، إذ النقل من ذمّة إلى غيرها متوقّف على الثبوت في الاُولى ، وإلاّ فلا مجال لتصوّر الضمان كي يحكم بصحّته .

ــ[469]ــ

سبب ضمانها من تعدٍّ أو تفريط ـ فلا خلاف بينهم في عدم صحّته. والأقوى بمقتضى العمومات صحّته أيضاً(1).
ـــــــــــــــــــــ

   (1) بل الأقوى هو التفصيل المتقدم في الأعيان المضمونة ، فيقال بالصحّة فيما إذا كان المراد من ضمانها تحمّل مسؤوليتها والتعهد بها .

   والحاصل أنه لا فرق في الحكم بالصحّة أو الفساد بين يد الضامن وغيرها . فإن كان هو بمعنى اشتغال ذمّة الضامن بالبدل بالفعلي أو عند تلف العين ، حكمنا ببطلانه في الموردين ، لعدم صحّة ضمان ما لم يجب والضمان التعليقي . وإن كان بمعنى تحمّل المسؤولية خاصّة ، قلنا بصحّته ، لبناء العقلاء ، وشمول أدلّة لزوم الوفاء بالعقد له .

   وعليه فيكون الضامن مسؤولاً عن ردّ العين إن أمكن ، والبدل مثلاً أو قيمة عند تلفها .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net