كتاب الحوالة
ــ[490]ــ
ــ[491]ــ
كتاب الحوالة
وهي عندهم تحويل المال من ذمّة إلى ذمّة . والأولى أن يقال : إنها إحالة المديون دائنه إلى غيره ، أو إحالة المديون دينه من ذمّته إلى ذمّة غيره . وعلى هذا فلا ينتقض طرده بالضمان ، فإنه وإن كان تحويلاً من الضامن للدَّين من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّته ، إلاّ أنه ليس فيه الإحالة المذكورة (1) خصوصاً إذا لم يكن بسؤال من المضمون عنه .
ويشترط فيها ـ مضافاً إلى البلوغ ((1)) والعقل والاختيار(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فإنّ الفرق بينهما واضح . فإنّ المعاملة هنا إنما هي بين الدائن والمدين ، حيث إنّ الثاني ينقل ما في ذمّته إلى ذمّة غيره . بخلاف الضمان ، حيث تكون المعاملة بين الدائن والأجنبي ، ويستلزم نقل ما في ذمّة الغير إلى ذمّته .
(2) وهذه هي الشروط العامة المعتبرة في جميع العقود ، وقد تقدّم بيان أدلّتها في مورده . غير أنّ من غير الخفي أن هذه الشروط إنما تعتبر فيمن يكون طرفاً للعقد خاصّة ، ولا تعتبر في الأجنبي عنه .
ومن هنا فحيث إنّ الحوالة عقد قائم بين المحيل والمحتال ـ الدائن والمدين ـ فقط وأما المحال عليه في فرض اشتغال ذمّته أجنبي عنها بالمرّة ، فلا وجه لاعتبار هذه الشرائط فيه . فإنه لا مانع من الحوالة على الصغير والمجنون ومن لم يرض بها ، إذ لمن يملك المال في ذممهم أن يملكه لغيره وينقله إليه كيفما يشاء ببيع أو صلح أو حوالة أو غيرها ، ومن دون أن يكون لمن عليه الحقّ أيّ اعتراض في ذلك ، فإنه لا يعتبر رضاه به جزماً ، باعتبار كونه أجنبياً عن المعاملة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الظاهر عدم اعتبار شيء من ذلك في المحال عليه إلاّ إذا كانت الحوالة على البريء ، فإنه يعتبر فيه الاُمور المذكورة غير الفلس .
ــ[492]ــ
وعدم السّفه (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى تقدير احتمال اعتباره وإن كان بعيداً جداً ، فهو أمر خارجي لا محالة ، وليس من الرضا المعاملي في شيء كي يعتبر في صاحبه الشروط المذكورة .
نعم ، لو كانت الحوالة على البريء ، وجب توفر الشروط المذكورة ـ غير الفلس ـ في المحال عليه أيضاً ، نظراً لكونها غير ملزمة بالنسبة إليه ، إذ المفروض أنّ المحيل لا يستحق عليه شيئاً . ومن هنا فلا بدّ في صحّتها من رضاه وقبوله ، لانتقال الدَّين من ذمّة المحيل إلى ذمّته .
وحيث إنه لا عبرة برضا فاقد هذه الشروط ، فإن رضا الصغير كالعدم وعمدهُ كالخطأ ، ولا أثر لقبول المجنون والمكره ، وليس للسفيه إشغال ذمّته بشيء من دون إذن وليه ، اعتبر في صحّتها توفر الشروط لا محالة .
نعم ، لا يعتبر فيه عدم الحجر للفلس ، باعتبار اختصاص دليل الحجر عليه بالتصرف في أمواله الخارجية خاصّة ، وعدم شموله لإشغال ذمّته بشيء ، فإنّ الدليل قاصر الشمول لمثله ، ولذا يصحّ إجارته لنفسه بل واسـتقراضه أيضاً . فليس هو كالسفيه ، حيث يكون ممنوعاً من التصرف في ذمّته وإشغالها فضلاً عن أمواله الخارجية .
نعم ، لا يشارك الدائن الجديد الغرماء السابقين في أمواله ، فإنها وبحكم حجر الحاكم عليها تختصّ بالغرماء حين الحجر دون غيرهم ، بلا فرق في ذلك بين كون سبب الدَّين اختيارياً كالاستقراض ، أو قهرياً كالإتلاف .
والحاصل أنّ إطلاق الحكم باعتبار هذه الشروط في المحال عليه مما لا يمكن المساعدة عليه ، فإنّه إن كان مشغول الذمّة للمحيل لم يعتبر فيه أيّ شرط على الإطلاق ، وإن كان بريء الذمّة بالنسبة إليه اعتبر فيه البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر عليه للسفه خاصّة .
(1) أما بالنسبة إلى المحال عليه فقد عرفت الحال فيه .
وأما بالنسبة إلى المحيل نفسه ، فالظاهر أنه كاعتبار عدم الحجر عليه لفلس لا وجه
ــ[493]ــ
في الثلاثة ((1)) من المحيل (1) والمحتال (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
له ، فيما إذا كانت الحوالة على بريء الذمّة .
أما عدم اعتبار عدم السفه فيه ، فلأن السفيه إنما هو ممنوع من التصرّف في أمواله وإشغال ذمّته بشيء ، ومن الواضح خروج المعاملة الموجبة لإسقاط ما ثبت في ذمّته وإشغال ذمّة الغير به عنهما معاً ، فلا يشمله دليل المنع .
وأمّا عدم اعتبار عدم الفلس فيه ، فلاختصاص الحجر عليه بالتصرّف في ماله خاصّة ، وحيث إنّ المفروض براءة ذمّة المحال عليه بالنسبة إليه وعدم ملكه لشيء في ذمّته ، فلا تكون الحوالة عليه تصرّفاً في ماله ، فإنها ليست إلاّ إشغالاً لذمّة الغير بما ثبت في ذمّته هو .
نعم ، لازم ذلك جواز الرجوع عليه بعد الأداء ، إلاّ أنّ ذلك لا يضرّ شيئاً بعد ما عرفته من عدم مشاركته للغرماء في الأموال الموجودة ، حاله في ذلك حال الدَّين الجديد .
والحاصل أنّ اعتبار هذه الشرائط بأكملها في المحيل إنما يتمّ في الحوالة على مشغول الذمّة ، إذ ليس للصغير ولا المجنون ولا المكره ولا المحجور عليه لسفه أو فلس التصرف في أمواله الموجودة بالفعل ، ومنها دينه الثابت في ذمّة المحال عليه .
وأمّا لو كانت الحوالة على البريء ، فلا يعتبر فيه سوى البلوغ والعقل والاختيار إذ لا أثر لعقد الصغير والمجنون والمكره ، دون عدم الحجر عليه لسفه أو فلس .
(1) على تفصيل عرفته .
(2) بلا إشكال فيه ، إذ الحوالة نقل لدينه وماله الثابت في ذمّة المحيل ، وهو تصرّف فيه جزماً فتتوقف صحّته على رضاه ، ويعتبر فيه توفر الشروط بأجمعها ، إذ لا أثر لرضا الصغير والمجنون والمكره وغير الرشيد والمفلس بالنسبة إلى ماله الموجود بالفعل .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الظاهر أنّ حكم الحجر بالسفه حكمه بالفلس .
ــ[494]ــ
والمحال عليه (1) وعدم الحجر بالسفه((1)) (2) في المحتال (3) والمحال عليه (4) بل والمحيل ، إلاّ إذا كانت الحوالة على البريء فإنه لا بأس به (5) فإنه نظير الاقتراض منه اُمور ـ : ــــــــــــــــــــــ
(1) على إشكال قد عرفت تفصيله .
(2) ذكر السفه من سهو القلم أو غلط النساخ جزماً ، والصحيح : الفلس ، كما هو أوضح من أن يخفى .
(3) لما تقدّم .
(4) على إشكال بل منع ، كما عرفته . فإنه لا يعتبر فيه عدم الحجر للفلس مطلقاً سواء أكان مشغول الذمّة للمحيل أم لم يكن .
(5) لما عرفته من اختصاص الحجر عليه بالتصرف في ماله ، والحوالة على البريء خارجة عنه . ــــــــــــــــ
(1) هذه الكلمة من سهو القلم أو غلط النسّاخ ، وصحيحها : بالفلس .
|