أحدها : الإيجاب والقبول \ الثاني : التنجيز 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4076


   أحدها : الإيجاب والقبول، على ما هو المشهور بينهم، حيث عدّوها من العقود اللاّزمة. فالإيجاب من المحيل ، والقبول من المحتال . وأمّا المحال عليه فليس من أركان العقد وإن اعتبرنا رضاه مطلقاً أو إذا كان بريئاً ، فإنّ مجرد اشتراط الرضا منه لا يدلّ على كونه طرفاً وركناً للمعاملة. ويحتمل أن يقال: يعتبر قبوله أيضاً((2))(6) فيكون العقد مركّباً من الإيجاب والقبولين .

   وعلى ما ذكروه يشترط فيها ما يشترط في العقود اللاّزمة ، من الموالاة بين الإيجاب والقبول ونحوها ، فلا تصحّ مع غيبة المحتال أو المحال عليه أو كليهما

  ـــــــــــــــــــــــــــ
   (6) إلاّ أنه بعيد جدّاً ، فإنه لا دليل عليه ، بل لا وجه له بالمرّة ، فإنه خارج عن المعاقدة بالكليّة ، فإنّ العقد إنما هو بين المحيل والمحتال خاصّة ، ولا دور للمحال عليه فيه أصلاً .

ــــــــــــ
(2) لكنه بعيد جداً .

ــ[495]ــ

بأن أوقع الحوالة بالكتابة (1) .

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   فإنه إذا كان مشغول الذمّة للمحيل بالجنس الذي أحال غيره عليه فالأمر واضح فإنّ أمر المال بيد مالكه المحيل وله نقله كيفما يشاء وبأيّ سبب يختاره ، من بيع أو صلح أو هبة أو غيرها ، من دون أن يكون لمن اشتغلت ذمّته به حقّ في الاعتراض عليه . ومن هنا فلا يعتبر رضاه فضلاً عن قبوله .

   وأمّا إذا كان بريء الذمّة بالنسبة إليه، أو كانت الحوالة بغير جنس الدَّين، فيعتبر رضاه لا  محالة ، إذ ليس للمحيل سلطنة على إشغال ذمّة المحال عليه بأصل المال أو الجنس الخاص بعد فرض فراغها منه .

   إلاّ أنّ اعتبار رضاه هذا ليس على حدّ جعله طرفاً للمعـاقدة والإيجاب والقبول بل غايته اعتباره في صحّة العقد ، بمعنى عدم صحّته بدونه ، كما هو الحال في العقد الفضولي ، ومن الواضح أنه لا يستلزم كونه طرفاً للعقد واحتياج الإيجاب الواحد إلى قبولين .

   ومنه يظهر ما في كلام صاحب الجواهر (قدس سره) ، من عدم وجدان القائل بتركب العقد من إيجاب وقبولين ، وإن كان هو مقتضى ما تسمعه من دليلهم(1) .

   إذ لم يظهر له وجه ، فإنّ الدليل إنما اقتضى توقف اشتغال ذمّة المحال عليه بأصل المال أو الجنس المخصوص على رضاه وعدم صحّته من دونه ، وأمّا كونه طرفاً للعقد فلم يدل عليه دليل على الإطلاق .

   والحاصل أنه لا  دليل على اعتبار القبول من المحال عليه وجعله طرفاً للعقد، إذ غاية دلالته اعتبار رضاه ، وهو لا يقتضي كونه طرفاً فيه .

   ومن هنا فلا يعتبر في رضاه ما يشترط في الإيجاب والقبول من الموالاة ونحوها .

   (1) على إشكال ستعرفه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 26 : 162 .

ــ[496]ــ

   ولكن الذي يقوى عندي كونها من الإيقاع((1)) (1) غاية الأمر اعتبار الرضا من المحتال أو منه ومن المحال عليه ، ومجرّد هذا لا يصيره عقداً، وذلك لأنها نوع من وفاء الدَّين، وإن كانت توجب انتقال الدَّين من ذمّته إلى ذمّة المحال عليه فهذا النقل والانتقال نوع من الوفاء. وهو لا يكون عقداً وإن احتاج إلى الرضا من الآخر، كما في الوفاء بغير الجنس، فإنه يعتبر فيه رضا الدّائن ومع ذلك إيقاع . ومن ذلك يظهر أنّ الضمان أيضاً من الإيقاع ، فإنه نوع من الوفاء . وعلى هذا فلا يعتبر فيهما شيء ممّا يعتبر في العقود اللاّزمة ، ويتحقّقان بالكتابة ونحوها (2) .

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) وفيه ما لا يخفى من فساد مبناه . فإنّ النقل من ذمّة إلى اُخرى ليس وفاءً للدَّين على الإطلاق ، وإنّما هو تبديل لمكان الدَّين وظرفه لا أكثر ، إذ المحيل ينقل ما في ذمّته للمحتال إلى ذمّة المحال عليه .

   ومنه يظهر الحال فيما ذكره (قدس سره) من عدّ الوفاء بغير الجنس من الإيقاع فإنه فاسد قطعاً ، لرجوعه إلى تبديل المال الثابت في ذمّته بالمال الجديد ، والمعاوضة بين المالين ، وهو من العقود جزماً .

   كما يظهر الحال في عدّه (قدس سره) للضمان والوكالة من الإيقاع أيضاً .

   إذن فالصحيح في المقام هو ما ذهب إليه المشهور ، من كون الحوالة عقداً بين المحيل والمحتال ، لكونها تبديلاً لما في ذمّته للمحتال بماله في ذمّة المحال عليه .

   (2) إلاّ أنّ تحققهما بها ونحوها لازم أعم لكونهما إيقاعاً ، فإنهما يصحّان بها حتى مع كونهما عقداً ، وذلك لتحقق إبراز الاعتبار النفساني بها .

   بل يمكن الالتزام بصحّتهما بها مع عدم الموالاة أيضاً ، إذ لا دليل على اعتبارها ولا سيّما فيما هو متعارف خارجاً من الحوالة بالرسائل . فإنه لو كان التزام المحيل باقياً إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الأقوى خلافه كما أنّ الأمر كذلك في الضمان والوكالة . نعم ، لا يبعد جواز الاكتفاء في جميعها بالكتابة وعدم اعتباره الموالاة بين الإيجاب والقبول .

ــ[497]ــ

   بل يمكن دعوى أنّ الوكالة أيضاً كذلك (1) ـ كما أنّ الجعالة كذلك ـ وإن كان يعتبر فيها الرضا من الطرف الآخر . ألا ترى أنه فرق((1)) (2) بين أن يقول : أنت مأذون في بيع داري ، أو قال : أنت وكيل ، مع أنّ الأوّل من الإيقاع قطعاً .

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حين وصول الرسالة إلى المحتال وقبوله الحوالة ، تحقق العقد وانضمام التزام إلى التزام لدى العرف والعقلاء وحكم بصحّته لا محالة .

   إذن فلا يمكن جعل تحققهما بالكتابة ونحوها من آثار كونهما من الإيقاعات ، لما عرفته من كون ذلك لازماً أعم لكونهما من الإيقاعات وكونهما من العقود .

   (1) إلاّ أنها بعيدة غاية البعد . فإنّ الوكالة إعطاء سلطنة للغير وإقامته مقام نفسه ولا بدّ فيها من القبول ، ومن هنا فهي من العقود قطعاً .

   (2) بل الفرق بينهما ظاهر . فإنّ الإذن ترخيص محض ممن بيده الأمر في متعلقه من الاُمور التكوينية كالأكل ، أو الاعتبارية كالبيع . بخلاف الوكالة ، فإنها سلطنة اعتبارية يمنحها الموكّل إلى غيره ولا بدّ من قبوله ، كما ولا بدّ من تعلقها بالاُمور الاعتبارية ، إذ لا  معنى للتوكيل في الاُمور التكوينية ، كالأكل والركوب وما شاكلهما .

   نعم ، يستثنى من ذلك القبض حيث يصحّ فيه التوكيل ، فيكون قبض الوكيل قبضاً للموكل . وقد تعرّضنا إليه في بعض المباحث السابقة أيضاً .

   ثمّ إنّ الوكالة تفترق عن الإذن في جملة اُمور :

   منها : ارتفاع الوكالة بفسخ الوكيل ، فإنها عقد جائز ويصحّ للوكيل فسخه ، فإذا فعل ذلك أصبح أجنبياً عن متعلّقها ، ويكون تصرفه فيه تصرفاً فضولياً لا يترتب عليه أثر بالنسبة إلى الموكل . بخلاف الإذن، حيث إنه غير قابل للرفع من قبل المأذون ، لعدم توقفه على قبوله . ومن هنا فلو أذن له في شيء ورفض المأذون ذلك ثمّ بدا له القيام به كان له ذلك ، لكونه مأذوناً فيه بَعدُ ، لبقاء الإذن وعدم ارتفاعه بالرفض .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفرق ظاهر . فإنّ الإذن في بيع الدار مثلاً ليس ترخيصاً محضاً ، وأمّا الوكالة فهي إعطاء سلطنة على التصرف وله آثار خاصة لا تترتب على مجرد الترخيص .

ــ[498]ــ

   الثاني : التنجيز ، فلا تصحّ مع التعليق على شرط أو وصف ، كما هو ظاهر المشهور . ولكن الأقوى عدم اعتباره (1) كما مال إليه بعض متأخري المتأخرين .

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ثمّ إنّ الماتن (قدس سره) وإن لم يلتزم بهذا الفرق بين الوكالة والإذن عند تعرضه إليه في كتاب الوكالة من ملحقات العروة ، حيث اختار (قدس سره) عدم بطلان الوكالة بعزل الوكيل نفسه معللاً ذلك بأنها من الإيقاعات لا العقود ، إلاّ أنه يكفينا في الإشكال عليه عدم انسجام ذلك مع التزامه (قدس سره) باعتبار رضا الوكيل ، إذ إنّ لازم كونها إيقاعاً والحكم بعدم انعزال الوكيل بعزل نفسه ، الالتزام بعدم اعتبار رضاه في صحّة الوكالة . فالجمع بين الحكمين في غير محله ، ولا يمكن المساعدة عليه .

   ومنها : إن الوكالة قد تكون لازمة بالعرض ، بحيث لا يكون للموكل رفع اليد عن توكيله ، كما إذا اُخذت شرطاً في ضمن عقد لازم ، حيث تكون لازمة بتبع العقد باعتبار أنه إنما يكون لازماً بجميع شؤونه وتوابعه ومنها الوكالة . بخلاف الإذن ، حيث لا يمكن فرضه لازماً وغير قابل للرفع حتى ولو اُخذ في ضمن عقد لازم ، فإنه أمر تكويني يرتفع برفعه من قبل الآذن وجداناً ، غاية الأمر ثبوت الخيار للمأذون في العقد الذي اُخذ شرطاً في ضمنه ، نظراً لتخلف الشرط .

   ومنها : نفوذ تصرّف الوكيل حتى مع ظهور عزله عن الوكالة حين صدوره منه ما لم يبلغه الخبر ، على ما دلّ عليه النصّ الصحيح(1) . بخلاف تصرّف المأذون بغير سلطنة اعتبارية بالوكالة ، حيث لا يكون تصرفه نافذاً فيما لو ثبت رجوع الآذن عن إذنه حين التصرّف .

   إلى غير ذلك من الفروق .

   إذن فالقول بعدم الفرق بينهما مجازفة لا يمكن المساعدة عليها بوجه .

   (1) تقدّم الكلام منا في اعتبار التنجيز غير مرّة في مباحث المكاسب وغيرها ، وقد عرفت فقدان الدليل اللفظي على اعتباره ، وإنه إنما ثبت بالإجماع عليه خاصّة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 5 : 104 ح 2  حسنة زرارة عن الباقرين (عليهما السلام) : «إذا أبرأه فليس له أن يرجع ... » .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net