[ 3631 ] مسألة 16 : إذا وقعت الحوالة بأحد الوجهين ، ثمّ انفسخ البيع بالإقالة أو بأحد الخيارات ، فالحوالة صحيحة ، لوقوعها في حال اشتغال ذمّة المشتري بالثمن ، فيكون كما لو تصرّف أحد المتبائعين في ما انتقل إليه ثمّ حصل
ــ[530]ــ
الفسخ ، فإنّ التصرف لا يبطل بفسخ البيع (1) .
ولا فرق بين أن يكون الفسخ قبل قبض مال الحوالة أو بعده (2) فهي تبقى بحالها ويرجع البائع على المشتري((1)) (3) بالثمن .
وما عن الشيخ وبعض آخر مـن الفرق بين الصورتين ، والحكم بالبـطلان في الصورة الثانية ـ وهي ما إذا أحال المشتري البائع بالثمن على أجنبي ـ لأنها تتبع البيع في هذه الصورة ، حيث إنها بين المتبائعين بخلاف الصورة الاُولى ، ضعيف (4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأمّا الثاني : فلكون الأداء بأمر منه ، وقد عرفت ضمان الآمر للخسارات المالية الواردة على المأمور بسبب أمره .
ثمّ إن رجع البريء على البائع وأخذ منه بدل ماله مثلاً أو قيمة ، فليس له الرجوع على المشتري بما غرمه . وإن رجع على المشتري به ، كان له الرجوع على البائع بما غرمه لاستقرار الضمان عليه ، نظراً لتلف المال عنده فلا يكون له مجاناً .
وتفصيل الكلام في مبحث تعاقب الأيدي من المكاسب ، فراجع .
(1) إذ الفسخ لا يقتضي رفع الآثار والبطلان من الأوّل ، وإنما يقتضي عدم ترتب الآثار من حينه .
والحاصل أنّ الفسخ لا يؤثر في صحّة العقود السابقة عليه ، فإنها تبقى كما كانت لصدورها من أهلها ووقوعها في محلها ، ومن هنا فينحصر حقّ مالك العين المنقولة ـ ثمناً كانت أم مثمناً ـ في الرجوع إلى البدل .
(2) لحصول النقل والانتقال في الدَّين بمجرد تحقق الحوالة .
(3) وهو من سهو القلم ، والصحيح : ويرجع المشتري على البائع .
(4) فإنّ الحوالة معاملة مستقلّة عن المعاملة الاُولى ـ البيع ـ تماماً وإن اتّحد الطرفان فيهما ، إذ العبرة إنما هي بتعدد المعاملة واتحادها ، لا تعدد الطرفين في المعاملتين واتّحادهما .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا من سهو القلم ، والصحيح : ويرجع المشتري على البائع .
ــ[531]ــ
والتبعيّة في الفسخ وعدمه ممنوعة (1) . نعم ، هي تبع للبيع حيث إنها واقعة على الثمن ، وبهذا المعنى لا فرق بين الصورتين .
وربّما يقال ببطلانها إن قلنا أ نّها استيفاء ، وتبقى إن قلنا أ نّها اعتياض .
والأقوى البقاء وإن قلنا أنها استيفاء ، لأنها معاملة مستقلّة لازمة لا تنفسخ بانفساخ البيع ، وليس حالها حال الوفاء بغير معاملة لازمة ، كما إذا اشترى شيئاً بدراهم مكسرة فدفع إلى البائع الصحاح أو دفع بدلها شيئاً آخر وفاءً ، حيث إنه إذا انفسخ البيع يرجع إليه ما دفع من الصحاح أو الشيء الآخر لا الدراهم المكسرة ، فإنّ الوفاء بهذا النحو ليس معاملة لازمة ((1)) (2) بل يتبع البيع في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والحاصل أنه لا موجب لبطلان المعاملة الثانية وانفساخها بانفساخ البيع ، فإنها معاملة مستقلّة عنه ، ولا علاقة لها به من حيث الفسخ .
نعم ، هي تابعة له من حيث أصل الوجود باعتبار أنها واقعة على الثمن ، فإذا تحقّق صحّت الحوالة ولزمت ، سواء فسخ بعد ذلك أم لم يفسخ ، فإنهما سيان بالنسبة إليها .
(1) فإنّ حالها في ذلك حال سائر التصرفات الصادرة من أحد المتبائعين ، حيث قد عرفت عدم تأثير الفسخ على شيء منها على الإطلاق .
(2) فيه إشكال بل منع . فإنّ الظاهر لزوم الوفاء مطلقاً وعدم تبعيته للبيع في الانفساخ ، فإنّ سلب ملكيّة الدّائن عما قبضه عوضاً عن حقّه برضا المدين ووفاء منه ، يحتاج إلى الدليل وهو مفقود .
وبعبارة اُخرى : إنّ أداء المدين لدينه بغير ما ثبت في ذمّته وصفاً أو جنساً وقبض الدَّائن له برضاه واختياره موجب لملكيّته ـ الدّائن ـ له ، ومن هنا فيكون تصرّف المدين فيه بعد ذلك تصرفاً في مال الغير بغير رضاه وأكلاً للمال لا عن تراض . ولذا لم يلتزم أحد من الأصحاب قط بجواز رجوع المعطي فيما أعطاه قبل الفسخ ليبدله بمثله جنساً ووصفاً فضلاً عن غير المماثل له ، فإنه ليس إلاّ لاحتياج سلب الملكيّة بعد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الظاهر أ نّها معاملة لازمة ، فلا تتبع البيع في الانفساخ .
ــ[532]ــ
الانفساخ ، بخلاف ما نحن فيه ، حيث إنّ الحوالة عقد لازم وإن كان نوعاً من الاستيفاء .
[ 3632 ] مسألة 17 : إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال معيّن خارجي فأحال دائنه عليه ليدفع إليه بما عنده ، فقبل المحتال والمحال عليه(1) وجب عليه الدفع إليه(2) وإن لم يكن من الحوالة المصطلحة (3) . وإذا لم يدفع له الرجوع على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثبوتها إلى الدليل وهو مفقود .
والحاصل أنّ الوفاء معاملة لازمة مطلقاً ، سواء في ذلك ما كان بنحو الحوالة أو غيرها .
(1) أمّا المحتال فلا ينبغي الشكّ في اعتبار قوله ، إذ لا يلزمه القبول بالرجوع على غير المدين ، فإنّ له رفض ذلك ومطالبة ماله من شخصه .
وأمّا المحال عليه فلا وجه لاعتبار قبوله ، فإنّ المال لغيره وليس هو إلاّ أميناً عليه أو وكيلاً فيه ، فعليه امتثال طلب المالك أداءه إلى غيره على حدّ طلبه تسليمه إلى نفسه .
والحاصل أنّ المحال عليه ليس مخيراً في الأداء وعدمه كي يعتبر قبوله ، بل يلزمه امتثال الأمر وتسليم المال إلى مالكه أو من يقوم مقامه .
ولعلّ الماتن (قدس سره) إنما أخذ هذا القيد مقدّمة لما سيأتي منه من ضمان المحال عليه ، معلِّلاً ذلك بالغرور ، لعدم تحقق الغرور بغير القبول جزماً .
(2) فإنّ المال مال المحيل وأمره بيده وليس المحال عليه إلاّ وعاء وظرفاً له ، فيجب عليه تسليمه إلى المحتال كما كان يجب عليه تسليمه إلى نفس المحيل لو كان يطلبه منه فإنّ إعطاءه له بمنزلة إعطائه إليه ، وليس له التخلّف عن طلبه حتى بحجّة تسليمه إلى المحيل نفسه . بل لو فعل ذلك لكان ضامناً للمال ، وخرج عن عنوان الأمين إلى عنوان المتعدّي والغاصب .
(3) لعدم انتقال الدَّين من ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه ، فإنّ المحيل يبقى بنفسه مشغول الذمّة للمحتال إلى حين وصول حقّه منه مباشرة أو من وكيله أو أمينه .
ــ[533]ــ
المحيل لبقاء شغل ذمّته. ولو لم يتمكّن من الاستيفاء منه ضمن الوكيل المحال عليه((1))(1) إذا كانت الخسارة الواردة عليه مستندةً إليه ، للغرور .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وفيه ما لا يخفى ، لمنع الغرور صغرى وكبرى .
أمّا الأوّل : فلعدم صدقه فيما إذا كان المحال عليه بانيّاً على الأداء والدفع ثمّ بدا له ما يمنعه عنه ، فإنّه لا يصدق عليه التغرير قطعاً .
وكذا لو كان المحال عليه عالماً بالتزام المحيل بدفع المال وإفراغ ذمّته ، فإنّ امتناعه حينئذ لا يوجب صدق الغرور بعد اعتقاده وصول الحقّ إلى صاحبه .
وأمّا الثاني : فلمّا عرفته غير مرّة من عدم إيجاب مجرّد الغرور للضمان . ولذا لم يلتزم أحد قطّ بضمان من رغّب غيره في سلعة ، بدعوى زيادة قيمتها في المستقبل أو زيادة الرغبة عليها ، فظهر العكس وخسر المشتري .
وبالجملة فمجرّد الغرور ليس من أسباب الضمان ، على أنّ صدقه في بعض الموارد محل منع .
وبهذا ينتهي كتاب الحوالة ، وبالفراغ منه يتمّ الفراغ من كتاب العروة الوثقى بتمامه وذلك على حسب منهج سيِّدنا الاُستاذ الوالد ـ دام ظلّه ـ في الدرس .
وإنِّي إذ أحمدُ تبارك وتعالى على ما وفّقني لحضوره من محاضرات سيِّدنا ـ دام ظلّه ـ وتحريرها ، لأسأله أن يطيل في عمره الشريف مناراً وملاذاً للمسلمين .
وكان الفراغ منه في يوم الثلاثاء العاشر من ربيع الأوّل سنة ألف وأربعمائة وخمسة من الهجرة النبوية الشريفة ، وذلك بمدرسة دار العلم ـ العامرة حتى ظهور الحجّة البالغة إن شاء الله ـ جنب الروضة العلوية المقدّسة على مشرفها آلاف التحيّة والثناء .
( تمّ كتاب الحوالة )
وأنا الأقلّ : محمّد تقي الخوئي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فيه إشكال بل منع .
|