مسوغات النظر إلى جسدها - جواز نظر المرأة إلى الرجل 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى- الجزء الثاني:النكاح   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8550


ــ[15]ــ

   بل لا يبعد((1)) جواز النظر إلى سائر جسدها ما عدا عورتها(1) وإن كان الأحوط خلافه .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) ذهب إلى ذلك صاحب الجواهر (قدس سره) (2) وخالفه فيه الشيخ الأعظم (قدس سره) متعجباً منه ذلك بعد توقفه (قدس سره) ـ صاحب الجواهر ـ في النظر إلى وجه الأجنبية ، لكونه خلاف المرتكزات (3) .

   واستدلّ لما اختاره صاحب الجواهر (قدس سره) بعدة روايات ، عمدتها هي :

   صحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يريد أن يتزوّج المرأة ، أينظر إليها ؟ قال : «نعم ، إنّما يشتريها بأغلى الثمن» (4) . حيث إنّها مطلقة فتشمل بإطلاقها جميع أعضاء البدن حتى العورة ، غاية الأمر أ نّنا علمنا من الخارج حرمة النظر إليها ، فيبقى الإطلاق في الباقي سليماً .

   والكلام في هذه الصحيحة يقع في مقامين : الأوّل في إطلاقها ، والثاني في وجود المقيد .

   أمّا المقام الأوّل : فالظاهر أ نّه لا إطلاق لها في حدّ نفسها ، لكونها غير ناظرة إلى ذلك . والوجه فيه وضوح التعليل في عدم كون الحكم حكماً تعبدياً ، وإنّ منشأ الحكم إنّما هو دفع الغبن الذي لا يتدارك من جانب الزوج .

   فإنّ العقد بعد وقوعه لا يقبل الفسخ إذا لم يرتض الزوج زوجته ، كما أنّ الطلاق يوقعه في ضرر دفع نصف المهر ، ومن البديهي أ نّه ليس للزوج أن يزوجها من غيره كي يستردّ المهر ، ففراراً من هذا المحذور الذي لا يتأ تى في سائر العقود خصص تحريم النظر إلى الأجنبية ، ورُخِّص في جواز النظر إليها . ولعلّه ـ والله العالم ـ أن هذا هو المقصود من قوله (عليه السلام) : «إنّما يشتريها بأغلى الثمن» .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الأظهر اختصاص جواز النظر بالوجه واليدين بما فيهما المعصم والشعر والساقين .

(2) الجواهر 29 : 66 .

(3) الجواهر 29 : 67 .

(4) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 36 ح 1 .

ــ[16]ــ

   فإذا تمّ ذلك فمن الواضح أنّ الجواز إنّما يختص بما يرتفع الغبن والضرر بالنظر إليه وذلك على ما عرفته هو المحاسن بالمعنى الذي يعمّ الساق ، وعليه فلا يجوز النظر إلى ما لا دخل له في ذلك من أعضاء البدن .

   ومن هنا لم يكن تجريد الأَمة حين الشراء أمراً متعارفاً في الخارج ، إذ لا دخل لغير المذكورات منها في معرفة محاسنها .

   وعليه فالمتحصل : أ نّه لا إطلاق لصحيحة محمد بن مسلم يشمل جميع بدن المرأة .

   وأما رواية الحسن بن السري ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يريد أن يتزوج المرأة ، يتأملها وينظر إلى خلفها وإلى وجهها ؟ قال : «نعم ، لا  بأس أن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها ، ينظر إلى خلفها وإلى وجهها» (1) فهي من حيث الدلالة لا إطلاق فيها يشمل جميع البدن ، إذ لا ظهور فيها في كون النظر إلى خلفها بتجريدها من ثيابها ، بل الظاهر إنّه إنما يكون من وراء الثياب لمعرفة حجمها .

   ومن حيث السند فهي ضعيفة بالحسن بن السري الذي لم يثبت توثيقه (2) .

   وكذلك روايته الثانية عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، أ نّه سأله عن الرجل ينظر إلى المرأة قبل أن يتزوجها ، قال : «نعم ، فَلِمَ يعطي ماله» (3) . فإنّها من حيث الدلالة كصحيحة محمّد بن مسلم ، حيث لا إطلاق فيها يشمل جميع البدن ، على أ نّها ضعيفة بالإرسال أيضاً .

   نعم ، قد يستدل على ذلك بمعتبرة البزنطي عن يونس بن يعقوب ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يريد أن يتزوج المرأة ، يجوز له أن ينظر إليها ؟ قال : «نعم ، وترقّق له الثياب لأ نّه يريد أن يشتريها بأغلى الثمن» (4) .

   إلاّ أ نّها حتى مع غضّ النظر عن التعليل المذكور فيها لا دلالة لها على المدعى ، إذ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 36 ح 3 .

      وراجع ص 13 هـ 1 .

(2) راجع معجم رجال الحديث 5 : 330 .

(3) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 36 ح 4 .

(4) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 36 ح 11 .

ــ[17]ــ

أن ترقيقها الثياب ليس هو بمعنى كون ما تلبسه ثوباً يحكي البشرة ، فإنّ مثل هذه الثياب لا يعلم وجودها في تلك الأزمنة ، وإنّما هو بمعنى تخفيف الثياب وعدم تعدّدها بحيث لا يعرف معه حجم البدن نظير لبس الفروة وما شابهها . ولعل في استعمال صيغة الجمع حيث عبّر (عليه السلام) : «وترقّق له الثياب» إشارة إلى ذلك ، إذ لو كان المقصود هو المعنى المذكور لكان استعمال المفرد أنسب . على أن ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم آت هنا بحذافيره .

   وأمّا المقام الثاني ; فالظاهر أ نّه حتى لو فرض للروايات السابقة أو لبعضها إطلاق فإن هناك عدّة نصوص صحاح تقيّدها .

   منها : صحيحة هشام بن سالم ، وحماد بن عثمان ، وحفص بن البختري ، فإنّ المذكور فيها : «لا بأس أن ينظر إلى وجهها ومعاصمها» (1) .

   وتقدم منّا في مباحث الاُصول أنّ القيد لما كان ظاهراً في الاحتراز ، فهو يدلّ على عدم ثبوت الحكم للطبيعة المطلقة حتى الفاقدة له ، وهذا لا يتوقف على القول بثبوت المفهوم بل يثبت ذلك حتى مع عدم القول بالمفهوم ، إذ لو كان الحكم ثابتاً للطبيعة لكان ذكر القيد لغواً محضاً ، ففراراً من محذور اللغوية لا بدّ من الالتزام بعدم ثبوت الحكم للجامع ، وإن كنّا لا نلتزم بانتفاء الحكم عند انتفاء القيد .

   ومنها : موثقة يونس بن يعقوب ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) : عن الرجل يريد أن يتزوّج المرأة وأحبّ أن ينظر إليها ، قال : «تحتجز ثم لتقعد ، وليدخل فلينظر» . قال : قلت : تقوم حتى ينظر إليها ؟ قال : «نعم» . قلت : فتمشي بين يديه ؟ قال : «ما أحب أن تفعل» (2) .

   وحيث أنّ الظاهر أ نّه (عليه السلام) في مقام بيان الوظيفة الشرعية ، فتدل الرواية على عدم جواز النظر إلى بدنها ، إذ لو كان ذلك أمراً جائزاً لما كانت هناك حاجة إلى أمرها بالاحتجاز .

   والحاصل إنّه لو فرض للأخبار المتقدمة إطلاق ، فهاتان الروايتان تقيدانه وتخصان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ص 12 هـ 1 .

(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 36 ح 10 .

ــ[18]ــ

   ولا يشترط أن يكون ذلك بإذنها ورضاها (1) . نعم ، يشترط أنْ لا يكون بقصد التلذّذ (2) وإنْ علم أ نّه يحصل بنظرها قهراً .

   ويجوز تكرار النظر (3) إذا لم يحصل الغرض ـ وهو الاطلاع على حالها ـ بالنظر الأوّل .

   ويشترط أيضاً أن لا يكون مسبوقاً بحالها (4) وأن يحتمل اختيارها (5) وإلاّ فلا يجوز .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحكم بالموارد المذكورة ، ومن هنا يتضح أن ما اختاره الماتن (قدس سره) تبعاً لصاحب الجواهر (قدس سره) (1) مشكل جداً على أ نّه خلاف الاحتياط .

   (1) بلا خلاف في ذلك ، فإنّ عمومات حرمة النظر إلى الأجنبية مخصصة فلا تشمل المورد ، وليس هو من حقوق المرأة كي يتوقف الحلّ على رضاها .

   (2) لأنّ المستفاد من الأخبار هو جواز النظر إليها مقدمة للتزوج منها . أما إذا لم يكن للنظر دخل في التزوج منها ـ كما إذا كان ذلك بقصد التلذّذ أو غيره ـ فلا يجوز ويدخل في ذلك ما إذا كان مطلعاً على حالها ، أو كان قاصداً التزوج منها على كل حال ، سواء كانت حسناء أم غير حسناء .

   (3) لإطلاق الأدلة ، فإنّ مقتضاها جواز النظر إليها ما دام أ نّه لأجل انكشاف حالها ومعرفة محاسنها .

   (4) إذ لا يكون النظر حينئذ للاطلاع على حالها ومقدمة للزواج ، فلا يكون مشمولاً للنصوص .

   (5) واشتراطه واضح ، فإنّه مع عدم احتمال اختيارها لا يصدق عنوان إرادة التزويج بها .

   ثمّ لا يخفى أ نّه كان على الماتن (قدس سره) أن يذكر في جملة ما يعتبر في جواز النظر إلى المرأة جواز التزوج بها بالفعل ، إذ لا يجوز النظر إلى التي لا يجوز نكاحها فعلاً لحرمة عرضية قابلة الزوال ـ كما لو كان تحته أربع زوجات دائمات ، أو كانت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 29 : 66 .

ــ[19]ــ

   ولا فرق بين أن يكون قاصداً لتزويجها بالخصوص ، أو كان قاصداً لمطلق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المرأة في العدّة فعلاً ، أو كانت اُختاً لزوجته ـ لانصراف الروايات عنه ، إذ أن التعليل بأنه «يشتريها بأغلى الثمن» ظاهر في كون الرجل بصدد التزوّج منها فعلاً ، وإنّ جواز النظر مختص بذلك الفرض . وعليه فإذا لم يجز تزوجها لعارض ، لم يصدق عليه أ نّه بصدد التزوّج منها ، فلا يجوز له النظر إليها .

   ثم هل يجري هذا الحكم في بنت الزوجة غير المدخول بها إذا أراد التزوج بها أم لا ؟ وهل إنّها كاُخت الزوجة أم لا ؟

   ذهب المشهور إلى الأوّل ، نظراً إلى حرمة التزوج بالبنت ما دامت الاُم في حبالته .

   ولكن الظاهر أ نّه مما لا دليل عليه ، إذ لم يرد بالنسبة إليهما دليل يدل على حرمة الجمع بينهما نظير ما ورد في الاُختين ، وإنما الذي ورد في الآية الكريمة والروايات هو حرمة التزوج بالبنت إذا كانت الاُم مدخولاً بها وحل ما وراء ذلك (1) . ومعنى ذلك هو جواز التزوج بالبنت إذا كانت الاُم غير مدخول بها ، لأنها حينئذ تكون مشمولة بما وراء ذلك فتكون حلالاً . ونتيجة ذلك أ نّه لو تزوج بالبنت حرمت عليه اُمها وانفسخ نكاحها ، لأ نّها أصبحت اُم الزوجة ولا يجوز نكاحها .

   وقد يتوهّم أنّ زوال زوجية الاُم إنما هو في مرحلة متأخرة عن ثبوت زوجية البنت لأنه معلول له ، ومن البديهي أنّ المعلول يتأخر عن علته رتبة . فعلى هذا ففي مرتبة سابقة على زوال زوجية الاُم وحرمتها ، تكون الاُم والبنت معاً زوجة له وهو أمر غير جائز قطعاً ، إذ لا يصح الجمع بينهما بلا خلاف .

   إلاّ أ نّه يندفع بما ذكرناه في عدّة موارد من أنّ الأحكام الشرعية لا تدور مدار الرتب ، وإنما المدار فيها هو الزمان ، فإنّ السبق واللحوق الرتبي مما يناسب الفلسفة لا الفقه . والمفروض في مسألتنا هذه عدم اجتماع زوجية الاُم والبنت في زمان واحد ، فإنّ الزمان الذي كانت الاُم فيه زوجة له لم تكن البنت كذلك ، وفي الزمان الذي أصبحت البنت زوجة له انفسخ نكاح الاُم وخرجت عن الزوجية ، فلا يكونان معاً زوجة له

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) اشارة إلى الآية 24 من سورة النساء .

ــ[20]ــ

التزويج وكان بصدد تعيين الزوجة بهذا الاختبار، وإن كان الأحوط الاقتصار على الأوّل((1))(1).

   وأيضاً لا فرق بين أن يمكن المعرفة بحالها بوجه آخر من توكيل امرأة تنظر إليها وتخبره أوْ لا(2) وإن كان الأحوط الاقتصار على الثاني .

   ولا يبعد جواز نظر المرأة ((2)) أيضاً إلى الرجل الذي يريد تزويجها (3) ولكن لا  يترك الاحتياط بالترك .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في زمان واحد ، وعليه فلا مانع من الالتزام المذكور وإن كان ذلك خلاف المشهور جداً ، ومن هنا يظهر الفرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة .

   (1) بل هو المتعيّن ، فإنّ الظاهر من الروايات أنّ جواز النظر مترتب على إرادة التزوّج منها ، ومن هنا فلا بدّ من فرض وجود الموضوع ـ إرادة التزوّج منها ـ مفروغاً عنه في الخارج قبل الحكم بالجواز . وعليه فحيث إن إرادة التزوج بكل واحدة منهن غير متحققة في الخارج ، إذ لم تتعلق إرادته إلاّ بالجامع ، فلا مجال للحكم بجواز النظر إليهن جميعاً .

   (2) لإطلاق الروايات من هذه الجهة ، خصوصاً بملاحظة عدم إمكان الاطلاع على أوصافها بالسماع ونحوه بمثل ما يطلع عليه بالبصر .

   (3) ذهب إليه الشيخ الأعظم (قدس سره) مستدلاًّ عليه بأنّ الرجل إذا جاز له النظر إليها لأنه يبذل لها أغلى الثمن ، جاز لها النظر إليه بطريق أولى لأنها تبذل أغلى المثمن ، خصوصاً وإنّ بإمكان الرجل التخلص من المرأة بالطلاق لو لم تكن كما يريد بخلاف العكس حيث ليس لها ذلك (3) .

   إلاّ أ نّه مما لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأجل ما ذكرناه في تفسير التعليل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الأقوى ذلك .

(2) فيه إشكال بناءً على عدم جواز نظرها إليه في نفسه .

(3) رسالة النكاح 20 : 42 ـ 43 .

  
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net