ما يُراد من قوله تعالى : (ولا يُبدينَ زِينتَهُنَّ ... أو ما مَلَكَتْ أَيْمانُهنَّ) 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى- الجزء الثاني:النكاح   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7515


ــ[30]ــ

   ثانياً : قوله تعالى : (وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتهُنَّ إلاّ لِبُعولَتهِنَّ ... أوْ نِسائِهنَّ) (1) بدعوى أنّ المراد بالنساء هو المسلمات ، وذلك بملاحظة الإضافة إلى المسلمة .

   إلاّ أن كلا الاستدلالين لا يمكن المساعدة عليهما .

   أمّا الأوّل : فلأن كلمة «لا ينبغي» وإن كانت ظاهرة فيما ذكر ، إلاّ أن التعليل المذكور فيها يمنع من حملها على الكراهة فضلاً عن الحرمة ، إذ أن معرفة الكافر بحال المرأة المسلمة ليست من المحرمات قطعاً ، كي يكون التكشف أمراً حراماً باعتبار كونه سبباً لها ، بل لا بدّ من حملها على الإرشاد إلى أمر أخلاقي ، وهو التحفظ عن الكفار حتى في هذا المقدار .

   وأمّا الثاني : فلا يخفى ان المحتمل في كلمة (نِسائِهنَّ) أمور .

   الأوّل : أن يراد بها الحرائر مطلقاً من دون خصوصية للمسلمة . وذلك ببيان أنّ المستثنى في الآية الكريمة حكم انحلالي بملاحظة كل امرأة بالنسبة إلى أبيها أو بعلها أو أخيها ، إلى آخر ما ذكر فيها ، إذ لا يحتمل جواز إبداء زينتهن لبعولة أو آباء أو اخوان غيرهنّ ، بل يختص الحكم بكل امرأة مستقلة بالنسبة إلى أبيها وسائر أرحامها المذكورين في الآية الكريمة بالإضافة إلى العم والخال . فإنهما وإن لم يذكرا في الآية إلاّ أنّ الحكم لهما ثابت اجماعاً ، ولعل عدم ذكرهما إنما هو لوحدة النسبة بين العم وابن الأخ ، وبين الخال وابن الاُخت . فإنها كما يجوز لها ابداء زينتها لابن أخيها وابن اُختها نظراً إلى كونها عمة أو خالة لهما ، يجوز لها إبداء زينتها لعمها وخالها لوحدة النسبة .

   هذا كلّه في غير (نِسائِهنَّ) . وأما فيها فلا يمكن الالتزام بكون الحكم انحلالياً ، إذ لا يعقل تصوّر كونها امرأة لامرأة دون أخرى ، فيكون المراد لا محالة طبيعي النساء فيكون المعنى : لا يبدين زينتـهنّ إلاّ من طبيعي النساء ، وبقرينة عطف (ما مَلَكَتْ أَ يْمانُهنَّ) ـ الإماء ـ عليهن يفهم أنّ المراد من طبيعي النساء هو الحرائر ، فيتحصل من الآية الكريمة أنّ طبيعي المرأة لا بأس بأن تبدي زينتها لطبيعي الحرائر وطبيعي الإماء .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة النور 24 : 31 .

ــ[31]ــ

   الثاني : أن يراد بها مطلق النساء ، ونسب ذلك إلى الجواهر (1) ، وعليه فيتعيّن أن يراد بـ  (ما مَلَكَتْ أَ يْمانُهنَّ) العبيد خاصة .

   وفيه :

   أوّلاً : إنّ الظاهر من الإضافة هو الاختصاص وإرادة طائفة خاصة بالنسبة إلى المرأة ، فحملها على طبيعي النساء بعيد جداً .

   وثانياً : إنّ حمل (ما مَلَكَتْ أَ يْمانُهنَّ) على العبيد لا مبرر له ، إذ لا وجه للتخصيص من دون قرينة عليه ، على أ نّه مخالف لسياق الآية الكريمة حيث قد عرفت أنّ الحكم في النساء طبيعي لا انحلالي ، وهو مما لا يمكن الالتزام به في العبيد . فإنه بناءً على القول بجواز كشف المرأة وجهها للعبد ، فإنما يقال بذلك بالنسبة إلى خصوص عبدها لا مطلقاً . وهذا يعني أنّ الحكم في (ما مَلَكَتْ أَ يْمانُهنَّ) انحلالي ، فيكون مخالفاً للسياق لا محالة .

   الثالث : أن يراد بها المؤمنات خاصة ، وذهب إليه في الحدائق (2) تبعاً لابن حمزة (3) .

   وفيه : أ نّه لا قرينة على ذلك بالمرة ، على أن لازمه الالتزام بعدم جواز إبداء المرأة المسلمة زينتها لطبيعي المرأة الكافرة حتى ولو لم تكن متزوجة ، وهو خلاف ضرورة المسلمين جزماً . فإنّ مثل هذا الحكم لو كان ثابتاً لكان من أوضح الواضحات ، ومما لا خلاف فيه أصلاً ، نظراً إلى كثرة ابتلائهن بهن ، إذ أن نساء أهل الكتاب كن يخدمن في كثير من بيوت المسلمين بما في ذلك بيوت الأئمة (عليهم السلام) ، فكيف ولم يقل به فيما نعلم أحد من الفقهاء ؟!

   أضف إلى ذلك كلّه أ نّه بناءً على هذا الوجه فما يكون المراد بقوله تعالى : (أَوْ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 29 : 72 .

(2) الحدائق 23 : 62 .

(3) لم نعثر عليه في كتاب الوسيلة ، ويحتمل أن يكون قوله هذا في كتابه الواسطة أو الرائع في الشرائع ذكرهما الطهراني في الذريعة ، فلاحظ .

ــ[32]ــ

ما  مَلَكَتْ أَ يْمانُهنَّ) وهل يراد به خصوص العبيد، أم خصوص الإماء الكافرات، أم الجامع بينهما؟

   فإنّ من غير الخفي أ نّه لا مجال لأن يصار إلى الأوّل ، فإنّ لازمه السكوت عن الأَمة الكافرة ، والحال أ نّه لا ينبغي الشك في جواز نظرها إليها فإنها مستثناة جزماً وعليه فلا يبقى وجه للتخصيص بالعبيد ، على أ نّه يرد ما تقدم على الوجه السابق من لزوم اختلاف السياق .

   والاحتمال الثاني : وإن كان ممكناً بحد ذاته ، إذ لا يلزم منه محذور اختلاف السياق إلاّ أ نّه لا دليل عليه .

   وأمّا الاحتمال الثالث : فهو غير معقول بحدّ ذاته ، لأنّ الحكم بالنسبة إلى العبيد انحلالي وبالنسبة إلى الإماء طبيعي ، والجمع بينهما في نسبة واحدة محال حتى على القول بجواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، فإنّ من غير المعقول أن يلحظ مفهوم (ما مَلَكَتْ أَ يْمانُهنَّ) في نسبة واحدة بلحاظين ، بأن يكون انحلالياً بالنسبة إلى بعض الأفراد ، وطبيعياً بالنسبة إلى بعضهم الآخر .

   الرابع : أن يراد بها الأقرباء خاصة .

   وفيه : أ نّه أبعد الاحتمالات كلها ، إذ أنّ لازمه الالتزام بدلالة الآية الكريمة على حرمة إبداء المرأة زينتها لغير نساء عشيرتها ، وهو خلاف الضرورة الفقهية . على أ نّه يردُ عليه ما تقدم على الوجه الثالث في المراد من قوله تعالى : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَ يْمانُهنَّ) .

   ومما تقدم يتضح أنّ المتعيّن هو الالتزام بالوجه الأوّل ، لعدم ورود شيء من الإشكالات عليه .

   ثم إنّه بناءً على هذا الاحتمال يتعيّن كون المراد بقوله تعالى (أَوْ ما مَلَكَتْ أَ يْمانُهنَّ) خصوص الأمة ، وذلك لبطلان احتمال إرادة خصوص العبد أو الجامع بينهما كما تقدّم .

   وقد نسب صاحب الوسائل (قدس سره) إلى الشيخ (قدس سره) في الخلاف أ نّه قال : (روى أصحابنا في قوله تعالى (أَوْ ما مَلَكَتْ أَ يْمانُهنَّ) أنّ المراد به الإماء دون

ــ[33]ــ

بل مطلق الكافرة (1) فإنّهن يصفن ذلك لأزواجهن .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العبيد الذكران) (1) . وهذه الرواية وإن لم نعثر عليها إلاّ أن ما ذكره (قدس سره) يكفينا كمؤيد .

   نعم ، روى معاوية بن عمار في الصحيح ، قال : كنّا عند أبي عبدالله (عليه السلام) نحواً من ثلاثين رجلاً إذ دخل عليه أبي فرحب به ـ إلى أن قال ـ فقال له : «هذا ابنك» ؟ قال : نعم ، وهو يزعم أنّ أهل المدينة يصنعون شيئاً لا يحلّ لهم ، قال : «وما هو» ؟ قال: المرأة القرشية والهاشمية تركب وتضع يدها على رأس الأسود وذراعها على عنقه ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): «يا بني أما تقرأ القرآن»؟ قلت: بلى، قال: «اقرأ هذه الآية (لاَ جُناحَ علَيهِنَّ في آبائِهنَّ وَلاَ أَبنائِهنَّ) حتى بلغ (وَلاَ ما مَلَكَتْ أَ يْمانُهنَّ) ثم قال : يا بني ، لا بأس أن يرى المملوك الشعر والساق» (2) .

   فإنّها تدل عموماً أو خصوصاً على دخول العبيد في قوله تعالى : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَ يْمانُهنَّ) .

   إلاّ أ نّه لا بدّ من ردّ علمها إلى أهلها ، وذلك لأنها غير قابلة للتصديق والقبول . فإنّها دلّت على جواز مماسة المرأة للعبد ، وهي لا قائل بجوازها ولا خلاف في حرمتها ولم ترد الآية الكريمة فيها ، فهي أجنبية عن محل الكلام . على أنها لم تتضمن حكماً تعبدياً كي يقال بتخصيص الحكم بها ، وإنما استدل بظاهر القرآن الكريم ، وحيث عرفت أنّ الآية الكريمة غير ظاهرة في ذلك ، فلا بدّ من حملها على التقية وإرادة التخلص عن إظهار الجواب الحقيقي للسؤال .

   (1) لعموم التعليل ، وقد علم حاله مما تقدم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 124 ح 9 . الخلاف 4 : 249 .

(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 124 ح 5 . والآية الكريمة في سورة الأحزاب 33 : 55 .

ــ[34]ــ

   والقول بالحرمة للآية حيث قال تعالى (أَوْ نِسائِهنَّ ) فخص بالمسلمات، ضعيف، لاحتمال كون((1)) المراد من (نِسائِهنَّ) الجواري والخدم لهنّ من الحرائر(1).
ــــــــــــــ

   (1) وقد عرفت بعده .
ــــــــــــ

(1) هذا الاحتمال ضعيف جدّاً ، إذ الظاهر أنّ المراد من (نسائهنّ ) الحرائر ، بقرينة قوله تعالى : (أو ما ملكت أيمانهنّ ) .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net