ــ[106]ــ
فصل
فيما يتعلّق بأحكام الدّخول على الزّوجة
وفيه مسائل
[ 3685 ] مسألة 1: الأقوى ـ وفاقاً للمشهور ـ جواز وطء الزوجة والمملوكة دبراً على كراهة شديدة (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
فيما يتعلّق بأحكام الدّخول على الزّوجة وفيه مسائل
(1) والكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :
الأوّل : ما يستفاد من الآيات الكريمة .
الثاني : المستفاد من النصوص .
أمّا المقام الأول : فقد ادُّعي استفادة الجواز من قوله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأ تُوا حَرْثَكُمْ أَ نَّى شِئتُمْ) (1) .
بدعوى أنّ كلمة (أَ نَّى) مكانية ، فتدلّ على جواز إتيان النساء في أي مكان منها فتكون دليلاً على جواز وطئها دبراً .
إلاّ أ نّه ضعيف ، فإنّ كلمة (أَ نَّى) ليست مكانية وإنّما هي زمانية صرفة ، كما يظهر ذلك من ملاحظة الآية السابقة ، حيث قال تعالى : (وَيَسأَلونَكَ عَنِ الَمحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فاعْتزلُوا النِّساءَ فِي المحِيضِ وَلاَ تَقْربُوهُنَّ حَتَّى يَطْهَرْنَ فَإِذا تَطَهَّرنَ فَأ تُوهُنَّ مِنْ حَيثُ أَمرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحبُّ التّوابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ) (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة 2 : 223 .
(2) سورة البقرة 2 : 222 .
ــ[107]ــ
فإنّها تدلّ على أنّ الممنوع إنّما هو إتيان النساء زمان حيضهن وفي تلك الحالة ، وأمّا في غيرها فيجوز إتيان الزوجة في أي وقت شاء الرجل .
على أ نّه لو سلمنا كونها مكانية ، فهي لا تدلّ على جواز إتيان المرأة في كل عضو وكل مكان في بدنها ، بحيث يقال بجواز إتيانها في اُذنها أو فمها أو أنفها ، بل هي إنّما تدل على عدم اختصاص الجواز بمكان خارجي دون آخر ، كما هو أوضح من أن يخفى .
على أنّ كلمة الـ (حَرْثٌ) المذكورة تدلّ بوضوح على اختصاص جواز الوطء بالقبل ، فإنّه محل الحرث دون غيره ، فالأمر بإتيان الحرث أمر بإتيانهن من القبل ، كما يظهر ذلك بملاحظة الأمثلة العرفية . فإنّ المولى إذا أعطى الحب لعبده وأمره بحرثه أينما شاء، أفهل يحتمل أن يكون مراده وضعه في أي مكان كان ولو في البحر أو النهر ؟ كلاّ فإنّ من الواضح اختصاص ذلك بما يقبل الحرث والزرع وليس ذلك سوى الأرض .
وعليه فيظهر أ نّه لا مجال لاستفادة الجواز من هذه الآية .
وفي قبال هذا القول فقد استدلّ للحرمة بقوله تعالى : (فإِذا تَطَهَّرنَ فَأ تُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَ مَرَكُمُ اللهُ) .
بدعوى انّها تدل على عدم جواز الوطء في الدبر ، لأ نّه ليس مما أمر به الله سبحانه ، بل الذي أمر به على ما عرفت من قوله تعالى : (فأ تُوا حَرْثكُمْ أَ نَّى شِئتُمْ) هو إتيانهنّ في القبل ، لأن القيد وإن لم يكن له مفهوم ـ على ما تقرر في الاُصول ـ إلاّ أ نّه لما كان ظاهراً في الاحتراز استفيد منه عدم ثبوت الحكم ـ أعني الجواز في المقام ـ لمطلق الإتيان والوطء ، فلا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن وهو الإتيان في غير الدّبر ، فلا يكون الإتيان في الدّبر مما أمر به الله سبحانه .
وأمّا المقام الثاني : فالنصوص الواردة فيه على طائفتين :
الاُولى : ما تدلّ على الجواز .
الثانية : ما تدلّ على عدم الجواز .
أمّا الطائفة الاُولى : فهي عدّة روايات إلاّ أنّ أكثرها ضعيفة سنداً ، بل بعضها مقطوعة البطلان ، على ما سيأتي توضيحه .
ــ[108]ــ
منها : رواية يونس بن عمار، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) أو لأبي الحسن (عليه السلام): إنّي ربّما أتيت الجارية من خلفها يعني دبرها ، ونذرت فجعلت على نفسي إن عدت إلى امرأة هكذا فعليَّ صدقة درهم وقد ثقل ذلك عليَّ ، فقال : «ليس عليك شيء وذلك لك» (1) .
وهي مقطوعة البطلان مع قطع النظر عن سندها ، إذ لا موجب للحكم ببطلان نذره وأ نّه لا شيء عليه بعد ما كان متعلّقه أمراً راجحاً ، فإن الوطء في الدّبر مرجوح بلا خلاف فيكون تركه أمراً راجحاً .
ومنها : رواية علي بن الحكم عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «إذا أتى الرجل المرأة في الدّبر وهي صائمة لم ينقض صومها وليس عليها غسل» (2) .
وهي كسابقتها في ضعف السند والبطلان ، حيث لم يقل بمضمونها أحد من المسلمين قاطبة .
ومنها : معتبرة حماد بن عثمان عن ابن أبي يعفور ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ، قال : «لا بأس به» (3) .
ومنها : معتبرة عبدالله بن أبي يعفور ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ، قال : «لا بأس إذا رضيت» . قلت : فأين قول الله عزّ وجلّ : (فأ تُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمرَكُمُ اللهُ) ؟ قال : «هذا في طلب الولد ، فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فأ تُوا حَرْثَكُم أَ نَّى شِئْتُمْ)»(4) .
وهذه الرواية معتبرة سنداً وإن عبّر عنها في بعض الكلمات بالخبر ، فإنّ علي بن أسباط وإن كان فطحياً إلاّ أ نّه ممّن وثّقه النجاشي (قدس سره) ، بل ذكر أ نّه قد رجع
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 73 ح 8 .
(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 73 ح 9 .
(3) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 73 ح 5 .
(4) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 73 ح 2 .
ــ[109]ــ
عن ذلك إلى مذهب الحق (1) ، كما أنّ محمد بن حمران النهدي ثقة جزماً (2) .
ومنها : معتبرة علي بن الحكم ، قال : سمعت صفوان يقول : قلت للرضا (عليه السلام) : إنّ رجلاً من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة فهابك واستحيا منك أن يسألك عنها ، قال : «ما هي» ؟ قال : قلت: الرجل يأتي امرأة في دبرها ؟ قال : «نعم ذلك له» . قلت : وأنت تفعل ذلك ؟ قال : «لا ، إنّا لا نفعل ذلك» (3) .
الطائفة الثانية : فكمعتبرة معمر بن خلاد ، قال : قال لي أبو الحسن (عليه السلام) : «أي شيء يقولون في إتيان النساء في أعجازهن» ؟ قلت : إنّه بلغني أنّ أهل المدينة لا يرون به بأساً ، فقال : «إنّ اليهود كانت تقول إذا أتى الرجل المرأة من خلفها خرج ولده أحول ، فأنزل الله عزّ وجلّ : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأ تُوا حَرْثَكُمْ أَ نَّى شِئْتُمْ) من خلف أو قدام خلافاً لقول اليهود ، ولم يعن في ادبارهن» (4) .
فإن انكاره (عليه السلام) لنفي أهل المدينة البأس عنه ، وتفسيره للآية الكريمة بأنّ المراد إتيانهن من خلف أو قدّام لا وطؤهن في أدبارهن ، يكشف عن ثبوت البأس فيه كما هو واضح .
وهاتان الطائفتان متعارضـتان ، ولا يمكن الجمع بينهما بحمل الثانية على الكراهة إذ قد عرفت أنّ الملاك في الجمع العرفي هو إمكان جمع الجوابين في جملة واحدة من دون تهافت أو تناقض ، وهو غير موجود فيما نحن فيه إذ لا يمكن الجمع بين «لا بأس به» و «به بأس» في كلام واحد . وعليه فلو لم يمكن جمعهما بشكل آخر ، كان اللاّزم الرجوع إلى الكتاب العزيز والقول بعدم الجواز مطلقاً .
إلاّ أن مقتضى معتبرة عبدالله بن أبي يعفور هو الجمع فيهما بحمل الاُولى على صورة رضاها ، وحمل الثانية على صورة عدم رضاها ، حيث أ نّها دلّت على الجواز في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي : 252 ترجمة برقم 663 .
(2) معجم رجال الحديث 17 : 48 .
(3) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 73 ح 1 .
(4) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 72 ح 1 .
ــ[110]ــ
بل الأحوط تركه((1)) ، خصوصاً مع عدم رضاها بذلك (1) .
[ 3686 ] مسألة 2 : قد مرّ في باب الحيض الإشكال في وطء الحائض دبراً (2) وإن قلنا بجوازه في غير حال الحيض . ــــــــــــــــــــــ
الصورة الاُولى ، فيكون مفهومها عدم الجواز في الصورة الثانية قهراً ، وبذلك تنحل مشكلة التعارض بينهما .
وعليه فلا بدّ من الالتزام بالتفصيل بين صورة رضاها وصورة عدم رضاها ، حيث يجوز في الاُولى دون الثانية . نعم ، لا بدّ من الالتزام بالكراهة في صورة الجواز ، لما ورد في الأخبار من قولهم (عليهم السلام) : «إنّا لا نفعله» فإنّ ذلك يدلّ على مبغوضية الفعل وكراهته .
(1) ظهر مما تقدّم عدم الجواز في هذه الصورة .
(2) تقدم الكلام في محلّه في باب الحيض من كتاب الطهارة ، أنّ منشأ هذا الإشكال إنّما هو صدق القرب المنهي عنه بقوله تعالى : (وَلاَ تَقْربُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرنَ) على الوطء في الدبر ، إلاّ أ نّك قد عرفت أ نّه غير صحيح ، وأ نّه لا مانع من الالتزام بجوازه لو قلنا بالجواز في غير تلك الحالة . ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا يترك .
|