المناط في التزويج علم الزوج لا وليه أو وكيله - جواز تزويج من في العدّة لنفسه 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى- الجزء الثاني:النكاح   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4160


ــ[175]ــ

   [ 3709 ] مسألة 2: إذا زوّجه الولي في عدّة الغير مع علمه بالحكم والموضوع، أو زوّجه الوكيل في التزويج بدون تعيين الزوجة كذلك لا يوجب الحرمة الأبديّة، لأن المناط علم الزوج لا وليّه أو وكيله . نعم ، لو كان وكيلاً في تزويج امرأة معينة وهي في العدّة(1) فالظاهر كونه كمباشرته بنفسه((1))، لكن المدار علم الموكل لا الوكيل.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) الظاهر أنّ مراده (قدس سره) من التفصيل بين تعيين المرأة وعدم تعيينها ، إنّما هو الفرق بين كون متعلق الوكالة تزويج امرأة ذات عدّة ، وبين كون متعلقها تزويج امرأة مطلقاً ، ومن دون التقييد بكونها ذات عدّة وإن كان الوكيل يختار ذلك في الخارج . فيحكم في الثاني بعدم ثبوت الحرمة الأبدية، لأنّ ظاهر التوكيل أنّه توكيل في عقد وزواج صحيح، ومن هنا فلا تكون الوكالة شاملة لتزويجه امرأة في العدّة ، بل يكون ذلك العقد عقداً فضولياً فلا يوجب ثبوت الحرمة الأبدية . وهذا بخلاف الأول حيث تثبت الحرمة الأبدية ، نظراً لشمول الوكالة لذلك العقد ، حتى ولو انضمت إليها وكالة بتزويج امرأة خلية .

   فالعبرة إنّما هي بصدق التزوج بامرأة في عدتها وعدمه . وهذا هو ما يعنيه المصنف (قدس سره) من التعبير بالإطلاق والتعيين ، حيث لا تكون الوكالة على الأول شاملة لذات العدّة ، فلا يصدق التزويج في العدّة مع علم الزوج بخلاف الثاني ، فإنه بعد شمول الوكالة لها يصدق التزوج بالمرأة في عدتها ، وبذلك تثبت الحرمة الأبدية .

   إلاّ أنّ للمناقشة في ثبوت الحرمة الأبدية حتى في صورة التعيين والعلم بالحكم والموضوع ، أو الجهل ولكن مع الدخول بها مجالاً ، نظراً لعدم شمول دليل التحريم له . وذلك لأنّ موضوع الحرمة في لسان الأدلة لما كان هو التزوج من امرأة ذات عدّة كان لا بدّ في ثبوت هذه الحرمة من صدق الانتساب ، إذ لولاه لما كان لثبوتها وجه .

   ومن هنا فحيث أنّ الانتساب لا يتحقق إلاّ بالمباشرة ، أو باعتبار من يكون اعتباره اعتباراً له ـ كالوكيل في الاُمور الاعتبارية ـ بحيث ينتسب الفعل إليه حقيقة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال بل منع .

ــ[176]ــ

كان من الواضح عدم تحقق الانتساب . ومن ثم كان عدم ثبوت الحرمة الأبدية في المقام واضحاً ، فإنّ الانتساب نتيجة فعل الوكيل إنّما يكون فيما إذا كانت الوكالة صحيحة ، وأما إذا كانت باطلة فلا وجه لنسبة الفعل الصادر من فاعله إلى غيره .

   ومقامنا من هذا القبيل ، فإنّ الوكالة باطلة نظراً لاختصاصها بما يصح صدوره من الموكل نفسه ، فما لا يصح صدوره منه لا يصح فيه التوكيل أيضاً ، وحيث أن التزويج من امرأة ذات عدّة إذا صدر من نفسه كان محكوماً بالبطلان ، فلا تصح الوكالة فيه .

   وعلى هذا فلا وجه للحكم بثبوت الحرمة الأبدية ، فإن التزويج بامرأة في العدّة لم يصدر منه ولا من وكيله .

   أمّا الأوّل فواضح . وأما الثاني فللسالبة بانتفاء الموضوع ، فإنه لا وكيل له حيث لم تصدر وكالة منه حقيقة في الخارج ، وإن وجدت صورة الوكالة في الخارج .

   والحاصل أنّ التزويج بامرأة في العدّة لما لم يكن يصدر من نفسه ، أو من وكيله لعدم وجود الوكالة ، لم يكن موضوع الحرمة الأبدية متحققاً ، ومن هنا لم يكن للقول بثبوتها وجه .

   وكذا الحال في الولي ، فإنّ الولاية تختص بما أمضاه الشارع وكان صحيحاً ، ولا تثبت في العقود الفاسدة ، فليس الولي ولياً للطفل أو المجنون حتى في التزوج بامرأة في عدّتها ، فلو فعل ذلك كان العقد فضولياً فلا تثبت الحرمة الأبدية .

   ثم إنّ في فرض الوكالة لو تنزلنا وقلنا بثبوت الحرمة الأبدية فيه ، فهل تعم صورة التوكيل في تزويج امرأة لا بعينها أم لا ؟

   إن قلنا بانصراف الوكالة إلى التزويج المباح شرعاً ـ كما هو ليس ببعيد ـ فلا ينبغي الشكّ في عدم ثبوتها لهذا الفرض ، إذ لا وجه لثبوتها له بعد عدم شمول الوكالة له .

 وأما إذا قلنا بعدم الانصراف ، أو كانت الوكالة صريحة في العموم ، فالظاهر هو القول بعدم ثبوتها أيضاً ، وذلك لعدم صدق علم الزوج بذلك ، فإنّ المستفاد من صحيحة الحلبي(1) ومعتبرة إسحاق بن عمّار(2) أنّ العبرة إنّما هي بعلم الزوج بوقوع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ص 170 هـ 1 .

(2) راجع ص 169 هـ 1 .

ــ[177]ــ

   [ 3710 ] مسألة 3 : لا إشكال في جواز تزويج من في العدّة لنفسه (1) سواء كانت عدّة الطلاق ، أو الوطء شبهة ، أو عدّة المتعة ، أو الفسخ بأحد الموجبات (2) أو المجوزات له .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العقد على ذات العدّة وكونه محرماً شرعياً .

   ومن هنا فالتوكيل في التزويج من إحدى بنات زيد مثلاً ـ مع العلم بكون إحداهن في العدّة وحرمة التزوج من ذات العدّة ـ وإن كان شاملاً لذات العدّة أيضاً ، إلاّ أ نّه لا  مجال للقول بصدق علم الزوج بوقوع العقد على ذات العدّة ، لاحتمال وقوعه على غيرها حيث أن الوكالة متعلقة بالأعمّ ، فلا يكفي مجرد علمه بكونها في العدّة وعموم الوكالة لها في ثبوت الحرمة ، ما دام لم يكن يعلم بوقوع العقد عليها في الخارج .

   وبعبارة اُخرى نقول : إنّ التزويج وإن كان تزويجاً للموكل ـ  حيث تعمّها الوكالة  ـ إلاّ أنّ علم الوكيل ليس علماً للموكل ، فلا موجب للقول بثبوت الحرمة الأبدية .

   ثم لو فرضنا إجازة الصبي بعد بلوغه ، أو المجنون بعد كماله ، أو مطلق من وقع العقد فضولة عنه ، مع علمه بالحكم والموضوع أو الدخول بها مع الجهل ، فهل يوجب ذلك الحرمة الأبدية أم لا ؟

   الظاهر هو التفصيل بين ما لو وقعت الإجازة بعد خروج العدّة ومضيها وبين ما لو وقعت قبل انقضائها ، حيث ينبغي الالتزام في الأول بعدم ثبوتها، وذلك لعدم انتساب التزوج في العدّة إليه ، حتى بناء على القول بالكشف الحقيقي ـ وإنْ كنّا لا نقول به ـ فضلاً عن القول بالكشف الحكمي أو النقل، إذ الانتساب إنّما يكون بالإجازة ومن حينها ، والمفروض أنّ المرأة في ذلك الزمان ليست بذات عدّة ، فلا ينبغي الإشكال في عدم ثبوت الحرمة حينئذ . وهذا بخلاف الثاني ، حيث لا يبعد القول بثبوت الحرمة الأبدية ، لانتساب التزويج بامرأة ذات عدّة إليه قبل انقضاء العدّة .

   (1) بلا خلاف فيه بين الأصحاب ، وقد دلّت على بعض مواردها نصوص خاصة .

   (2) ما لم يكن موجباً لثبوت الحرمة الأبدية ، كالرضاع فإنّه موجب لها ، فلا مجال

ــ[178]ــ

   والعقد صحيح إلاّ في العدّة الرجعية ، فإن التزويج فيها باطل ، لكونها بمنزلة الزوجة (1) .

   وإلاّ في الطلاق الثالث الذي يحتاج إلى المحلل ، فإنّه أيضاً باطل بل حرام (2) ولكن مع ذلك لا يوجب الحرمة الأبدية .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للقول بجواز تزوّجه منها في عدتها ثانياً. وكذا الكفر، بناءً على ما اختاره المشهور من عدم ارتفاع الزوجية به في أثناء العدّة ، فإنّه لا مجال للقول بجواز تزوجه منها بعد إسلامه في العدّة ، لأ نّها زوجة له . نعم ، لا بأس بالقول به بناءً على ما اخترناه من انقطاع العلقة الزوجية وارتفاعها بمجرد الارتداد .

   ثم إنّه كان عليه (قدس سره) تخصيص الحكم في المقام بالموارد التي يصح التزوج فيها . أما الموارد التي لا يصح التزوّج فيها لبعض المحاذير ، كما لو أسلم النصراني عن سبع ففسخ نكاح ثلاث منهن بالقرعة أو بالاختيار ، فإنّه لا يجوز له التزوج من إحداهن وإن كانت العدّة لنفسه ، وذلك لاستلزامه الجمع بين خمس زوجات .

   (1) وبذلك فيكون مجرد مطالبته لها بالزواج محققاً للرجوع ورضاء بالزوجية السابقة واعتباراً لها مع المبرز في الخارج ، وعندئذ فيكون العقد الثاني من التزوج بعد التزوج فلا يقع مؤثراً ، إذ بعد اعتباره للزوجية مع إبرازه لا مجال للتزوج بها ثانياً .

   هذا كلّه بناءً على مذهب المشهور من كون المطلقة الرجعية بمنزلة الزوجة . وأما بناءً على ما اخترناه من كونها زوجة حقيقة فالأمر أوضح ، فإنّه لا مجال للتزوج من المزوَّجة ثانياً .

   (2) لقوله تعالى : (فإَن طَلَّقَها فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكحَ زَوجاً غَيْرهُ فَإِن طَلَّقها فَلاَ جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا) (1) .

   فإنّ ظاهر التعبير بـ (فَلاَ تَحِلُّ) هو حرمة الفعل تكليفاً مضافاً إلى البطلان ، وإلاّ فمجرد البطلان وضعاً لا يعبّر عنه بهذا التعبير . كما يشهد له عدم صدقه في الزواج المعلّق وزواج المتعة من دون ذكر الأجل ، إلى غيرهما من الموارد التي يكون الزواج

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة البقرة 2 : 230 .

ــ[179]ــ

   وإلاّ في عدّة الطلاق التاسع في الصورة التي تحرم أبداً (1) .

   وإلاّ في العدّة لوطئه زوجة الغير شبهة، لكن لا من حيث كونها في العدّة، بل لكونها ذات بعل(2).

   وكذا في العدّة لوطئه في العدّة شبهة إذا حملت منه، بناءً على عدم تداخل العدتين، فإنّ عدّة وطء الشبهة حينئذ مقدمة على العدّة السابقة التي هي عدّة الطلاق أو نحوه لمكان الحمل ، وبعد وضعه تأتي بتتمة العدّة السابقة ، فلا يجوز له تزويجها في هذه العدّة ـ أعني عدّة وطء الشبهة ـ وإن كانت لنفسه (3) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيها باطلاً ، فإنّه لا مجال فيها للتعبير بـ (فَلاَ تَحِلُّ) وإنّما يعبّر عنها بـ (لا تصحّ) خاصّة ، وليس ذلك إلاّ لكون مفاد هذا التعبير كقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُ مَّهاتُكُمْ) (1) هو حرمة الفعل لا البطلان خاصّة ، بل يمكن أن يقال إنّ البطلان في المقام مترتب على الحرمة التكليفية ، بحيث تكون الحرمة هي السبب في البطلان .

   والحاصل أنّ العرف لا يرى فرقاً بين التعبير بكلمة (حُرِّمَتْ) والتعبير بكلمة (فَلاَ تَحِلُّ) بل يرى كلاًّ منهما لازماً للآخر ، فعدم الحليّة لازم للحرمة ، كما أنّ الحرمة لازمة لعدم الحلّ .

   (1) وتقدّم منّا في محلّه استظهار كون الطلاق التاسع موجباً لثبوت الحرمة الأبدية على الإطلاق .

   (2) إلاّ أ نّه خارج عن محلّ كلامنا ، نظير اعتداد المحارم عن وطئهن شبهة .

   (3) ويقتضيه قوله تعالى: (يا أَ يُّها النَّبيُّ إِذا طَلَّقتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَ حْصُوا العِدَّةَ)(2).

   وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّونَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَربَعَةَ أَشهُر وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ) (3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة النساء 4 : 23 .

(2) سورة الطلاق 65 : 1 .

(3) سورة البقرة 2 : 234 .

ــ[180]ــ

فلو تزوّجها فيها عالماً أو جاهلاً بطل ، ولكن في إيجابه التحريم الأبدي اشكال((1)) (1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   والنصوص الدالّة على أن حلّيتها للأزواج متوقّفة على انقضاء العدّة (2) . فإنّها ما  دامت بعد في العدّة الاُولى ولم تخرج منها فلا يجوز التزوج منها .

   (1) والأقوى ثبوتها ، وذلك لصدق التزوج بذات العدّة ، فإنّ المرأة بدخولها ـ نتيجة للطلاق أو غيره ـ في العدّة الاُولى لا تخرج منها إلاّ بانقضائها ، وحيث لم يتحقق إلاّ بعد إتمامها من بعد الاعتداد بالعدّة الثانية ، كان التزوج منها في أثناء العدّة الثانية تزوّجاً منها في أثناء العدّة ، وبذلك يكون مشمولاً للنصوص الدالة على ثبوت الحرمة الأبدية بالتزوج من المرأة في العدّة .

   نعم لو قلنا : بأ نّها بالدخول في العدّة الثانية تخرج عن العدّة الاُولى ، وإن كانت تدخل فيها ثانية بعد انقضائها ، كان للقول بعدم ثبوت الحرمة وجه . إلاّ أنّ الأمر ليس كذلك ، فإنّها لا تخرج بالدخول في العدّة الثانية عن العدّة الاُولى ، بل إنّما تجب الثانية من باب العدّة في العدّة .

   والحاصل أنّ الموضوع للحرمة الأبدية إنّما هو التزوج من امرأة دخلت في العدّة ولم تخرج منها ، وهو متحقّق في المقام .

   ومما يدلّ على ما ذكرنا معتبرة إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الأَمة يموت سيدها ، قال : «تعتدّ عدّة المتوفى عنها زوجها» . قلت : فإنّ رجلاً تزوّجها قبل أن تنقضي عدّتها ؟ قال: فقال: «يفارقها ثم يتزوجها نكاحاً جديداً بعد انقضاء عدّتها»، الحديث (3) .

   فإنّها واضحة الدلالة على أنّ موضوع الحكم إنّما هو التزوج منها قبل انقضاء عدّتها ، وحيث أ نّه صادق في المقام فلا بدّ من القول بثبوتها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يبعد جريان حكم التزويج في العدّة عليه .

(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 17 .

(3) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 17 ح 5 .

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net