تزوج امرأة عليها عدّة ولم تشرع بها - ولد الموطوءة شبهة في العدّة يلحق بالزوج أو الواطء 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى- الجزء الثاني:النكاح   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4800


   [ 3717 ] مسألة 10 : إذا تزوج امرأة عليها عدّة ولم تشرع فيها ـ كما إذا مات زوجها ولم يبلغها الخبر ، فإنّ عدّتها من حين بلوغ الخبر  ـ فهل يوجب الحرمة الأبديّة أم لا ؟ قولان (2) أحوطهما الأوّل ، بل لا يخلو عن قوّة .

ـــــــــــــــــــــــــــــ
   (2) ذهب جماعة ـ منهم صاحب الجواهر (قدس سره) ـ إلى عدم ثبوتها نظراً إلى عدم كون المرأة ذات بعل أو معتدّة (1) ، في حين ذهب آخرون ـ  منهم الماتن (قدس سره) ـ إلى ثبوتها . والكلام في هذه المسألة ينبغي أن يكون في موردين :

   الأوّل : في بطلان العقد وعدمه .

   الثاني : في ثبوت التحريم الأبدي وعدمه .

   أمّا الأول : فالحكم بالبطلان مما لا ينبغي الإشكال أو الخلاف فيه .

   والوجه فيه أنّ المستفاد من الآية الكريمة والنصوص الواردة في لزوم الاعتداد أنّ التحليل إنّما يكون بعد انقضاء عدتها ، فما لم تعتدّ وتتربص بنفسها أربعة أشهر وعشراً أو ثلاثة قروء لم يجز للرجال للتزوج منها .

   وأمّا الثاني : فالصحيح في المقام هو ما اختاره الماتن (قدس سره) ، وذلك لأحد وجهين :

   الوجه الأوّل : دعوى كونها معتدّة بالفعل ، وذلك بتقريب وجوب العدّة على كل امرأة يموت عنها زوجها من حين وفاته ، فيجب عليها من ذلك الحين الاعتداد والتربص بنفسها ، غاية الأمر أنّ مبدأ التربص بحسب النصوص إنّما هو من حين بلوغها نبأ وفاته ، وعلى هذا فتكون من حين الوفاة محكومة بحرمة التزوج منها حتى تعدّ الأيام المعلومة .

   وبعبارة اُخرى : إنّ التربص واجب على المرأة من حين موت زوجها فهي ذات عدّة من تلك اللحظة ، إلاّ أنّ مبدأ الأربعة أشهر وعشرة أيام إنّما يكون من حين بلوغها الخبر . ومن هنا يحكم بثبوت الحرمة الأبدية فيما إذا تزوجها رجل ، وهو يعلم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 29 : 436 .

ــ[195]ــ

   [ 3718 ] مسألة 11 : إذا تزوج امرأة في عدّتها ودخل بها مع الجهل ، فحملت مع كونها مدخولة للزوج الأول ، فجاءت بولد . فإن مضى من وطء الثاني أقل من ستة أشهر، ولم يمض من وطء الزوج الأول أقصى مدّة الحمل، لحق الولد بالأوّل(1). وإن مضى من وطء الأول أقصى المدّة ، ومن وطء الثاني ستة أشهر أو أزيد إلى ما قبل الأقصى ، فهو ملحق بالثاني (2) . وإن مضى من الأوّل أقصى المدّة ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أو لا يعلم ولكن قد دخل بها ، وذلك لكونها معتدّة حقيقة .

   الوجه الثاني : أنّ الموضوع للحرمة الأبدية في النصوص ليس هو التزوج من المعتدّة ، بل الموضوع فيها ما هو أوسع من ذلك ، وهو التزوج منها قبل انقضاء عدّتها على ما دلت عليه معتبرة إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الأَمة يموت سيدها ، قال : «تعتدّ عدّة المتوفى عنها زوجها» . قلت : فإنّ رجلاً تزوجها قبل أن تنقضي عدّتها ؟ قال : فقال : «يفارقها ثم يتزوجها نكاحاً جديداً بعد انقضاء عدّتها» . قلت : فأين ما بلغنا عن أبيك في الرجل إذا تزوج المرأة في عدّتها لم تحلّ له أبداً ؟ قال : «هذا جاهل» (1) .

   فإنها تدلّ على كون التزويج قبل انقضاء عدّة المرأة موجباً للحرمة الأبدية إذا كان ذلك عن علم ، ومن الواضح أنّ التزوج قبل انقضاء العدّة أعم من التزوج منها بعد شروعها في العدّة أو قبل ذلك . وبهذا فيشمل النص المقام ، ومقتضاه ثبوت الحرمة الأبدية ، كما هو واضح .

   والحاصل أنّ الحرمة الأبدية ثابتة في المقام ، أما من جهة كونها معتدة بالفعل ، أو من جهة كون موضوعها أعمّ من التي شرعت في العدّة والتي لم تشرع فيها ، حيث يصدق على ذلك التزوج أ نّه تزوج قبل انقضاء عدّتها .

   (1) بلا خلاف فيه بينهم ، وتدلّ عليه قاعدة الفراش ، كما تؤيده مرسلة جميل بن صالح الآتية .

   (2) بلا إشكال . ويقتضيه ـ مضافاً إلى مرسلة جميل ـ أنّ المنفي بحسب النصوص إنّما هو الإلحاق بالزاني خاصة وهذا ليس منه ، حيث أنّ المفروض كون الوطء شبهة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 17 ح 5 .

ــ[196]ــ

ومن الثاني أقلّ من ستة أشهر ، فليس ملحقاً بواحد منهما (1) . وإن مضى من الأوّل ستة فما فوق ، وكذا من الثاني ، فهل يلحق بالأوّل أو الثاني ، أو يقرع ؟ وجوه أو أقوال ، والأقوى لحوقه بالثاني((1)) لجملة من الأخبار (2) . وكذا إذا تزوّجها الثاني بعد تمام العدّة للأوّل واشتبه حال الولد .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهو في حكم الفراش ، فيلحق به الولد لا محالة .

   (1) للعلم بانتفائه عنهما معاً ، ومعه فلا مجال لانتسابه إلى أحد منهما .

   (2) إلاّ أ نّها إمّا ضعيفة من حيث السند ، وإمّا لا دلالة فيها . وهذه الروايات هي :

   أوّلاً : مرسلة جميل بن صالح عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهما السلام) في المرأة تزوج في عدتها ، قال : «يفرّق بينهما ، وتعتدّ عدّة واحدة منهما جميعاً ، وإن جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر فهو للأخير ، وإن جاءت بولد لأقلّ من ستة أشهر فهو للأوّل» (2) .

   ودلالتها واضحة ، فإنّ مقتضى إطلاقها هو لحوق الولد بالثاني فيما إذا ولد لستة أشهر أو أكثر ، سواء أمكن الحاقه بالأول أيضاً أم لم يمكن .

   إلاّ أن الكلام في سندها ، فإنّ الشيخ (قدس سره) قد رواها في موضعين ، اقتصر في أحدهما على ذكر اسم جميل من دون أن ينسبه إلى صالح (3) ، في حين نسبه في الموضع الثاني إليه (4) . وعلى كلا التقديرين فالرواية بهذا السند ضعيفة ، لأ نّها مرسلة . على أنّ في طريقها علي بن حديد وهو لم يوثق .

   لكنه قد يقال : بأ نّها وإن كانت بهذا السند ضعيفة إلاّ أن الشيخ الصدوق (قدس سره) قد روى هذا المتن بعينه عن جميل بن دراج (5) ، وحيث أنّ طريق الصدوق (قدس سره) إليه صحيح تكون الرواية معتبرة سنداً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال ، ولا يبعد الرجوع إلى القرعة .

(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 17 ح 14 .

(3) التهذيب 7 : 309 / 1283 .

(4) التهذيب 8 : 168 / 584 .

(5) الفقيه 3 : 301 / 1441 .

ــ[197]ــ

   وفيه : أنّ هذا السند لا يمكن الاعتماد عليه أيضاً ، وذلك لأنّ الصدوق (قدس سره) لم يذكر من يروي جميل بن دراج عنه ، فإنّه قال : وفي رواية جميل بن دراج ، ثم ذكر المتن المتقدِّم من دون أن يتعرّض إلى المرويّ عنه وهل هو الإمام (عليه السلام) أو غيره .

   ومن هنا فمن المظنون قوياً وقوع السهو في قلم الشيخ (قدس سره) ، وأنّ الراوي لهذه الرواية إنّما هو جميل بن دراج لا جميل بن صالح . والوجه فيه أنّ علي بن حديد لم يرو ولا رواية واحدة في مجموع الكتب الأربعة عن جميل بن صالح ، في حين أنّ رواياته عن جميل بن دراج كثيرة جداً .

   وليس وقوع هذا السهو منه (قدس سره) بغريب، فقد روى الشيخ (قدس سره) في التهذيب (ج7 رقم 1074) رواية عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن ضريس بن عبدالملك . إلاّ أنّ الشيخ الصدوق (قدس سره) قد رواها بعينها ، ولكن ذكر فيها جميل بن دراج بدلاً عن جميل بن صالح (1) وهو الصحيح . إلاّ أنّ الخطأ في هذا المورد ليس كالمورد الأوّل بقطعي ، حيث أن للحسن بن محبوب روايات عن جميل بن صالح وإن قلّت .

   وعلى هذا فالمتحصّل أنّ الشيخ الصدوق (قدس سره) إنّما يشير بقوله : وفي رواية جميل بن درّاج ، إلى الرواية التي نسبها الشيخ (قدس سره) إلى جميل بن صالح ، ومن هنا فتكون هذه الرواية مرسلة أيضاً .

   ولو تنزّلنا عن ذلك كلّه فطريق الصدوق (قدس سره) إلى جميل بن دراج ليس بصحيح ـ كما قيل ـ بل هو مجهول ، وذلك لأنه (قدس سره) يروي في كتابه (من  لا يحضره الفقيه) عن محمد بن حمران في غير مورد ، كما يروي عن جميل بن دراج كثيراً ، ويروي عنهما معاً في غير مورد أيضاً . ولكنه في المشيخة اقتصر على ذكر طريقه إلى محمد بن حمران وإليهما معاً خاصة ، ولم يتعرض إلى ذكر طريقه إلى جميل ابن دراج فيما يروي عنه منفرداً ، حاله حال طريقه إلى عدّة من أرباب الكتب (2) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفقيه 3 : 290 / 1378 .

(2) راجع الفقيه 4 : 17 ، 89 .

ــ[198]ــ

   ومن هنا فلا يمكن الحكم بصحة الرواية ، نظراً إلى مجهولية طريق الصدوق (قدس سره) إلى جميل بن دراج .

   ثانياً : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «إذا كان للرجل منكم الجارية يطأها فيعتقها فاعتدّت ونكحت ، فإن وضعت لخمسة أشهر فإنّه لمولاها الذي أعتقها ، وإن وضعت بعد ما تزوجت لستة أشهر فإنه لزوجها الأخير» (1) .

   بدعوى أ نّها كالمرسلة المتقدمة دالة بإطلاقها على أ نّها لو وضعت لأكثر من ستة أشهر فهو ملحق بالثاني ، سواء أمكن إلحاقه بالأوّل أيضاً ـ  لعدم مضي أقصى مدّة الحمل  ـ أم لم يمكن .

   إلاّ أ نّها واضحة الدفع ، فإنّها واردة في تزوّج الثاني منها بعد انقضاء عدّتها من الأول ، ومن الواضح أ نّها بذلك تخرج عن فراش الأول بحكم الشارع وتصبح محللة للأزواج ، ومعه فكيف يمكن الحكم بلحوق الولد بالأول ، فإنه ليس إلاّ افساداً للعقد المحكوم عليه بالصحة .

   وبعبارة اُخرى : إنّ فراش مولاها قد زال بالاعتداد وبذلك فقد حلت للأزواج ظاهراً .

   ومن هنا فإن كانت هناك قرينة على عدم خروجها من العدّة وعدم حلها للأزواج ـ  كما لو وضعت لدون ستة أشهر من زواج الثاني  ـ حكم ببطلان نكاحه ، وبذلك يكون وطؤه لها شبهة ويلحق الولد بالأول ، لظهور بقاء فراشه . وأمّا إذا لم تكن هناك قرينة على ذلك كان فراش الثاني وزواجه صحيحاً ، فيحكم بلحوق الولد به على القاعدة ومن دون حاجة إلى النص ، فإنّ علاقة الأوّل قد زالت بالاعتداد وقد أصبحت فراشاً للثاني . ولكن أين ذلك من المقام المفروض فيه كون التزوج باطلاً وكون الوطء في فراش الزوج الأول ؟

   ثالثاً : رواية البزنطي عمن رواه عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل إذا طلق امرأته ، ثم نكحت وقد اعتدّت ووضعت لخمسة أشهر ؟ «فهو للأوّل ، وإن كان الولد أنقص من ستة أشهر فلاُمّـه ولأبيه الأوّل ، وإنْ ولدت لستة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب أحكام الأولاد ، ب 17 ح 14 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net