ــ[199]ــ
[ 3719 ] مسألة 12 : إذا اجتمعت عدّة وطء الشبهة مع التزويج أو لا معه وعدّة الطّلاق أو الوفاة أو نحوهما، فهل تتداخل العدّتان، أو يجب التعدّد ؟ قولان المشهور على الثاني وهو الأحوط ، وإن كان الأول لا يخلو عن قوّة (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أشهر فهو للأخير» (1) .
إلاّ أنّ الحال فيها كالحال في الصحيحة المتقدمة تماماً ، فإنها أجنبية عن محلّ الكلام ، مضافاً إلى ضعف سندها بالإرسال فلا مجال للاعتماد عليها .
رابعاً : مضمرة أبي العباس ، قال: قال: إذا جاءت بولد لستة أشهر فهو للأخير، وإن كان لأقلّ من ستة أشهر فهو للأول (2) .
وهي مخدوشة سنداً ومتناً .
أمّا الأوّل : فلأنّ كلمة (قال) إنّما هي مكررة في نسخة الوسائل خاصة ، وأمّا في التهذيب فلم تذكر إلاّ مرة واحدة (3) ، ومن هنا فيكون متنها فتوى لأبي العباس نفسه ، وبذلك تخرج عن كونها رواية بالمرة .
وأمّا الثاني : فلمجهولية مرجع الضمير في قوله : (جاءت) وهل هو المعتدّة عن وفاة ، أو طلاق ، أو الوطء شبهة ، أم هو الأَمة التي أعتقها مولاها ثم تزوجت من غيره بعد انقضاء العدّة . ومن هنا فلا يمكن الاستدلال بها ، لاحتمال كون مرجعه هو الأخير ، فيكون حالها حال الروايتين الأخيرتين .
والحاصل أنّ بملاحظة هذه الأخبار يتّضح أ نّه لا مجال لاستفادة لحوق الولد بالزوج الأوّل أو الثاني من شيء منها . إذن ينحصر أمر تعيين لحوق الولد بأحدهما بالقرعة ، فإنها لكل أمر مشكل وهذا منه .
(1) الكلام في هذه المسألة ينبغي أن يكون في مقامين :
الأوّل : ما تقتضيه القاعدة مع غضّ النظر عن النصوص .
الثاني : ما تقتضيه النصوص الواردة في المقام .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب أحكام الأولاد ، ب 17 ح 11 .
(2) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب أحكام الأولاد ، ب 17 ح 12 .
(3) التهذيب 8 : 167 / 583 .
ــ[200]ــ
أمّا المقام الأوّل : فلا ينبغي الشكّ في كون مقتضاها هو التداخل .
والوجه في ذلك واضح ، فإنّ النصوص المتضافرة قد دلت على لزوم الاعتداد من الطلاق والوفاة ووطء الشبهة والفسخ ، كما دلّت هاتيك النصوص على أنّ مبدأ العدّة إنّما هو في غير الوفاة من حين وقوع السبب ، وأما فيها فإنّما هو من حين بلوغها الخبر ، وهذا واضح ولا خلاف فيه . وعلى هذا فلو اجتمع سببان للعدّة في زمان واحد كان القول بالتداخل مما لا بدّ منه ، نظراً لعدم قابلية الزمان الواحد لاجتماعهما فيه ، فإن الزمان الواحد لا يقبل إلاّ عدّة واحدة . ومن هنا فحيث إنّ جعل مبدأ إحدى العدّتين وزمانها متأخراً عن زمان الاُخرى يحتاج إلى الدليل وهو مفقود ، فلا مناص من الالتزام بالتداخل .
وليس هذا الذي ذكرناه في المقام منافياً لما ذكرناه في المباحث الاُصولية من كون التداخل على خلاف الأصل ومحتاجاً إلى الدليل ، فإنّه إنّما هو في الموارد القابلة للتعدّد ، فلا يشمل مثل المقام حيث لا قابلية للزمان لوقوع العدّتين فيه .
وأمّا المقام الثاني : فالروايات الواردة فيه على طوائف ثلاث :
الطائفة الاُولى : ما دلّت على التداخل مطلقاً ، وهي عبارة عن روايتين معتبرتين :
اُولاهما : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في امرأة تزوجت قبل أن تنقضي عدّتها ، قال : «يفرّق بينهما وتعتدّ عدّة واحدة منهما جميعاً» (1) .
ثانيتهما : معتبرة أبي العباس عن أبي عبدالله (عليه السلام) في المرأة تزوج في عدّتها ، قال : «يفرّق بينهما ، وتعتد عدّة واحدة منهما جميعاً» (2) .
وأما الطائفة الثانية : فهي ما دلّت على عدم التداخل مطلقاً ، وأ نّه لا بدّ من الاعتداد ثانية بعد انقضاء عدتها الاُولى ، وهي أيضاً روايتان معتبرتان :
الاُولى : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدّتها ، قال : «إن كان دخل بها فرّق بينهما ولن تحلّ له أبداً وأتمّت عدّتها من الأوّل وعدّة اُخرى من الآخر» ، الحديث (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 17 ح 11 .
(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 17 ح 12 .
(3) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 17 ح 9 .
ــ[201]ــ
الثانية : معتبرة علي بن بشير النبال ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل تزوج امرأة في عدّتها ولم يعلم ، وكانت هي قد علمت أ نّه قد بقي من عدّتها وأ نّه قذفها بعد علمه بذلك ، فقال : «إن كانت علمت أنّ الذي صنعت يحرم عليها» إلى أن قال: «وتعتدّ ما بقي من عدتها الاُولى ، وتعتدّ بعد ذلك عدّة كاملة» (1) .
الطائفة الثالثة : ما دلّ على لزوم الاعتداد ثانية بعد الانتهاء من العدّة الاُولى ، في خصوص فرض وطء المرأة المتوفى عنها زوجها شبهة وهي في العدّة ، كصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن المرأة الحبلى يموت عنها زوجها فتضع وتزوج قبل أن تمضي لها أربعة أشهر وعشراً ، فقال : «إن كان دخل بها فرّق بينهما ولم تحلّ له أبداً ، واعتدت ما بقي عليها من الأوّل ، واستقبلت عدّة اُخرى من الآخر ثلاثة قروء» ، الحديث (2) .
وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : المرأة الحبلى يتوفى عنها زوجها فتضع وتزوج قبل أن تعتدّ أربعة أشهر وعشراً ، فقال : «إن كان الذي تزوجها دخل بها فرق بينهما ولم تحلّ له أبداً ، واعتدّت بما بقي عليها من عدّة الأوّل واستقبلت عدّة اُخرى من الآخر ثلاثة قروء» ، الحديث (3) .
إذا عرفت ذلك كلّه فاعلم أنّ مقتضى القواعد والصناعة أ نّه لا تعارض بين هذه الأخبار بالمرة ، ومن هنا فلا وجه لحمل بعضها على التقية .
والوجه في ذلك أنّ النسبة بين الطائفة الاُولى والثالثة لما كانت هي الإطلاق والتقييد ، حيث دلّت الاُولى على التداخل مطلقاً سواء أ كانت عدّة وطء الشبهة مع عدّة الوفاة أم كانت مع غيرها ، في حين دلت الثالثة على عدم التداخل في خصوص ما إذا اجتمعت عدّة وطء الشبهة مع عدّة الوفاة . فيقيّد إطلاق الاُولى بالثالثة ، ونتيجة لذلك يتحصل أنّ المرأة الموطوءة شبهة في أثناء العدّة يجب عليها الاعتداد منهما جميعاً عدّة واحدة ما لم تكن عدّتها الاُولى عدّة وفاة ، وإلاّ وجب عليها إتمام الاُولى والاعتداد ثانية لوطء الشبهة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 17 ح 18 .
(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 17 ح 6 .
(3) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 17 ح 2 .
ــ[202]ــ
حملاً للأخبار((1)) الدالّة على التعدّد على التقية ، بشهادة خبر زرارة (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن هنا فتنقلب النسبة بين الطائفة الاُولى والطائفة الثانية إلى الإطلاق والتقييد فيقيد إطلاق الثانية بالاُولى ، وينتج من ذلك أنّ الاعتداد ثانياً وعدم التداخل إنّما هو في فرض كون العدّة الاُولى عدّة وفاة .
والحاصل أنّ الذي تقتضيه الأخبار هو التفصيل في المقام بين مجامعة عدّة وطء الشبهة لعدّة الوفاة فيلتزم فيه بعدم التداخل ولزوم استئناف عدّة جديدة للثانية بعد إتمام الاُولى ، وبين مجامعتها لعدّة غير الوفاة فيلتزم فيه بالتداخل وكفاية عدّة واحدة منهما جميعاً .
وهذا الذي استظهرناه من النصوص بناء على ما اخترناه في المباحث الاُصولية من تسليم كبرى انقلاب النسبة ، نظراً إلى كون التعارض فرع الحجية لا الدلالة ، فإذا فرض ورود مقيد لإحدى الطائفـتين المتباينتين سقطت عن الحجية في ذلك المورد ومعه فلا يبقى تعارض أصلاً ، واضح .
وأما بناء على التنزل وعدم تسليم هذه الكبرى ، فالحكم في المسألة لا يختلف عنه في فرض التسليم ، وذلك لتساقط الطائفتين الاُولى والثانية بالتعارض ، ومعه فلا بدّ من الرجوع إلى القاعدة فيما لا نصّ فيه ، وقد عرفت أنّ مقتضاها في المقام إنّما هو التداخل .
(1) عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن امرأة نعي إليها زوجها فاعتدت
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا وجه للحمل على التقيّة ، والظاهر هو التفصيل بين عدّة الوفاة وغيرها بالإلتزام بالتعدّد في الاُولى والتداخل في الثانية ، وذلك لأنّ الروايات على طوائف ثلاث :
إحداها : تدلّ على عدم التداخل مطلقاً .
وثانيتها : تدلّ على التداخل مطلقاً .
وثالثتها : تدلّ على عدم التداخل في خصوص الموت .
وبما أنّ النسبة بين الطائفة الثالثة والطائفة الثانية عموم مطلق فتقيّة الطائفة الثالثة إطلاق الطائفة الثانية ، وبعد ذلك تنقلب النسبة بين الطائفة الثانية والطائفة الاُولى فتصبح الطائفة الثانية أخصّ من الطائفة الاُولى فتقيّة إطلاقها ، فالنتيجة هي عدم التداخل في خصوص الموت والتداخل في غير الموت ، فإذن لا معارضة بين الروايات .
ــ[203]ــ
وخبر يونس (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتزوجت فجاء زوجها الأوّل ففارقها الآخر ، كم تعتدّ للثاني ؟ قال : «ثلاثة قروء وإنّما يستبرئ رحمها بثلاثة قروء وتحلّ للناس كلّهم» . قال زرارة : وذلك أنّ اُناساً قالوا تعتدّ عدّتين من كل واحد عدّة ، فأبى ذلك أبو جعفر (عليه السلام) وقال : «تعتدّ ثلاثة قروء وتحلّ للرجال» (1) .
هكذا وردت الرواية في التهذيب (2) إلاّ أنّ في نسخة الكافي ومن لا يحضره الفقيه إضافة كلمة (وفارقها) إلى السؤال ، وذلك بعد قوله (ففارقها) مباشرة (3) . والظاهر أ نّه هو الصحيح بل لا ينبغي الشكّ في سقوط هذه الكلمة من نسخة الشيخ (قدس سره) ، إذ مع عدم فرض مفارقة الأوّل لها أيضاً ، لا وجه لتوهّم تعدّد العدّة ووجوب عدّتين عليها ، كي يكون الإمام (عليه السلام) في مقام ردّ ذلك الزعم .
وعلى كل فالرواية وإن كانت معتبرة سنداً إلاّ أ نّها لا تصلح شاهداً لما ذكره الماتن (قدس سره) ، وذلك لكون موردها أجنبياً عن محل الكلام بالمرة ، حيث إنّها واردة في وطء ذات البعل شبهة ، فلا ترتبط بوطء المعتدّة عن طلاق أو وفاة أو غيرهما شبهة ومن هنا فلا مجال للاستشهاد بها لحمل الروايات الواردة في المقام على التقية .
(1) عن بعض أصحابه ، في امرأة نعي إليها زوجها فتزوجت ثم قدم زوجها الأوّل فطلّقها وطلّقها الآخر ، فقال إبراهيم النخعي : عليها أن تعتدّ عدّتين ، فحملها زرارة إلى أبي جعفر (عليه السلام) فقال : «عليها عدّة واحدة» (4) .
إلاّ أ نّها مرسلة سنداً ، وفي دلالتها ما تقدم في صحيحة زرارة المتقدمة ، فلا تصلح شاهداً لحمل الأخبار في المقام على التقية .
ومن هنا يتضح أنّ ما ذكره (قدس سره) من حمل الأخبار الدالة على التعدّد على التقيّة لا وجه له ولا شاهد يعضده ، فالصحيح هو الالتزام بالتفصيل على ما ذكرناه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 16 ح 7 .
(2) التهذيب 7 : 489 / 1963 .
(3) الكافي 6 : 150 ، الفقيه 3 : 356 / 1701 .
(4) الوسائل ، ج 22 كتاب النكاح ، أبواب العدد ، ب 38 ح 2 .
ــ[204]ــ
هذا كلّه فيما إذا دخلت عدّة وطء الشبهة على عدّة الطلاق أو الوفاة . وأما لو انعكس الفرض بأن دخلت عدّة الطلاق أو الوفاة على عدّة وطء الشبهة ، بأن وطئت شبهة فاعتدّت ثم طلقها زوجها أو مات ، فمقتضى صحيحة زرارة المتقدمة هو التداخل في فرض الطلاق .
وأما فرض الموت بأن دخلت عدّة الوفاة على عدّة وطء الشبهة ، فقد ورد في رواية جميل بن صالح أنّ أبا عبدالله (عليه السلام) قال في اُختين اُهديتا لأخوين، فاُدخلت امرأة هذا على هذا وامرأة هذا على هذا ، قال: «لكل واحدة منهما الصداق بالغشيان» إلى أن قال: قيل: فإن مات الزوجان وهما في العدّة ؟ قال: «ترثانهما ولهما نصف المهر وعليهما العدّة بعد ما تفرغان من العدّة الاُولى تعتدّان عدّة المتوفى عنها زوجها»(1) .
وهي كما تراها صريحة الدلالة في عدم التداخل في فرض دخول عدّة الوفاة على عدّة وطء الشبهة ، ولزوم الاعتداد ثانياً بعد انتهائها من العدّة الاُولى .
إلاّ أنّ الكلام في سندها، فإنّ الكليني قد روى عين هذا المتن بسنده الصحيح عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح ، عن بعض أصحاب أبي عبدالله (عليه السلام) (2) وهكذا رواه الشيخ عن الكليني (قدس سره) (3) .
وحيث لا يحتمل أن يكون جميل بن صالح قد رواه لحسن بن محبوب مرتين ، تارة رواه عن الإمام (عليه السلام) مباشرة ومن دون واسطة ، واُخرى رواه بواسطة مجهولة ، فمن المطمأن به أن الصدوق (قدس سره) بروايته هذه (4) إنّما يشير إلى ما رواه الكليني (قدس سره) ، وإنّما حذف جملة : بعض أصحاب أبي عبدالله (عليه السلام) لعمله (قدس سره) بمرسلات جميل بن صالح على ما هو مذهبه . ومن هنا فتكون هذه الرواية مرسلة فلا يمكن الاعتماد عليها .
ولو تنزّلنا عن هذا الاستظهار يكفينا التردّد والشكّ ، حيث لا يبقى معه وثوق بأنّ جميل بن صالح قد رواها عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، لاحتمال صحة رواية
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 49 ح 2 .
(2) الكافي 5 : 407 .
(3) التهذيب 7 : 434 / 1730 .
(4) الفقيه 3 : 267 / 1269 .
|