ــ[212]ــ
[ 3721 ] مسألة 14: مبدأ العدّة في وطء الشبهة المجرّدة عن التزويج حين الفراغ من الوطء(1). وأما إذا كان مع التزويج، فهل هو كذلك، أو من حين تبين الحال؟ وجهان، والأحوط الثاني ، بل لعلّه الظاهر من الأخبار((1)) (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال في رجل نكح امرأة وهي في عدّتها ، قال : «يفرّق بينهما ثم تقضي عدّتها ، فإن كان دخل بها فلها المهر بما استحلّ من فرجها ويفرّق بينهما ، وإن لم يكن دخل بها فلا شيء لها» (2) .
فإنّ هاتين المعتبرتين ـ وتؤيدهما الرواية ـ تدلاّن بكل صراحة ووضوح على عدم استحقاقها لشيء من المهر في فرض عدم الدخول . ومن هنا فإن قدمنا هاتين المعتبرتين على صحيحة عبدالله بن سنان ، نظراً للإعراض القطعي عنها حيث لا يوجد قول منّا باستحقاقها المهر في الفرض فهو ، وإلاّ فمقتضى التعارض هو التساقط والرجوع إلى الأصل ، وهو يقتضي عدم استحقاقها شيئاً ، كما هو واضح .
(1) بلا خلاف فيه ، والوجه فيه ظاهر ، فإنّه هو السبب لثبوتها ، ومعه لا موجب للفصل بينها وبين زمان الفراغ منه .
(2) مطلقاً ، سواء أ كان هنالك عقد فاسد أم لم يكن ، على ما استظهره بعضهم وهو الصحيح، لو لا ما ورد في صحيحة زرارة المتقدمة من قوله (عليه السلام) : «إنّما يستبرئ رحمها بثلاثة قروء، وتحلّ للناس كلّهم» فإنه كالصريح في كون مبدأ العدّة من حين الفراغ من الوطء مباشرة ، فإنه لو كان من حين تبين الحال لما كان للتحديد بثلاثة قروء بل لأصل الاستبراء فيما لو كان الفاصل بين الوطء وتبين الحال ثلاثة أشهر ، معنى أصلاً ، إذ معه لا احتمال لوجود ماء الواطئ في رحمها كي يستبرأ منه .
والحاصل أنّ هذه الصحيحة ظاهرة في كون مبدأ العدّة من حين الفراغ من الوطء ، وبذلك تكون رافعة لظهور سائر الأخبار في كون مبدئها من حين تبين الحال مطلقاً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لكن معتبرة زرارة واضحة الدلالة على أنّ المبدأ من حين الفراغ من وطء الشبهة ، وأنّ الاستبراء إنّما يكون بثلاثة قروء من حين الوطء .
(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 17 ح 8 .
ــ[213]ــ
[ 3722 ] مسألة 15 : إذا كانت الموطوءة بالشبهة عالمة ـ بأن كان الاشتباه من طرف الوطئ فقط ـ فلا مهر لها إذا كانت حرّة ، إذْ «لا مهر لبغي» (1) . ولو كانت أَمة ، ففي كون الحكم كذلك ، أو يثبت المهر لأ نّه حق السيد ، وجهان ، لا يخلو الأوّل منهما من قوة (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا النص وإن لم يثبت بعينه من الطرق الصحيحة ، إلاّ أنّ مضمونه يستفاد من جملة من النصوص المعتبرة .
كمعتبرة بريد العجلي في الاُخت التي دلست نفسها وجلست مكان اُختها في الحجلة حتى دخل الزوج بها وهو لا يعلم ، حيث قال (عليه السلام) : «أرى أن لا مهر للتي دلّست نفسها» (1) .
ومعتبرة علي بن أحمد بن أشيم في الرجل يتزوج المرأة متعة ثم ينكشف له أنّ لها زوجاً ، حيث حكم (عليه السلام) : «لا يعطيها شيئاً»(2) .
والتي وردت في تزوج العبد من غير إذن مولاه (3) . إلى غيرها من النصوص الدالة على المدّعى.
(2) الروايات المتقدمة وإن كانت كلّها واردة في الحرة ، إلاّ أنّ النصوص المعتبرة لا تخلو مما يعمّ الإماء أيضاً ، كالتي دلّت على أنّ مهر البغي من السحت ، فإنّها تعم الإماء ولا تختص بالحرائر ، فإنّ كلمة المهر إنّما هي بمعنى الاُجرة على ما ورد التعبير به في عدّة من النصوص المعتبرة ، كالتي دلت على أ نّه لا أجر للفواجر ، ومن الواضح أنّ الحرة والأَمة سواء من هذه الجهة .
وتسمية الحرة بالمهيرة ليست من جهة اختصاصها بالمهر دون غيرها ، بل إنّما هي بإعتبار انحصار حلية وطئها بالزواج الذي لازمه المهر لا محالة ، بخلاف الأَمة حيث يحل وطؤها من دون المهر أيضاً كوطئها بالملك أو التحليل .
وهذا لا كلام فيه . إنّما الكلام في وجوب شيء على الفاعل للمالك بإزاء ما فوّته من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع ص 210 هـ 2 .
(2) راجع ص 210 هـ 1 .
(3) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 24 ح 3 .
ــ[214]ــ
حقه واستوفاه من منافعه المملوكة له ، حيث قد يقال بوجوب عشر قيمتها إذا كانت بكراً ، ونصفه إذا كانت ثيباً . بدعوى أنّ الأَمة وإن كانت زانية باعتبار علمها إلاّ أنّ علمها إنّما يؤثر في عدم استحقاقها للمهر خاصة ، ولا يؤثر في حقوق المولى شيئاً فلا يوجب فوات شيء من حقه ، بل على الواطئ تداركه بدفع العشر أو نصفه .
والكلام في هذه الدعوى يقع في مقامين :
الأوّل : ما تقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن النصوص .
الثاني : ما تقتضيه النصوص .
أمّا المقام الأوّل : فمن غير الخفي أنّ مقتضى الأخبار المتقدمة هو عدم ترتب أي أثر على البغاء مطلقاً ، وإنّ ما يؤخذ بإزاء الزنا سحت لا يملكه الآخذ ولا يجوز له التصرف فيه ، من غير فرق بين الحرة والأَمة .
وما قيل من أنّ هذا التصرف تفويت لحق مالكها فيجب تداركه ، إنّما يتم فيما إذا كان للتصرف مالية وقيمة عند العقلاء وفي الشريعة المقدسة ، فإنّه يوجب الضمان لا محالة ، ولا يتم فيما لا مالية له شرعاً كما فيما نحن فيه ، إذ لا مالية للوطء بالزنا شرعاً كاللواط . فكما أ نّه لا ضمان بإزاء وطء غلام المولى باعتبار أ نّه لا مالية لمثل ذلك التصرف ، فكذلك لا ضمان فيما نحن فيه لعين الملاك .
وعليه فلا يضمن الواطئ شبهة للمولى بمقتضى القاعدة شيئاً ، كما هو الحال في سائر الاستمتاعات الجنسية من اللمس والتقبيل والتفخيذ وغيرها .
ولو تنزلنا وسلمنا كون الوطء من الأموال عند العقلاء ، فلا وجه لتخصيص الحكم بالضمان بصورة جهل الواطئ بل لا بدّ من الحكم به مطلقاً، سواء أ كان الواطئ عالماً أم كان جاهلاً ، نظراً لتفويته مال المالك على التقديرين ، والحال إنّه لم يلتزم به أحد من الفقهاء .
نعم ، لو كانت الجارية بكراً وافتضها استحق مولاها العشر ، لأن الافتضاض يوجب تعقيب الجارية ، وهو أمر آخر وبه ورد النص .
وأمّا المقام الثاني : فقد استدلّ لإثبات ضمان الواطئ بصحيحتين هما :
أوّلاً : صحيحة الوليد بن صبيح عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، في رجل تزوج
ــ[215]ــ
امرأة حرة فوجدها أَمة قد دلست نفسها له ، قال : «إن كان الذي زوجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد» . قلت : فكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه ؟ قال : «إن وجد مما أعطاها شيئاً فليأخذه ، وإن لم يجد شيئاً فلا شيء له ، وإن كان زوجها إيّاه وليّ لها ارتجع على وليها بما أخذت منه ولمواليها عليه عشر ثمنها إن كانت بكراً ، وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحلّ من فرجها» (1) . فإنّ مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام) : «ولمواليها عليه عشر ثمنها ... » هو عدم الفرق بين كون المرأة زانية نظراً لعلمها بالحال ، أو كونها جاهلة .
ولكن للمناقشة في الاستدلال بهذه الصحيحة مجال واسع ، فإنّها أجنبية عن محل الكلام بالمرة ، إذ أنّ محل الكلام فيما إذا كان الوطء شبهة أي كان من غير استحقاق واقعاً ، فلا يرتبط بمورد الرواية الذي هو الوطء بعقد صحيح وعن استحقاق ، غاية الأمر أنّ للزوج حق الفسخ باعتبار أ نّه قد تزوج بها بوصف كونها حرة وقد تخلّف .
والحاصل أنّ هذه الرواية أجنبية عن محل الكلام ، فلا مجال للاستدلال بها ، سواء أ كان لها إطلاق يشمل العالمة أيضاً أم لم يكن .
ثانياً : صحيحة فضيل بن يسار عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، فيمن أحلّ جاريته لأخيه حيث ورد فيها : قلت : أرأيت إن أحلّ له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فافتضها؟ قال: «لا ينبغي له ذلك». قلت: فإن فَعَل أ يكون زانياً ؟ قال : «لا ، ولكن يكون خائناً ، ويغرم لصاحبها عشر قيمتها إن كانت بكراً ، وإن لم تكن فنصف عشر قيمتها» (2) . فإنّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين علم الأَمة بالحال وجهلها .
إلاّ أنّ هذه الصحيحة كسابقتها أجنبية عن محلّ الكلام ، فإنّ كلامنا فيما إذا كانت الأَمة زانية ، وهذه التي هي موضوع النص ليست منها . فإنّها إن كانت جاهلة بالحال بحيث تخيلت أنّ مولاها قد حلل حتى وطْأها للغير ، فعدم كونها زانية واضح . وإن كانت عالمة غاية الأمر أ نّها عصت وطاوعت الغير في الوطء فالأمر كذلك ، فإنها لا تعتبر زانية وإنّما تعتبر خائنة فقط . والسر في ذلك هو أنّ العمل الصادر منهما
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والاماء ، ب 67 ح 1 .
(2) الوسائل ، ح 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والاماء ، ب 35 ح 1 .
|