حكم ما لو تزوّج بالاُختين ولم يعلم السابق واللاحق - ما على الزوج من مهر في حال الطلاق 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى- الجزء الثاني:النكاح   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5453


   [ 3779 ] مسألة 43 : لو تزوّج بالاُختين ولم يعلم السابق واللاّحق ، فإنْ علم تاريخ أحد العقدين حكم بصحّته ((2)) (5)

ـــــــــــــــــــــ
   (5) وكأ نّه لاستصحاب عدم العقد على الاُخت المجهول تاريخ عقدها إلى حين وقوع العقد على الاُخت المعلوم تاريخ عقدها ، ولا يعارض ذلك استصحاب عدم العقد على الاُخت المعلوم تاريخ عقدها إلى حين العقد على الاُخت المجهول تاريخ عقدها ، فإنّ مثل هذا الاستصحاب لا يجري إذ لا شكّ في عمود الزمان ، فإنّه لا شكّ في زمن العقد بالنسبة إلى معلوم التاريخ، فإنّ العقد ذلك التاريخ معلوم العدم وعنده معلوم التحقّق ، فلا شكّ فيه في زمان كي يتمسك لإثباته بالاستصحاب .

ــــــــــــــ
(2) فيه إشكال بل منع ، وذلك بيما بنينا عليه من معارضة الاستصحابين في أمثال المقام .

ــ[342]ــ

دون المجهول. وإن جهل تاريخهما حرم عليه وطؤهما(1) وكذا وطء إحداهما(2) إلاّ بعد طلاقهما، أو طلاق الزوجة الواقعية منهما ، ثم تزويج من شاء منهما بعقد جديد (3) بعد خروج الاُخرى من العدّة إن كان دخل بها أو بهما .

   وهل يجبر على هذا الطلاق دفعاً لضرر (4) الصبر عليهما ؟ لا يبعد ذلك((1)) ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   إلاّ أ نّنا ذكرنا في محلّه من المباحث الاُصولية مفصلاً أنّ ذلك غير تام وإن ذهب إليه بعض أكابر المحققين ، فإنّ العلم بالتاريخ وإن كان يمنع من جريان الاستصحاب بالنسبة إلى عمود الزمان حيث لا شكّ فيه ، إلاّ أ نّه لا يمنع من جريانه بالقياس إلى حادث آخر ـ كما هو الحال في المقام ـ حيث يشكّ في تقدم العقد على الاُخت المجهول تاريخ عقدها على العقد على هذه وتأخره عنه ، فلا مانع من الالتزام بجريانه .

   فيقال : إنّ مقتضى الاستصحاب عدم وقوع العقد على الاُخت المعلوم تاريخ عقدها إلى زمان وقوع العقد على هذه، فإنّ اليقين بعدم كونها زوجة له سابقاً متحقّق، والشكّ في تحققه في زمان العقد على الثانية وجداني ، فيستصحب ، وبذلك يكون معارضاً لاستصحاب عدم العقد على الاُخت المجهول تاريخ عقدها إلى حين وقوع العقد على الاُخت المعلوم تاريخ عقدها ، فيتساقطان لا محالة ، ويكون مقتضى العلم الإجمالي حينئذ حرمة الاستمتاع بهما معاً تحصيلاً للموافقة القطعية .

   (1) للعلم الإجمالي بعد تساقط الاستصحابين بالتعارض .

   (2) تحصيلاً للموافقة القطعية .

   (3) أو يطلّق إحداهما المعينة ويصبر حتى انقضاء عدّتها ثم يتزوج الاُخرى ، فإنّها تحل له حينئذ قطعاً ، لأ نّها إن كانت زوجة له من الأول فالعقد الثاني لا يقتضي تحريمها ، وإن كانت أجنبية حلّت له بهذا العقد .

   (4) يظهر من هذا التعبير أ نّه (قدس سره) يتمسك لإثبات وجوب الطلاق بقاعدة نفي الضرر .

   إلاّ أنّ فيه ، مضافاً إلى أنّ الضرر ليس في الزوجية نفسها كي يلتزم بارتفاعها وإنّما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا دليل عليه ، والآية الكريمة على ما فسّرت راجعة إلى النّفقة ، فإذن ينتهي الأمر إلى القرعة .

ــ[343]ــ

لقوله تعالى : (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِيحٌ بإِحْسان ) (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هو في الأحكام المترتبة عليها ، أنّ روايات قاعدة نفي الضرر ـ  على ما تقدم بيانه غير مرة  ـ إنّما تقتضي نفي الحكم المترتب عليه الضرر خاصة من دون أن تتكفل إثبات حكم آخر يرتفع به الضرر ، ومن هنا فلا يمكن إثبات وجوب الطلاق بدليل نفي الضرر . على أنّ إلزام الزوج بطلاقهما ودفع نصف المهر لكل منهما ، ضرر على الزوج على حدّ تضرره بإبقاء المرأتين والإنفاق عليهما ، فيحتاج إثباته إلى الدليل .

   (1) وهذا المضمون قد ورد في عدّة موارد من الكتاب العزيز .

   منها : قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمسَاكٌ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِيحٌ بإِحْسان ) (1) . والظاهر منها أنّ الفاء فيها للتفريع ، بمعنى أن بعد تطليق الزوجة مرتين إما أن يمسكها بمعروف فيتزوّجها ويبقيها زوجة له من غير إضرار إليها، أو يطلـقها الطلاق الثالث كما دلّت عليه موثقة الحسن بن فضال . وهي بهذا المدلول أجنبية عن محلّ الكلام ، إذ لا دلالة فيها على وجوب الطلاق على الزوج ، فيما إذا لم يمكنه القيام بالاستمتاعات الجنسية لبعض المحاذير الشرعية .

   ومنها : قوله تعالى : (وَإِذا طَلَّقتُمُ النِّساءَ فَبَلغْنَ أَ جَلَهُنَّ فأَ مْسِكُوهُنَّ بِمَعرُوف أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعرُوف) (2). وهي كما تراها ظاهرة الدلالة في أنّ الإمساك بالمعروف إنّما يكون بعد طلاقها وبلوغها الأجل ، الذي هو عبارة عن انقضاء عدّتها وخروجها منها ، فيكون مفادها أن للرجل بعد انقضاء عدّة زوجته الخيار في أن يتزوّجها من غير قصد الإضرار بها ، أو أن يغض النظر عنها كي تتزوج هي ممن شاءت .

   وبهذا المضمون وردت عدة آيات اُخر، فقد قال الله عزّوجلّ: (وَإِذا طَلَّقتُمُ النِّساءَ فَبَلغْنَ أَ جَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكحْنَ أَزواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمُ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة البقرة 2 : 229 .

(2) سورة البقرة 2 : 231 .

ــ[344]ــ

بالمَعْرُوفِ ) (1) . فإنّها واردة فيما بعد الطلاق وانقضاء العدّة بكل وضوح .

   وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهنَّ أَربَعَةَ أَشهُر وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَ جَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهنَّ بالمَعرُوفِ) (2) . فإنّها واردة في عدم جواز منعها من الزواج بعد انقضاء عدّتها .

   ومن هنا فحمل الآية الكريمة على الرجوع في أثناء العدّة ، أو استفادة لزوم الطلاق منها ، بعيد جداً فإنّها أجنبية عن ذلك بالمرة . على أنّ في بعض الروايات تفسير هذه الآية بلزوم قيام الزوج بكسوة زوجته وشؤونها بحسب ما هو اللاّئق بحالها وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة سنداً ، إلاّ أنّ جملة من النصوص المعتبرة قد تضمنت هذا المضمون .

   والحاصل أنّ الآية المباركة غير ناظرة إلى وجوب الطلاق على الزوج عند تركه للاُمور الجنسية والاستمتاع بزوجته ، وإنّما يجب ذلك عند تخلفه عن القيام بنفقتها ـ على تفصيل يذكر في محلّه ـ بل قد صرح بذلك في روايتين ، هما :

   أوّلاً : رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبدالله (عليه السلام) في امرأة غاب عنها زوجها أربع سنين ولم ينفق عليها ولم تدر أحيّ هو أم ميّت ، أيجبر وليه على أن يطلقها ؟ قال : «نعم ، وإن لم يكن له وليّ طلقها السلطان» . قلت : فإن قال الولي : أنا اُنفق عليها؟ قال: «فلا يجبر على طلاقها». قال : قلت : أرأيت إن قالت : أنا اُريد مثل ما تريد النساء ولا أصبر ولا أقعد كما أنا ؟ قال : «ليس لها ذلك ، ولا كرامة إذا أنفق عليها» (3) .

   إلاّ أ نّها ضعيفة سنداً لورود محمد بن الفضيل فيه .

   ثانياً : معتبرة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سئل عن المفقود ، فقال : «المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي ، أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة البقرة 2 : 232 .

(2) سورة البقرة 2 : 234 .

(3) الوسائل ، ج 22 كتاب الطلاق ، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، ب 23 ح 5 .

ــ[345]ــ

   وربّما يقال : بعدم وجوب الطلاق عليه وعدم إجباره ، وأ نّه يعيّن بالقرعة . وقد يقال : إنّ الحاكم يفسخ نكاحهما (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فإن لم يوجد له أثر أمر الوالي وليّه أن ينفق عليها ، فما أنفق عليها فهي امرأته» . قال : قلت : فإنّها تقول : فإنّي اُريد ما تريد النساء ، قال : «ليس ذاك لها ، ولا كرامة ، فإن لم ينفق عليها وليّه أو وكيله أمره أن يطلقها ، فكان ذلك عليها طلاقاً واجباً» (1) .

   فإنّها صريحة الدلالة على عدم حقّ الزوجة في المطالبة بالطلاق عند تخلّف الزوج عن الاُمور الجنسية .

   إذن فلا يجبر الزوج على الطلاق ، لعدم الدليل عليه . إلاّ أ نّه ونتيجة لذلك يقع في عدّة محاذير ، فإنّ إبقاءهما معاً والإنفاق عليهما من غير الاستمتاع حتى بواحدة منهما ضرري بالنسبة إليه ، كما أ نّه يقع بين المحذورين من جهة علمه الإجمالي بلزوم مقاربته لإحداهما في كل أربعة أشهر مرّة .

   على أنّ المحذور لا يختص به ، إذ يلزم كلاًّ من المرأتين أن تعامل مع نفسها معاملة الزوجة مع ذلك الرجل ، باعتبار أنّ تنجيز العلم الإجمالي الحاصل للزوج إنّما يختص به ولا يعمّ الزوجات . فإنّ مقتضى استصحاب كل واحدة منهما لعدم العقد على الاُخرى إلى حين وقوع عقدها هو الحكم بصحة عقدها ، ولا يعارضه تمسك الاُخرى بالاستصحاب أيضاً ، فإنّ علمه الإجمالي لا يؤثر في حقهما شيئاً ، فلا بدّ لهما معاً من معاملته زوجاً لهما ، في حين لا يجوز له معاملتهما معاً معاملة الزوجة له ، فتنشأ من هذا الاختلاف في الحكم مشكلة اُخرى تضاف إلى ما تقدّم .

   بل لعلّ هذا ينافي ما ورد من أنّ المرأة لا تبقى معطلة وبلا زوج .

   فلا بدّ من إيجاد حلّ لهذه المشكلة ، والظاهر أ نّه منحصر في الالتزام بالقرعة ، فإنّ بها تتميز الزوجة عن غيرها ، وقد ذكرنا في كتابنا (مباني تكملة المنهاج) أنّ أدلة القرعة وافية لشمول المقام بلا محذور (2) .

   (1) إلاّ أ نّه لا دليل عليه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 22 كتاب الطلاق ، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، ب 23 ح 4 .

(2) مباني تكملة المنهاج .

ــ[346]ــ

   ثم مقتضى العلم الإجمالي بكون إحداهما زوجة وجوب الإنفاق عليهما ما لم يطلّق(1) ومع الطلاق قبل الدخول نصف المهر لكل منهما (2) وإن كان بعد الدخول فتمامه(3) . لكن ذكر بعضهم أ نّه لا يجب عليه إلاّ نصف المهر لهما ، فلكلّ منهما الربع في صورة عدم الدخول(4)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) أو يعيّن الزوجة منهما بالقرعة .

   (2) إلاّ أ نّه محكوم بقاعدة «لا ضرر» ، فإنّها جارية في المقام . وإن كان يظهر من صاحب الكفاية (قدس سره) وغيره الالتزام بعدم جريانها في أمثال المقام (1) نظراً إلى أ نّها ناظرة إلى الأحكام الشرعية خاصة دون الأحكام العقلية والتي منها الاحتياط . غير أ نّه قد تقدمت غير مرة منّا الإجابة على ذلك ، باعتبار أنّ لزوم الاحتياط إنّما هو من لوازم الحكم الشرعي بدفع نصف المهر إلى الزوجة الواقعية فتشمله القاعدة وعليه فلا يجب الاحتياط بدفع نصف المهر إلى كل منهما .

   (3) فيجب عليه دفع المسمّى للزوجية والمثل للوطء شبهة ، إلاّ أ نّه لما لم يكن يميز الموطوءة بالزوجية عن الموطوءة شبهة ، فلا مناص من الرجوع إلى القرعة لتعيين مستحق كل منهما .

   (4) وكأ نّه لقاعدة «العدل والإنصاف» نظير ما يذكر في جواز صرف بعض المال في مقدمات إيصاله إلى مالكه ، فيقال بجواز دفع بعض المال إلى غير مالكه مقدّمة للعلم بوصول بعضه الآخر إلى المالك .

   إلاّ أنّه لا مجال للاعتماد عليها ، إذ لا وجه لقياس المقدمات العلمية على المقدّمات الموجبة لتحقّق الإيصال في الخارج ، فإنّ الفرق بينهما واضح . فإنّ وصول المال في الثاني يتوقّف حقيقة على صرف بعضه وإعطائه إلى غير مالكه ، في حين أ نّه في الأوّل لا يتوقّف على ذلك ، وإنّما الذي يتوقّف عليه هو خصوص العلم به، ومن هنا فلا مجال لقياسه عليه والتعدِّي عن مورد النص .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول .

ــ[347]ــ

وتمام أحد المهرين لهما في صورة الدخول((1)) (1) . والمسألة محل إشكال ، كنظائرها من العلم الإجمالي في الماليات .
ــــــــــــــــــ

   إذن فلا بدّ من تعيينها بالقرعة ، لكون المقام من مصاديق الأمر المشكل .

   (1) وقد عرفت الوجه فيه ومناقشته .
ــــــــــــــ

(1) إذا فرض الدخول فيهما معاً وجب عليه تمام المهر لكل منهما ، غاية الأمر أنّ أحد المهرين مهر المثل والآخر مهر المسمّى ، وتعيّن ذلك إنّما هو بالقرعة ، وكذا الحال في فرض عدم الدخول فإنّ نصف المهر يتعيّن بالقرعة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net