[ 3780 ] مسألة 44 : لو اقترن عقد الاُختين ، بأن تزوجهما بصيغة واحدة ، أو عقد على إحداهما ووكيله على الاُخرى في زمان واحد ، بطلا معاً (2) . وربّما يقال : بكونه مخيّراً ((2)) في اختيار أيهما شاء ، لرواية (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــ (2) للقاعدة ، فإنّ الجمع بينهما غير جائز ، وترجيح إحداهما على الاُخرى من غير مرجح .
(3) هي صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل تزوج اُختين في عقدة واحدة ، قال : «يمسك أيتهما شاء ويخلي سبيل الاُخرى» . وقال في رجل تزوج خمساً في عقدة واحدة ، قال : «يخلي سبيل أيتهنّ شاء» (3) .
فإنّها صريحة الدلالة على المدعى . وهي صحيحة السند على ما ذكرها الصدوق (قدس سره)(4) وإن كانت مرسلة أو ضعيفة على ما رواها الكليني(5) والشيخ (قدس
ــــــــــــــ (2) لا تبعد صحّة هذا القول ، فإنّ الرواية صحيحة وظاهرة الدلالة ، وقد عمل بها جماعة من الأصحاب ، فلا وجه لحملها على خلاف ظاهرها ، هذا في الصورة الاُولى ، وأمّا الصورة الثانية فلا تبعد صحّة عقد نفسه فيها ، وبما ذكرنا يظهر ما في الحكم ببطلانهما في فرض الشك في السبق والاقتران ، وعليه فإن كان محتمل السبق عقد إحداهما معيّنة فيؤخذ به ، وإن كانت غير معيّنة فالمرجع هو القرعة لتعين السبق والإقتران .
(3) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 25 ح 1 .
(4) الفقيه 3 : 265 / 1260 .
(5) الكافي 5 : 431 .
ــ[348]ــ
سره)(1) ، إلاّ أنّ هذا الضعف لا يضرّ بالسند المعتبر الذي ذكره الصدوق (قدس سره) .
نعم ، قد يتوهّم أنّ الرواية لما كانت رواية واحدة في قضية واحدة جزماً فلا بدّ من الالتزام بوقوع الخطأ فيها ، إذ لا يعقل أن يكون جميل بن دراج قد رواها لابن أبي عمير مرتين ، فتارة رواها مرسلاً والاُخرى رواها عن الإمام (عليه السلام) بلا واسطة . وكذا ابن أبي عمير بالنسبة إلى إبراهيم بن هاشم ، وهو بالنسبة إلى ابنه وهكذا . ومن هنا تسقط الرواية عن الحجية لا محالة .
وبعبارة اُخرى : إنّ رواية الصدوق (قدس سره) وإن كانت بحسب ظاهرها معتبرة سنداً إلاّ أ نّها ساقطة عن الحجية ، نتيجة معارضتها لرواية الكليني والشيخ (قدس سره) بعد العلم باتحادهما ووقوع الخطأ في إحداهما جزماً .
إلاّ أ نّه مدفوع بأ نّه لا ينبغي الإشكال في وقوع الاشتباه من إبراهيم بن هاشم ، فإنّ الكليني والشيخ (قدس سره) إنّما يرويان عنه ، وهو يرويها تارة مرسلة واُخرى مسندة . في حين إنّ رواية الصدوق (قدس سره) لا تنحصر به ، بل هو (قدس سره) إنّما يرويها بإسناده عنه وعن يعقوب بن شعيب ومحمد بن عبدالجبار وأيوب بن نوح عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج عن أبي عبدالله (عليه السلام) بلا واسطة . وهذا يكشف بوضوح عن أنّ الخطأ والاشتباه إنّما كان من إبراهيم بن هاشم .
ثم إنّ هذا كلّه فيما إذا تزوج الاُختين بعقد واحد . وأما الفرض الثاني ـ أعني ما إذا عقد هو على إحداهما ، وزوّجه وكيله من الاُخرى في زمان واحد ـ فلا مجال للقول فيه بالخيار ، وإنْ نسب صاحب الجواهر (قدس سره) إلى القائلين به في هذا الفرض أيضاً . لكنه مشكل جداً ، فإنّه لا وجه للتعدي عن مورد النص بعد أن كان الحكم على خلاف القاعدة .
إذن فلا بدّ من الالتزام بالبطلان ، إلاّ أنّ الظاهر أ نّه يختص بعقد الوكيل دون عقده هو ، وذلك لقصور التوكيل عن شمول التزويج الفاسد الذي لا يُمضى شرعاً ، فإنّ دائرة الوكالة ضيقة ولا تشمله كما هو الحال في سائر المعاملات ، ومن هنا فلا ينسب فعل الوكيل إليه ، ويكون عقده هو بلا مزاحم فيحكم بصحته لا محالة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التهذيب 7 : 285 / 1203 .
ــ[349]ــ
محمولة على التخيير بعقد جديد (1) . ولو تزوّجهما ، وشكّ في السبق والاقتران حكم ببطلانهما أيضاً (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اختاره صاحب الجواهر (قدس سره) (1) . إلاّ أ نّه بعيد غايته ، إذ لا موجب له مطلقاً ، بل هو خلاف ظاهر النص ، فإنّ ظاهره ثبوت الخيار له في إمساك أيتهما شاء خارجاً ومن دون حاجة إلى عقد جديد ، كما يشهد لذلك ذيل الحديث ، فإنّ من تزوج خمساً بعقدة واحدة يبقي أربعاً منهنّ ويخلي سبيل واحدة ، من دون حاجة إلى عقد جديد على اللاّتي أمسكهنّ اتفاقاً .
(2) يفرض الكلام تارة في صورة العلم بعدم سبق أحد العقدين على الآخر ويشكّ في سبق الآخر عليه واقترانه له ، واُخرى في صورة احتمال سبق كل منهما على الآخر وتقارنه له .
والظاهر خروج الفرض الأول عن محل كلامه (قدس سره) ، فإنّه ظاهر في احتمال السبق في الطرفين .
وعلى كل فالظاهر في الفرض الأول هو الحكم ببطلان العقد الذي علم عدم سبقه وصحة الآخر . والوجه فيه أن العقد الذي علم عدم سبقه إما مقارن للآخر أو متأخر عنه ، وعلى كلا التقديرين فهو محكوم بالبطلان ، بخلاف العقد الآخر حيث يجري فيه الاستصحاب بلا معارض ، فإنّ الطرف الآخر معلوم اللّحوق أو الاقتران ، فلا يجري فيه استصحاب عدم العقد على اُختها قبل الفراغ من عقدها .
هذا كلّه بناء على ما اختاره الماتن (قدس سره) من الحكم ببطلان العقدين المتقارنين . وأما بناء على ما اخترناه من تخير الزوج بينهما فالأمر كما تقدم أيضاً ، فإنّ الاستصحاب في الآخر جار بلا معارض ، فيحكم بصحته وبطلان عقد التي علم عدم سبق عقدها على الآخر .
وأمّا الحكم في الفرض الثاني فهو كما ذكره (قدس سره) ، بناء على ما اختاره من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 29 : 384 .
ــ[350]ــ
[ 3781 ] مسألة 45 : لو كان عنده اُختان مملوكتان ، فوطئ إحداهما ، حرمت عليه الاُخرى (1) حتى تموت الاُولى ، أو يخرجها من ملكه (2) ببيع أو صلح أو هبة أو نحوهما ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بطلان العقدين المتقارنين ، وذلك لعدم إحراز الصحة في كل منهما ، إذ إنّ استصحاب عدم العقد على اُخت هذه المرأة قبل الفراغ من عقدها معارض بمثله في الطرف الآخر ، فيحكم ببطلانهما معاً لا محالة ، ومن هنا فلا يترتب عليهما أي أثر .
هذا ولكن الحكم لا يتم على إطلاقه إلاّ بناء على جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ ومعلومه ـ كما اخترناه في محلّه ـ فإنّه حينئذ يتعارض الاستصحابان ـ كما عرفت ـ فيحكم ببطلانهما . غير أنّ الماتن (قدس سره) ليس من القائلين بذلك ، فإنّه ممن يرى اختصاص جريان الاستصحاب بمجهول التاريخ ، ومن هنا كان عليه (قدس سره) تقييد الحكم بما إذا كان العقدان معاً مجهولي التاريخ ، وإلاّ فلو كان أحدهما معلوماً والآخر مجهولاً لجرى الاستصحاب في مجهول التاريخ بلا معارض ، ولازمه الحكم بصحته وبطلان الآخر .
هذا كلّه بناءً على الحكم ببطلان العقدين المتقارنين ، كما ذهب إليه الماتن (قدس سره) . وأما بناءً على ما اخترناه من تخيّر الزوج بينهما ، فلا موجب للحكم بالبطلان في المقام ، بل لا بدّ من الرجوع إلى القرعة لتعيين السبق والاقتران ، فإنّها لكل أمر مشكل ، والمقام منه . ومن هنا فإن خرجت القرعة بسبق أحد العقدين تعينت صاحبته للزوجية وكانت الاُخرى أجنبية ، وإن خرجت القرعة بالاقتران تخيّر بينهما .
(1) بلا خلاف فيه ، وقد تقدم الكلام فيه مفصلاً .
(2) وتدلّ عليه جملة من النصوص المعتبرة .
كصحيحة عبدالله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : «إذا كانت عند الرجل الاُختان المملوكتان فنكح إحداهما ، ثم بدا له في الثانية فنكحها فليس ينبغي له أن ينكح الاُخرى حتى تخرج الاُولى من ملكه ، يهبها أو يبيعها فإن وهبها لولده يجزيه» (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 29 ح 1 .
ــ[351]ــ
ومثلها موثقة عبدالغفار الطائي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل كانت عنده اُختان فوطئ إحداهما ثم أراد أن يطأ الاُخرى ، قال : «يخرجها عن ملكه» . قلت : إلى من ؟ قال : «إلى بعض أهله» . قلت : فإن جهل ذلك حتى وطئها ؟ قال : «حرمتا عليه كلتاهما» (1) .
فإنّ هاتين الروايتين المعتبرتين وغيرهما من النصوص ، تدلاّن على عدم جواز وطء الاُخت الثانية ما لم يخرج مالكهما الاُولى عن ملكه .
نعم ، ربّما يستدل لكفاية مجرد اعتزال الاُولى في جواز وطء الثانية بصحيحة معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل كانت عنده جاريتان اُختان فوطئ إحداهما ثم بدا له في الاُخرى ، قال : «يعتزل هذه ويطأ الاُخرى» . قال : قلت : فإنّه تنبعث نفسه للاُولى ، قال : «لا يقربها حتى تخرج تلك عن ملكه» (2) .
وقد أورد صاحب الجواهر (قدس سره) بأ نّها ليست بحجة في نفسها ، مضافاً إلى مخالفتها للإجماع والنصوص الكثيرة ، الدالة على عدم جواز وطء الثانية ما لم تخرج الاُولى عن ملكه (3) .
وما ذكره (قدس سره) من أنّ الرواية ليست بحجة في نفسها غير واضح ولا يمكن المساعدة عليه ، فإنّ رواتها من الثقات الأجلاّء ، وليس فيهم أحد يمكن الخدشة فيه من حيث الوثاقة .
وأمّا ما ذكره (قدس سره) من كونها مخالفة للإجماع والنصوص ، فهو وإن كان صحيحاً في حدّ ذاته ـ لو تمّت دلالتها على المدعى ـ إلاّ أنّ الظاهر أ نّه لا حاجة إلى هذه المناقشة . فإنّ هذه المعتبرة ليست مغايرة للنصوص المتقدمة ، إذ الظاهر أنّ مرجع الضمير في قوله (عليه السلام) : «هذه» هو الاُخت الثانية لا الاُولى ، كما يقتضيه القرب أيضاً ، وإلاّ فلو كان المراد هي الاُولى لكان الأنسب بل الصحيح التعبير بـ (تلك) بدلاً عن (هذه) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 29 ح 6 .
(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 29 ح 2 .
(3) الجواهر 29 : 388 .
ــ[352]ــ
ولو بأن يهبها لولده(1). والظاهر كفاية التمليك الذي له فيه الخيار(2) وإن كان الأحوط اعتبار لزومه. ولا يكفي ـ على الأقوى ـ ما يمنع من المقاربة مع بقاء الملكية (3) ، كالتزويج للغير ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن هنا فيكون مدلول هذا النص أ نّه يجب عليه اجتناب الثانية وعدم مقاربتها ويحل له وطء الاُخرى ، فإن انبعثت نفسه نحو الاُولى كما في كلام الإمام (عليه السلام) التي هي الاُخت الثانية كما عرفت ، لم يجز له مقاربتها حتى تخرج تلك ـ أي الاُولى ـ عن ملكه .
وعلى هذا فهذا النص من أدلة المنع لا الجواز ، ولا أقل من الإجمال ، فلا تكون دالّة على خلاف ما دلّت عليه النصوص المعتبرة .
ولو تنزلنا عن ذلك وقلنا بدلالتها على خلاف ما دلت عليه تلك النصوص، فلا حاجة في إسقاطها إلى القول بأ نّها مخالفة للإجماع أو غيره ، فإنّ في مقام المعارضة تترجح صحيحة عبدالله بن سنان وغيرها لكونها الموافقة للكتاب والسنة ، فإنّ وطء الثانية مع مجرد اعتزال الاُولى من الجمع بين الاُختين وهو محرم كتاباً وسنّة .
(1) كما دلّت عليه صحيحة عبدالله بن سنان ، ومعتبرة عبدالغفار الطائي وغيرهما .
(2) لإطلاقات النصوص ، فإنّ مقتضاها كون العبرة في جواز وطء الثانية بمجرّد إخراج الاُولى عن ملكه ، وحيث إنّ هذا العنوان متحقق مع الإخراج الجائز فلا موجب للقول بعدم الجواز .
ودعوى أنّ الملاك في جواز وطء الثانية هو عدم تمكن المالك من وطء الاُولى وحيث إنّه غير متحقق في المقام لإمكان جواز الرجوع فيها فلا يجوز له وطء الثانية .
غير مسموعة ، فإنّها استحسان محض ، ولا تصلح لتقييد الإطلاقات .
(3) لما تقدّم أيضاً ، فإنّ مقتضي إطلاقات أدلة المنع عدم الفرق بين جواز مقاربته للاُولى وعدمه ، بل لا يجوز له وطء الثانية ما لم تخرج الاُولى عن ملكه . ودعوى كون المنع من المقاربة بمنزلة الإخراج ، استحسان محض ولا مجال للمساعدة عليه .
ــ[353]ــ
والرّهن (1) والكتابة ، ونذر عدم المقاربة ، ونحوها . ولو وطئها من غير إخراج للاُولى لم يكن زنا (2) فلا يحد ويلحق به الولد (3) . نعم ، يعزّر (4) . ـــــــــــــــــ
(1) بناءً على ما ذهب إليه المشهور من عدم جواز وطء الراهن للأَمة المرهونة . وأما بناءً على ما اخترناه من الجواز ـ لكون ما استدلّ به نبوياً مرسلاً ـ فلا يكون الرهن من مصاديق المنع من المقاربة .
(2) لأ نّه ـ كما عرفت مراراً ـ عبارة عن الوطء غير المستحق بالأصالة . وهو غير صادق في المقام ، فإنّ الوطء مستحق له بالأصالة ، لكونها أَمة مملوكة له وإن حرمت عليه بالعارض كالحائض .
(3) لعدم كونه زانياً .
(4) لارتكابه ما هو من الكبائر .
|