بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ، والصّلاة والسّلام على خير خلقه وأفضل بريّته محمّد وآله الطيِّبين الطاهرين ، واللّعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .
وبعد ; فهذا هو الجزء الثاني من كتابنا «مباني العروة الوثقى» نقدِّمه للطّبع بعون الله وتوفيقه ، وهو يتضمّن ما بقي من كتاب النِّكاح وكتاب الوصيّة .
وإنِّي إذ أبتهل إلى العليّ القدير في أن يوفِّقني لطبع ما بقي من الكتب التي تشرّفتُ بحضور محاضرات آية الله العظمى سيِّدنا الوالد ـ دام ظلّه ـ فيها ، أسأله أن يطيل في عمره ملاذاً للإسلام والمسلمين ، والله من وراء القصد ، وهو الموفِّق .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
النجف الأشرف 20 / ربيع 2 / 1405 هـ
محمّد تقي الخوئي
ــ[1]ــ
فصل
[ في الجمع بين الحرّة والأمة ]
الأقوى جواز نكاح الأمة على الحرّة مع إذنها (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
(1) على ما هو المعروف والمشهور بين الأصحاب ، بل ادعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد من القدماء والمتأخرين .
نعم ، نسب الشيخ (قدس سره) إلى جماعة من الأصحاب القول بعدم الجواز (1) غير أن صاحب الحدائق (قدس سره) قد استشكل في ذلك ، وحمل كلام هؤلاء الجماعة على صورة عدم تمامية شرائط جواز التزوج من الأمة (2) .
وكيف كان، فقد استدل لمذهب المشهور بصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) : هل للرجل أن يتمتع من المملوكة بإذن أهلها وله امرأة حرّة ؟ قال : «نعم ، إذا رضيت الحرّة» . قلت : فإن أذنت الحرّة يتمتع منها ؟ قال : «نعم» (3) .
وهذه الصحيحة وإن كان موردها المتعة ، إلاّ أ نّه لا بدّ من التعدي إلى العقد الدائم أيضاً ، لعدم القول بالفصل . وغير بعيد أن يكون اختصاص السؤال بالمتعة ، من جهة أن إذن الحرّة فيها أيسر وأسهل من الإذن في العقد الدائم .
وبإزاء هذه الصحيحة صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «تزوّج الحرّة على الأمة ولا تزوّج الأمة على الحرّة ، ومن تزوّج أمة على حرّة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النهاية : 459 .
(2) الحدائق 23 : 570 .
(3) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب 16 ح 1 .
ــ[2]ــ
والأحوط (1) اعتبار الشرطين : من عدم الطَّول ، وخوف العَنَت . وأما مع عدم إذنها فلا يجوز، وإن قلنا في المسألة المتقدِّمة بجواز عقد الأمة مع عدم الشرطين(2) بل هو باطل (3) . نعم ، لو أجازت بعد العقد صحّ على الأقوى (4) بشرط تحقق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنكاحه باطل» (1) . وغيرها من الأخبار .
ومقتضى الجمع بينهما حمل الثانية على صورة عدم الإذن من الحرّة .
هذا ولو قطعنا النظر عن معارضة الصحيحتين ، فإن صحيحة الحلبي وغيرها من أدلّة المنع معارضة بما دلّ على الجواز في فرض خشية العنت وعدم الطول أو الاضطرار ـ على ما دلّت عليه الآية الكريمة والنصوص الكثيرة المتقدِّمة ـ إذ أن مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين من كانت عنده حرّة وغيره ، كما أن مقتضى إطلاق الصحيحة وغيرها عدم الفرق بين موارد الاضطرار وغيرها . وحينئذ فيتعارضان ويسقطان ، ويكون المرجع هو عمومات الحلّ ، ومقتضاها جواز التزوج من الأمة في هذا الحال ، متعة كان أو دواماً .
فإن قلت : إذن فما الدليل على اعتبار إذن الحرّة في جواز نكاح الأمة ؟
قلت : إنّ الدليل هو صحيحة ابن بزيع ، فإنّه إذا اعتبر الإذن في النكاح المنقطع الذي هو أهون حالاً من العقد الدائم ـ ولا سيّما إذا كانت المدّة قصيرة جدّاً ـ اعتبر الإذن في العقد الدائم بطريق أولى قطعاً .
وبالجملة فما ذهب إليه المشهور من القول بالجواز مع إذن الحرّة هو الصحيح .
(1) بل الأقوى ، لما تقدّم .
(2) فإن كلاً منهما شرط مستقل وله دليله الخاص، فلا يلزم من القول بعدم اعتبار أحدهما القول بعدم اعتبار الآخر .
(3) لصحيحة الحلبي المتقدِّمة .
(4) كما اختاره جملة من الأصحاب ، خلافاً للشرائع وغيرها حيث التزموا بالبطلان(2) بل في بعض الكلمات دعوى الإجماع عليه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 46 ح 1 .
(2) شرائع الإسلام 2 : 340 .
ــ[3]ــ
وكيف كان ، فالإجماع غير متحقق يقيناً ، والقواعد تقتضي البطلان ، فإن العقد حين وقوعه لما كان باطلاً ، فصحته بعد ذلك تحتاج إلى الدليل .
وقد ذكرنا في مسألة التزوج من بنت الأخ من دون إذن العمة أو بنت الاُخت من دون إذن الخالة ثم أذنتا ، أن العقد الفضولي وإن كان صحيحاً على القاعدة ، إلاّ أن ذلك إنّما يختص بما إذا كانت إجازة من له الأمر موجبة لاستناد العقد إلى المجيز ، ولا يشمل مثل المقام الذي قد تحقق استناد العقد إلى الرجل في حينه وكانت صحته متوقفة على إذن شخص معين تعبداً ، فإن العقد حينئذ حين انتسابه لم يكن صحيحاً وليس بعده عقد ، فلا موجب للحكم بالصحّة .
وبعبارة اُخرى : إن صحّة العقد الفضولي بالإجازة اللاّحقة إنّما تكون على القاعدة فإنّ العقد بالإجازة يستند إلى المجيز ومن له الأمر ، فتشمله العمومات الدالّة على الصحّة . وأما إذا كان العقد مستنداً إلى من له الأمر وكان محكوماً بالبطلان ، فلا تكون إجازة من اعتبرت إجازته تعبداً مصححة له .
نعم ، ذكرنا هناك أيضاً أنّ القاعدة وإن كانت تقتضي البطلان ، إلاّ أ نّه لا بدّ من الخروج عنها في مثل هذه الموارد ، للتعليل المذكور في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في مملوك تزوّج بغير إذن سيده ، حيث ورد فيها قوله (عليه السلام) : «إنّه لم يعص الله ، وإنّما عصى سيده ، فإذا أجازه فهو له جائز» (1) . فإنّ مقتضاه هو الحكم بصحّة كل عقد لم يشتمل على معصية الله تعالى ـ كالجمع بين الاُختين ـ بل كان حلالاً في نفسه ، غاية الأمر كان فاقداً لإذن من يعتبر إذنه ، خاصة فيما إذا لحقته الإجازة كالمقام .
والحاصل إن المقام يلحق بالعقد الفضولي في الحكم بالصحّة فيما إذا لحقته الإجازة . لكن بفارق أن الحكم في العقد الفضولي للقاعدة ، في حين أ نّه في المقام للتعليل المذكور في النص .
هذا وربّما يستدل للصحّة بصحيحة ابن بزيع المتقدِّمة ، بدعوى أ نّها مطلقة من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 24 ح 1 .
ــ[4]ــ
حيث تقدّم الإذن وتأخّره .
إلاّ أ نّه مدفوع بأنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) : «نعم ، إذا رضيت الحرّة» هو اعتبار الإذن في صحّة العقد والتمتع ، بمعنى كونه في مرحلة سابقة على العقد بحيث لا يجوز العقد إلاّ به ، فلا تشمل الرضاء المتأخر بالتمتع السابق .
ثم إن الشيخ (قدس سره) قد حكم في المقام بتخيّر الحرّة بين إمضاء عقد الأمة ، أو فسخه ، أو فسخ عقد نفسها (1) .
مستدلاًّ عليه بموثقة سماعة عن أبي عبدالله (ع) عن رجل تزوّج أمة على حرّة فقال : «إن شاءت الحرّة تقيم مع الأمة أقامت ، وإن شاءت ذهبت إلى أهلها» . قال : قلت : فإن لم ترض وذهبت إلى أهلها ، أله عليها سبيل إذا لم ترض بالمقام ؟ قال : «لا سبيل عليها إذا لم ترض حين تعلم» . قلت : فذهابها إلى أهلها طلاقها ؟ قال : «نعم ، إذا خرجت من منزله اعتدَّت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء ، ثم تتزوج إن شاءت» (2) . وهذه الموثقة تدل على تخيرها في عقد نفسها ، وأما تخيرها في عقد الأمة فهو قد ثبت بالأدلة السابقة .
وما أفاده (قدس سره) هو الصحيح لو تمّ متن الرواية . غير أن الأمر ليس كذلك فإن الكليني (قدس سره) قد رواها بعين السند والمتن فيما عدا اختلاف يسير ، فإنّه ذكر في الكافي هكذا: في رجل تزوّج امرأة حرّة وله امرأة أمة ولم تعلم الحرّة أ نّه له امرأة ، قال: «إن شاءت الحرّة» الحديث (3) . فتكون الموثقة على هذا أجنبية عمّا نحن فيه .
وحيث لا يحتمل تعدّد الروايتين ، فلا محالة قد وقع الخطأ في إحدى النسـختين ومن هنا فيتعيّن ترجيح نسخة الكليني (قدس سره) لكونه (قدس سره) أضبط نقلاً من الشيخ (قدس سره) ، فإنّ أخطاء الشيخ (قدس سره) في التهذيب والاستبصار كثيرة ، بل ذكر صاحب الحدائق (قدس سره) أ نّه قلّما توجد فيهما رواية تخلو من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النهاية : 459 .
(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 47 ح 3 .
(3) الكافي 5 : 359 .
ــ[5]ــ
الشّرطين على الأحوط (1) .
ولا فرق في المنع بين كون العقدين دواميين أو انقطاعيين أو مختلفين(2) بل الأقوى عدم الفرق(3) بين إمكان وطء الحرّة وعدمه ، لمرض أو قرن أو رتق ، إلاّ مع عدم الشرطين ((1)) (4) .
نعم ، لا يبعد الجواز إذا لم تكن الحرّة قابلة للإذن (5) لصغر أو جنون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخطأ في السند أو المتن . وما ذكره (قدس سره) وإن كان لا يخلو من مبالغة ومسامحة فإنّه ما أكثر الروايات التي تخلو من الخطأ في السند والمتن فيهما ، غير إن وجود الخطأ فيهما ليس بعزيز .
وعلى كل فلا أقل من الالتزام بتساقطهما ، وحينئذ فلا يبقى دليل على تخيّرها في عقد نفسها .
(1) لبنائه (قدس سره) الحكم في أصل المسألة على الاحتياط .
(2) أما بالنسبة إلى عقد الحرّة ، فلإطلاق قوله في صحيحة ابن بزيع : (وله امرأة حرّة) . وأما بالنسبة إلى عقد الأمة ، فالنص المذكور وإن كان وارداً في خصوص المتعة ، إلاّ أ نّك قد عرفت أ نّه لا بدّ من التعدي عنها إلى عقد الدوام أيضاً ، للأولوية القطعية .
(3) لإطلاق الدليل .
(4) لم يظهر وجه لهذا الاستثناء ، إذ الكلام إنّما هو في فرض تحقق الشرطين ، وإلاّ يتعيّن القول بعدم الجواز جزماً أو احتياطاً على الخلاف .
(5) نظراً لانصراف دليل اشتراط إذن الحرّة ـ أعني صحيحة ابن بزيع ـ إلى القابلة له ، على ما هو الظاهر منها عرفاً ، وعليه فيرجع في غيرها إلى عمومات الحلّ .
ومن هنا يظهر الفرق بين هذه المسألة ومسألة اعتبار إذن العمة والخالة في التزوج من بنت الأخ أو بنت الاُخت ، حيث ذكرنا فيها أ نّه لا فرق في اعتبار إذنهما بين كونهما
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذه الجملة زائدة أو أنّ في العبارة تقديماً وتأخيراً .
ــ[6]ــ
خصوصاً (1) إذا كان عقدها انقطاعياً ، ولكن الأحوط مع ذلك المنع .
وأمّا العكس ـ وهو نكاح الحرّة على الأمة ـ فهو جائز ولازم إذا كانت الحرّة عالمة بالحال(2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قابلتين للإذن وعدمه .
والوجه في ذلك إن نصوص تلك المسألة دالّة على عدم جواز التزوج من بنت الأخ على العمة وبنت الاُخت على الخالة على الإطلاق ، غير إننا قد خرجنا عنه في فرض إذنهما لبعض النصوص الخاصة ، ومن هنا فإذا فرضنا عدم قابليتهما للإذن كانت إطلاقات المنع هي المحكمة . وهذا بخلاف المقام ، إذ قد عرفت أنّ مقتضى القاعدة هو الجواز ، نظراً لتعارض أدلّة المنع مع ما دلّ على الجواز في فرض الضرورة ، غاية الأمر أننا قد اعتبرنا إذن الحرّة لصحيحة ابن بزيع ، وحيث قد عرفت أ نّها منصرفة إلى فرض قابليتها للإذن ، فلا محالة يكون المرجع في فرض عدم قابليتها للإذن هو عمومات الحلّ والجواز .
(1) لم يظهر وجه للخصوصيّة ، بعد ما تقدّم من عدم الفرق بين كون العقدين دواميين أو انقطاعيين أو مختلفين. نعم، لايبعد دعوى انصراف الدليل عن بعض أقسام الانقطاع الذي لا يقصد به الاستمتاع ـ كالتزوج منها لكي تحرم اُمها عليه أبداً ـ غير أن هذا لا يختص بالزوجة الصغيرة أو المجنونة ، بل يجرى حتى في الزوجة الكبيرة العاقلة .
(2) لموثقة سماعة المتقدِّمة بناءً على نسخة الكليني (قدس سره) . وعلى فرض سقوطها نتيجة لمعارضتها لنسخة الشيخ (قدس سره)، تكفينا صحيحة يحيى الأزرق قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل كانت له امرأة وليدة فتزوج حرّة ولم يعلمها بأنّ له امرأة وليدة ، فقال : «إن شاءت الحرّة أقامت ، وإن شاءت لم تقم» . قلت : قد أخذت المهر فتذهب به ؟ قال : «نعم ، بما استحل من فرجها» (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 47 ح 1 .
ــ[7]ــ
وأمّا مع جهلها ، فالأقوى خيارها في بقائها مع الأمة ، وفسخها ورجوعها إلى أهلها (1) . والأظهر عدم وجوب إعلامها بالحال (2) . فعلى هذا لو أخفى عليها ذلك أبداً لم يفعل محرماً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم إنّ صاحب الوسائل (قدس سره) قد اقتصر في ذكر اسم راوي هذه الرواية على يحيى بن الأزرق ، وهو إن كان نتيجة سقط في النسخ فهو ، وإلاّ فهو خلاف اُصول نقل الحديث . فإنّ يحيى هذا مشترك بين يحيى بن حسان الأزرق المجهول ويحيى بن عبدالرحمن الأزرق الثقة ، مع أن الشيخ (قدس سره) قد روى هذه الرواية في التهذيب عن يحيى بن عبدالرحمن الأزرق (1) .
فالرواية على هذا صحيحة السند ، وإن عبّر عنها في الجواهر بخبر يحيى بن الأزرق (2) .
(1) بلا خلاف فيه بين الأصحاب ، وتدلّ عليه موثقة سماعة وصحيحة يحيى بن عبدالرحمن الأزرق .
(2) بلا إشكال ، لعدم الدليل عليه ، إذ غاية ما دلّ عليه الدليل هو ثبوت الخيار لها عند علمها بالحال ، وهذا لا يعني وجوب إعلامها بذلك ، كما هو الحال في سائر موارد الخيار في العقود ، كالعيب والغبن وما شاكلهما . بل يمكن استفادة عدم الوجوب من موثقة سماعة وصحيحة ابن الأزرق ، باعتبار أن الإمام (عليه السلام) فيهما لما كان في مقام البيان ، فعدم ذكره لوجوب الإعلام يكون دليلاً على عدمه .
ومن الغريب ما حكاه صاحب الجواهر (قدس سره) عن الرياض من أ نّه قال : ولو أدخل الحرّة على الأمة جاز ، ولزم علم الحرّة بأن تحته أمة إجماعاً ونصوصاً . ثم أشكل عليه بأ نّه لم نتحقق ذلك ، وذكر أنّ من الممكن أن يريد الإجماع والنصوص على الحكم الأوّل ، أعني الجواز (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التهذيب 7 : 345 / 1413 .
(2) الجواهر 29 : 412 .
(3) الجواهر 29 : 413 .
ــ[8]ــ
[ 3794 ] مسألة 1 : لو نكح الحرّة والأمة في عقد واحد مع علم الحرّة صحّ (1). ومع جهلها صحّ بالنسبة إليها ، وبطل بالنسبة إلى الأمة(2) إلاّ مع إجازتها (3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والظاهر أنّ نسخته (قدس سره) كانت مغلوطة ، والصحيح إضافة كلمة (مع) بعد قوله (لزم) كما هو الحال في النسخ المطبوعة من الرياض وإلاّ لكانت العبارة غير مستقيمة جزماً ، إذ ينبغي أن تكون (ولزم إعلام الحرّة) لو كان المقصود هو ما ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) .
(1) باعتبار أنّ رضا الحرّة بهذا العقد مع علمها بالحال رضا بتزوج الرجل من الأمة ، فتشمله أدلة جواز إدخال الأمة على الحرّة إذا رضيت بذلك .
(2) لصحيحة أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن رجل تزوّج امرأة حرّة وأمتين مملوكتين في عقد واحد ، قال : «أما الحرّة فنكاحها جائز ، وإن كان سمّى لها مهراً فهو لها . وأما المملوكتان فإنّ نكاحهما في عقد مع الحرّة باطل ، يفرق بينه وبينهما» (1) .
(3) والوجه فيه ـ بعد إطلاق صحيحة أبي عبيدة المقتضي للبطلان ، بلا فرق بين علم الحرّة وجهلها ، والإذن وعدمه ـ هو ما ادعاه صاحب الجواهر (قدس سره) من اليقين بتقييدها بصورة عدم الإذن والرضا (2) . وهو غير بعيد ، ولعلّ منشأه الروايات التي دلت على جواز إدخال الأمة على الحرّة بإذنها ، فإنّه إذا جاز إدخالها عليها برضاها ، جاز الاقتران بطريق أولى .
هذا ويمكن أن يقال في توجيه الحكم : إنّ صحيحة أبي عبيدة معارضة للآية الكريمة الدالّة على جواز التزوج من الأمة عند عدم الطول وخشية العنت، والنصوص الدالّة عليه مع الضرورة ، باعتبار أن النسبة بينهما إنّما هي نسبة العموم والخصوص من وجه . فيتعارضان في مورد الاجتماع ، حيث إنّ مقتضى الآية هو الجواز ، في حين أن مقتضى صحيحة أبي عبيدة هو المنع . وعليه فإن قلنا بترجيح الآية فهو ، وإلاّ كان
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 48 ح 1 .
(2) الجواهر 29 : 414 .
ــ[9]ــ
وكذا الحال لو تزوزجهما بعقدين في زمان واحد ، على الأقوى (1) . ـــــــــــــــــــــ
مقتضى تساقطهما هو الرجوع إلى عمومات الجواز .
ومقتضى هذا التقرير وإن كان هو الجواز حتى مع عدم رضا الحرّة ، إلاّ أننا لما علمنا بأنّ للحرّة حقاً على الأمة ـ كما يظهر ذلك مما دلّ على تخيّر الحرّة في عقد نفسها إذا دخلت هي على الأمة ، وفي عقد الأمة إذا دخلت الأمة عليها ـ كان تخيّرها عند الجمع بينهما في عقد واحد في عقد نفسها أو عقد الأمة ممّا لا ينبغي الشكّ فيه ، إذ أنّ الجمع بينهما لا يقصر عن دخولها على الأمة أو العكس .
غير أنّ الاحتمال الأوّل ـ أعني تخيّرها في عقد نفسها ـ لما كان مخالفاً لصريح صحيحة أبي عبيدة ، تعيّن الثاني لا محالة ، فيحكم حينئذ بالبطلان لو لم تجز الحرّة العقد .
(1) وذلك للقطع بعدم خصوصيّة وحدة العقد في الحكم ، وإنّما العبرة باقتران التزويجين .
|