صحة زواج الأمة موقوف على إجازة المولى - الاجازة الكاشفة 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى- الجزء الثالث:النكاح   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4914


ــ[17]ــ

   وكذا الأمة على الأقوى (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وصحيحة معاوية بن وهب ، قال : جاء رجل إلى أبي عبدالله (عليه السلام) فقال : إني كنت مملوكاً لقوم ، وإني تزوجت امرأة حرّة بغير إذن مواليّ ثمّ اعتقوني بعد ذلك فاُجدِّد نكاحي إياها حين اُعتقت ؟ فقال له : «أكانوا علموا أنك تزوجت امرأة وأنت مملوك لهم» ؟ فقال : نعم ، وسكتوا عني ولم يغيروا علي . قال: فقال: «سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم ، اثبت على نكاحك الأوّل» (1) .

   وصحيحة الحسن بن زياد الطائي، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): إني كنت رجلا مملوكاً فتزوّجت بغير إذن مواليّ ، ثمّ أعتقـني الله بعد ، فاُجدد النكاح ؟ قال : فقال : «علموا أنك تزوّجت» ؟ قلت : نعم ، قد علموا فسكتوا ولم يقولوا لي شيئاً . قال : «ذلك إقرار منهم ، أنت على نكاحك» (2) .

   إلى غير ذلك من النصوص الدالة على صحّة العقد عند لحوق الإجازة .

   (1) خلافاً لما ذهب إليه صاحب الحدائق (قدس سره) ، حيث فصل بين العبد والأمة ، فالتزم بصحّة عقد العبد إذا لحقته الإجازة ، بخلاف الأمة فإنّ عقدها لا يصحّ حتى وإن لحقته الإجازة . بدعوى أنّ النصوص كلها واردة في العبد خاصة، فتبقى الأمة مشمولة للقاعدة المقتضية للبطلان(3).

   وما أفاده (قدس سره) إنما يتمّ لو انحصرت نصوص صحّة عقد العبد عند لحوق الإجازة بما تقدّم . فإنه حينئذ يمكنه أن يقال بأن القاعدة لما كانت تقتضي البطلان وكانت نصوص الصحّة مختصة بالعبد ، كان مقتضى الصناعة الحكم بالبطلان في عقد الأمة ، لعدم الدليل على خروجها عن القاعدة . إلاّ أنّ الأمر ليس كذلك ، فإنّ في نصوص الصحّة ما يقتضي التعدي من العبد إلى الأمة ، ويدلّ على شمول الحكم لها أيضاً :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والاماء ، ب 26 ح 1 .

(2) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 26 ح 3 .

(3) الحدائق 24 : 202 .

ــ[18]ــ

   كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيده ، فقال : «ذاك إلى سيده ، إن شاء أجازه ، وإن شاء فرّق بينهما» . قلت : أصلحك الله ، إنّ الحكم بن عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : إنّ أصل النكاح فاسد ، ولا تحلّ إجازة السيد له ؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام) : «إنه لم يعص الله، وإنما عصى سيده، فإذا أجازه فهو له جائز»(1) .

   وصحيحته الاُخرى عنه (عليه السلام) أيضاً ، قال : سألته عن رجل تزوّج عبده بغير إذنه فدخل بها ثمّ اطلع على ذلك مولاه ، قال : «ذاك لمولاه إن شاء فرّق بينهما وإن شاء أجاز نكاحهما . فإن فرّق بينهما فللمرأة ما أصدقها ، إلاّ أن يكون اعتدى فأصدقها صداقاً كثيراً . وإن أجاز نكاحه ، فهما على نكاحهما الأوّل» . فقلت لأبي جعفر (عليه السلام) : فإنّ أصل النكاح كان عاصياً ؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام) : «إنما أتى شيئاً حلالاً وليس بعاص لله ، إنما عصى سيده ولم يعص الله ، إنّ ذلك ليس كإتيان ما حرَّم الله عليه من نكاح في عدّة وأشباهه» (2) .

   فإنّ التعليل المذكور فيهما يدلّ على عدم اختصاص الحكم بالعبد ، بل يجري في الأمة على حد جريانه في العبد ، لجريان التعليل المذكور بعينه فيها . فيقال : إنّ نكاح الأمة في نفسه ليس بمحرم كتزوجها من أخيها مثلاً ، وليست هي عاصية لله تبارك وتعالى ، وإنما هي عاصية لسيدها فإذا أجاز جاز .

   هذا مضافاً إلى ما ذكره الفقهاء في غير واحد من الأبواب الفقهية ، من أنّ الحكم إذا تعلّق بعنوان اشتقاقي ولم تكن هناك قرينة على الاختصاص عمّ الرجل والمرأة كالأحكام الثابتة للمحرم والمسافر والحاضر والصائم والبيّعين وصاحب الحيوان وغيرها ، فإنه لا قائل باختصاصها بالرجل ، بل لم يناقش في عمومها أحد حتى صاحب الحدائق (قدس سره) . وحيث إنّ المقام من هذا القبيل ، باعتبار أنّ المملوك المذكور في صحيحتي زرارة عنوان اشتقاقي جامع بين العبد والأمة ، فلا وجه للتفريق بينهما في الحكم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 24 ح 1 .

(2) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 24 ح 2 .

ــ[19]ــ

   ولا ينافي هذا ما دلّ على أنّ التزوّج من الأمة بغير إذن مولاها زناً ، فإنه مما لا إشكال فيه ، ولا يختص بالأمة بل يجري في جانب العبد أيضاً ، فإنه وإن لم يرد فيه هذا التعبير بخصوصه ، إلاّ أنه قد ورد في جملة من النصوص ما يلازمه قهراً .

   نظير ما دلّ على عدم جواز تزوّج العبد من غير إذن مولاه ، فإنّ لازمه بطلان العقد ، ولازم البطلان هو كون المواقعة زناً . وما دلّ على أن نكاحه من غير إذن سيِّده باطل ومردود . وكذا ما دلّ على أنّ الحرّة إذا زوّجت نفسها من العبد بغير إذن مولاه فقد أباحت نفسها وليس لها صداق ، فإنّه ظاهر في كون الفعل زناً ، وإلاّ فلا وجه للحكم بعدم استحقاقها للصداق .

   غير أنه مختص بحالة ما قبل إجازة المولى ، بمعنى كون النكاح في نفسه كذلك ما لم تلحقه الإجازة . وأما بعد الإجازة فليس الأمر كذلك ، بل يحكم بصحّة عقدهما ، فلا يكون الفعل زناً لا محالة .

   وأما ما استشهد به صاحب الحدائق (قدس سره) لمدعاه، من أن عدم ذكر الأمة في ضمن كلام الإمـام (عليه السلام) مشعر بعدم جريان الحكم فيها ، مندفعٌ بأنّ ما صدر منه (عليه السلام) لم يكن لبيان الحكم ابتداء كي يكون لما قيل وجه ، وإنما كان في مقام الجواب عن السؤال الموجه إليه (عليه السلام) ، وحيث إنّ الأسئلة كانت مختصة بالعبد ، فلا مجال لاستفادة ما ذكر من عدم التعرض إلى ذكرها في الأجوبة .

   ثمّ إنه ربّما يستدلّ على الصحّة في المقام بعموم قوله تعالى: (فانْكِحُوهُنَّ بإذْنِ أهْلِهنَّ) بدعوى أنّ مقتضاه عدم الفرق بين الإذن السابق على العقد واللاّحق له .

   إلاّ أنه بعيد جداً ، إذ الظاهر من هذه الآية الكريمة هو ترتب النكاح على الإذن بحيث يكون النكاح صادراً ومسبباً عنه ، فإذا لم يكن العقد كذلك ، فالإذن المتأخر لا يقلبه فيجعله نكاحاً عن الإذن .

   وبعبارة اُخرى : إنّ المعتبر في الحلية إذا كان كلٌّ من النكاح والإذن مستقلاً عن الآخر ، لكان لما ذكر وجه وإن لم يكن يخلو من الإشكال أيضاً . إلاّ أنّ الأمر ليس كذلك ، حيث إنّ المعتبر فيها إنّما هو صدور النكاح المتفرِّع والمترتِّب على الإذن ، فلا وجه للحكم بصحّة النكاح الصادر عن غير الإذن وإن لحقه بعد ذلك ، إذ الإذن

ــ[20]ــ

والإجازة كاشفة(1). ولا فرق في صحته بها بين أن يكون بتوقعها، أو لا بل على الوجه المحرم.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المتأخر لا يقلب النكاح السابق عن وصف كونه من غير إذن إلى كونه صادراً عن الإذن .

   إذن فالصحيح في المقام هو التمسك بما ذكرناه لإثبات المدعى .

   (1) وذلك فلأن النقل وإن كان ممكناً في نفسه بل قد وقع في بعض الموارد ، كبيع الصرف والسلم فيما إذا تأخر القبض عن العقد حيث يكون البيع في زمان والملكية في زمان آخر ، وكذا كل ما هو مشروط بالقبض كالهبة والوقف على جهة معينة إذا تأخر القبض من العقد ، إلاّ أن الدليل لا يساعد عليه ، باعتبار أن الإجازة والإمضاء إنما تتعلّقان بالعقد الذي وقع في حينه ، ومن هنا فيكون الحكم بالملكية من حين الإجازة على خلاف الإمضاء ودليل النفوذ ، فيحتاج إلى دليل خاص ، وحيث إنه مفقود فلا مجال للالتزام به .

   بل هو مناف لظاهر صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «قضى في وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاماً ، ثمّ قدم سيِّدها الأوّل فخاصم سيدها الأخير فقال : هذه وليدتي باعها ابني بغير إذني فقال : خذ وليدتك وابنها ، فناشده المشتري ، فقال : خذ ابنه ـ يعني الذي باع الوليدة ـ حتى ينفذ لك ما باعك ، فلما أخذ البيع الابن قال أبوه : أرسل ابني ، فقال : لا اُرسل ابنك حتى ترسل ابني ، فلما رأى ذلك سيد الوليدة الأوّل أجاز بيع ابنه» (1) .

   فإنها ظاهرة في الكشف والحكم بالصحّة من حين صدور العقد ، وإلاّ لكان على المشتري أن يدفع لسيدها الأوّل مهر أمثالها نظراً لوطئه أمة الغير شبهة ، والحال أنه (عليه السلام) لم يتعرض لذلك .

   وصريح صحيحة أبي عبيدة الحذاء ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن غلام وجارية زوّجهما وليان لهما ، وهما غير مدركين ؟ قال : فقال : «النكاح جائز ، أيهما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 88 ح 1 .

  
 

ــ[21]ــ

أدرك كان له الخيار ، فإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر ، إلاّ أن يكونا قد أدركا ورضيا» . قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر ؟ قال : «يجوز عليه ذلك إن هو رضي» . قلت : فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي النكاح ، ثمّ مات قبل أن تدرك الجارية ، أترثه ؟ قال : «نعم ، يعزل ميراثها منه ، حتى تدرك وتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلاّ رضاها بالتزويج ، ثمّ يدفع إليها الميراث ونصف المهر» الحديث (1) .

   فإنها صريحة في الكشف ، إذ لولاه لم يكن مجال للحكم بعزل نصيب البنت حتى تدرك ، لأنه وبمجرد موت أحد الطرفين لا يبقى مجال للحكم بالزوجية ، فإنها من الزوجية بين الحي والميت وهو باطل جزماً .

   على أنّ القول بالنقل لا يتمّ في العقود المتقيدة بالزمان كالإجارة ونكاح المتعة ، كما لو آجر الفضولي الدار شهراً أو تزوّج من الأمة شهراً ولم يجز المالك إلاّ بعد انقضاء نصفه . فإنه لو كانت الإجازة ناقلة لكانت الملكية أو الزوجية في خصوص النصف الباقي من الشهر ، أي من حين الإجازة إلى انقضاء الشهر ، والحال أن المنشأ إنما هو الملكية والزوجيـة شهراً كاملاً ، فيرد عليه إن ما أنشأ لم يمض وما اُمضي لم ينشأ فكيف يمكن الالتزام بصحته .

   والحاصل : إنّ النقل وإن كان ممكناً في نفسه ، إلاّ أن دليل الإمضاء والنفوذ لا يساعد عليه ، باعتبار أن ظاهره إمضاء ما وقع . ومن هنا فلا بدّ من الالتزام بالكشف ، غير أن الأقوال في الكشف لما كانت مختلفة : فمنهم من يقول بالكشف الحقيقي ، ومنهم من يقول بالكشف الانقلابي ، ومنهم من يقول بالكشف الحكمي ، فلا بدّ من تحقيق الحال لمعرفة الصحيح منها . ومن هنا فنقول :

   أمّا الكشف الحقيقي فهو وإن كان ممكناً في نفسه بحيث تكون الإجازة شرطاً متأخّراً ، إلاّ أنه لا دليل عليه أيضاً ، فإنّ ظاهر الأدلة إنما هو اعتبار نفس الرضا والإجازة لا اعتبار تعقبهما . وحيث ان من الواضح انهما لم يكونا موجودين حال العقد ولم يكن العقد عن الرضا ، فلا وجه للحكم بالصحّة وإن كان متعقباً بهما ، بل إنّ القول

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 26 كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الأزواج ، ب 11 ح 1 .

ــ[22]ــ

به على خلاف ظاهر دليل الجواز ، فإنّ ظاهره إنما هو كون الجواز متفرعاً على الرضا لا أنه إذا أجاز العقد انكشف الجواز السابق ، ومن هنا فلا مجال للالتزام بهذا القول .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net