ــ[64]ــ
ثمّ إذا كان المملوكان لمالك واحد فالولد له (1) . وإن كان كل منهما لمالك فالولد بين المالكين بالسويّة ((1)) (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بلا خلاف ولا إشكال ، لكونه نماءً لملكه ، سواء أقلنا بتبعيته لأبيه أم قلنا بتبعيته لاُمّه .
(2) لا نعلم لذلك وجهاً صحيحاً ، كما اعترف به غير واحد من الأصحاب . فإنّ المولود إنما هو نماء المرأة ، والرجل لا يقوم إلاّ بدور اللقاح كما هو الحال في سائر الحيوانات ، حيث يعد المولود نتاجاً للاُنثى من دون أن يكون للذكر فيه نصيب إلاّ قيامه بدور اللقاح .
وما يقال من أن الإنسان غير الحيوان حيث إن النسب مقصود في الآدميين فيلاحظ أب المولود بخلاف الحيوانات .
مدفوع بأنه لا أثر لذلك ، أعني ملاحظة النسب في كون النتاج نتاجاً للاُم . فإن لحاظ اللِّقاح لبعض الأغراض ، لا يوجب انقلاب النتاج والنماء عن كونه نماءً لها خاصة إلى كونه نماءً مشتركاً لهما . على أن النسب مقصود في بعض الحيوانات ـ كالخيول العربية وبعض أصناف البقر ـ ومع ذلك فلا يخرج المولود عن كونه نتاجاً للاُم .
وبعبارة اُخرى نقول : إنه سواء أقلنا بأنّ منشأ تولد المولود هو مني الأب خاصّة وإنّ الاُم لا تقوم إلاّ بدور المحل المناسب لتربيته وتطوره ، أم قلنا أنه هو مني الاُم خاصة وإن الأب لا يقوم إلاّ بدور اللقاح ، أم قلنا أنه هو المنيان معاً ، فالولد لا يخرج عن كونه نتاجاً للاُم خاصة . وذلك فلأن المني كما إنه ليس بمال ليس بمملوك لأحد إذ هو فضلة كسائر الفضلات ، وليس هو كالحب المملوك حيث يتبعه الزرع في الملكية فإنّ البون بينهما بعيد ، فأحدهما مملوك والآخر فضلة غير مملوكة لأحد سواء فيه الحر والعبد .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا يبعد أن يكون الولد لمالك الأمة على أساس أنه نماؤها كما هو الحال في سائر الحيوانات .
ــ[65]ــ
ومن هنا فيكون النماء من نتاج الاُم ، حيث إنها التي تربي ـ وبحسب الطبيعة التي خلقها الله تعالى والسر الذي أودعه فيها ـ مني الزوج أو منيها أو منيهما معاً ، وتطوي به المراحل حتى يخرج خلقاً آخر ، فيكون تابعاً لها في الملكية حيث تكون رقاً ، نظير ما هو الحال في سائر الحيوانات .
ولولا هذا الذي ذكرناه من تبعية الولد لاُمِّه وكونه نتاجاً لها ، لم يكن وجه لاتفاقهم على أنّ العبد إذا زنى بأمة فحملت منه كان الولد لمولاها ، سواء أكانت هي زانية أيضاً أم لم تكن ، إذْ لم يرد في النصوص ولا خبر ضعيف يدلّ عليه .
نعم ، ورد ذلك في الحرّ إلاّ أنه لا مجال لقياس العبد عليه ، حيث إنّ الحرّ مالك لجميع تصرّفاته، فإذا أقدم على إلغاء احترام ماله لم يكن ماله بعد ذلك محترماً، فيلحق الولد بالأمة . وهو بخلاف العبد فإنه لا يملك شيئاً ، فلو كان منيه مملوكاً وكان الولد من نتاجه أو نتاجهما معاً ، لكان ينبغي القول باختصاص مولاه أو اشتراكه مع مولى الأمة في الولد ، حيث لا يتأتى هنا القول بأنه قد أقدم على إلغاء احترام ماله .
هذا ويمكن الاستدلال على تبعية الولد للاُم وكونه من نتاجها بطوائف من الأخبار .
منها : ما ورد في المولود من فجور الحر بالأمة ، حيث دلت على كونه رقّاً لمالكها وقد تقدّمت جملة منها . فإنّه إنّما يتم بناءً على ما ذكرناه من كون الولد نتاجاً للاُم ، وإلاّ لم يكن وجه لكونه بتمامه رقّاً لمالك الأمة ، بل كان ينبغي أن يكون نصفه حراً ونصفه الآخر مملوكاً له .
ومنها : ما دلّ على أنّ الأمة إذا دلست نفسها وادعت الحرية فتزوّجها حرّ ، كان الأولاد أحراراً وكان على الأب أن يدفع قيمته إلى مولاها يوم سقط حيّاً ، كصحيحة سماعة ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن مملوكة أتت قوماً وزعمت أنها حرّة ، فتزوجها رجل منهم وأولدها ولداً ، ثمّ إن مولاها أتاهم فأقام عندهم البينة أنها مملوكة وأقرّت الجـارية بذلك ، فقال : «تدفع إلى مولاها هي وولدها ، وعلى
ــ[66]ــ
مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته يوم يصير إليه» (1) .
فإنه لو كان الولد نتاجاً للأبوبن ، لكان ينبغي أن يدفع إلى مولاها نصف قيمته خاصّة ، فالحكم بضمانه لتمام القيمة دليل على كونه من نتاج الأمة خاصة .
ومنها : ما دلّ على أن حمل المدبرة إن كان بعد التدبير فهو مدبر كالاُم ، وإلاّ فلا يتبع الاُم في التدبير ، كموثقة عثمان بن عيسى الكلابي عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) قال : سألته عن امرأة دبّرت جارية لها فولدت الجارية جارية نفيسة فلم تدرِ المرأة حال المولودة هي مدبّرة أو غير مدبّرة ؟ فقال لي : «متى كان الحمل بالمدبرة ، أقَبْلَ ما دبّرت أو بعد ما دبّرت» ؟ فقلت : لست أدري ، ولكن أجبني فيهما جميعاً ؟ فقال: «إن كانت المرأة دبّرت ، وبها حبل ولم تذكر ما في بطنها فالجارية مدبّرة والولد رقّ ، وإن كان إنما حدث الحمل بعد التدبير فالولد مدبّر في تدبير اُمّه» (2) .
وكذلك ما ورد في أولاد المدبرة بعد التدبير ، كصحيحة أبان بن تغلب ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل دبّر مملوكته ، ثمّ زوّجها من رجل آخر فولدت منه أولاداً ، ثمّ مات زوجها وترك أولاده منها ، قال : «أولاده منها كهيئتها ، فإذا مات الذي دبّر اُمهم فهم أحرار» (3) .
وعنوان الرجل في هذه الرواية وإن كان أعمّ من الحر والمملوك إلاّ أنه لا بدّ من حمله على المملوك ، إذ لو كان الأب حراً لم يكن وجه للسؤال عن كون الأولاد مدبرين أم لا ، لكونهم حينئذ أحراراً تبعاً لأشرف أبويهم . وعلى هذا فالرواية غير شاملة في نفسها لما إذا كان الزوج حراً ، وعلى فرض شمولها له فهو خارج بما دلّ من النصوص على حرية الولد إذا كان أحد أبويه حراً .
ومن هنا فقد أطلق صاحب الشرائع (قدس سره) ، حيث ذكر أن المدبرة لو حملت بمملوك ، سواء كان عن عقد أو زنا أو شبهة ، كان مدبراً . ولم يقيده بما إذا كان المملوك
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 67 ح 5 .
(2) الوسائل ، ج 23 كتاب التدبير والمكاتبة ، أبواب التدبير ، ب 5 ح 2 .
(3) الوسائل ، ج 23 كتاب التدبير والمكاتبة ، أبواب التدبير ، ب 5 ح 1 .
ــ[67]ــ
إلاّ إذا اشترطا ((1)) التفاوت أو الاختصاص بأحدهما (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
متولِّداً من عبد له ، فيعمّ الحكم ما إذا كان من عبد لغيره ، ونعم ما صنع (2) .
وعلى كل فمقتضى إطلاق هذه الرواية أن الولد يكون لمالك الأمة ويكون مدبّراً بتبعها ، سواء أكان الأب مملوكاً له أم كان مملوكاً لغيره ، بل إن إطلاق رواية الحمل يشمل ما إذا كان الزوج حراً وكان التزويج فاسداً ، فيلحق الولد باُمه ويكون مدبّراً وهو يدلّ على كونه من نتاجها خاصة .
إذن فالصحيح هو ما ذهب إليه أبو الصلاح وجماعة ، من تبعية الولد لاُمِّه فيكون رقاً لمالكها (3) على ما تقتضيه القواعد .
(1) وكأنه لعموم قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : «المؤمنون عند شروطهم» حيث إن مقتضاه نفوذ كل شرط لا يخالف الكتاب أو السنّة .
إلاّ أنه لا يمكن المساعدة على ذلك. والوجه فيه ما بيناه في مبحث الشروط مفصّلاً من أنّ دليل نفوذ الشرط ليس بمشرع بحيث يقتضي شرعية ما هو غير مشروع ، وإن غاية ما يقتضيه هو إلزام المؤمن بالوفاء بما هو مشروع في نفسه ومع قطع النظر عن الاشتراط ، بحيث يكون للمشروط عليه أن يفعله من دون الاشتراط . وأما ما ليس للمكلّف أن يفعله فلا أثر لاشتراطه ، ولا يقتضي ذلك لزومه ونفوذه ، باعتبار أنه شرط مخالف للكتاب والسنّة ومستلزم لتغيير حكم الله تبارك وتعالى . وحيث إنّ المقام من هذا القبيل ، باعتبار أن الولد حينما يولد مملوك لمالك الاُم خاصة على ما اخترناه ، أو مشترك بينه وبين مولى العبد على ما اختاروه ، كان اشتراط الزيادة أو الاختصاص مخالفاً لكتاب الله وسنّة نبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(4) .
والحاصل أنّ كل أمر لم يكن ، مع قطع النظر عن الشرط ، مشروعاً لا يتصف نتيجة الشرط بالمشروعية ، ولا يلزم العمل به .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الظاهر أنه لا أثر لهذا الاشتراط إذا كان على نحو شرط النتيجة ، وبذلك يظهر حال ما بعده .
(2) شرائع الإسلام .
(3) الكافي في الفقه : 315 .
(4) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب المهور ، ب 20 ح 4 .
ــ[68]ــ
هذا إذا كان العقد بإذن المالكين (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى هذا الأساس لم يلتزم فقيه بصحّة هذا الاشتراط في غير النكاح من العقود اللاّزمة ـ كأن يبيع داره ويشترط في ضمنه على المشتري أن يكون نتاج مملوكيه له ـ على نحو شرط النتيجة ، لكونه شرطاً مخالفاً لكتاب الله وسنّة نبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
نعم ، لو كان أمر النتيجة مما للمشترط عليه أن يفعله قبل الشرط ، ولم يكن لتحقّقه سبب خاص ، صح اشتراطه ولزم ، كما لو اشترى داراً واشترط في ضمن العقد أن يكون جميع أثاث البيت له ، حيث لا مانع منه لأنه لا يحتاج إلاّ إلى الاعتبار النفسي وإبرازه في الخارج بمبرز ، والمفروض تحققهما معاً بالعقد .
وبالجملة فكل أمر كان للمكلف أن ينشئه بالفعل ، أو فعل كان له أن يفعله كذلك ولم يكن له سبب خاص ، يصح اشـتراطه ويلزم به . وأما ما ليس للمكلف أن يفعله أو ينشئه بالفعل ، أو كان متوقفاً على سبب معين ، فلا مجال لاشتراطه لكونه مخالفاً للكتاب والسنّة .
ثمّ إنّ بطلان شرط النتيجة يتوقف على أن يكون لدليل الحكم إطلاق يشمل فرض الاشتراط أيضاً ، فإنه حينئذ يكون اشتراط خلافه مخالفاً للكتاب والسنة . وأما إذا لم يكن لدليل الحكم إطلاق يشمل فرض الاشتراط ، وإنما كان مقيداً بفرض عدم الاشتراط كما هو الحال في الإرث في الزوجية المنقطعة ، فلا يكون اشتراطه مخالفاً للكتاب .
ومن هنا يظهر أنه لو التزمنا بما ذهب إليه ابن الجنيد من رقية المولود من حر وأمة إلاّ إذا اشترط حريته ، لم يكن هذا الاشتراط مخالفاً للكتاب أو السنة ، إذ لو عملنا بالنصوص التي استدل بها على هذا المدعى ، لم يبق هناك إطلاق للكتاب والسنة يقتضي الرقية حتى في فرض الاشتراط .
(1) فيكون الولد مشتركاً بينهما ، لوحدة النسبة على ما اختاروه ، ومملوكاً لمالك الاُم خاصة على ما اخترناه .
ــ[69]ــ
أو مع عدم الإذن من واحد منهما((1)) (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ما ذكره (قدس سره) لم يظهر له وجه ، إذ قد تقدّم في جملة من النصوص المتقدِّمة التصريح بأن المملوك إذا تزوّج بغير إذن مولاه كان زانياً ، فلا ينسجم حكمه (قدس سره) هذا مع ما يذكره (قدس سره) صريحـاً في ذيل هذه المسـألة ـ وعليه إجماع الأصحاب ـ من أن العبد إذا كان زانياً لحق المولود بالأمة ، سواء أكانت هي زانية أيضاً أم لم تكن .
ومن هنا يظهر الحال فيما ذكره (قدس سره) بعد ذلك من اشتراك الموليين فيه ، فيما إذا كان النكاح عن إذن من أحدهما خاصة .
ومن غير البعيد أنه (قدس سره) يريد بذلك فرض الشبهة وعدم العلم بفساد العقد ، لاعتقادهما معاً الإذن ، أو اعتقادهما عدم اعتباره ، فإنه حينئذ يتمّ ما ذكره (قدس سره) من إلحاق الفرض بالزواج الصحيح .
وعليه فإن كانت الشبهة من الطرفين ، كان الولد مشتركاً بينهما على ما اختاروه ولمالك الأمة على ما اخترناه . وإن كانت الشبهة من أحدهما خاصة وكان الآخر مأذوناً ، كان الولد لمالك المشتبه ، باعتبار أن الإذن يقتضي تنازل الآذن عن حقه وإقدامه على فوات الولد منه ، باعتبار أن الإذن في التزويج مطلقاً يستلزم جواز تزويج المملوك من الحر فينعقد الولد حراً ، فيكون حال هذا الفرع كصورة اشتراط أحد الموليين ـ وهو في المقام من لم يأذن ـ الاختصاص بالولد .
غير أنك قد عرفت أنه لا أثر لاشتراط الاختصاص ، نظراً لكونه من شرط النتيجة ، فيكون الإذن من أحدهما مثله بطريق أولى ، باعتبار أنه لا يملك الولد حين الإذن وإنما سيملكه حين التولد .
وكيف كان ، فالعبارة لا تخلو من تشويش وغموض ، وإن ذكرت في كلمات غيره أيضاً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لعلّه يريد بذلك وبما بعده عدم العلم بفساد العقد ليكون الوطء شبهة ، وإلاّ فهو داخل في ذيل المسألة وهو قول الماتن : «وأمّا لو كان الولد عن زنا من العبد ... الخ» .
ــ[70]ــ
وأما إذا كان بالإذن من أحدهما ، فالظاهر أنه كذلك (1) . ولكن المشهور أن الولد حينئذ لمن لم يأذن . ويمكن أن يكون مرادهم في صورة إطلاق الإذن ، بحيث يستفاد منه إسقاط حق نمائية الولد ، حيث إن مقتضى الإطلاق جواز التزويج بالحر أو الحرّة ، وإلاّ فلا وجه له . ــــــــــــــــــ
(1) ظهر الحال فيه مما تقدّم ، فراجع .
|