[ 3816 ] مسألة 16 : يجوز للمولى تحليل أمته لعبده (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــــ (3) على ما هو المشهور بينهم . وقد خالف فيه بعضهم مستدلاً عليه :
أوّلاً : بأن التحليل نوع من التمليك ، والعبد غير قابل لأن يملك .
وثانياً : بصحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) ، أنه سئل عن المملوك يحل له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحلّ له مولاه ؟ قال : «لا يحلّ له» (2) .
وفي الاستدلال بهما نظر .
ـــــــــــــ (2) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 33 ح 2 .
ــ[95]ــ
أمّا الأوّل : فلأن التحليل ليس بتمليك ولا تزويج ، وإنما هو إباحة يشبه العارية في غير مورد التحليل وبذلك يكون مخصصاً لقوله تعالى : (والَّذِينَ هُمْ لِفُروجِهمْ حَافِظُونَ * إلاَّ علَى أزْواجِهِمْ أوْ مَا ملَكَتْ أيْمانُهُمْ فإنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومينَ) (1) .
على أنه لا دليل على عدم أهلية العبد للملك ، بل الدليل ثابت على خلافه ، غاية الأمر أنه محجور عليه ، حيث لا يجوز له التصرف إلاّ بإذن مولاه .
وأما الثاني ، فلمعارضتها بما ورد في تفريق المولى بين العبد وزوجته الأمة ، من أنه يأمره بالاعتزال وتعتدّ من العبد ، ثمّ له أن يطأها بعد ذلك إن شاء ، وإن شاء ردّها إلى العبد بغير تزويج .
كصحيحة محمد بن مسلم، قال: سألتُ أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عزّوجلّ: (والمُحصَناتُ مِنَ النِّسَاءِ إلاَّ مَا مَلكَتْ أيْمَانُكُمْ) قال : «هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمته ، فيقول له : اعتزل امرأتك ولا تقربها ، ثمّ يحبسها عنه حتى تحيض ثمّ يمسّها ، فإذا حاضت بعد مسّه اياها ردّها عليه بغير نكاح» (2) . فإنها ظاهرة في كون ردّها إليه بالتحليل ، إذ إن النكاح الأوّل قد بطل بأمره باعتزالها والذي هو بمنزلة الطلاق ، والمفروض أنه لا نكاح جديد ، فينحصر الأمر بالتحليل لا محالة . وبذلك تتساقطان ، ويكون المرجع بعد ذلك هو إطلاقات ما دلّ على جواز التحليل من غير تقييد .
هذا وقد حمل بعض الأصحاب صحيحة علي بن يقطين على التقية ، وهو غير بعيد ، باعتبار أن العامّة لا يرون جواز التحليل مطلقاً .
ثمّ أنّ في المقام رواية تتضمن التفصيل بين تعيين المحلّلة وعدمه ، هي رواية الفضيل مولى راشد ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : لمولاي في يدي مال ، فسألته أن يحلّ لي ما اشتري من الجواري ، فقال : إن كان يحلّ لي أن احلّ لك فهو لك حلال فقال : «إن أحلّ لك جارية بعينها فهي لك حلال ، وإن قال : اشتر منهنّ ما شئت ، فلا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة المؤمنون : 23 : 5 ـ 6 .
(2) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 45 ح 1 .
ــ[96]ــ
وكذا يجوز أن ينكحه إيّاها (1) . والأقوى أنه حينئذ نكاح لا تحليل(2) . كما أن الأقوى كفاية أن يقول له : (أنكحتك فلانة) ولا يحتاج إلى القبول منه أو من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تطأ منهنّ شيئاً إلاّ ما يأمرك ، إلاّ جارية يراها فيقول : هي لك حلال . وإن كان لك أنت مال فاشتر من مالك ما بدا لك» (1) .
فربّما يقال : إنه وجه جمع بين صحيحة علي بن يقطين وبين ما دلّ على الجواز فتحمل الاُولى على عدم التعيين ، وتحمل الثانية على فرض تعيين المحلِّلة .
إلاّ أنه لا يمكن المساعدة عليه ، نظراً إلى أنّ هذا الجمع بعيد في نفسه ، لمخالفته لظاهر صحيحة علي بن يقطين . مع كون الرواية ضعيفة السند وإن عبّر عنها في بعض الكلمات بالصحيحة ، فإنّ فضيل مجهول ولم يرد فيه توثيق فلا مجال للاعتماد عليها حتى وإن كان الراوي عنه هو ابن أبي عمير ، لما قد عرفت غير مرة من أنه لا مجال للقول بوثاقة كل من يروي عنه ابن أبي عمير ، فإنه غير ثابت بل الثابت في بعض الموارد خلافه .
(1) بلا خلاف فيه بينهم. وتدلّ عليه جملة من النصوص المعتبرة، كصحيحة عليّ ابن يقطين المتقدِّمة ، حيث إن ظاهرها المفروغية عن جواز التزويج ومشروعيته .
(2) وتشهد له جملة من النصوص ، كصحيحة علي بن يقطين المتقدِّمة. وما ورد في طلاق العبد ، وأنه ليس له أن يطلق زوجته إذا كانت مملوكة لمولاه (2) . أو الواردة في كيفية نكاح المولى عبده من أمته (3) وغيرها . فإنها بأجمعها ظاهرة في ثبوت النكاح والتزويج في العبد على حد ثبوته في الأحرار .
وقد ذهب بعض إلى الثاني ، مستدلاًّ عليه بما دلّ على جواز تفريق المولى بينهما بالأمر بالاعتزال ، حيث يظهر منه أنه تحليل ، إذ لو كان تزويجاً حقيقة لما ارتفع إلاّ بالطّلاق .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 33 ح 1 .
(2) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 66 .
(3) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 43 .
ــ[97]ــ
العبد (1) لإطلاق الاخبار (2) . ولأنّ الأمر بيده ، فإيجابه مغن عن القبول . فإيجابه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفيه : أن الزوجية من الاُمور التعبدية الاعتبارية التي أمرها بيد الشارع ، فلا محذور في التعبد بارتفاعها بالأمر بالاعتزال كالطلاق .
(1) على ما تقتضيه القاعدة .
إذ العقد إنما هو عبارة عن ربط التزام بالتزام آخر . وهو في غير المقام واضح حيث يعتبر الإنشاء والإبراز من كلّ من الطرفين ، لعدم كفاية مجرد الرضا القلبي في صدق العقد ، لأنه إنما يصدق فيما إذا كان كل من الالتزامين مبرزاً في الخارج ، وإلاّ فلا يصدق عقد الالتزامين وربط أحدهما بالآخر ، كما هو واضح .
وأما في المقام ، فالزوجية وإن كانت قائمة بالعبد والأمة ، إلاّ أنهما لما كانا بالنظر إلى مملوكيتهما غير قادرين على شيء بحيث لم يكن لرضاهما أو عدمه أثر ، بل أمرهما بيد المولى يتصرف كيف يشاء ، فلا حاجة إلى وجود التزامين في المقام ، لأن المولى شخص واحد فيكفي التزامه خاصة .
ومن هنا فيكون المقام من الإيقاع لا العقد ، كي يحتاج إلى التزام آخر يرتبط مع التزامه .
ومجرّد قيام الزوجية في العبد والأمة لا يعني كونهما طرفي العقـد كي يعتبر قبولهما بل الإنشاء ليس له إلاّ طرف واحد هو المولى ، فيكون التزامه بزوجية العبد لها التزاماً منه بزوجية الأمة له أيضاً ، وعليه فيكتفى بمجرد إنشائه من دون حاجة إلى القبول منه أو من العبد .
(2) كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل ، كيف ينكح عبده أمته ؟ قال : «يجزئه أن يقول : قد أنكحتك فلانة ، ويعطيها ما شاء من قبله أو من مولاه ، ولا بدّ من طعام أو درهم أو نحو ذلك» (1) .
وصحيحته الاُخرى عنه (عليه السلام) أيضاً ، في المملوك يكون لمولاه أو مولاته أمة فيريد أن يجمع بينهما ، أينكحه نكاحاً أو يجزئه أن يقول : قد أنكحتك فلانة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 43 ح 1 .
ــ[98]ــ
ويعطي من قبله شيئاً أو من قبل العبد ؟ قال : «نعم ، ولو مدّاً» وقد رأيته يعطي الدراهم(1) .
وعبدالله بن محمد المذكور في سند هذه الرواية والذي يروي عنه محمّد بن يحـيى هو عبدالله أخو محمّد بن عيسى الملقب بـ (بنان) وهو ثقة ، فالرواية معتبرة .
وصحيحة الحلبي ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل ، كيف يُنكح عبده أمته ؟ قال : «يقول : قد أنكحتك فلانة ، ويعطيها ما شاء من قبله أو من قبل مولاه ، ولو مدّاً من طعام أو درهماً أو نحو ذلك» (2) .
فإنّ هذه الروايات المعتبرة ظاهرة وواضحة الدلالة على كفاية إنشاء المولى ، ومن غير حاجة إلى اعتبار القبول .
هذا وقد ناقش صاحب الجواهر في دلالة هذه الروايات بوجهين (3) :
الأوّل : أنها واردة لبيان كيفية قيام المولى مقام العبد في الإنشاء ، وليس لها نظر إلى ما به تمام العقد ، فلا تدلّ على كفاية إنشاء المولى خاصة في تحقّق التزويج .
وفيه : أنه خلاف ظاهر هذه الروايات ولا سيما صحيحة محمد بن مسلم الثانية حيث إن الظاهر منها هو كونها في مقام بيان تمام العقد ، لا خصوص قيام المولى في الإنشاء مقام العبد .
الثاني : ما عن كشف اللِّثام من أن الاكتفاء بقوله : (أنكحتك فلانة) ليس من جهة عدم اعتبار القبول في نكاح العبد والأمة ، بحيث يكون تخصيصاً في أدلّة اعتبار الإيجاب والقبول في التزويج ، وإنما هو من جهة دلالة قول المولى هذا على قبوله أيضاً ، فيكون إنشاؤه إيجاباً وقبولاً في آن واحد .
وفيه : أنه إن اُريد بدلالة إنشاء المولى على القبول استكشاف رضاه من طرف الأمة أيضاً فهو تامّ ، إلاّ أنك قد عرفت أن مجرّد الرضا لا يكفي ، بل لا بدّ من إبرازه وإنشائه . وإن اُريد به أنّ إنشاءه إنشاء من طرف العبد والأمة معاً ، فهو مما لا يمكن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 43 ح 2 .
(2) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 43 ح 1 .
(3) الجواهر 30 : 229 و 230 .
ــ[99]ــ
مغن عن القبول . بل لا يبعد أن يكون الأمر كذلك ((1)) في سائر المقامات (1) مثل الولي والوكيل عن الطرفين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المساعدة عليه ، لأنه من استعمال اللفظ في أكثر من معنى ـ الإيجاب والقبول ـ وهو وإن كان ممكناً ، إلاّ أنه خلاف الاستعمال العرفي بلا إشكال ، بل يعد من الأغلاط .
فالصحيح هو ما اخترناه من كفاية مجرد إنشاء المولى ، من غير حاجة إلى القبول منه أو من العبد .
(1) بل هو في غاية البعد ، فإنّ الفرق بين المقام وسائر المقامات واضح .
ففي المقام حيث لا يوجد هناك التزام ينضم إلى التزام آخر ، باعتبار أن طرف العقد منحصر بالمولى خاصة إذ العبد والأمة مملوكان لا أثر لرضاهما وعدمه ، يكتفى بإنشائه ولا يعتبر في صحّته قبوله أو قبول العبد .
وهذا بخلاف سائر المقامات كالبيع والإجارة وما شاكلهما ، حيث لا يوجد مورد يخلو من الالتزامين ، فإنّ لكل من الطرفين ـ البائع والمشتري ـ التزاماً مستقلاً عن التزام الآخر ، غاية الأمر أنهما لا يقومان بأنفسهما بإبراز التزامهما ، وإنما يقوم الوكيل عنهما بهذا الدور . فينشئ وبه يبرز التزام موكله الأوّل البائع ، ثمّ يقبل وبه يبرز التزام موكله الثاني المشتري ولا يمكن له أن يبرز بإنشائه الأوّل كلا الاعتبارين والالتزامين معاً ، لأنه من استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، وهو على تقدير القول بإمكانه مخالف للسيرة العرفية في مقام الاستعمال قطعاً ، بل لا يبعد عدّه من الأغلاط .
ومن هنا يظهر الحال في الولي أيضاً ، إذ الالتزام في الحقيقة قائم بالمولى عليهما والعقد بينهما ، غاية الأمر أنه حيث لا عبرة بإنشائهما مباشرة ، يقوم الولي مقامهما في الإبراز والإنشاء .
فالولي إنما يلتزم من قبل المولى عليه ، في حين إن السيد إنما يلتزم من قبل نفسه لا من قبل العبد أو الأمة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بل هو بعيد .
ــ[100]ــ
وكذا إذا وكّل غيره في التزويج (1) فيكفي قول الوكيل : أنكحت أمة موكلي لعبده فلان ، أو : أنكحت عبد موكلي أمته . ـــــــــــــــــــ
فالفرق بين المقامين واضح . ومعه لا مجال للتعدي عن مورد تزويج المولى أمته من عبده إلى مثل مورد الوكالة من قبل الطرفين أو الولاية عليهما ، بل لا بدّ فيهما من ضم قبوله إلى إيجابه ، كي يكون بذلك مبرزاً لالتزام الطرف الآخر أيضاً .
(1) لأنّ الوكيل كالأصيل وفعله فعله ، من دون فرق بين أن يكون الوكيل عبده أو أمته اللّذين يريد تزويجهما أو غيرهما ، ويكون إنشاء الوكيل إنشاء للسيد ، فيكتفى به ولا يحتاج إلى القبول .
|