ــ[209]ــ
واستقلالها (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نفياً أو إثباتاً . وهذه الطائفة لا يمكنها معارضة المعتبرتين المتقدمتين ـ معتبرة منصور ابن حازم ومعتبرة صفوان ـ لإمكان الجمع بينهما ، بالقول باشتراكهما في الأمر واعتبار رضاهما معاً .
الثانية : ما تعارض المعتبرتين السابقتين بالإطلاق ، وهي ما تضمنت نفي الأمر عنها وأنه ليس لها مع أبيها أمر ، فإنه أعمّ من نفي استقلالها في الأمر ونفي مشاركتها فيه . وهي أيضاً قابلة للجمع مع المعتبرتين ، بالالتزام باشتراكهما في الأمر وتقييد إطلاق هذه النصوص . ولا يبعد دعوى ظهور بعض هذه الروايات في نفي استقلالها كما يظهر ذلك من مقابلتها للثيب التي لها الأمر كلّه وتتصرّف في نفسها بما شاءت مستقلة .
الثالثة : ما دلّت على استقلال الأب صريحاً ، كصحيحة الحلبي الدالة على جواز إنكاحه لها وإن كانت هي كارهة . وهذه الطائفة وإن كانت تعارض المعتبرتين المتقدِّمتين ، إلاّ أنها ليست من الكثرة بحيث يقطع بصدورها منهم (عليهم السلام) .
ومن هنا تتقدّم هاتان المعتبرتان على هذه الطائفة ، نظراً لموافقتهما للكتاب والسنّة ، ومخالفتهما للمشهور من العامة .
ونتيجة ذلك اشتراك البنت وأبيها في الأمر ، وعدم استقلال كل منهما فيه ، نظراً للطائفة الاُولى والثانية الدالتين على اعتبار إذن الأب ، والمعتبرتين الظاهرتين في الاشتراك ـ كما يظهر ذلك من التعبير بالحظ والنصيب ـ والصريحتين في اعتبار إذنها .
(1) على ما هو المشهور والمعروف بين القدماء والمتأخرين ، بل ادعي عليه الاجماع في كلمات السيد المرتضى (1) .
ويقتضيه من الأدلة العامة إطلاقات الآيات والنصوص الواردة في النكاح ، فإن العقد إنما هو الصيغة التي تقع بين الرجل والمرأة فيجب الوفاء به ، سواء أرضي الأب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الانتصار : 286 .
ــ[210]ــ
أو الجدّ أم لم يرضيا بذلك .
كما يقتضيه إطلاق قوله تعالى : (وَ أُحِلَّ لَكُم مَا وَراءَ ذلِكُمْ) (1) .
وكذلك إطلاق ما دلّ على جواز نكاح المرأة بعد انقضاء عدتها ، فإن مقتضاه عدم اعتبار إذن الولي من غير فرق في ذلك بين البكر والثيب .
وما ورد في معتبرة ميسرة ، من جواز التزوج من المرأة التي تدعي خلوها من البعل (2) .
فهذه الإطلاقات وغيرها تقتضي استقلال البنت مطلقاً في أمرها ، بحيث لو كنا نحن وهذه الآيات والنصوص ، ولم يكن هناك نص خاص يقتضي الخلاف ، لكان القول باستقلالها هو المتعيّن .
وأما النصوص الخاصة ، فقد استدل بجملة منها على استقلال البكر في أمرها ، إلاّ أن هذه النصوص لا تخلو بأجمعها من الضعف في الدلالة أو السند .
منها : صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «المرأة التي قد ملكت نفسها ، غير السفيهة ولا المولى عليها ، تزويجها بغير ولي جائز» (3) . فإن المراد بـ «المولّى عليها» هي من لها ولي عن غير النكاح قطعاً ، إذ لو كان المراد به الولاية في النكاح لكان الحمل ضرورياً ولم تكن هناك حاجة إلى بيانه ، فإنّ من لا ولاية عليه في النكاح نكاحه جائز بغير إذن الولي .
إلاّ أن المناقشة في الاستدلال بهذه الصحيحة تكاد أن تكون واضحة . فإن الموضوع فيها هي الجارية وهي أعمّ من البكر والثيب ، ومن هنا فلا تكون هذه الصحيحة صريحة في المدعى ومن النصوص الخاصة للمقام ، وإنما هي مطلقة فيكون حالها حال الآيات والنصوص المتقدِّمة ، لا تصلح لمعارضة ما دلّ على اعتبار إذن الولي ، لو تمّت دلالة وسنداً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النساء 4 : 24 .
(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 3 ح 5 .
(3) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 3 ح 1 .
ــ[211]ــ
ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «إذا كانت المرأة مالكة أمرها ، تبيع وتشتري وتعتق وتشهد وتعطي من مالها ما شاءت ، فإن أمرها جائز تزوّج إن شاءت بغير إذن وليها . وإن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلاّ بأمر وليّها» (1) .
إلاّ أنها مطلقة كالصحيحة المتقدِّمة ، فحالها حالها .
هذا وقد يقال بأنها ضعيفة سنداً ، من جهة جهالة طريق الشيخ إلى علي بن اسماعيل . ولكنّه لا يتم ، فإنّ طريق الصدوق إليه صحيح ، وطريق الشيخ إلى كتب الصدوق ورواياته صحيح ، فيكون طريق الشيخ إليه صحيحاً لا محالة . نعم ، الرواية ضعيفة لعدم توثيق علي بن إبراهيم الميثمي نفسه ، كما تقدّم .
ومنها : رواية سعدان بن مسلم ، قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : «لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت بغير إذن أبيها» (2) .
وهي وإن كانت صريحة دلالة ، إلاّ أنها ضعيفة ، لكن لا من جهة أن سعدان لم يرد فيه توثيق كما أفاده صاحب الحدائق (قدس سره) (3) فإنه ممن وقع في إسناد كامل الزيارات وتفسير علي بن إبراهيم ، وقد عرفت أن المختار هو وثاقة كل من يقع في أسناد هذين الكتابين ، وإنما من جهة أن هذه الرواية قد رويت بطريقين :
الأوّل : ما رواه الشيخ (قدس سره) بإسناده عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن العباس ـ وهو العباس بن معروف ـ عن سعدان بن مسلم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) (4) .
الثاني : ما رواه الشيخ (قدس سره) بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن العباس بن معروف ، عن سعدان بن مسلم ، عن رجل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) (5) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تقدّمت في ص 203 هـ 2 .
(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 9 ح 4 .
(3) الحدائق .
(4) التهذيب 7 : 380 / 1538 .
(5) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب 11 ح 4 ، التهذيب 7 : 254 / 1095 .
ــ[212]ــ
وحيث إن من المقطوع به أنّ النص رواية واحدة ، وأن سعدان لم يروها للعباس ابن معروف مرة عن الإمام (عليه السلام) مباشرة واُخرى عن رجل عنه (عليه السلام) ، وكذا الحال بالنسبة إلى العباس بالقياس إلى محمد بن علي بن محبوب ومحمد ابن أحمد بن يحيى ، كانت هذه الرواية غير محرزة السند ، لعدم إحراز كونها مسندة لا مرسلة ، فتسقط عن الحجية لا محالة .
على أننا لو فرضنا تمامية هذه الرواية سنداً ، فهي رواية شاذة لا يمكنها معارضة الأخبار الكثيرة جداً بحيث تكاد تبلغ حدّ التواتر، الدالّة على اعتبار رضا الأب في الجملة ـ استقلالاً أو اشتراكاً ـ للجزم بصدورها ولو بعضاً منهم (عليهم السلام) .
ومنها : معتبرة أبي مريم عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «الجارية البكر التي لها الأب لا تتزوج إلاّ بإذن ابيها» وقال : «إذا كانت مالكة لأمرها تزوجت متى ما شاءت» (1) . بدعوى حمل الجملة الاُولى على الصغيرة ، والثانية على البالغة الرشيدة .
إلاّ أن في الاستدلال بها ما لا يخفى . فإن الموضوع فيها ليس هو الجارية فقط ومن غير قيد ، وإنما هو الجارية البكر ، وهو مما يكشف عن وجود خصوصيّة للبكارة . ومن هنا فلا يمكن حمل الجملة الاُولى على خصوص الصغيرة ، وحمل الجملة الثانية على البالغة ، لأنه يستلزم إلغاء خصوصيّة البكارة ، باعتبار أن أمر الصبية بيد أبيها سواء أكانت باكراً أم ثيباً .
وعلى هذا الاساس فلا بدّ من حمل الجملة الثانية : إما على فرض موت الأب ، أو تثيب البنت بعد ذلك .
ومنها : معتبرة عبد الرحمن بن أبي عبدالله عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «تزوّج المرأة من شاءت إذا كانت مالكة لأمرها ، فإن شاءت جعلت وليّاً» (2) .
وفيها : أنه لو سلمنا صحّة حمل قوله (عليه السلام): «مالكة لأمرها» على البالغة فدلالتها على المدعى إنما هي بالاطلاق . ومن هنا فيكون حالها حال الأخبار المطلقة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 3 ح 7 .
(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 3 ح 8 .
ــ[213]ــ
والتفصيل بين الدّوام والإنقطاع بإستقلالها في الأوّل دون الثاني (1) والتشريك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المتقدِّمة ، إنما يصحّ الاستدلال بها لو لم يثبت مخصّص .
هذه هي الأخبار التي يمكن الاستدلال بها على المدعى ، وقد عرفت أنها جميعاً لا تخلو من الضعف في الدلالة ، أو السند ، أو هما معاً .
نعم ، هي موافقة للكتاب وعمومات السنّة ، حيث قد عرفت أن مقتضاها نفوذ العقد مطلقاً ، وعدم ثبوت سلطنة لأحد على غيره . إلاّ أن ذلك لا يكفي في المصير إلى هذا القول ، لو ثبت هناك ما يدلّ على سائر الاقوال .
وقد ظهر لك الحال فيما تقدّم في التعليقة السابقة ، وسنزيد ذلك وضوحاً فيما يأتي إن شاء الله .
(1) تمسكاً بإطلاقات أدلة النكاح المنقطع ، بعد فرض انصراف ما دلّ على اعتبار رضا الأب إلى العقد الدائم .
وفيه ما لا يخفى . فإنّ دعوى الانصراف في غير محلّها ، فإنّ المتعة نوع وقسم من النكاح ، يجري عليها جميع الأحكام الثابتة لعنوان الزواج ، كحرمة الاُم ، أو البنت في فرض الدخول ، وحرمتها هي بالزنا بها وهي ذات البعل ، أو التزوج بها في أثناء العدّة مع الدخول أو العلم بالحال .
على أنه لو سلم ذلك ، ففي المقام معتبرتان تدلاّن على اعتبار إذن الأب في خصوص المتعة ، وهما :
أوّلاً: صحيحة البزنطي عن الرضا (عليه السلام)، قال: «البكر لا تتزوج متعة إلاّ بإذن أبيها»(1).
ثانياً : صحيحة أبي مريم عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «العذراء التي لها أب لا تزوّج متعة إلاّ بإذن أبيها» (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب 11 ح 5 .
(2) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب 11 ح 12 .
ــ[214]ــ
ومن هنا يكون حكم المتعة حكم الزواج الدائم في اعتبار رضا الأب .
نعم ، في خصوص المتعة دلّت روايتان على جوازها من غير إذن الأب فيما إذا اشترطا عدم الدخول ، وهما :
أوّلاً : رواية الحلبي ، قال : سألته عن التمتع من البكر إذا كانت بين أبويها بلا إذن أبويها، قال : «لا بأس ما لم يقتضّ ما هناك لتعفّ بذلك» (1) .
ثانياً : رواية أبي سعيد القماط عمّن رواه ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : جارية بكر بين أبويها تدعوني إلى نفسها سراً من أبويها ، أفعل ذلك ؟ قال : «نعم واتق موضع الفرج» . قال : قلت : فإن رضيت بذلك ؟ قال : «وإن رضيت ، فإنه عار على الأبكار» (2) .
وهاتان الروايتان لو تمتا سنداً فلا محيص عن الالتزام بمضمونهما ، لعدم المعارض لهما ، وبذلك فتكونان مخصصتين لما دل على اعتبار إذن الأب في تزويج البكر .
إلاّ أنهما ضعيفتان سنداً ، ولا تصلحان للاعتماد عليهما .
وذلك أما الثانية فلوقوع محمّد بن سنان في الطريق ، مضافاً إلى إرسالها .
وأمّا الاُولى فقد ذكرها الشيخ بإسناده عن أبي سعيد . وقد ذكر (قدس سره) في (الفهرست) أن أبا سعيد له كتاب الطّهارة ثمّ ذكر طريقه إليه (3) غير أنه لم يذكر أنه من هو بالذات . ومن هنا فتكون الرواية ضعيفة من حيث جهالة أبي سعيد ، على أن طريقه (قدس سره) إليه ضعيف بأبي الفضل .
ثمّ لو فرضنا أن المراد بأبي سعيد هو أبو سعيد القماط ، فلم يعلم طريق الشيخ (قدس سره) إليه . وذلك لأن المعروف من أبي سعيد هو خالد بن سعيد القماط ، وهو وإن كان من الثقات إلاّ أن الشيخ (قدس سره) لم يذكر طريقه إليه بعنوانه ـ ولعلّه غفلة منه (قدس سره) ـ وإنما ذكر طريقه إلى أبي سعيد وقد عرفت ضعفه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب 11 ح 9 .
(2) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب 11 ح 7 .
(3) الفهرست : 184 رقم 823 .
|