ــ[221]ــ
وأمّا إذا ذهبت بالزِّنا أو الشّبهة ففيه إشكال (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال : «نعم ، ليس يكون للولد أمر إلاّ أن تكون امرأة قد دخل بها قبل ذلك ، فتلك لا يجوز نكاحها إلاّ أن تستأمر» (1) في أن المرأة التي لا تحتاج إلى إذن أبيها في صحّة النكاح إنما هي التي دخل بها ، ومن هنا فتكون هذه الرواية شارحة للنصوص الكثيرة الدالة على احتياج البكر إلى إذن أبيها في نكاحها .
وعلى هذا الأساس يظهر صحّة ما أفاده الماتن (قدس سره) ، من أن البكارة إذا ذهبت بغير الوطء فحكمها حكم البكر .
(1) بعد ما عرفت أن المراد بالبكر هي من لم يدخل بها ، يقع الكلام في أنه هل لا يعتبر إذن الأب في نكاح مطلق الثيب ، أو أنه يختص بالتي دخل بها دخولاً شرعياً صحيحاً ؟
مقتضى إطلاق صحيحة علي بن جعفر المتقدِّمة هو الأوّل ، فإنه (عليه السلام) لم يعتبر في اعتبار استثمار المرأة إلاّ الدخول بها من غير تعرض لاعتبار كون ذلك عن زواج صحيح ، إلاّ أن هناك عدة روايات قد يستدلّ بها على الثاني :
منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، أنه قال في المرأة الثيب تخطب إلى نفسها ، قال : «هي أملك بنفسها ، تولي أمرها من شاءت إذا كان كفأً بعد أن يكون قد نكحت رجلاً قبله» (2) .
ومنها : رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الثيب تخطب إلى نفسها ، قال : «نعم ، هي أملك بنفسها ، تولي أمرها من شاءت إذا كانت قد تزوجت زوجاً قبله» (3) وغيرهما من الأخبار .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 9 ح 8 .
(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 3 ح 4 .
(3) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 3 ح 12 .
ــ[222]ــ
ولا يبعد الإلحاق ((1))، بدعوى أن المتبادر من البكر من لم تتزوّج (1) . وعليه فإذا تزوّجت ومات عنها أو طلقها قبل أن يدخل بها ، لا يلحـقها حكم البـكر (2) . ومراعاة الاحتياط أوْلى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلاّ أن الأخبار الواردة بهذا المضمون جميعاً ـ باستثناء صحيحة الحلبي ـ ضعيفة الإسناد ، فإن رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله ضعيفة بالقاسم الذي يروي عن أبان فإنه مشترك بين الثقة وغيره .
وأما صحيحة الحلبي فهي قاصرة من حيث الدلالة ، فإنه (عليه السلام) ليس بصدد بيان القضية الشرطية وإن النكاح معتبر في كونها «أملك بنفسها» وإنما هو (عليه السلام) بصدد تكرار الموضوع المسؤول عنه ـ أعني الثيب ـ بلسان ذكر الوصف الغالب ، باعتبار أن الثيبوبة غالباً ما تكون بالنكاح ، فيكون المعنى أن المرأة أملك بنفسها إذا كانت ثيبة . ومن هنا فلا تكون للرواية دلالة في تقييد الثيبوبة بالتي زالت عذرتها بالدخول بها بالنكاح الصحيح ، بل التقييد بعد الروايات المطلقة وتصريح صحيحة علي بن جعفر باعتبار الدخول خاصة بعيد جدّاً .
(1) ما أفاده (قدس سره) مذكور في رواية واحدة خاصة ، هي رواية إبراهيم بن ميمون عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «إذا كانت الجارية بين أبويها فليس لها مع أبويها أمر ، وإذا كانت قد تزوجت لم يزوجها إلاّ برضا منها» (2) .
إلاّ أنها ـ مضافاً إلى ضعف سندها بإبراهيم بن ميمون ـ مطلقة لا تصلح لمعارضة صحيحة علي بن جعفر المتقدِّمة ، بل المتعين رفع اليد عن إطلاقها ، وحملها على الغالب في الزواج حيث يستتبع الدخول بها .
(2) ظهر الحال فيه ممّا تقدّم .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بل هو بعيد ، ودعوى التبادر لا أساس لها .
(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 9 ح 3 .
ــ[223]ــ
[ 3866 ] مسألة 3 : لا يشترط في ولاية الجدّ حياة الأب ولا موته (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لإطلاقات الأدلّة الدالّة على ولاية الجد في النكاح ، فإنها وإن كان موردها جميعاً فرض وجود الأب ، إلاّ أن المتفاهم العرفي منها ثبوت الولاية لكل من الأب والجدّ على نحو الإطلاق ، ومن دون تقييد ولاية كل منهما بفرض وجود الآخر أو عدمه ، فإنّ مجرّد فرض وجود الأب لا يوجب تقييداً في إطلاق جعل الولاية له .
ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) ، قال : «إذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه ، ولابنه أيضاً أن يزوجها» . فقلت : فإن هوى أبوها رجلاً وجدّها رجلاً ؟ فقال : «الجدّ أولى بنكاحها» (1) . ومن الواضح أن مقتضى إطلاقها كون ولاية الجدّ مطلقة وغير مقيّدة بوجود الأب ، وإن فرض ذلك في فرض وجوده .
ومثلها معتبرة عبيد بن زرارة المتقدِّمة (2) فإن المستفاد منها ثبوت الولاية للجدّ على حدّ ثبوتها للأب ، بل كونها أقوى من ولاية الأب .
ولعل الأوضح منهما دلالة صحيحة علي بن جعفر المتقدِّمة أيضاً (3) المتضمِّنة لتعليل الحكم بكون إنكاح الجد للبنت مقدماً على إنكاح الأب بقوله : «لأنها وأباها للجدّ» إذ من الواضح أنه ليس المراد كون مجموعهما بما هو مجموع للجد ، وإنما المراد كون كل منهما على حدة مستقلاًّ له ، ومقتضى هذا ثبوت الولاية المطلقة على البنت سواء أكان الأب موجوداً أم كان ميتاً .
ثمّ إنه قد يتمسك لإثبات الحكم بالمقام بالاستصحاب ، بدعوى أن الولاية كانت ثابتة للجد في حياة الأب ، فعند الشك في ثبوتها بعده يستصحب بقاؤها .
إلاّ أنه مدفوع بما تقدّم غير مرة ، من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية . على أنه لا يتمّ إلاّ فيما إذا كانت هناك حالة سابقة متيقنة ، فلا يتمّ في مثل ما لو كانت البنت حين موت أبيها حملاً في بطن اُمها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 11 ح 1 .
(2) تقدّمت في ص 217 هـ 1 .
(3) تقدّمت في ص 217 هـ 2 .
ــ[224]ــ
والقول بتوقّف ولايته على بقاء الأب ـ كما اختاره جماعة ـ ضعيف(1). وأضعف منه القول بتوقّفها على موته (2) كما اختاره بعض العامّة . ـــــــــــــــــــــ
(1) نسب القول به إلى جملة من الأصحاب .
واستدل عليه بصحيحة الفضل بن عبد الملك المتقدِّمة عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «إن الجد إذا زوّج ابنة ابنه ، وكان أبوها حياً وكان الجدّ مرضياً جاز»(2) . فإن مقتضى مفهوم الشرط عدم ثبوت الولاية له عند عدم الأب ، وإلاّ لكان الشرط لغواً .
إلاّ أن للمناقشة في ذلك مجالاً. فإنّ الظاهر عدم ثبوت المفهوم لهذا الشرط، وذلك لأن المصرح به في جملة من الروايات المعتبرة ، أنّ المراد بالجواز في المقام هو الجواز على الأب ، بمعنى أنه ليس له معارضة الجد ونقض إنكاحه لها . ومن هنا يكون ذكر الشرطية في هذه الصحيحة من قبيل القضايا التي تساق لبيان وجود الموضوع ، فإنّه إذا لم يكن الأب موجوداً لم يكن موضوع لمعارضة الجد ، وكون ولاية الجدّ نافذةً في حقِّه . وإذا لم يكن للشرطية مفهوم ، كانت المطلقات سالمة عن المعارض والمقيّد .
إذن فالصحيح في المقام هو ما ذهب إليه المشهور واختاره الماتن (قدس سره) ، من ثبوت الولاية للجدّ مطلقاً .
(2) فإنّه باطل جزماً ، لدلالة جملة كبيرة من النصوص على ثبوت الولاية له في حياة الأب ، بل وكون ولايته أقوى من ولاية الأب ، ولذا يتقدم إنكاحه على إنكاح الأب ، ما لم يكن إنكاح الأب أسبق زماناً من إنكاحه . ــــــــــــــــــــــــ
(2) تقدّمت في ص 217 هـ 3 .
|