[ 3867 ] مسألة 4 : لا خيار للصغيرة إذا زوّجها الأب ((1)) أو الجدّ بعد بلوغها ورشدها، بل هو لازم عليها(3).
ــــــــــــــــــــــــــــ (3) ويقتضيه ـ مضافاً إلى اطلاقات ما دلّ على نفوذ عقد الأب والجد ـ خصوص
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا هو المعروف ، بل ادعي فيه عدم الخلاف ، إلاّ أنّ في رواية صحيحة ثبوت الخيار لها وللصغير بعد بلوغهما فيما إذا زوّجهما أبواهما حال الصِّغر ، فالاحتياط في هذه الصورة لا يُترك .
ــ[225]ــ
صحيحة عبدالله بن الصلت، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الجارية الصغيرة يزوّجها أبوها ، لها أمر إذا بلغت ، قال : «لا ، ليس لها مع أبيها أمر» (1) .
وصحيحة علي بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) : أتزّوج الجارية وهي بنت ثلاث سنين ، أو يزوّج الغلام وهو ابن ثلاث سنين ، وما أدنى حدّ ذلك الذي يُزوّجان فيه ، فإذا بلغت الجارية فلم ترض فما حالها ؟ قال : «لا بأس بذلك إذا رضي أبوها أو وليّها» (2) . إلى غيرهما من النصوص التي تكاد تبلغ حد التظافر .
إلاّ أن بأزائها روايتين :
الاُولى : رواية يزيد الكناسي ، قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : متى يجوز للأب أن يزوِّج ابنته ولا يستأمرها ؟ قال : «إذا جازت تسع سنين ، فإن زوّجها قبل بلوغ التسع سنين كان الخيار لها إذا بلغت تسع سنين» (3) .
إلاّ أن هذه الرواية لا يمكن العمل بها من جهة بُعد التفصيل المذكور فيها ، فإنه لا يحتمل ثبوت الخيار للتي زوّجها الأب قبل تسع سنين ، وعدم ثبوته للتي زوّجها بعد ذلك ، مع معارضتها للنصوص الكثيرة الدالة على نفوذ إنكاح الأب ، وأنه ليس لها من الأمر شيء . وفي مقام حلّ المعارضة لا ينبغي الشك في تقدّم تلك عليها .
على أنها ضعيفة السند . فإن المذكور في نسخ التهذيب والاستبصار وإن كان يزيد الكناسي(4) إلاّ أنه لم يثبت توثيقه أيضاً . وذلك لأن النجاشي (قدس سره) ذكر يزيد أبا خالد القماط ووصفه بأنه كوفي ووثّقه(5) . والشيخ (قدس سره) ذكر يزيد الكناسي في كتابه الرجال وأفاد أنه ينتسب إلى كناسة محلة في الكوفة ، من دون أن يذكر له توثيقاً (6) لكنه (قدس سره) لم يتعرض لذكر يزيد أبي خالد القماط لا في الفهرست
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 6 ح 3 .
(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 6 ح 7 .
(3) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 6 ح 9 .
(4) التهذيب 7 : 382 / 1544 ، الاستبصار 3 : 237 / 855 .
(5) رجال النجاشي : 452 رقم 1223 .
(6) رجال الطوسي : 149 رقم 1655 .
ــ[226]ــ
ولا في الرجال ، وهو ممّا يوجب الاطمئنان بأن يزيد الكناسي هو يزيد أبو خالد القماط ، وحينئذ فينفع توثيق النجاشي ليزيد أبي خالد القماط في إثبات وثاقة يزيد الكناسي .
غير أن ذلك معارض بأن البرقي الذي هو أقدم من الشيخ وأعرف منه بالرجال لقرب عهده إلى الرواة ذكر العنوانين معاً ، فقد ترجم يزيد الكناسي ويزيد أبا خالد القماط كلاًّ على حدة (1) وهو إنما يكشف عن عدم اتحاد الرجلين . وعلى هذا الأساس فلا تنفع وثاقة يزيد أبي خالد القماط في إثبات وثاقة يزيد الكناسي .
وعليه فتكون الرواية ساقطة عن الاعتبار سنداً .
الثانية : صحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الصبي يزوّج الصبية ، قال : «إن كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز ، ولكن لهما الخيار إذا أدركا» (2) .
وهي كما ترى واضحة الدلالة بل صريحة الدلالة في عدم لزوم العقد الصادر من الولي ، وثبوت الخيار لهما بعد البلوغ ، فإن حمل الخيار على الطّلاق ـ كما أفاده الشيخ (قدس سره) ـ (3) بعيد غايته ، ولا وجه للمصير إليه .
ومن هنا فهي صالحة لتقييد ما تقدّم من النصوص ، الدالة على نفوذ عقد الأب أو الجد بغير هذا الفرض ، اعني ما لو كان كل من الزوجين صغيراً . إلاّ أنه لم يعلم قائل به من فقهائنا .
وعليه فإن تمّ إجماع على عدم ثبوت الخيار لها فهو ، وبه يتعيّن رفع اليد عن هذه الصحيحة وردّ علمها إلى أهله ، وإلاّ فيتعيّن العمل بها ، حيث قد عرفت مراراً أن إعراض المشهور عن الرواية المعتبرة لا يوجب وهنها وسقوطها عن الحجية .
وحينئذ فلا أقلّ من الالتزام بالاحتياط بالطلاق عند عدم رضاها بالعقد بعد البلوغ .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال البرقي : 32 .
(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 6 ح 8 .
(3) التهذيب 7 : 382 .
ــ[227]ــ
وكذا الصغير على الأقوى (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وهو المشهور والمعروف بين الأصحاب ، ويدلّ عليه جملة من النصوص المعتبرة .
كصحيحة الحلبي ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الغلام له عشر سنين فيزوّجه أبوه في صغره ، أيجوز طلاقه وهو ابن عشر سنين ؟ قال : فقال : «أما تزويجه فهو صحيح ، وأما طلاقه فينبغي أن تحبس امرأته حتى يدرك» (1) .
وصحيحة عبيد بن زرارة ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يزوّج ابنه وهو صغير ، قال : «إن كان لابنه مال فعليه المهر ، وإن لم يكن للابن مال فالأب ضامن المهر ، ضمن أو لم يضمن» (2) . فإن تفصيله (عليه السلام) في المهر دالّ على المفروغية عن صحّة النكاح .
وصحيحة الفضل بن الملك ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يزوّج ابنه وهو صغير ، قال : «لا بأس» (3) . وغيرها من النصوص المعتبرة .
فإن مقتضى إطلاق الصحيحة في هذه النصوص ، هو النفوذ حتى بعد بلوغ الطفل وفسخه للعقد .
ودعوى أن الصحّة لا تنافي عدم اللزوم وثبوت الخيار ، نظراً إلى أن موضوع الخيار هو العقد المحكوم بالصحّة ، إذ لا مجال للبحث عن الخيار في العقد المحكوم بالبطلان .
مدفوعة بأن موضوع الخيار إنما هو نفس الصحّة ، وعدم الخيار مستفاد من إطلاقها لا منها بنفسها، فلا يكون هناك أي محذور .
ثمّ إن هذه النصوص وإن كانت بأجمعها واردة في الأب ، إلاّ أنه لا بدّ من التعدي إلى الجدّ ، وذلك لما ذكرناه في إثبات الولاية للجد على البنت الباكر ، فإنّ تلك الوجوه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 26 كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الأزواج ، ب 11 ح 4 .
(2) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب المهور ، ب 28 ح 1 .
(3) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب المهور ، ب 28 ح 2 .
ــ[228]ــ
والقول بخياره في الفسخ والإمضاء (1) ضعيف .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تأتي بعينها في المقام .
(1) نسب هذا القول إلى الشيخ(1) وابن البراج(2) وابن حمزة(3) وابن إدريس(4) (قدس سرهم) .
وذكر في وجهه ـ مضافاً إلى التمسك بصحيحة محمد بن مسلم وخبر يزيد الكناسي المتقدِّمتين ـ أن الحال في الابن يختلف عن البنت من حيث احتمال تطرّق الضّرر عليهما ، فإنّ الإبن يجب عليه بدل المهر والنفقة دون مقابل ، بخلاف البنت حيث إنها تأخذهما دون أن تخسر شيئاً . ومن هنا لا بدّ من جعل الخيار للابن ، لكي يتمكن من دفع الضرر عن نفسه ، دون البنت حيث إنها ليست بحاجة إليه .
وفيه : أن ما ذكروه لا يرجع إلى محصل ، فإنه وجه اعتباري صرف لا يمكن إثبات الحكم الشرعي به . على أن النكاح وإن كان من الاُمور الاعتبارية ، إلاّ أنه أشبه الاُمور بالمعاوضة . ومن هنا فلا يكون بذل الرجل للمهر والنفقة بأزاء لا شيء ، فإنه إنما يملك الزوجية بأزاء ما يبذله ، كما إن المرأة لا تحصل عليهما بأزاء لا شيء ، فإنها إنما تفقد حريتها وتكون تحت سيطرة الغير وفي حبالته بأزاء ما تقبضه ، فكل منهما يحصل على شيء ويفقد بأزائه شيئاً .
وعليه فإن كان في المقام خيار وجب أن يثبت لهما ، وإن لم يكن فهو غير ثابت لهما أيضاً .
وأمّا خبر يزيد الكناسي ، فقد عرفت الحال فيه فلا نعيد .
نعم ، صحيحة محمد بن مسلم دالّة على ثبوت الخيار ، وبذلك تكون مقيّدة لما تقدّم من المطلقات . إلاّ أنها وكما عرفت تختص بما إذا كان الزوجان معاً صغيرين ، فلا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النهاية : 467 .
(2) المراسم : 148 .
(3) الوسيلة : 300 .
(4) السرائر 2 : 562 و 563 .
ــ[229]ــ
وكذا لا خيار للمجنون بعد إفاقته (1) . ــــــــــــــــــــ
تشمل ما لو زوّج الأب الصغير من المرأة البالغة .
(1) يظهر الحال فيه ممّا تقدّم ، فإنّ مقتضى إطلاق صحّة العقد الصادر من وليِّه ونفوذه ، هو عدم ثبوت الخيار له بعد إفاقته .
|