[ 3875 ] مسألة 12 : للوصي أن يزوِّج المجنون المحتاج إلى الزواج (2) ، بل
ــــــــــــــــــــــــــــ (2) بلا خلاف فيه في الجملة ، وتقتضيه إطلاقات أدلّة نفوذ الوصيّة ، كقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوصيّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقرَبيِنَ بِالْمَعْرُوف حَقّاً عَلَى المُتَّقِينَ * فَمَنْ بدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّ لُونَهُ إِنَّ اللهَ سَميعٌ عَليِمٌ * فَمنْ خَافَ مِن مُوص جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنهُمْ فَلاَ إِثْمَ علَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحيمٌ) (1) .
فإنّ صدرها وإن كان يقتضي نفوذ الوصيّة المالية خاصة بالنسبة إلى خصوص الوالدين والأقربين ، إلاّ أن المستفاد من قوله تعالى : (فَمَن خَافَ مِن مُوص جَنَفاً أَوْ إِثْماً) نفوذها مطلقاً ولزوم العمل بمقتضاها دائماً باستثناء ما خرج ، أعني ما كان فيها جنف أو إثم أو ضرر على الوارث ـ على ما دلّت عليه النصوص ـ فإنه لا يجب العمل بها .
ومن هنا فتكون الآية المباركة شاملة للوصيّة بالمجنون ، فيجب العمل على وفق
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة 2 : 180 ـ 182 .
ــ[244]ــ
الوصيّة ، لأنّ في مخالفتها تبديلاً لها ، فيكون (إِثْمُةُ عَلَى الَّذينَ يُبَدِّ لُونَهُ) .
وتوهّم أنّ الآية المباركة وجميع النصوص الواردة في الاستدلال بها مختصة بالوصيّة المالية ، فلا دليل على نفوذ الوصيّة في نكاح المجنون أو المجنونة .
مدفوع بأنّ صدر الآية الكريمة وإن كان موردها الوصيّة بالمال ، إلاّ أنه غير ضارّ بإطلاق الآية المباركة . على أنه يكفي في إثبات عدم اختصاص نفوذ الوصيّة بالاُمور المالية ، ما دلّ على نفوذ الوصيّة بالمضاربة بمال اليتيم ، مع أنه وصيّة بالاتجار لا المال .
كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، أنه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم ، وأذن عند الوصيّة أن يعمل بالمال وأن يكون الريح بينه وبينهم ، فقال : «لا بأس به من أجل أن أباه قد أذن له في ذلك وهو حي» (1) . وقريب منها خبر خالد الطويل (2) .
فإنّ مقتضى عموم التعليل بقوله (عليه السلام) : «إن أباه قد أذن له في ذلك وهو حي» نفوذ الوصيّة بكل ما كان للأب في حياته .
ويؤيِّد ما ذكرناه ما ورد في تفسير من (بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ)(3) حيث اشتملت جملة منها على الوصي أيضاً ، فإنّ المراد به وبملاحظة مناسبة الحكم والموضوع ، هو من أوصى إليه بالنكاح دون من كان وصياً في إدارة شؤونه العامة .
وبالجملة لا ينبغي الإشكال في نفوذ الوصيّة بالنكاح بالنسبة إلى المجنون .
ثمّ إن الحكم بنفوذ الوصيّة مطلقاً إنما يتم في المقام بناءً على ما اخترناه ، من عدم اختصاص ولاية الأب أو الجد على المجنون بما إذا كان الجنون متصلاً بالصغر . وأما لو قلنا بذلك ، كان اللازم اختصاص نفوذ الوصيّة بذلك الفرض أيضاً وعدم تماميته في الجنون المنفصل ، إذ ليس للأب أو الجد الإيصاء لغيره بما ليس له .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 19 كتاب الوصايا ، ب 92 ح 1 .
(2) الوسائل ، ج 19 كتاب الوصايا ، ب 92 ح 2 .
(3) سورة البقرة 2 : 237 .
ــ[245]ــ
الصّغير أيضاً لكن بشرط نصّ الموصي عليه ((1)) (1) سواء عيّن الزّوجة أو الزّوج أو أطلق . ولا فرق بين أن يكون وصياً من قبل الأب أو من قبل الجدّ ، لكن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أمّا مع النص عليه ، فيقتضيه جميع الوجوه المتقدِّمة في المجنون ، من الآية المباركة ، وصحيحة محمد بن مسلم ، وما ورد فيمن بيده عقدة النِّكاح .
إلاّ أنه قد يستدلّ على عدم النفوذ في المقام بصحيحتين هما :
أوّلاً : صحيحة ابن بزيع ، قال : سأله رجل عن رجل مات وترك أخوين وابنة والبنت صغيرة ، فعمد أحد الأخوين الوصي فزوج الابنة من ابنه ثمّ مات أبو الابن المزوج ، فلما أن مات قال الآخر : أخي لم يزوّج ابنه فزوج الجارية من ابنه ، فقيل للجارية : أيّ الزوجين أحب اليك الأوّل أو الآخر ؟ قالت : الآخر ، ثمّ إنّ الأخ الثاني مات وللأخ الأوّل ابن أكبر من الابن المزوج فقال للجارية : اختاري أيهما أحب إليك الزوج الأوّل أو الزوج الآخر ؟ فقال : «الرواية فيها أنها للزوج الأخير ، وذلك أنها قد كانت أدركت حين زوجها ، وليس لها أن تنقض ما عقدته بعد إدراكها» (2) .
وفيه : أنها أجنبية عن محل الكلام ، إذ لم يفرض فيها كون الوصي وصياً في التزويج فلا تعارض ما تقدّم ، لما عرفت من ورودها ولو بملاحظة مناسبة الحكم والموضوع في التزويج ، بل لا بدّ من حملها على الوصي في غير النكاح كادارة شؤونها العامة ، كما هو الغالب في الوصيّة .
ثانياً : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) ، في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان ؟ قال : «إن كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم» (3) . فإنها وبإطلاقها تدلّ على نفي التوارث فيما إذا زوجهما الوصي ، وعدم التوارث يدلّ على بطلان النكاح .
وفيه : أن المتفاهم العرفي من هذه الصحيحة أنه لا خصوصيّة للأبوين جزماً ، وإنما
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إذا لم ينص الموصي على الزواج ولكن كان للوصي التصرّف في مال الصغير بالبيع والشراء فالاحتياط بالجمع بين إذنه وإذن الحاكم لا يُترك .
(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 8 ح 1 .
(3) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 12 ح 1 .
ــ[246]ــ
ذكرا من جهة أنهما أظهر مصداق للولي ، ولذا يثبت التوارث ـ بلا خلاف ـ فيما إذا زوجهما الجد أو الوكيل باعتبار أن فعله فعل الموكل .
ومن هنا فليس فيها أي دلالة على بطلان العقد الصادر من غير الأبوين، وإنما هي دالّة على اعتبار صدور العقد ممن بيده الأمر ، سواء أكان هو الأب أم غيره .
إذن فلا مناص من الالتزام بنفوذ نكاح الوصي ، فيما إذا كان الأب قد نصّ عليه بالخصوص .
وأما مع عدم النص عليه بخصوصه ، فإن كانت الوصاية أجنبية عن الصغير وخارجة عن شؤونه ، كما لو أوصى لشخص بصرف ثلثه أو تكفينه ودفنه ، فلا ينبغي الإشكال في عدم ثبوت وصاية للوصي على الطفل مطلقاً ، لا في النكاح ولا في غيره إذ لا يحتمل أن يكون هذا مصداقاً للوصي المذكور في عداد من بيده عقدة النكاح .
وإن كانت الوصاية راجعة إلى الطفل ، فإن لم تكن هناك مصلحة ملزمة للزواج ولو لأمر غير الحاجة إليه ، فلا شك في عدم ثبوت الولاية له على النكاح ، لعدم المقتضي له . ولعل صحيحة ابن بزيع المتقدِّمة محمولة على هذه الصورة .
وإن كانت هناك مصلحة ملزمة له كما لو توقف حفظ حياته أو حياتها على التزويج ، فالذي ذهب إليه المشهور واختاره الماتن (قدس سره) ـ كما يأتي التصريح به في المسألة القادمة ـ هو ثبوت الولاية للحاكم الشرعي ، إذ لا دليل على ثبوتها للوصي .
إلاّ أنه مشكل ، باعتبار أنّ ولاية الحاكم لم تثبت بدليل لفظي خاص ، كي يؤخذ بإطلاقه في مثل هذه الصور . فإن التمسك بالنبوي : «السلطان ولي من لا ولي له» أو معتبرة أبي خديجة لإثباتها لا يخلو من إشكال بل منع . فإنّ الأوّل ـ مضافاً إلى كونه رواية نبوية ـ مختص بالسلطان وهو الإمام المعصوم (عليه السلام) ، فلا مجال للتعدي عنه إلى الحاكم . والثاني وارد في الترافع والقضاء ، وإنّ قضاءه نافذ وحكمه لا يجوز نقضه ، فالتعدي عنه إلى مثل الولاية على اليتيم والمجنون يحتاج إلى الدليل .
وإنما هي ثابتة له من باب أنه القدر المتيقن ممن يجوز له التصدي له ، إذ لا احتمال
ــ[247]ــ
بشرط عدم وجود الآخر (1) وإلاّ فالأمر إليه . ـــــــــــــــــــــــ
لثبوتها لغيره دونه ، وإذا كان الأمر كذلك فلا مجال لثبوتها في المقام لاحتمال ثبوتها للوصي ، فإنّ نفس هذا الاحتمال يكفي في نفيها عن الحاكم ، إذ به يخرج عن كونه القدر المتيقن .
وبعبارة اُخرى : إنّ تزويج اليتيم أو المجنون في فرض وجود مصلحة ملزمة لهما لما كان مما لا بدّ من وقوعه خارجاً ، وكان لا بدّ من تصدي شخص معين له ، ثبتت الولاية للحاكم في فرض عدم وجود الوصي ، لكونه هو القدر المتيقن ممن له التصدِّي للتزويج . وأما مع فرض وجود الوصي ، فحيث لا يكون الحاكم هو القدر المتيقن ، فلا مجال للقول بثبوتها له .
وعلى هذا فمقتضى الاحتياط هو الجمع بين رضا الحاكم والوصي ، فإنّ الأمر لا يعدوهما .
ومن هنا يظهر الحال في المجنون ، فإنّ الكلام فيه عين الكلام في الصغير . فإنّ التفاصيل المتقدِّمة من النص على النكـاح وعدمه ، ووجود مصلحة ملزمة وعدمه كلّها آتية فيه أيضاً .
(1) بلا خلاف فيه بينهم ، بل وعليه التسالم .
ويقتضيه قوله تعالى : (فَمَنْ خَافَ مِن مُوص جَنَفاً أَو إِثْماً) فإن مقتضاه عدم نفوذ الوصيّة التي فيها إثم أو جنف ، وحيث إنّ في نفـوذ هذه الوصيّة جنفاً على الولي الآخر ، فلا يثبت .
وبعبارة اُخرى : إنّ وصيّة الولي إنما تنفذ بالنسبة إلى المولى عليه ، فإنه الذي يلزم بما فعله الوصي . وأما بالنسبة إلى الولي الآخر فلا دليل على نفوذها ، بل تقييد ولايته بما إذا لم يسبقه الوصي تعدٍّ عليه وجنف في حقه فلا تنفذ .
|