ــ[249]ــ
[ 3878 ] مسألة 15 : ورد في الأخبار أن إذن البكر سكوتها عند العرض عليها ، وأفتى به العلماء ، لكنها محمولة على ما إذا ظهر رضاها ، وكان سكوتها لحيائها عن النطق بذلك (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبعبارة اُخرى : إنّ الرواية دالّة على وجوب الإعلام واعتباره في صحّة النكاح فلا بدّ من حملها على التقية لذهاب العامة إليه ، ووضوح عدم اعتباره عندنا . وعلى كل تقدير فهي أجنبية عن محل الكلام .
نعم ، لا بأس بإثبات الاستحباب في المقام ، من جهة كون الاستئذان من أظهر مصاديق احترام الأب والجد وتجليلهما ، إلاّ أنه حينئذ لا يختص الحكم بالمذكورين في المتن ، بل يعمّ مثل الاُم والعم بل وكل كبير للاُسرة .
(1) ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) في المقام صوراً : سكوتها مقروناً بقرائن تدلّ على رضاها بالعقد جزماً أو اطمئناناً ، والشك في رضاها مع عدم وجود قرينة تدلّ على رضاها أو عدمه ، وقيام قرينة ظنِّيّة تدلّ على رضاها ، وقيام قرينة تدلّ على عدم رضاها بالعقد جزماً أو اطمئناناً ، وقيام قرينة ظنِّيّة تدل على عدم رضاها به وقـيام القرينتـين معاً . وقد حكم (قدس سره) بالصحّة في الصـور الثلاث الاُولى والبطلان في الثلاث الباقية .
أمّا الصحّة في الاُولى والبطلان في الرابعة فوجههما واضح ، فإنهما خارجتان عن مورد النص بلا إشكال . أما الاُولى فلأنّ العبرة إنما هي بإحراز رضاها كيف اتفق وبأي مبرز كان ، من دون حاجة إلى بيان أن سكوتها رضاها . وأما الثانية فلأنّ السكوت في النصوص منزل منزلة الإذن اللفظي ، في كونه كاشفاً عن الرضا الباطني وأمارة عليه .
ومن هنا فلا يبقى مجال لحمل النصوص على بيان حكم تعبدي ، ولا تكون الرواية شاملة للفرض ، إذ مع العلم بعدم الكشف وعدم رضاها لا أثر للسكوت ، كما لا أثر لإذنها الصريح .
وبعبارة اُخرى : إنّ النصوص إنما دلت على تنزيل السكوت منزلة الإذن اللفظي
ــ[250]ــ
[ 3879 ] مسألة 16 : يشترط في ولاية الأولياء المذكورين البلوغ ، والعقل والحرية ، والإسلام إذا كان المولى عليه مسلماً .
فلا ولاية للصغير والصغيرة على مملوكهما (1) من عبد أو أمة ، بل الولاية حينئذ لوليهما . وكذا مع فساد عقلهما (2) بجنون (3) أو إغماء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في كونه أمارة كاشفة عن الرضا الباطني ، ولم تدلّ على تنزيله منزلة الرضا نفسه ، كي يكون حكماً تعبدياً ويكون له موضوعية ، بحيث يكتفى به حتى مع العلم بعدم الرضا . وحينئذ فحيث إنه مع العلم بعدم الرضا يسقط عن الكاشفية ، فلا وجه للاستناد إليه والاكتفاء به .
وأما التفصيل في باقي الصور فلم يظهر له وجه .
والذي يظهر بالتأمل في هذه النصوص أن السكوت إنما هو منزل منزلة الإذن الذي هو أمارة وكاشف عن الرضا الباطني ، ولذا عرفت خروج فرض الاطمئنان بعدم رضاها قلباً ، ومن هنا تكون حجية السكوت على حدّ حجية الإذن الصريح . وحيث إنه حجة ما لم يعلم عدم رضاها ، يكون الأمر في السكوت كذلك أيضاً ، من غير فرق بين قيام الظن بالوفاق أو الخلاف وعدمه ، فإن الأمارات كاشفة كشفاً نوعياً وحجة بقول مطلق ما لم يحصل العلم بالخلاف ، على ما هو محرر في محلِّه .
(1) بلا خلاف فيه ، للحجر عليهما في التصرف فيما يملكانه ، فتكون الولاية لوليهما لا محالة .
(2) العبارة لا تخلو من قصور ، فإن ظاهرها رجوع الضمير إلى الصغير والصغيرة إلاّ أنه غير مراد جزماً ، فإن الجنون مانع عرضي فلا يكون له أثر مع وجود المانع الذاتي ـ أعني الصغر ـ بل المراد به المالكان الكبير والكبيرة إذا عرض عليهما الجنون كما يشهد له عدم تعرضه (قدس سره) لحكمهما بعد ذلك .
(3) لأنه محجور عليه ، فيكون تصرّفه بمنزلة العدم ، وحينئذ فتنتقل ولايته إلى وليِّه لا محالة .
ــ[251]ــ
أو نحوه ((1)) (1) .
وكذا لا ولاية للأب والجدّ مع جنونهما ونحوه ((2)) (2) . وإن جُنّ أحدهما دون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثمّ كان عليه (قدس سره) أن يذكر اعتبار الرشد ، فإنّ السفيه محجور عليه في التصرّفات المالية أيضاً .
(1) كالسكر .
ثمّ إنّ المراد بنفي الولاية ، إن كان عدم الولاية من باب السالبة بانتفاء الموضوع باعتبار أنّ الولاية عبارة عن التسلط والتمكن من التصرف في ماله أو مال غيره وهو يتوقف على الشعور والادراك ، فهو واضح ، إلاّ أن مقتضاه نفي الولاية عن النائم والغافل أيضاً ، لعدم تمكّنهما من التصرف لعدم الشعور وقصورهما عن التصرّف .
وإن كان عدم الولاية بمعنى سلبها عنهما وانتقالها إلى غيرهما ، كما هو الحال في الصغير والمجنون على ما هو ظاهر العبارة ، فلا يمكن إثباته بدليل . ومن هنا فلو اُغمي على رجل ، لم يكن لأبيه أو الحاكم التصرف في أمواله بالبيع والشراء وغيرهما .
نعم ، لو كانت فترة نومه أو إغمائه طويلة إلى حد لم يتمكن معه من التصرف في ماله ، وكان المال في معرض التلف ، ثبتت الولاية عليه حسبة ، لأنّ مال المسلم محترم ويجب حفظه . إلاّ أنه أجنبي عن انتقال الولاية بالإغماء إلى غيره .
والحاصل أن ما أفاده (قدس سره) من نفي الولاية عن المغمى عليه ومن هو بحكمه وانتقالها إلى غيره ، غير تامّ ولا يمكن إثباته بدليل .
(2) الكلام في هذا الفرع يقع في مقامين :
الأوّل : في ولايتهما على الصغير والصغيرة .
الثاني : في اعتبار إذنهما في نكاح الباكر .
أمّا المقام الأوّل : فلا ينبغي الشك في عدم ثبوتها لهما ، فإنهما إذا كانا محجورين عن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا تنتقل الولاية عن المالك إلى غيره بالإغماء ونحوه .
(2) إذا كان زمان الإغماء ونحوه بل الجنون أيضاً قصيراً فالظاهر أنّ البكر البالغة لا تستقل في أمرها ، بل لا بدّ لها من الانتظار حتّى يفيق أبوها أو جدّها فتستجيز منه .
ــ[252]ــ
الآخر فالولاية للآخر (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التصرّف في أنفسهما وأموالهما ، فهما أولى بالحجر عن التصرف في نفس الغير وماله .
ويؤكِّد ذلك ـ مضافاً إلى انصراف جملة من النصوص الواردة في المقام إلى غير المجنون ـ قوله (عليه السلام) في صحيحة الفضل بن عبد الملك المتقدِّمة: «وكان الجدّ مرضياً» (1) .
وكذا ما ورد في لزوم المهر للأب إذا لم يكن للولد مال(2) فإنها مختصّة بالعاقل لا محالة ، فإن المجنون لا يلزمه شيء ، فلا معنى لكون المهر عليه في حياته ، وخروجه من تركته بعد وفاته .
وأمّا المقام الثاني : فلا إشكال في سقوط الولاية عنهما . وإنما الاشكال في استقلال البكر في تزويج نفسها ، أو وجوب انتظارها إفاقة الأب من جنونه إذا كان أدوارياً أو إغمائه أو سكره ، بناءً على سقوط ولايته في هاتين الحالتين .
الظاهر هو الثاني . فإن جملة من النصوص الواردة في اعتبار إذن الولي، وإن كانت قاصرة الشمول لمثلها باعتبار أنها لا ولي لها ، إلاّ أن بعضها الآخر وهي التي وردت بلسان اعتبار استئذان الأب غير قاصر الشمول لها ، فإن استئذانها منه ممكن وذلك بالانتظار يسيراً حتى يفيق مما هو فيه ، كما هو الحال في سائر موارد الأعذار غير الجنون والإغماء ، كالنوم والحبس وغيرهما .
نعم ، لو كانت المدّة طويلة بحيث يستلزم الانتظار تضرّرها ، فلا بأس بالقول باستقلالها حينئذ ، إلاّ أنه إنما يتمّ في الجنون حيث يمكن فرض كونه أطباقياً دون الإغماء والسكر ، حيث لا يمكن فرض طول المدة فيهما ، فيجب عليها الانتظار لا محالة .
(1) لعموم دليل ولايته السالم عن المعارض .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وسائل الشيعة 20 : 290 كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، باب 11 ثبوت الولاية للجدّ للأب في حياة الأب خاصّة ، الحديث 4 .
(2) وسائل الشيعة 21 : 287 كتاب النكاح ، أبواب المهور ، باب 28 إنّ من زوّج ابنه الصغير وضمن المهر أو لم يكن للإبن مال .
|