ــ[268]ــ
[ 3886 ] مسألة 23 : إذا كان كارهاً حال العقد، إلاّ نه لم يصدر منه ردّ((1)) له (1) فالظاهر صحّته بالإجازة (2) .
نعم ، لو استؤذن فنهى ولم يأذن ، ومع ذلك أوقع الفضولي العقد ، يشكل صحته بالإجازة ، لأنه بمنزلة الردّ بعده . ويحتمل صحته ((2)) (3) بدعوى الفرق بينه وبين الردّ بعد العقد ، فليس بأدون من عقد المكره ، الذي نقول بصحّته إذا لحقه الرضا ، وإن كان لا يخلو ذلك أيضاً من إشكال (4) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بل حتى ولو صدر منه ردّ ، فإنه لا أثر له ، على ما عرفته في المسألة الثامنة عشرة من هذا الفصل .
(2) أما بناءً على ما اخترناه من عدم تأثير الردّ بعد العقد ، فالأمر أوضح ، فإنّ الكراهية قبل العقد لا تزيد عن الردّ اللاحق له .
وأما بناءً على ما ذهب إليه الماتن (قدس سره) من منع الردّ اللاحق عن لحوق الإجازة به ، فالأمر كذلك أيضاً . فإنّ العمدة في الدليل على منع الردّ اللاحق إنما كانت دعوى سلطنة المالك على إسقاط قابلية العقد عن لحوق الإجازة به ، وهي لا تجري في المقام ، لأن الردّ إنما يتوسط بين العقد والإجازة . ومن هنا فقد يقال إنّه يوجب الانقطاع ، وأما مع الكراهة السابقة أو المقارنة فليس هناك ما يوجب الانقطاع ، إذ ليس هناك عقد في حينها . ومن هنا فلو تحققت الإجازة بعد ذلك ، كانت هي ملحقة بالعقد مباشرة .
(3) هذا الاحتمال هو المتعيّن ، إذ يجري فيه ما تقدّم في الفرع السابق بعينه ، فإنه لم يصدر من المالك ما يوجب قطع الإجازة عن العقد ، فإنّ النهي لا يزيد العقد ما كان يقتضيه قبل ذلك من عدم التأثير ، نظراً لكونه فضولياً .
(4) إلاّ أنه ضعيف جداً ، والصحيح هو الالتزام بالصحّة ، على ما هو المشهور
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تقدّم أن الرد لا أثر له .
(2) هذا الاحتمال هو الأظهر ، حتى على القول بكون الرد بعد العقد مانعاً عن الإجازة .
ــ[269]ــ
بينهم . وذلك أما مع مقارنة الرضا للاكراه فالأمر واضح ، لأن التجارة حينئذ تجارة عن تراض والإقدام عليها إقدام مع الرضا ، فإنّه الذي يدعوه نحو الفعل ، والإكراه ليس إلاّ داعياً آخر منضماً إلى الداعي الأوّل .
وأما مع تأخره عنه ، فلأن العقـد حين صدوره لم يكن فاقداً لشيء غير الرضـا فإذا لحقه حكم بصحته .
وما استدل به لبطلان عقد المكره ، من قوله تعالى : (إِلاَّ أَن تكُونَ تجارَةً عَنْ تَرَاض) (1) بناءً على كون المراد بالتراضي هو ما يقابل الإكراه لا ما يقابل القصد وحديث نفي الإكراه ، فغير شامل للمقام .
أمّا الأوّل : فلأن المعلوم أن المراد بالتجارة ليس هو مجرد اللفظ والإنشاء الذي يوجد في الخارج وينعدم ، فإنه ليس إلاّ مبرزاً لها في الخارج ، وإنما المراد بها هو المنشأ والمعتبر في الخارج .
ومن هنا فحيث إنّ للتجارة بهذا المعنى بقاءً واستمراراً ، فلا مانع من القول بعد لحوق الرضا بها أنها تجارة عن تراض .
وأمّا الثاني : فلأن حديث الرفع إنما هو وارد في مقام الامتنان كما هو معلوم ، ومن هنا فلا بدّ في الحكم بالرفع من ملاحظة ما يقتضيه الامتنان ، ولذا لا يحكم بفساد بيع المضطر . وحيث إنه في المقام إنما يقتضي رفع الحكم حدوثاً لا استمراراً وبقاءً ، فلا محالة يختص الرفع به دون البقاء ، لأن رفعه ينافي الامتنان .
والحاصل أنّ الامتنان إنما يكون في رفع الحكم ما دام الإكراه باقياً ، وأما رفعه بعد ارتفاع الإكراه ورضا المكره به فليس فيه أي امتنان عليه . وبذلك يظهر أن صحّة عقد المكره لا تتوقف على الإجازة ، بل يكفي فيها مجرد الرضا الباطني .
ثمّ هل يكفي مجرّد الرضا الباطني للمولى في الحكم بصحّة نكاح العبد ونفوذه ، أم لا ؟
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النساء 4 : 29 .
ــ[270]ــ
[ 3887 ] مسألة 24 : لا يشترط في الفضولي قصد الفضولية (1) ولا الالتفات إلى ذلك . فلو تخيّل كونه ولياً أو وكيلاً واوقع العقد ، فتبين خلافه ، يكون من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اختار شيخنا الأعظم (قدس سره) الأوّل (1) حتى بناءً على القول باعتبار الإذن في نفوذ نكاح الفضولي ، وذلك لما يستفاد من صحيحة زرارة الواردة في نفوذ عقد العبد إذا لحقه إذن المولى ، معلّلاً ذلك بقوله (عليه السلام) : «إنه لم يعص الله ، وإنما عصى سيده ، فإذا أجازه فهو له جائز» (2) من أنّ العبرة في عدم النفوذ إنما هي معصية السيد ، وحيث إن مع الرضا الباطني للمولى وعلم العبد به لا يكون عاصياً له ، يحكم بصحّة عقده من دون حاجة إلى الإجازة .
إلاّ أن ما أفاده (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه . وذلك لأن المستفاد من قوله تعالى : (فَانْكِحُوُهنَّ بإِذْنِ أَهْلِهنَّ) (3) والنصوص الكثيرة ، اعتبار إذن المولى في نفوذ نكاح المملوك ، وعدم كفاية مجرد الرضا الباطني فيه .
وأما الصحيحة المتقدِّمة فالمراد بالعصيان فيها ليس هو العصيان التكليفي ، أعني المخالفة في التكليف وارتكابه المحرم ـ على ما صرح بذلك في بعض النصوص ـ وإنما المراد به صدور العقد عن عدم الإذن ، وتصرف العبد في نفسه من غير إذن المـولى ولذا اعتبر (عليه السلام) في جوازه إجازة المولى ، ولم يقل إذا رضي فهو له جائز .
إذن فالمستفاد من الآية الكريمة والنصوص الكثيرة ـ لا سيما ذيل هذه الصحيحة ـ اعتبار الإذن والإجازة في الحكم بالصحّة ونفوذ العقد ، وعدم كفاية مجرّد الرِّضا الباطني .
ومن هنا فيكون الحال في تزويج العبد من غير إذن مولاه كالحال في نكاح الفضولي ، وإن كان بينهما فرق من حيث انتساب العقد وعدمه .
(1) إذ لا خصوصيّة لعنوان الفضولية كي يعتبر قصده ، فإنّ العبرة إنما هي بالواقع
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر كتاب النكاح 20 : 184 طبع المؤتمر العالمي .
(2) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 24 ح 1 .
(3) سورة النساء 4 : 25 .
ــ[271]ــ
الفضولي (1) ويصحّ بالإجازة (2) . ـــــــــــــــــــ
والملاك في صحّة العقد إنما هو باستناد العقد بالإجازة إلى المجيز ، وأما العاقد فهو أجنبي عنه ، ولا يقوم إلاّ بدور إنشاء العقد والتلفظ بالصيغة .
(1) لعدم انتساب العقد إلى من له الأمر .
(2) لاستناده إليه حينئذ ، فتشمله عمومات الوفاء بالعقد ، ولا أثر لما قصده الفضولي ، بل ربّما يستفاد ذلك من صحيحة أبي عبيدة المتقدِّمة في المسألة الثامنة عشرة من هذا الفصل ، حيث حكم (عليه السلام) بصحّة نكاح الغلام والجارية غير المدركين اللذين زوجهما ولياهما إذا أدركا وأجازا العقد .
حيث إنّ المراد بالولي فيها ليس هو الولي الشرعي جزماً ، فإنه (عليه السلام) قد حكم في ذيلها بنفوذ نكاحهما إذا كان المزوج لهما هو الأب ، وإنما المراد به الولي العرفي كالأخ والعم ، فإن مقتضى إطلاق الحكم بالصحّة حينئذ هو الحكم بالصحّة ، سواء اعتقد العاقد ولايته ونفوذ عقده أم اعتقد كونه فضولياً ، بل لا يبعد أن يكون الغالب في هؤلاء اعتقاد ولايتهم على القصر ونفوذ تصرفاتهم في حقهم .
|