دليل نجاسة الدم 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 10617

 

ــ[1]ــ

    الخامس :  الدم من كل ما له نفس سائلة إنساناً أو غيره ، كبيراً  أو صغيراً  (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  نجاسة الدّم

   (1) نجاسة الدم من المسائل المتسالم عليها عند المسلمين في الجملة ، بل قيل إنها من ضروريات الدين ، ولم يخالف فيها أحد من الفريقين وإن وقع الكلام في بعض خصوصياته كما يأتي عليها الكلام . وليس الوجه في نجاسته قوله عزّ من قائل : (قل لا أجد فيما اُوحي إليَّ محرّماً على طاعم يطعمه إلاّ أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فانّه رجس ) (1) .

   وذلك أما أوّلاً : فلعدم رجوع الضمير في قوله «فانّه» إلى كل واحد مما تقدّمه ، وإنما يرجع إلى خصوص الأخير ، أعني لحم الخنزير .

   وأمّا ثانياً : فلأن الرجس ليس معناه هو النجس وإنما معناه الخبيث والدني المعبّر عنه في الفارسـية بـ  «پليد» لصحة إطلاقه على الأفعـال الدنيئة كما في قوله تعالى : (إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان) (2) . فإنّ الميسر من الأفعـال ولا معـنى لنجاسـة الفعـل . بل الدليـل على نجاسـته في الجملة هو التسـالم القطـعي والنصـوص الواردة في المسـألة  كما تأتي ، فالتكلّم في أصل نجاسـته ممّا لا حاجـة إليه . وحيث إنّ أكثر نصـوص المسألة قد وردت في موارد خاصّـة  كما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأنعام 6 : 145 .

(2) المائدة 5 : 90 .

ــ[2]ــ

في الدم الخارج عند حك البـدن(1) وقلع السن(2) ونتف لحم الجرح(3) ودم القـروح
والجروح(4) ودم الحيض(5) ودم الرّعاف(6) . وغير ذلك من الموارد الخاصة ، فالمهم أن يتكلّم في أنه هل يوجد في شيء من أدلة نجاسته ما  يقتضي بعمومه نجاسة كل دم على الاطلاق حتى يتمسك به عند الشك في بعض أفراده ومصاديقه ، ويحتاج الحكم بطهارته إلى دليل مخرج عنه ، أو أن الحكم بنجاسته يختص بالموارد المتقدمة وغيرها ممّا نصّ على نجاسته ؟

   والأوّل هو الصحيح ويمكن أن يستدل عليه بوجهين :

   أحدهما : ارتكاز نجاسته في أذهان المسلمين على وجه الاطلاق من غير اختصاصه بعصر دون عصر ، لتحققه حتى في عصرهم (عليهم السلام) والخلاف وإن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما ورد في رواية مثنى بن عبدالسلام عن الصادق (عليه السلام) قال «قلت له : إنّي حككت جلدي فخرج منه دم ، فقال : إن اجتمع قدر حمصة فاغسله وإلاّ فلا» الوسائل 3 : 430 / أبواب النجاسات ب 20 ح 5 .

(2) ، (3) علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) «عن الرجل يتحرك بعض أسنانه وهو في الصلاة هل ينزعه ؟ قال : إن كان لا يدميه فلينزعه وإن كان يدميه فلينصرف . وعن الرجل يكون به الثالول أو الجرح هل يصلح له أن يقطع الثالول وهو في صلاته أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه ؟ قال : إن لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس وإن تخوّف أن الدم يسيل فلا يفعله» الوسائل 7 : 284 / أبواب قواطع الصلاة ب 27 ح 1 ،

(4) سماعة بن مهران عن الصادق (عليه السلام) قال : «إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرأ وينقطع الدم» الوسائل 3 : 435 / أبواب النجاسات ب 22 ح 7 .

(5) أبو بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) أو أبي جعفر (عليه السلام) قال : «لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض فان قليله وكثيره في الثوب إن رآه أو لم يره سواء» الوسائل 3 : 432 / أبواب النجاسات ب 21 ح 1 . وعن سورة بن كليب عن أبي عبدالله (عليه السلام) «عن المرأة الحائض أتغسل ثيابها التي لبستها في طمثها ؟ قال : تغسل ما أصاب ثيابها من الدم» الوسائل 3 : 449 / أبواب النجاسات ب 28 ح 1 .

(6) محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن الرجل يأخذه الرعاف والقيء في الصلاة كيف يصنع ؟ قال : ينفتل فيغسل أنفه ...» الوسائل 7 : 238 / أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 4 .

ــ[3]ــ

وقع بين أصحابنا في بعض خصوصيات المسألة إلاّ أن نجاسته في الجملة لعلها كانت مفروغاً عنها عند الرواة ، ولذا تراهم يسألون في رواياتهم عن أحكامه من غير تقييده بشيء ولا تخصيصه بخصوصية ، وكذا أجوبتهم (عليهم السلام) فانهم لم يقيدوا الحكم بنجاسته بفرد دون فرد ، وهذا كما في صحيحة ابن بزيع قال : «كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن البئر تكون في المنزل للوضوء فتقطر فيها قطرات من بول أو دم أو يسقط فيها شيء من عذرة كالبعرة ونحوها ما الذي يطهّرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة ؟ فوقّع (عليه السلام) بخطه في كتابي : ينزح منها دلاء»(1) وموثقة(2) أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه ، وإن هو علم قبل أن يصلّي فنسي وصلّى فيه فعليه الاعادة»(3) وغيرهما من الأخبار .

   والأمر بالنزح في صحيحة ابن بزيع وإن كان استحبابياً لا محالة إلاّ أن السؤال عن تأثير مطلق الدم في البئر مستند إلى ارتكاز نجاسته ، إذ لو لا مغروسيتها في أذهانهم لم يكن وجه للسؤال عن حكمه ، وقد كانوا يسألونهم عن بعض مصاديقه غير الظاهرة كدم البراغيث ونحوه(4) فهذا كله يدلنا على أن نجاسة طبيعي الدم كانت مفروغاً عنها بينهم ، فان النجس لو كان هو بعض أقسامه كان عليهم التقييد في مقام السؤال وقد عرفت أنه لا عين ولا أثر منه في الأخبار المتقدِّمة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 176 / أبواب الماء المطلق ب 14 ح 21 .

(2) هذا ولكن الصحيح أن الرواية ضعيفة لأن في سندها ابن سنان ، والظاهر أنه محمد بن سنان الزاهري بقرينة رواية الحسين بن سعيد عنه ، ولا أقل من تردده بين محمد بن سنان و بين عبدالله ابن سنان . والمظنون وإن كان وثاقة الرجل وقد كنّا نعتمد على رواياته سابقاً إلاّ أن الجزم بها في نهاية الاشكال ، ومن هنا بنينا أخيراً على عدم وثاقته فلا يمكن الركون على رواياته حينئذ .

(3) الوسائل 3 : 476 / أبواب النجاسات ب 40 ح 7 .

(4) ففي صحيحة الحلبي قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنـعه ذلك من الصـلاة فيه ؟ قال : لا ، وإن كثر» الوسائل 3 : 431 / أبواب النجاسات ب  20 ح  7 ، وص 436 ب 23 ح 4 .

ــ[4]ــ

   وثانيهما : إطلاق موثقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سئل عما تشرب منه الحمامة ؟ فقال : كل ما اُكل لحمه فتوضأ من سؤره واشرب ، وعن ماء شرب منه باز ، أو صقر ، أو عقاب ؟ فقال : كل شيء من الطير يتوضأ مما يشرب منه ، إلاّ أن ترى في منقاره دماً ، فان رأيت في منقاره دماً فلا توضأ منه ولا تشرب»(1) لأن الدم الواقع في كلامه (عليه السلام) مطلق فيستكشف من حكمه بعدم جواز الوضوء من الماء في مفروض السؤال ، نجاسة الدم على اطلاقه .

   وقد يقال : الرواية غير واردة لبيان نجاسة الدم حتى يتمسك باطلاقها ، وإنما هي مسوقة لاعطاء ضابط كلي عند الشك في نجاسة شيء وطهارته وأن نجاسة المنقار ومنجسيته للماء القليل تتوقفان على العلم بوجود النجاسة فيه .

   يدفعه : أنها غير واردة لاعطاء الضابطة عند الشك في نجاسة شيء ، لأ نّها تقتضي الحكم بطهارة الماء في مفروض السؤال حتى مع العلم بوجود الدم في منقار الطيور سابقاً من دون أن يرى حال ملاقاته للماء ، مع أن الضابط المذكور يقتضي الحكم بنجاسة الماء حينئذ للعلم بنجاسة المنقار سابقاً .

   فالصحيح أن يقال : إن الرواية إما وردت لبيان عدم تنجس بدن الحيوان بالنجاسات ـ كما هو أحد الأقوال في المسألة ـ ومن هنا حكم (عليه السلام) بطهارة الماء عند عدم رؤية الدم في منقاره ولو مع العلم بوجوده سابقاً لطهارة المنقار على الفرض ، وأما مع مشاهدة الدم في منقاره فنجاسة الماء مستندة إلى عين النجس لا إلى نجاسة المنقار ، وإما أنها مسوقة لبيان طهارة بدن الحيوان بزوال العين عنه وإن كان يتنجس بالملاقاة كما هو المعروف ، وإما أنها واردة لبيان عدم اعتبار استصحاب النجاسة في الحيوانات تخصيصاً في أدلة اعتباره كما ذهب إليه بعض الأعلام .

   وكيف كان فدلالة الرواية على نجاسة الدم غير قابلة للانكار ، ولا نرى مانعاً من التمسك باطلاقها . وليست الرواية من الكبرى المسلمة في محلها من أن الدليل إذا كان بصدد البيان من جهة ولم يكن بصدده من جهة اُخرى لا يمكن التمسك باطلاقها إلاّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 230 / أبواب الأسآر ب 4 ح 2 ، وورد قطعة منها في الوسائل 3 : 527 أبواب النجاسات ب 82 ح 2 .

ــ[5]ــ

من الناحيـة التي وردت لبيانها كما في قوله تعالى : (فكـلوا ممّا أمسـكن ) (1) حيث
يجوز التمسك في الحكم بجواز أكل ما يصيده الصيود وإن مات قبل دركه ، لأنه ورد لبيان أن إمساكه تذكية للصيد وكأنه استثناء من قوله تعالى : (إلاّ ما ذكيتم ) (2) ولا يسوغ التمسك باطلاقه من جهة تنجسه بريق فم الكلب أو بنجاسة اُخرى حتى يحكم بجواز أكله من غير غسل لعدم كونه بصدد البيان من هذه الجهة ، وذلك لأن الموثقة سيقت لبيان نجاسة الدم على جميع المحتملات الثلاثة فيصح التمسّك باطلاقه ، ويكفينا ذلك في الحكم بنجاسته وإن لم يكن في البين دليل آخر ، لأنّ عدم جواز التوضؤ من الماء في مفروض الرواية يكشف عن عدم طهارة الدم المشاهد في منقار الطائر .

   بل يمكن أن يقال : إن الشارع جعل الدم في منقاره أمارة كاشفة عن أنه من الدماء النجسة وإلاّ لم يكن وجه للحكم بعدم جواز التوضؤ من الماء ، لأن الدم على قسمين : طاهر ونجس فمن أين علمنا أن الدم في منقار الطائر من القسم النجس ، وحيث إن الشبهة موضوعية فلا بدّ من الحكم بطهارته ، إلاّ أن الشارع جعل وجوده في منقاره أمارة على نجاسته ولو من باب الغلبة ، لأن جوارح الطيور كثيرة الاُنس بالجيف .

   والمتحصِّل أنّ الموثقة تقتضي الحكم بنجاسة الدم مطلقاً ، سواء كان من الدم المسفوح أم من المتخلف في الذبيحـة وسـواء كان مما له نفس سائلة أم كان من غيره إلاّ أن يقوم دليل على طهارته وخروجه عن إطلاق الموثقة كما يأتي في الدم المتخلف في الذبيحة ودم ما لا نفس له .

   ودعوى : أن الرواية تختص بدم الميتة لأنه الذي يتلوث به منقار الطيور الجارحة دون غيره ، غير مسموعة لأنا وإن سلّمنا غلبة ذلك إلاّ أن اختصاصه مسلّم العدم لجواز أن يتلوّث بدم مثل السمك أو غيره مما لا نفس له أو بدم المتخلف في الذبيحة أو الصيد الذي أمسكه الصيود . فالموثقة باقية على إطلاقها ، ولا يمكن حملها على صورة العلم بمنشأ الدم المشاهد في منقار الطيور والحكم بنجاسته فيما إذا علم أنه مما له نفس سائلة أو من الدم المسفوح لأنه حمل لها على مورد نادر، إذ الغالب عدم العلم بمنشأه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 4 .

(2) المائدة 5 : 3 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net