[ 3908 ] مسألة 10 : يشترط في الموصي اُمور :
الأوّل: البلوغ، فلا تصحّ وصيّة غير البالغ(1). نعم، الأقوى ـ وفاقاً للمشهور ـ صحّة وصيّة البالغ عشراً إذا كان عاقلاً، في وجوه المعروف للأرحام أو غيرهم((1)) (2) لجملة من الأخبار المعتبرة (3) خلافاً لابن إدريس ، وتبعه جماعة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه الوصيّة لولد الميت خاصة بعد أن كان السؤال عن حجيتها لمطلق الوارث ، ومفهوم ذلك عدم حجيتها لدى غيرهم ، وهذا التفصيل ممّا لم يقل به أحد ولا يمكن الالتزام به ، فلا بدّ من رفع اليد عنها .
إذن فالصحيح في الحكم هو التمسك بإطلاقات أدلة نفوذ الوصيّة ولزومها .
(1) في الجملة إجماعاً .
(2) في نفوذ وصيّته لغير الأرحام إشكال يأتي عند استعراض النصوص ، فلاحظ .
(3) منها معتبرة عبد الرحمن بن أبي عبدالله عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال : «إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيّته» (2) .
ومعتبرة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «إذا أتى على الغلام عشر سنين ، فإنه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدق أو أوصى على حدّ معروف وحقّ فهو جائز» (3) .
ومعتبرة عبد الرحمن بن أبي عبدالله عن أبي عبدالله (عليه السلام) أيضاً ، قال : «إذا بلغ الصبي خمسة أشبار اُكلت ذبيحته ، وإذا بلغ عشر سنين جازت وصيّته»(4) .
ومعتبرة أبي أيوب عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الغلام ابن عشر سنين يوصي قال : «إذا أصاب موضع الوصيّة جازت» (5) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صحّة وصيّته للغرباء محل إشكال .
(2) ، (2) ، (3) الوسائل ، ج 19 كتاب الوصايا ، ب 44 ح 3 ـ 7 .
(5) الوسائل ، ج 19 كتاب الوصايا ، ب 44 ح 3 ـ 7 .
ــ[335]ــ
ومعتبرة منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن وصيّة الغلام ، هل تجوز ؟ قال : «إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيّته» (1) .
إلى غير ذلك من النصوص المعتبرة سنداً والبالغة حدّ الاستفاضة ، الدالّة على نفوذ وصيّة الصبي إذا بلغ عشر سنين صريحاً .
ودعوى منافاتها لما دلّ على اعتبار العقل ، كمعتبرة جميل بن دراج ( عن محمّد بن مسلم ـ على ما في التهذيب ـ ) عن أحدهما (عليهما السلام) ، قال : «يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل وصدقته ووصيّته وإن لم يحتلم» (2) حيث إنها جعلت العبرة في نفوذ الوصيّة العقل دون البلوغ عشر سنين .
مدفوعة بأن العقل معتبر لا محالة وعلى كل تقدير ، سواء أوَرد ذكره في النص أم لم يرد ، فإنه معتبر في الموصي البالغ فضلاً عن الصبي الذي لم يبلغ الحلم . ومن هنا فلا يكون ذكره قيداً زائداً ، ومن ثمّ فلا يكون المقام من اختلاف الشرطيتين .
نعم ، هذه الرواية تخالف تلك النصوص من حيث إطلاقها لعدم البلوغ ، فتشمل حتى الذي لم يبلغ عشر سنين ، إلاّ أن من الواضح لزوم تقييد إطلاقها بتلك ، على ما تقتضيه قواعد الجمع بين المطلق والمقيد .
هذا ولكن دلّ بعض النصوص على نفوذ وصيّة الصبي إذا بلغ ثمان سنوات . ففي رواية الحسن بن راشد عن العسكري (عليه السلام) ، قال : «إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله ، وقد وجب عليه الفرائض والحدود ، وإذا تمّ للجارية سبع سنين فكذلك» (3) . وقد ذهب إليه ابن الجنيد (قدس سره) (4) .
إلاّ أن هذه الرواية لا يمكن الاعتماد عليها ، وذلك لما اتفقت عليه نسخ الرواية في المصادر على نقلها عن علي بن الحسن بن فضال عن العبدي عن الحسن بن راشد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 19 كتاب الوصايا ، ب 44 ح 3 ـ 7 .
(2) الوسائل ، ج 19 كتاب الوقوف والصدقات ، ب 15 ح 2 ، التهذيب 9 : 182 / 733 .
(3) الوسائل ، ج 19 كتاب الوقوف والصدقات ، ب 15 ح 4 .
(4) انظر فتاوي ابن الجنيد : 238 ـ 244 .
ــ[336]ــ
حيث إن العبدي مجهول ولا يعلم من هو ، لعدم ورود ذكر له في كتب الرجال على الإطلاق .
نعم ، من المحتمل أن تكون النسخ جميعاً مغلوطة نتيجة للسهو في النسخة الأصلية ، وإن الصحيح هو العبيدي الذي هو محمد بن عيسى بن عبيد ، بقرينة رواية علي بن الحسن بن فضال عنه كثيراً ، وروايته عن الحسن بن راشد كذلك . فالرواية تكون معتبرة ، فإن العبيدي ثقة ، بل قال ابن نوح : (من مثل العبيدي) وإن ناقش فيه ابن الوليد ، إلاّ أننا ذكرنا في معجمنا أن الرجل ثقة (1) .
لكن ذلك كلّه لا ينفع في التمسك بهذه الرواية والاستدلال بها . وذلك لأنها غير واردة في الوصيّة بخصوصها ، وإنما هي دالّة على جواز أمره مطلقاً ونفوذ جميع تصرفاته عند بلوغه ثماني سنين ، وهي بهذا تخالف جميع النصوص ـ الموافقة للكتاب ـ الدالّة على الحجر عليه ورفع القلم عنه، وعدم مؤاخذته بشيء من أفعاله أو أقواله ما لم يبلغ . فلا بدّ من طرحها ورفع اليد عنها ، حتى على تقدير تماميتها سنداً .
ثمّ إنّ هذه النصوص لا تنافيها صحيحة أبي بصير المرادي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، أنه قال : «إذا بلغ الغلام عشر سنين وأوصى بثلث ماله في حق جازت وصيّته ، وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حق جازت وصيّته» (2) .
حيث تضمّنت التفصيل بين الغلام إذا بلغ عشر سنين فتنفذ وصيّته بقدر ثلثه، وبين ما إذا بلغ سبع سنين حيث تنفذ في اليسير من ماله ، فإنها غير مخالفة لما تقدّم بقدر مدلول تلك النصوص .
نعم ، هي تضمنت نفوذ وصيّة من بلغ سبع سنين في اليسير من ماله . وهذا إن لم يتم اجماع على خلافه فهو ، وإلاّ كما هو الظاهر فلا بدّ من رفع اليد عنها ورد علمها إلى أهله .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) معجم رجال الحديث 17 : 110 رقم 11508 .
(2) الوسائل ، ج 19 كتاب الوصايا ، ب 44 ح 2 .
ــ[337]ــ
الثاني: العقل، فلا تصحّ وصيّة المجنون(1). نعم، تصحّ وصيّة الأدواري منه إذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومنه يظهر الحال في صحيحة محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «إن الغلام إذا حضره الموت فأوصى ولم يدرك، جازت وصيّته لذوي الأرحام ولم تجز للغرباء» (1) .
فإن الحال فيها هو الحال في معتبرة أبي بصير المتقدِّمة . فإن تمّ إجماع على عدم التفصيل فلا بدّ من طرحها ، كما يظهر ذلك من ذهاب المشهور إلى عدم الفرق ، وإلاّ كما هو الظاهر فلا بدّ من تقييد إطلاق ما دلّ على نفوذ وصيّة الصبي إذا بلغ عشراً .
وبعبارة اُخرى نقول : إن النسبة بين صحيحة محمد بن مسلم وبين ما دلّ على نفوذ وصيّة الغلام إذا بلغ عشراً ، إنما هي العموم والخصوص من وجه ، فهما قد يجتمعان وقد يفترقان . فيجتمعان في وصيّة الغلام البالغ عشراً لأرحامه . ويفترقان في موردين : وصيّة البالغ عشراً لغير أرحامه ، ووصيّة من لم يبلغ عشراً لأرحامه . حيث إن مقتضى ما دل على نفوذ وصيّة البالغ عشراً هو صحّة الأوّل وفساد الثاني ، في حين إن مقتضى صحيحة محمّد بن مسلم هو العكس فيهما . وحينئذ فمقتضى القواعد هو التساقط ، والرجوع إلى عموم ما دلّ على حجر الصبي وعدم نفوذ تصرّفاته ما لم يحتلم .
فما أفاده الماتن (قدس سره) وفاقاً للمشهور ، لا يمكن المساعدة عليه ، لأن القدر المتيقن من نفوذ وصيّة الصبي هو ما إذا بلغ عشراً وكانت وصيّته للأرحام . اللّهمّ إلاّ أن يثبت إجماع على عدم الفرق ، لكنه غير ثابت .
(1) لرفع القلم عنه فلا أثر لتصرفاته ، ولا تثبت له الكتابة في قوله تعالى : (كُتِبَ عَليْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمُ الْمَوتُ) (2) . وكذا النصوص الواردة في المقام .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 19 كتاب الوصايا ، ب 44 ح 1 .
(2) سورة البقرة 2 : 180 .
ــ[338]ــ
كانت في دور إفاقته(1). وكذا لا تصحّ وصيّة السكران حال سكره(2). ولا يعتبر استمرار العقل ، فلو أوصى ثمّ جن، لم تبطل (3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لتمامية الشرط في حقه .
(2) إذا بلغ حد فقد العقل وسلب الإدراك والشعور ، فإنّه يلحق حينئذ بالمجنون وإلاّ فلا دليل على اعتبار عدمه ، لأن الدليل منحصر في إلحاقه بالمجنون وهو ليس كذلك .
(3) كما هو مقتضى صريح كلماتهم وحكمهم بصحّة وصيّة المجنون الأدواري في حال إفاقته .
ودعوى أن الوصيّة من العقود الجائزة ، وهي تبطل بالجنون المتأخر ما لم يدلّ دليل على عدمه ، وهو مفقود في المقام .
مدفوعة بأنها من الدعاوي التي لم يقم عليها دليل .
نعم ، هي ثابته في موردين : أحدهما من العقود ، والآخر ليس منها .
فالأوّل : الوكالة ، حيث إن الوكيل إنما يجوز له التصرّف فيما جاز للموكل التصرّف فيه ، فإذا لم يكن للموكل ذلك للحجر عليه ، لم يكن للوكيل أيضاً . وهذا يعني بطلان الوكالة ، وهل هو على الإطلاق ، أو أنها تعود بعد ارتفاع الجنون ؟ فيه كلام يأتي في محلِّه .
والثاني : الإباحة والإذن ، حيث يبطلان بالجنون المتأخر بلا إشكال ، باعتبار أنها شرط معتبر في كل تصرّف حيث لا بدّ من كونها مقارناً له ، وهي لا تصحّ من المجنون . إلاّ أنها ليست من العقود .
وكيف كان ، فثبوت هذه القضية في مورد من العقود ، لا يقتضي ثبوتها وعمومها لكل العقود الجائزة. ومن هنا فلا مجال للحكم بالبطلان في المقام عند طرو الجنون للموصي بعد الحكم بصحتها.
ــ[339]ــ
كما أنه لو اُغمي عليه (1) أو سكر لا تبطل وصيّته . فاعتبار العقل إنما هو حال إنشاء الوصيّة . ــــــــــــــــــــــ
(1) يظهر الحال فيه مما تقدّم في الجنون ، بناءً على إلحاقه به لا بالنوم .
|