الثالث : الاختيار (2) .
الرابع : الرّشد ((1))، فلا تصحّ وصيّة السفيه (3) وإن كانت بالمعروف ، سواء كانت قبل حجر الحاكم أو بعده . وأمّا المفلس فلا مانع من وصيّته وإن كانت بعد
ـــــــــــــــــــــــــــ (2) إجماعاً ، ولرفع القلم عن المكره . حيث قد عرفت في بعض الأبحاث السابقة أن ظاهر الرفع ارتفاع كل ما يترتب على العمل من الآثار ، سواء في ذلك الكفارة والحدّ وغيرهما ، فيفرض ذلك الإنشاء كالعدم ولا يترتب عليه أثر . ومن هنا فيكون دليل الرفع حاكماً على ما دلّ على ثبوت شيء وترتبه على ذلك الفعل .
ولا موجب لدعوى اختصاصه بالمؤاخذة خاصة ، فإنها دعوى بلا دليل ، بل يشهد لبطلانها صحيحة البزنطي عن أبي الحسن (عليه السلام) في الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك ، أيلزمه ذلك ؟ فقال (عليه السلام) : «لا ، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : وضع عن اُمتي ما اُكرهوا عليه ، وما لم يطيقوا ، وما أخطأوا» (2) .
فإنّ استشهاده (عليه السلام) بنفي الإكراه في المقام ، دليل على عدم اختصاصه بنفي المؤاخذة .
(3) اختاره العلامة (قدس سره) (3) وجملة من الأصحاب . وكأنّ الوجه فيه إطلاق ما دلّ على الحجر على السفيه وأنه لا يجوز أمره ، فإنّ مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين ما إذا كانت بالمعروف وعدمه ، وبين ما إذا حكم الحاكم بحجره وعدمه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في اعتباره إشكال ، والإحتياط لا يُترك .
(2) الوسائل ، ج 23 كتاب الأيمان ، ب 12 ح 12 .
(3) انظر مختلف الشيعة 6 : 363 مسألة 141 .
ــ[340]ــ
لكن عن جامع المقاصد أنّ المشهور بين الأصحاب جواز وصيّة السفيه في البر والمعروف (1) .
والصحيح أن أدلة الحجر قاصرة الشمول لوصيّة السفيه . أما الآية الكريمة : (فإِنْ آنَسْتُم مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) (2) فهي ناظرة إلى دفع أموالهم إليهم ليتصرفوا فيها كيف يشاؤون ، فهي منصرفة عن الوصيّة ولا تنظر إليها . ولا يبعد دعوى ذلك في نصوص الحجر أيضاً .
ولعل الوجه فيه أن هذا الجعل (الحجر) إنما هو لمصلحة السفيه ومراعاة حفظ أمواله ، وإلاّ فهو مالك له بلا إشكال ، فيختص بتصرفاته فيها حال حياته حيث تكون الأموال مملوكة له ، ولا تشمل بعد مماته لأنها تنتقل عنه إلى غيره لا محـالة وبناءً على صحّة وصيّته تنتقل إلى الموصى له في الوصيّة التمليكية ، وتبقى في ملكه في العهدية . ومن هنا لا يكون في الحجر عليه من هذه الجهة أي امتنان عليه ، بل يكون هو خلاف الامتنان في حقه .
ويؤيده معتبرة أبي الحسين الخادم بياع اللؤلؤ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سأله أبي ـ وأنا حاضر ـ عن اليتيم متى يجوز أمره ؟ قال : «حتى يبلغ أشده» . قال : وما أشده ؟ قال : «احتلامه» . قال : قلت : قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة أو أقل أو أكثر ولم يحتلم ؟ قال : «إذا بلغ وكتب عليه الشيء جاز أمره ، إلاّ أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً» (3) .
فإنها ظاهرة في اختصاص الحجر على السفيه بما يكون عليه ، فلا يشمل ما لا يكون كذلك ، والوصيّة منها كما عرفت . ولذا يصح قبوله للوصيّة له ـ بلا خلاف فيه فيما نعلم ـ وإن كان المال لا يدفع إليه .
كما يؤيِّده معتبرة محمّد بن مسلم ـ كما في التهذيب ـ عن أحدهما (عليهما السلام)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جامع المقاصد 10 : 33 .
(2) سورة النساء 4 : 6 .
(3) الوسائل ، ج 18 كتاب الحجر ، ب 2 ح 5 .
ــ[341]ــ
حجر الحاكم ، لعدم الضرر بها على الغرماء (1) لتقدّم الدَّين على الوصيّة . ـــــــــــــــــــــــ
قال : «يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل وصدقته ووصيّته وإن لم يحتلم»(1) . فإنّ ظاهرها كون العبرة في النفوذ بالعقل خاصة ، ومن غير اعتبار للرشد .
إذن فما نسب إلى المشهور من نفوذ وصيّة السفيه هو الصحيح .
ثمّ إن مقتضى ما تقدّم عدم الفرق بين وصيّته بالمعروف ـ أي ما يكون راجحاً شرعاً ـ وغيره ، فتنفذ وصيّته وإن تعلّقت بالمباح .
نعم ، لا تصحّ الوصيّة بما يخالف الكتاب والسنة ، إلاّ أنه لا يختص بالسفيه .
(1) واختصاص الحجر عليه بالتصرف المزاحم لحقهم ، فحاله حال من أوصى وعليه ديون مستوعبة لجميع أمواله وبعد لم يحجر عليه . ــــــــــــــــ
(1) تقدّمت في ص 335 هـ 2 .
|