الخامس : الحرِّيّة، فلا تصحّ وصيّة المملوك، بناءً على عدم ملكه وإن أجاز مولاه(2). وكذا بناءً على ما هو الأقوى من ملكه ، لعموم أدلّة الحجر (3) ، وقوله
ــــــــــــــــــــــــــ (2) حيث لا تكون من الوصيّة الفضولية كي تصحّ بإذن مولاه ، لأنها إنما تكون فضولية فيما لو علق التمليك على وفاة المولى . وأما إذا علقه على وفاته هو كما هو المفروض ، فلا تصحّ حتى مع إجازة المولى ، إذ لا يصحّ تعليق الملكية على وفاة غير المالك .
(3) كقوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثلاً عَبْداً مَملُوكاً لاَ يَقْدِرُ عَلى شَيء) (2) .
وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال في المملوك : «ما دام عبداً فإنه وماله لأهله ، لا يجوز له تحرير ولا كثير عطاء ولا وصيّة ، إلاّ أن يشاء سيِّده» (3) .
ــــــــــــ (2) سورة النحل 16 : 75 .
(3) الوسائل ، ج 19 كتاب الوصايا ، ب 78 ح 1 .
ــ[342]ــ
(عليه السلام) : «لا وصيّة لمملوك» (1) بناءً على إرادة نفي وصيّته لغيره (2) لا نفي الوصيّة له . نعم ، لو أجاز مولاه صحّ (3) على البناء المذكور .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا كلّه مضافاً إلى ما دلّ على نفوذ وصيّة المكاتب بحساب ما أعتق منه كصحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في مكاتب قضى بعض ما كوتب عليه ، أن يجاز من وصيّته بحساب ما اُعتق منه . وقضى في مكاتب قضى نصف ما عليه فأوصى بوصيّة ، فأجاز نصف الوصيّة . وقضى في مكاتب قضى ثلث ما عليه فأوصى بوصيّة ، فأجاز ثلث الوصيّة» (1) فإنها تدلّ على عدم نفوذ وصيّة العبد .
(1) رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن علي بن حديد ، عن جميل بن دراج ، عن أحدهما (عليهما السلام) (2) .
وقد رده صاحب الجواهر (قدس سره) لضعف سنده بعلي بن حديد (3) . لكن ناقش فيه بعضهم بأنّ الأظهر وثاقته ، لكننا لا نعلم له وجهاً ، فإنه لم يرد في شي من النصوص مدحه فضلاً عن توثيقه ، إلاّ روايتين هما ضعيفتا السند ، فلا تصلحان للاعتماد عليهما . نعم ، ورد ذكره في أسناد كامل الزيارات وتفسير علي بن إبراهيم . فعلى ما اخترناه من وثاقة كل من يقع في أسنادهما فلا بأس بتوثيقه ، لولا أن الشيخ (قدس سره) قد ذكر في مواضع من كتابيه أنه ضعيف جداً (4) فإنه يمنع من الحكم بوثاقته .
(2) أي بمعنى كون إضافته إضافة إلى الفاعل كما هو الظاهر ، لا إضافة إلى المفعول .
(3) كما صرّحت به صحيحة محمّد بن قيس المتقدِّمة .
وكذا الحال فيما لو أوصى من دون إجازة المولى ثمّ أمضاها السيد ، حيث يشملها
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 19 كتاب الوصايا ، 81 ح 1 .
(2) الوسائل ، ج 19 كتاب الوصايا ، ب 78 ح 2 .
(3) الجواهر .
(4) راجع التهذيب 9 : 169 / 688 .
ــ[343]ــ
ولو أوصى بماله ثمّ انعتق وكان المال باقياً في يده صحّت (1) على إشكال((1)) (2). نعم ، لو علّقها على الحرِّيّة ، فالأقوى صحّتها (3) . ولا يضرّ التعليق المفروض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعليله (عليه السلام) في صحيحة زرارة الواردة في نكاح العبد من دون إذن مولاه من : «أنه لم يعص الله ، وإنما عصى سيِّده ، فإذا أجازه جاز»(2) فإن مقتضى عموم التعليل عدم اختصاص الحكم بالنكاح . وحينئذ فيحكم بالصحّة فيما نحن فيه أيضاً ، ونتيجة ذلك هو القول بأن الإجازة المعتبرة أعمّ من الحدوث والبقاء ، بمعنى أن المصحِّح للعقد هو الأعمّ من الإذن السابق والإجازة اللاّحقة .
(1) وكأنّ الوجه فيها هو زوال المانع ، بعد عدم الدليل على مانعية الرقية على الإطلاق والبطلان إلى الأبد ، إذ الدليل يختص بما دام رقاً .
(2) قوي جداً ، لأن مقتضى إطلاقات أدلّة اعتبار الحرية وعدم نفوذ وصيّة العبد إلاّ بإذن مولاه أو إمضائه كصحيحة محمد بن قيس ، عدم الفرق في البطلان بين تحرره وبقائه على الرقية ، فتكون كوصيّة الصبي قبل بلوغه عشراً ، فإنها حين وقوعها لم تكن محكومة بالصحّة ، فالحكم بصحّتها بعد ذلك يحتاج إلى الدليل وهو مفقود ، بل مقتضى إطلاق صحيحة محمّد بن قيس عدم تأثير الحرية المتأخرة في نفوذها .
نعم ، لو أمضاها بعد حريته حكم بصحّتها ، نظراً إلى أن إمضاءها لها بمنزلة وصيّة جديدة .
(3) بل الأقوى فسادها ، لأن المراد بالتعليق إن كان هو ما يكون على نحو الشرط المتأخر ، بمعنى كون الوصيّة فعلية وكون المعلق عليه أمراً متأخراً ، فلا حاجة في إثبات بطلانها إلى دعوى أن التعليق يقتضي البطلان ، فإنه وإن لم نقل بذلك فإنّ الروايات الواردة في المقام كصحيحة محمد بن قيس تكفينا في الحكم ببطلانها ، إذ أن المستثنى فيها إنما هو خصوص فرض مشيئة السيِّد ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الوصيّة المعلقة وغيرها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإشكال قوي فيه وفيما بعده ، نعم إذا أجازها بعد العتق صحّت وإن لم يجزها المولى .
(2) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 24 ح 1 .
ــ[344]ــ
كما لا يضرّ إذا قال : هذا لزيد إن متّ في سفري (1) . ولو أوصى بدفنه في مكان خاصّ لا يحتاج إلى صرف مال ، فالأقوى الصحّة (2) . وكذا ما كان من هذا القبيل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإن كان هو ما يكون من قبيل الشرط المقارن ، بأن ينشئ العبد من الآن الوصيّة المتأخرة عن حريته ، بحيث لا يكون بالفعل غير الإنشاء وأما المنشأ فظرفه هو الزمان الآتي ، فمثل صحيحة محمد بن قيس وإن لم يقتض بطلانها حيث إن المنع والحجر إنما يتعلقان بنفس المنشأ دون اللفظ والصيغة ، فإنه لا دليل على حجره بالنسبة إليهما أيضاً ، إلاّ أن مثل هذا التعليق مبطل جزماً بل هو القدر المتيقن من التعليق المبطل . ولا يقاس ذلك بتقييد الموصى له بكونه عالماً أو خيراً ، على ما سيأتي توضيحه .
إذن فالصحيح بطلان مثل هذه الوصيّة من العبد ، سواء أكان التعليق من قبيل الشرط المتأخر أم كان من قبيل الشرط المقارن ، ما لم ينشئ وصيّة جديدة بعد العتق ولو بإمضائه للوصيّة الاُولى .
(1) ما أفاده (قدس سره) يعد من غرائب ما صدر منه رحمه الله . فإنّ التعليق على الموت مقوم لعنوان الوصيّة ، سواء أكان تعليقاً على مطلق الموت وطبيعيه أم كان تعليقاً على موت خاصّ ، فلا يقاس على التعليق على الحرية .
ودعوى أنه لا دليل على بطلان الوصيّة بالتعليق ، فإنها لا تقاس بسائر العقود ، إذ لا مانع من تعليقها على كون الموصى لهم طلبة أو متدينين أو سكنة مدينة معينة .
مدفـوعة بأنها أيضاً من غرائب الكلام . فإن التقييد ليس من التعليق في الوصيّة بل هي مطلقة وغير معلّقة على شيء ، غاية الأمر أن الموصى له قد يكون مطلقاً وقد يكون مقيداً بصنف أو نوع معيّن ، فالتقييد إنما يكون في الموضوع خاصّة . وهذا بخلاف ما نحن فيه ، حيث إن تقييد الوصيّة بالحرية يرجع إلى تعليقها عليها ، بمعنى أنه إن كان حرّاً فقد أوصى ، وإن لم يكن كذلك فهو لم يوص .
(2) لم يظهر لنا وجه أقوائية الصحّة .
ــ[345]ــ
السادس : أن لا يكون قاتل نفسه ، بأن أوصى بعد ما أحدث في نفسه ما يوجب هلاكه ، من جرح أو شرب سمّ أو نحو ذلك ، فإنّها لا تصحّ ـ وصيّته ـ على المشهور(1) المدَّعى عليه الإجماع ، للنصّ الصحيح الصريح (2) خلافاً لابن إدريس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإنّ إطلاقات الحجر محكمة وشاملة للمقام ، كقوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَملُوكاً لاَ يَقْدِرُ عَلى شَيء) (1) فإنّ الوصيّة «شيء» . كما يشهد له استشهاد الامام (عليه السلام) في صحيحة زرارة لبطلان طلاق العبد بالآية الكريمة (2) .
وصحيحة محمد بن قيس المتقدِّمة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال في المملوك: «ما دام عبداً فإنه وماله لأهله ، لا يجوز له تحرير ولا كثير عطاء ولا وصيّة ، إلاّ أن يشاء سيده» (3) .
فإنّ مقتضى إطلاق نفي نفوذها من دون مشيئة السيد ، عدم الفرق بين الوصيّة بالمال والوصيّة بغيرها .
ودعوى انصرافها إلى الوصيّة بالمال ، لا وجه لها .
(1) بل المتسالم عليه في الجملة ، حيث لم ينسب الخلاف فيه إلى أحد غير ابن إدريس(4) وتبعه بعض .
(2) وهو صحيح أبي ولاد ، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : «من قتل نفسه متعمداً فهو في نار جهنم خالداً فيها» . قلت : أرأيت إن كان أوصى بوصيّة ثمّ قتل نفسه من ساعته ، تنفذ وصيّته ؟ قال : فقال : «إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثاً في نفسه من جراحة أو قتل اُجيزت وصيّته في ثلثه ، وإن كان أوصى بوصيّة بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعلّه يموت لم تجز وصيّته» (5) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النحل 16 : 75 .
(2) الوسائل ، ج 22 كتاب النكاح ، أبواب مقدماته وشرائطه ، ب 45 ح 1 .
(3) الوسائل ، ج 19 كتاب الوصايا ، ب 78 ح 1 .
(4) السرائر 3 : 197 .
(5) الوسائل ، ج 19 كتاب الوصايا ، ب 52 ح 1 .
ــ[346]ــ
وتبعه بعض . والقدر المنصرف إليه الإطلاق الوصيّة بالمال (1) . وأما الوصيّة بما يتعلّق بالتجهيز ونحوه مما لا تعلّق له بالمال ، فالظاهر صحّتها .
كما إنّ الحكم مختصّ بما إذا كان فعل ذلك عمداً (2) لا سهواً أو خطأً ، وبرجاء أن يموت(3) لا لغرض آخر ، وعلى وجه العصيان(4) لا مثل الجهاد في سبيل الله . وبما لو مات من ذلك .
وأمّا إذا عوفي ثمّ أوصى ، صحّت وصيّته بلا إشكال (5) . وهل تصحّ وصيّته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ربّما يقال : إن الصحيح مختصّ بالمال ، بقرينة قوله (عليه السلام) : «في ثلثه» . ومعه فلا وجه لدعوى الانصراف ، فإنه أساساً لا يشمل الوصيّة بغير المال .
وفيه : أن قوله (عليه السلام) : «في ثلثه» قيد لصورة تقدّم الوصيّة على الحدث في النفس ، وأما صورة تأخرها عنه ـ التي هي محلّ الكلام ـ فهي مطلقة وغير مقيّـدة بالثلث .
وبعبارة اُخرى : إن قوله (عليه السلام) : «في ثلثه» قيد لفرض جواز الوصيّة وأما فرض عدم جوازها فهو مطلق من هذه الناحية .
نعم ، الحكم في هذا الفرض منصرف إلى الوصيّة المالية ، بقرينة تقييده لفرض النفوذ بالثلث ، فلا مانع من الالتزام بنفوذها في غيره .
(2) وذلك لا لقوله (عليه السلام) في صدر الصحيحة : «من قتل نفسه متعمداً فهو في نار جهنم خالداً فيها» فإنّ من المحتمل أن يقال باختصاص هذا الحكم بالذات بالمتعمد ، وأما عدم نفوذ وصيّته فهو غير مقيد بالتعمد ، وإنما لقوله (عليه السلام) : «لعلّه يموت» فإنه صريح في الإتيان بالفعل عمداً لا سهواً أو خطأً .
(3) لقوله (عليه السلام) : «لعله يموت» . ومن هنا فلو لم يكن الفعل لهذا الغرض فلا تشمله الصحيحة ، وإن ترتّب الموت عليه من باب الاتفاق .
(4) للانصراف العرفي ولو بقرينة صدر الصحيحة ، حيث حكم (عليه السلام) بأنه في نار جهنم خالداً فيها .
(5) بل الظاهر أن المسألة متفق عليها . وذلك لظهور صحيحة أبي ولاد في كون
ــ[347]ــ
قبل المعافاة ؟ إشكال (1) . ولا يلحق التنجيز بالوصيّة (2) . هذا ولو أوصى قبل أن يحدث في نفسه ذلك ثمّ أحدث صحّت وصيّته ، وإن كان حين الوصيّة بانياً على أن يحدث ذلك بعدها ، للصحيح المتقدِّم (3) مضافاً إلى العمومات .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوصيّة مقارنة لاحتمال الموت من قبل ذلك الحدث، فلا تشمل ما إذا عوفي من الحدث وأوصى في حال الصحّة ، فإنّ الحدث السابق يكون حينئذ كالعدم .
(1) منشأه أن مقتضى صدر الصحيحة أن موضوع الحكم هو القاتل نفسه ، فلا يشمل ما نحن فيه ، لأن المفروض أنه عوفي منه ، وإن كانت وصيّته في زمان يحتمل فيه الموت نتيجة للحدث .
في حين إن مقتضى ذيلها ، أعني قوله (عليه السلام) : «وإن كان أوصى بوصيّة بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعله يموت لم تجز وصيّته» هو عدم نفوذها سواء أتعقبها الموت أم لم يتعقبها . فالموضوع في عدم النفوذ هو المقدم على قتل نفسه من غير اعتبار لتحقق الموت في الخارج .
والثاني هو الأقوى ، ويدلّنا عليه ـ مضافاً إلى ظاهر الصحيحة ـ شمولها لمن أحدث في نفسه حدثاً لعله يموت ثمّ مات بسبب آخر غير ذلك الحدث ، كقتل غيره له أو الزلزلة أو نحوهما ، قبل المعافاة منه ، فإنه لم يلتزم أحد من الفقهاء بصحّة وصيّته ، بل لا يحتمل الحكم بنفوذها بدعوى أنه لم يمت بسبب ذلك الحدث . حيث يستكشف منه أنه لا يعتبر في عدم نفوذ وصيّته تعقبها للموت نتيجة للفعل ، بل هي ملغاة في هذه الحالة عقوبة له ، فتعتبر كالعدم ما لم ينشئ وصيّة جديدة بعد المعافاة .
(2) نظراً لكون الحكم في مورد الصحيحة على خلاف القاعدة ، فلا وجه لقياس غيرها من التصرّفات عليها .
(3) فإنّ مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام) : «إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثاً في نفسه من جراحة أو قتل اُجيزت وصيّته في ثلثه» عدم الفرق بين كونه بانياً على قتل نفسه حين الوصيّة وعدمه .
|