ــ[359]ــ
[ 3912 ] مسألة 3 : إذا أوصى بالأزيد أو بتمام تركته ، ولم يعلم كونها في واجب حتى تنفذ ، أو لا حتى يتوقف الزائد على إجازة الورثة ، فهل الأصل النفوذ إلاّ إذا ثبت عدم كونها بالواجب ، أو عدمه إلاّ إذا ثبت كونها بالواجب ؟ وجهان .
ربّما يقال بالأوّل ، ويحمل عليه ما دلّ من الأخبار على أنه إذا أوصى بماله كلِّه فهو جائز ، وأنه أحقّ بماله ما دام فيه الروح . لكن الأظهر الثاني ، لأنّ مقتضى ما دلّ على عدم صحّتها إذا كانت أزيد من ذلك ، والخارج منه كونها بالواجب ، وهو غير معلوم (1) .
نعم ، إذا أقرّ بكون ما أوصى به من الواجب عليه يخرج من الأصل (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالأصالة كالديون ، ومنها الخمس والزكاة وحجة الإسلام . ولا يعمّ الواجبات البدنية ، كالصلاة والصوم والواجب بالعارض كالحج المنذور ، فإنّ حالها حال غير الواجبات في الخروج من الثلث خاصة .
(1) فإنّ احتمال كونه مديناً مدفوع بالأصل ، كما هو الحال فيما لو لم يكن قد أوصى أصلاً ، أو كان قد أوصى بثلثه في جهة معينة . وعليه فلا يكفي مجرّد الاحتمال في جواز الإخراج من الأصل . وأما الإخراج من حيث الوصيّة فكذلك ، لكونه خلاف ما دلّ على عدم نفوذها في الزائد عن الثّلث .
وبعبارة اُخرى : إنّ الإخراج من أصل التركة ، إما يكون بالوصيّة أو لكونه من الواجبات التي تخرج منه . والأوّل خلاف النصوص الدالّة على عدم نفوذ الوصيّة في الزائد عن الثلث إلاّ بإجازة الوارث . والثاني خلاف الأصل .
وعليه ففي مورد الشك لا يجوز إخراج الزائد ، لا من حيث احتمال كونه من الواجبات التي تخرج من الأصل ، ولا من حيث الوصيّة .
(2) بلا إشكال فيه ، لقاعدة نفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم فإنه منه ، وليس من الإقرار على الورثة كما قيل ، إذ الإرث إنما يترتب على عنوان ما ترك ، وإذا أقرّ
ــ[360]ــ
بل وكذا إذا قال : اعطوا مقدار كذا خمساً أو زكاة أو نذراً أو نحو ذلك ، وشكّ في أنها واجبة عليه أو من باب الاحتياط المستحبي ، فإنها أيضاً تخرج من الأصل ، لأنّ الظاهر من الخمس والزكاة الواجب منهما(1) والظاهر من كلامه اشتغال ذمّته بهما (2) .
[ 3913 ] مسألة 4 : إذا أجاز الوارث بعد وفاة الموصي ، فلا إشكال في نفوذها (3) ولا يجوز له الرجوع في إجازته (4) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموصي في حال حياته بالدين اُلزم به واُجبر على دفعه إذا امتنع عنه ، وعندئذ فلا يبقى موضوع لإرث الورثة ، أعني عنوان ما ترك .
وبعبارة اُخرى : إنّ دعوى كون إقرار الموصي هذا إقراراً في حقّ الورثة ، إنما تتم فيما إذا لم يكن لهذا الإقرار أثر إلاّ الإخراج من أصل المال ، وأما إذا كان له أثر في حال حياته كلزوم دفعه وما شاكله نفذ إقراره ، وبه يثبت موضوع يرتفع معه إرث الوارث .
هذا مضافاً إلى إمكان استفادة الحكم من جملة من النصوص الدالة على أنّ الميت إذا كان أوصى بحجّة ، فإن كانت هي حجّة الإسلام خرجت من أصل المال ، وإلاّ فمن الثّلث (1) فإنها تدل على أنّ اعتراف الميت في حياته مسموع ويلزم العمل على وفقه .
(1) إذ إن غير الواجب لا يكون خمساً أو زكاة ، وإنما هو تبرع وهدية .
(2) فلا أثر يترتب على احتمال الخلاف .
(3) بلا خلاف فيه بيننا ، ولأنهم مالكون للمال حقيقة لانتقاله إليهم بالإرث ، فلهم أن يتصرّفوا فيه كيف ما شاؤوا .
(4) لنفوذ الوصيّة وانتقال الموصى به إلى الموصى له بمجرد الإجازة ، بناءً على كون الإجازة تنفيذاً لعمل الموصي ، على ما سيأتي اختياره منا . وأما بناءً على كونها هدية منهم ، فلهم الرجوع فيها قبل القبض مطلقاً ، وبعده فيما إذا لم تكن الهبة لازمة بشرط أو لكونها إلى ذي رحم .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 19 : 357 و 358 كتاب الوصايا ، باب 41 ح 24756 و 24757 .
ــ[361]ــ
وأمّا إذا أجاز في حياة الموصي، ففي نفوذها وعدمه قولان(1). أقواهما الأوّل، كما هو المشهور، للأخبار(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بل أقوال :
النفوذ مطلقاً .
وعدمه مطلقاً . ذهب إليه المفيد (قدس سره) في المقنعة (1) وابن إدريس (قدس سره)(2) وغيرهما ، باعتبار أنهم أجنبيون عن المال تماماً ، ولا حقّ لهم فيه ما دام الموصي على قيد الحياة ، فلا تكون إجازتهم نافذة ، ولهم الرجوع عنها والمطالبة بالإرث بعد موت الموصي .
والتفصيل بين كون الوصيّة حال المرض فتنفذ إجازتهم ، وكونها حال الصحّة فلا .
والتفصيل بين غنى الوارث وفقره ، فتنفذ في الأوّل إذا كانت الإجازة من غير استدعاء الموصي ، ولا تنفذ إذا كانت باستدعائه أو كان الوارث فقيراً .
ولا دليل على شيء من الأقوال الثلاثة الأخيرة .
نعم ، القاعدة الأوّلية تقتضي عدم نفوذها في حياة الموصي ، لأن الوارث أجنبي حينئذ عن المال . ومن هنا فتكون إطلاقات ما دلّ على عدم نفوذ الوصيّة فيما زاد عن الثلث محكمة ، حيث إن مقتضاها عدم الفرق بين إجازتهم في حياة الموصي وعدمه . لكن هذا إنما ينفع على تقدير عدم النص في المقام ، وحيث إنه موجود فلا أثر له .
(2) منها : صحيحة محمد بن مسلم ـ والتي رواها المشايخ الثلاثة ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، في رجل أوصى بوصيّة وورثته شهود فأجازوا ذلك ، فلما مات الرجل نقضوا الوصيّة ، هل لهم أن يردوا ما أقرّوا به ؟ فقال : «ليس لهم ذلك ، والوصيّة جائزة عليهم إذا أقرّوا بها في حياته» (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المقنعة (مصنّفات الشيخ المفيد) 14 : 669 ـ 670 .
(2) السرائر 3 : 185 ، 194 .
(3) الوسائل ، ج 19 كتاب الوصايا ، ب 13 ح 1 .
ــ[362]ــ
المؤيدة باحتمال كونه ذا حقّ في الثلثين (1) فيرجع إجازته إلى إسقاطه حقّه ، كما لا يبعد استفادته من الأخبار الدالّة على أن ليس للميت من ماله إلاّ الثلث .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومنها : صحيحة منصور بن حازم، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أوصى بوصيّة أكثر من الثلث وورثته شهود فأجازوا ذلك له، قال : «جائز»(1) .
فإنهما صحيحتا السند وصريحتا الدلالة ، ومعهما فلا أثر للرجوع إلى القاعدة وإطلاقات ما دلّ على عدم نفوذ الوصيّة فيما زاد عن الثلث .
ثمّ إنه لا فرق في المقام بين كون الإجازة سابقة على الوصيّة أو لاحقة لها ، وإن كان مورد الصحيحتين هو الثاني . فإنه إذا صحت الوصيّة بالإجازة صحّت بالإذن بطريق أولى ، إذ لا يحتمل أن يكون لتأخره دخل في التأثير ، فإنّ العبرة إنما هي بالرضا مع إبرازه في الخارج .
(1) وفيه : أنّ هذا الاحتمال ساقط جزماً ، وذلك لما عرفت من أنّ العبرة في الثلث أو الزيادة عليه ، إنما هي بحال الموت لا حال الوصيّة .
وعليه فإذا فرضنا تحقق الموت بعد الوصيّة بلا فصل ، لكانت هذه الدعوى ممكنة وإن لم يكن دليل عليها . وأما إذا فرضنا الفصل بينهما ، فلا حقّ لهم فيه جزماً ، لأنه حينها ليس في حال المرض أو الموت كي يقال بأنّ لهم حقاً فيه ، لا سيما إذا كانت ملكيته لبعض الأموال متأخرة عن الوصيّة ، فإنه حينئذ لم يكن لنفس الموصي حق فيه فضلاً عن ورثته .
وأما النصوص التي لم يستبعد (قدس سره) استفادة ذلك منها ، فهي أجنبية عن المقام ، حيث إنها لا تدلّ إلاّ على أنه ليس للموصي الوصيّة بأزيد من الثلث ، وأما كون ذلك نتيجة لثبوت حق للورثة في الثلثين الآخرين ، فلا دلالة فيها على ذلك بالمرّة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 19 كتاب الوصايا ، ب 13 ح 2 .
|