ــ[1]ــ
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين .
ــ[2]ــ
ــ[3]ــ
كلمة المؤلّف
الحمد لله الذي هدانا إلى حقائق الإيمان ، وأنار قلوبنا بأنوار العلم والعرفان والصلوات الزاكيات على سيدنا ونبينا محمد الصادع بالدين الحنيف ، والشرع المنيف ، وعلى آله الأطهار ، الدعاة إلى الله ، والناشرين لأحكام الله . وبعد ، فلمّا كان كتاب المكاسب الذي هو من مصنّفات الشيخ الأعظم الصناع الفذّ والعلم الفرد المحقّق المؤسس شيخ مشايخنا الأنصاري (قدّس الله روحه) من أعظم الكتب الفقهية شأناً وأكثرها مادّة وأمتنها استدلالا وأجزلها عبارة ، كان هو المعوّل عليه في الدراسة الخارجية عند البحث عن المعاملات ، وقد جمع (قدّس الله روحه) وأكرم مثواه بين دفّتي كتابه زبدة أفكار العلماء المتقدمين وخلاصة أنظارهم الدقيقة ، وأضاف إليها من فكرته الوقّادة وقريحته النقّادة تحقيقات أنيقة وتأمّلات رشيقة ، وبذلك كان الكتاب صحيفة ناصعة تمثّل سداد الرأي ونتاج المجهود الفكري في مراتبه الراقية ، وعلماؤنا الأعلام (قدّس الله أسرارهم) قد أبدوا اهتماماً خاصّاً بهذا الكتاب وعنوا به عناية فائقة وتعرّضوا إليه وأوسعوه دراسة وشرحاً وتعليقاً حسب اختلاف أذواقهم في الشرح والتعليق ، وبذلك تكوّنت مجموعة نفيسة من الشروح
ــ[4]ــ
لا يستغني عنها الباحث ولا يتجاوزها المراجع المتأمّل ، إلى أن ألقت العلوم الدينية زعامتها وأسندت رئاستها إلى سيّدنا واُستاذنا علم الأعلام آية الله الملك العلاّم فقيه العصر ، وفريد الدهر البحر اللجي ، واسطة قلادة الفضل والتحقيق ، محور دائرة الفهم والتدقيق ، إمام أئمّة الاُصول وزعيم أساتذة المعقول والمنقول ، المبيّن لأحكام الدين ، والمناضل عن شريعة جدّه سيد المرسلين ، قدوة العلماء الراسخين ، اُسوة الفقهاء العاملين ، المولى الأعظم والحبر المعظّم مولانا وملاذنا الحاج السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي النجفي أدام الله أيّام إفاضاته ومتّع الله المسلمين بطول بقائه ، وهو أدامه الله قد تعرّض إلى الكتاب أثناء الدراسة الخارجية في الحوزة المقدّسة العلوية وأوسعه تهذيباً وتنقيحاً ، وكشف النقاب عن غوامضه وأبان الموارد المعضلة منه ، وأخذ بتلك المسائل والآراء التي قيلت أو يمكن أن تقال فصهرها في بوتقة خياله الواسع وفكره الجامع ، وأفرغها في قوالب رصينة وشيّدها على اُسس متينة ، وكان النتاج درّة لمّاعة على مفرق التشريع الإسلامي والفقه الجعفري ، وكنت ممّن وفّقه الله للاستفادة من محضره الشريف والارتواء من منهله العذب ، فجمعت في هذا المختصر ما استفدته من تلك الأبحاث ، ثم عرضت ذلك على السيد (دام ظلّه) فراجعه مراجعة كاملة وكرّر النظر في أبحاثه وفصوله ، وها أنا ذا اُقدّم كتابي هذا مصباح الفقاهة إلى أرباب العلم والفضيلة ، آملا أن يقع ذلك منهم موقع القبول ، وجعلت عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم ، سائلا منه أن يجعل ذلك ذخراً ليوم لا ينفع مال ولا بنون . وقد كان المؤلّفون القدماء كثيراً يقولون إنّ أسواق العلوم كاسدة وتجارتها غير مربحة ، وإنّ الناس قد رغبت عنها إلى ملاذ الدنيا وشهواتها وقصرت بأنظارها إلى الحطام العاجل والعرض الزائل ، وإنّهم قد استأثروا الكسل على الجدّ والنوم على السهر والراحة على العمل ، وإنّ الدنيا قد أدبرت عن ورثة الرسالة وأصحاب الأمانة
ــ[5]ــ
وأمثال هذه الكلمات صارت عنواناً لفواتح الكتب ومستهلاّت الخطب والرسائل وأمّا نحن فلنا أن نفتخر بحمد الله وإفضاله على هذا العهد الزاهي الذي ازدهرت فيه أنوار العلوم ، وأشرقت فيه شموس المعارف ، وأصبحت الاُمم من كل حدب وصوب يتّجهون إلى هذه المدينة المقدّسة مدينة سيد العلماء على الإطلاق بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وازدحمت المدارس بطلاّبها وضاقت بهم أرجاؤها ، نحمده تعالى على هذه الموهبة الجليلة والنعمة الجسيمة ، ونسأله أن يوفّقنا لخدمات الدين وإحياء شريعة سيد المرسلين ، وأن يجعلنا من المشمولين لقوله عزّ من قائل : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات) وتمّت كلمة ربّك صدقاً وعدلا لا مبدّل لكلماته وهو السميع العليم .
محمد علي التوحيدي
|