المعاوضة على أبوال ما لا يؤكل لحمه 

الكتاب : مصباح الفقاهة في المعاملات - المكاسب المحرمة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 18039


قوله : يحرم المعاوضة على بول(2) غير مأكول اللحم .

أقول : في كلام العلاّمة الأنصاري هنا وفي المسائل الآتية خلط بين الحرمة التكليفية والحرمة الوضعية ، فقد جعل هنا كلا من النجاسة والحرمة وعدم جواز الانتفاع بها دليلا عليهما ، مع أنّ الأولين دليلان على الحرمة التكليفية ، والثالث دليل على الحرمة الوضعية .

قوله : فيما عدا بعض أفراده كبول الإبل الجلالة .

أقول : قال المحقّق الإيرواني : لعلّ هذا استثناء من صدر الكلام ، أعني قوله :

ــــــــــــــ
(2) في تاج العروس 7 : 237 مادّة بول : البول معروف ، الجمع أبوال ، وقد بال يبول والاسم البيلة بالكسر كالركبة والجلسة ، ومن المجاز الولد ، قال المفضّل : بال الرجل يبول بولا شريفاً فاخراً إذا ولد له ولد يشبهه في شكله وصورته وآسانه وآساله وأعسانه وأعساله وتجاليده ، والبولة بهاء بنت الرجل ، والبوال كغراب : داء يكثر منه البول ، يقال أخذه بوال إذا جعل البول يعتريه كثيراً ، والبولة كهمزة الكثيرة يقال رجل بولة .

ــ[49]ــ

يحرم المعاوضة على بول غير مأكول اللحم ، بتوهّم شمول الإجماع المنقول على جواز بيع بول الإبل له(1).

وفيه أولا : أنّ المصنّف لم يستثن بول الإبل الجلالة فيما يأتي من أبوال ما لا يؤكل لحمه ، لا في حرمة شربه ولا في نجاسته .

وثانياً : أنّ الفارق بين بول الإبل الجلالة وبين أبوال ما لا يؤكل لحمه ليس إلاّ كون الأول نجساً بالعرض وكون الثانية نجسة بالذات ، ومجرد هذا لا يكون فارقاً بينهما حتى يصح الاستثناء . والظاهر أنه استثناء من قوله : وعدم الانتفاع به . أي ليس لأبوال ما لا يؤكل لحمه نفع ظاهر إلاّ بول الإبل الجلالة ، فإنه كبول الإبل غير الجلالة لها منفعة ظاهرة .

تنقيح وتهذيب : قد اتّفقت كلمات الأصحاب على حرمة بيع أبوال ما لا يؤكل لحمه ، بل في بعضها دعوى الإجماع بقسميه على ذلك ، وفي المراسم حكم بحرمة بيع الأبوال مطلقاً إلاّ بول الإبل(2)، وفي الغنية منع عن بيع كل نجس لا يمكن تطهيره(3) وفي نهاية الشيخ : وجميع النجاسات محرّم التصرف فيها والتكسّب بها على اختلاف أجناسها من سائر أنواع العذرة والأبوال وغيرهما(4)، وفي المبسوط : فأمّا نجس العين فلا يجوز بيعه كالبول(5)، وفي التذكرة : الإجماع على عدم صحة بيع نجس العين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حاشية المكاسب (الإيرواني) 1 : 25 .

(2) المراسم : 170 .

(3) الغنية : 213 .

(4) النهاية : 364 .

(5) المبسوط 2 : 166 .

ــ[50]ــ

مطلقاً(1)، وفي المستند : تحريم بيع الأبوال مما لا يؤكل لحمه شرعاً موضع وفاق(2) وفي الجواهر(3) ادّعى قيام الإجماع المحصّل على الحرمة وأنّ نقل الإجماع بين الأصحاب مستفيض عليها ، وعلى هذا الضوء المذاهب الأربعة . وفي الفقه على المذاهب الأربعة : ومن البيوع الباطلة بيع النجس(4)، وفي شرح فتح القدير : إذا كان أحد العوضين أو كلاهما محرّماً فالبيع فاسد(5).

ثم إنه قد استدل المصنّف على حرمة بيع أبوال ما لا يؤكل لحمه وضعاً وتكليفاً بالإجماع والحرمة والنجاسة وعدم جواز الانتفاع بها ، وجميعها لا يصلح لإثبات الحرمة التكليفية ولا الوضعية .

أمّا الاجماع وإن نقله غير واحد من أعاظم الأصحاب إلاّ أنّ إثبات الإجماع التعبّدي هنا مشكل جدّاً ، للاطمئنان بل العلم بأنّ مستند المجمعين إنما هو الروايات العامّة المتقدّمة(6)، والروايات الخاصة المذكورة في بيع الأعيان النجسة ، والحكم بحرمة الانتفاع بها . مضافاً إلى أنّ المحصّل منه غير حاصل ، والمنقول منه غير حجّة .

وأمّا الحرمة فإن أراد منها حرمة الأكل والشرب فالكبرى ممنوعة ، لعدم الدليل على أنّ كل ما يحرم أكله أو شربه يحرم بيعه ، ولو فرضنا وجود دليل على ذلك فلابدّ من تخصيص أكثر أفراده ، فإنّ كثيراً من الأشياء يحرم أكلها ويجوز بيعها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التذكرة 10 : 25 .

(2) المستند 14 : 82 .

(3) الجواهر 22 : 17 .

(4) الفقه على المذاهب الأربعة 2 : 208 .

(5) شرح فتح القدير 6 : 43 .

(6) في أول الكتاب .

ــ[51]ــ

وذلك مستهجن يوجب سقوط الدليل عن الحجية .

وإن أراد منها حرمة الانتفاع بها بجميع منافعها أو بالمنافع الظاهرة فهو وإن استلزم حرمة البيع كما تقدّم(1) في النبوي المشهور ولكن الصغرى ممنوعة ، لعدم الدليل على تحريم جميع المنافع أو المنافع الظاهرة لتلك الأبوال ، وسيأتي تفصيلها(2).

وأمّا النجاسة فإنّ رواية تحف العقول(3) وإن دلّت على حرمة بيع النجس لقوله (عليه السلام) فيها : « أو شيء من وجوه النجس فهذا كلّه حرام محرّم ، لأنّ ذلك كلّه منهي عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلّب فيه ، فجميع تقلّبه في ذلك حرام » إلاّ أنّ ذلك فيما تكون منافعه كلّها محرّمة كما هو مقتضى التعليل المذكور فيها وأمّا إذا كان للنجس منفعة محلّلة فلا دليل على حرمة بيعه ، وأبوال ما لا يؤكل لحمه مما له منفعة محلّلة ، ومقتضى ذلك جواز بيعها ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ كل نجس يحرم الانتفاع به بجميع منافعه ، فإذا كان كذلك حرم بيعه وشراؤه . ولكنّه دعوى بلا دليل هذا مضافاً إلى ضعف سندها وعدم انجبارها بعمل الأصحاب كما عرفت .

على أنه لو سلّمنا دلالة الحرمة والنجاسة على حرمة البيع لدلّتا على الحرمة التكليفية دون الوضعية كما تقدم في أول المسألة .

ومما ذكرنا ظهر أنّ المشهور لم يستندوا في فتياهم بحرمة بيع النجس إلى رواية تحف العقول ، ولا إلى غيرها من الروايات العامة المتقدمة كرواية فقه الرضا (عليه السلام) الدالّة على أنّ كل ما يكون محرّماً من جهة يحرم بيعه ، ولو كان مستندهم ذلك لم يكن الحكم بحرمة البيع مختصاً بالنجس ، بل كان يعم سائر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص36 .

(2) راجع ص52 ، 56 ، 60 .

(3) تحف العقول : 331 ، الوسائل 17 : 83 / أبواب ما يكتسب به ب2 ح1 .

ــ[52]ــ

المحرّمات ولو كانت من الأعيان الطاهرة كأبوال ما لا يؤكل لحمه بناءً على حرمة شربها .

وأمّا عدم جواز الانتفاع بها فربما قيل بأنه يستلزم فساد البيع وإن لم يقم دليل على حرمة ذلك البيع تكليفاً ، لأنّ حرمة الانتفاع بها يستلزم نفي ماليتها التي لابدّ منها في تحقّق البيع .

وفيه أولا : أنه لا دليل على اعتبار المالية في البيع ، وإنما المناط صدق عنوان المعاوضة عليه . وأمّا ما عن المصباح(1) من أنه مبادلة مال بمال ، فلا يكون دليلا على ذلك ، لعدم حجية قوله .

وثانياً : إذا سلّمنا اعتبار المالية في البيع فلا نسلّم أنّ أبوال ما لا يؤكل لحمه ليست بمال في جميع الأزمنة والأمكنة ، كيف وأنّ الانتفاع بها باستخراج الأدوية أو الغازات أو استعمالها في العمارة عند قلّة الماء ممكن جدّاً ، فتكون مالا باعتبار تلك المنافع الظاهرة ، ومثلها أكثر المباحات التي تختلف ماليتها بحسب الأزمنة والأمكنة كالماء والحطب ونحوهما . ومن هنا يعلم أنّ الشرب ليس من منافعها حتى يلزم من حرمته سقوط ماليتها . اللهم إلاّ أن يقال إنّ الشارع قد ألغى ماليتها بتحريم جميع منافعها ، ولكنّه أول الكلام .

وثالثاً : إذا سلّمنا اعتبار المالية في البيع فيكفي أن يكون المبيع مالا بنظر المتبايعين إذا كان عقلائياً ، ولا يجب كونه مالا في نظر العقلاء أجمع .

ورابعاً : لو سلّمنا عدم كون الأبوال المذكورة مالا حتى في نظر المتبايعين فإنّ غاية ما يلزم كون المعاملة عليها سفهية ، ولا دليل على بطلانها بعد شمول أدلة صحة البيع لها ، والفاسد شرعاً إنما هو معاملة السفيه لا المعاملة السفهائية ، والدليل على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصباح المنير : 69 مادّة بيع .

ــ[53]ــ

الفساد فيها أنّ السفيه محجور شرعاً عن المعاملات . هذا كله مضافاً إلى صحة المعاملة عليها بمقتضى آية التجارة(1) وإن لم يصدق عليها البيع .

وقد اتّضح مما قدّمناه جواز بيع أبوال ما لا يؤكل لحمه وضعاً وتكليفاً ، كما اتّضح جواز بيع أبوال ما يؤكل لحمه مطلقاً ، بل الجواز هنا بالأولوية ، إبلا كان أو غيرها ، جلالا كان أو غيره ، قلنا بجواز شربه اختياراً أو لم نقل ، لأنّ جواز الشرب لا يعد من منافع البول ليكون مالا باعتباره ويدور الحكم بجواز البيع مداره .

وهم ودفع : قد استدلّ المحقّق الإيرواني (رحمه الله)(2) على فساد المعاملة عليها بقوله تعالى  : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاض مِنْكُمْ)(3) على أن يراد من الباطل ما يعم الباطل العرفي والشرعي . ومراد المستدل أنّ أخذ المال عوضاً عن أبوال ما لا يؤكل لحمه أكل للمال بالباطل .

وفيه : أنّ دخول باء السببية على الباطل ومقابلته في الآية للتجارة عن تراض ـ ولا ريب أنّ المراد بالتجارة هي الأسباب ـ قرينتان على كون الآية ناظرة إلى فصل الأسباب الصحيحة للمعاملة عن الأسباب الباطلة كما نبّه عليه المستدل في أول البيع(4) وغيره ، وعلى ذلك فيكون الغرض من الباطل الأسباب الباطلة ، فلا يكون لها تعلّق بما لا مالية له من العوضين كما يرومه المستدل . كما أنّ المراد من الأكل فيها ليس هو الازدراد على ما هو معناه الحقيقي ، بل هو كناية عن تملّك مال الغير من غير استحقاق وإن كان ذلك المال من غير المأكولات كالدار ونحوها ، وقد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (3) النساء 4 : 29 .

(2) حاشية المكاسب (الإيرواني) 1 : 18 ، 21 .

(4) ] لعلّ المراد أوّل المكاسب ، أي المصدر المتقدّم [ .

ــ[54]ــ

تعارف استعماله بذلك في القرآن وفي كلمات الفصحاء ، بل وفي غير العربية أيضاً .

وعلى هذا فإن كان الاستثناء متصلا كما هو الظاهر والموافق للقواعد العربية فيكون مفاد الآية نفي تملّك أموال الغير بالأسباب الباطلة من القمار والغصب والغزو وبيع المنابذة والحصاة والتقسيم بالأزلام والأقداح ، إلاّ بسبب يكون تجارة عن تراض ، فتفيد حصر الأسباب الصحيحة للمعاملات بالتجارة عن تراض .

وإن كان الاستثناء منقطعاً فظهور الآية البدوي وإن كان هو بيان القاعدة الكلّية لكل واحد من أكل المال بالباطل والتجارة عن تراض ، ولا تعرض لها للحصر ، وتظهر ثمرة ذلك فيما لا يعدّ في العرف من الأسباب الباطلة ولا من التجارة عن تراض فيكون مهملا ، إلاّ أنه تعالى حيث كان بصدد بيان الأسباب المشروعة للمعاملات وتميّز صحيحها عن فاسدها وكان الإهمال مما يخل بالمقصود ، فلا محالة يستفاد الحصر من الآية بالقرينة المقامية ، وتكون النتيجة أنّ الآية مسوقة لبيان حصر الأسباب الصحيحة بالتجارة عن تراض ، سواء كان الاستثناء متصلا أم منقطعاً . ومما يدل على كون الآية راجعة إلى أسباب المعاملات تطبيقها في بعض الروايات على القمار(1).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مثل ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن أبيه قال « قال أبو عبدالله (عليه السلام) في قول الله عزّوجلّ : (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) قال : ذلك القمار » وهي موثّقة .

وما رواه العياشي في تفسيره ] 1 : 338 / 940 [ عن أسباط بن سالم قال : « كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) فجاء رجل فقال أخبرني عن قول الله عزّوجلّ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) قال : عنى بذلك القمار » الحديث .

وعن محمد بن علي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ وقد سئل عن الآية ـ قال : « نهى عن القمار ، وكانت قريش يقامر الرجل بأهله وماله فنهاهم الله عن ذلك » راجع الوسائل 17  :  166 / أبواب ما يكتسب به ب35 ح14 ، 8 ، 9 .

فائدة : اعلم أنّ صاحب التفسير أبو النضر محمد بن مسعود بن محمد بن عيّاش السلمي السمرقندي المعروف بالعياشي ، وإن كان ثقة صدوقاً عيناً من عيون هذه الطائفة وكبيرها ولكن لم يثبت لنا اعتبار التفسير ، للإرسال .

وفي الوسائل 30 : 157 (الخاتمة / الفائدة الرابعة) : كتاب تفسير القرآن لمحمد بن مسعود العياشي ، وقد وصل إلينا النصف الأول منه ، غير أنّ بعض النسّاخ حذف الأسانيد واقتصر على راو واحد .

وفي البحار 1 : 28 : كتاب تفسير العياشي روى عنه الطبرسي وغيره ، ورأينا منه نسختين قديمتين  ، وعدّ في كتب الرجال من كتبه ، لكن بعض الناسخين حذف أسانيده للاختصار وذكر في أوله عذراً هو أشنع من جرمه .

وفي رجال المامقاني ] 3 : 183 / 11367 [ عدّ الشيخ (رحمه الله) الرجل في رجاله ممن لم يرو عنهم (عليهم السلام) بقوله : محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السمرقندي ، يكنّى أبا النضر ، أكثر أهل المشرق علماً وأدباً وفضلا وفهماً ونبلا في زمانه ، صنّف أكثر من مائتي مصنّف ذكرناها في الفهرست ، وكان له مجلس للخاصّي ومجلس للعامّي .

وقال النجاشي ] في رجاله : 350 / 944 [ : أبو النضر المعروف بالعياشي ، ثقة صدوق عين من عيون هذه الطائفة ، وكان يروي عن الضعفاء كثيراً ، وكان في أول أمره عامي المذهب وسمع حديث العامة فأكثر منه ثم تبصّر وعاد إلينا ... أنفق على العلم والحديث تركة أبيه سائرها وكانت ثلاثمائة ألف دينار ، وكانت داره كالمسجد بين ناسخ أو مقابل أو قارئ أو مُعلِّق مملوّة من الناس .

ــ[55]ــ

قوله : كبول الإبل الجلالة .

أقول : بعد ما عرفت جواز الانتفاع بالأبوال مطلقاً وجواز بيعها كذلك فلا وجه لهذا الاستثناء .

ــ[56]ــ

قوله : إن قلنا بجواز شربها اختياراً كما عليه جماعة .

أقول : قد ظهر مما تقدّم أنّ جواز الشرب أو حرمته ليسا مناطين في جواز بيعها وحرمته ، لعدم كون الشرب من المنافع الظاهرة ليدور الحكم عليه وجوداً وعدماً . إذن فلا فرق بين أبوال ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه .

استطراد : قد وقع الخلاف بين أعاظم الأصحاب في جواز شرب أبوال ما يؤكل لحمه حال الاختيار وعدم جوازه ، وذهب جمع كثير إلى الجواز ، وجماعة اُخرى إلى الحرمة ، وهو الحق ، لمفهوم موثّقة عمار(1) فإنه يدل على حرمة شربها لغير التداوي ، كما تدل على ذلك أيضاً عدّة روايات اُخرى من الخاصة(2)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عمار بن موسى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « سئل عن بول البقر يشربه الرجل قال : إن كان محتاجاً إليه يتداوى به يشربه ، وكذلك أبوال الإبل والغنم » وهي موثّقة الوسائل 25 : 113  / أبواب الأطعمة المباحة ب59 ح1 ، التهذيب 1 : 284 / 832 .

(2) منها ما رواه بعض أصحابنا عن موسى بن عبدالله قال : سمعت أشياخنا يقولون : ألبان اللقاح شفاء من كل داء وعاهة ولصاحب البطن أبوالها . وهي مرسلة . في القاموس ] 1 : 247 [ مادة لقح : اللقاح ـ ككتاب ـ الإبل ، واللقوح كصبور واحدته . ] في الوسائل : ولصاحب الربو أبوالها [ .

والمفضّل بن عمر عن أبي عبدالله (عليه السلام) « أنه شكى إليه الربو الشديد ، فقال : اشرب له أبوال اللقاح ، فشربت ذلك ، فمسح الله دائي » وهي موثّقة ، الوسائل 25 : 115 / أبواب الأطعمة المباحة ب59 ح8 . الربو : التهيّج وتوارد النفس الذي يعرض للمسرع في مشيه .

وسماعة قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شرب الرجل أبوال الإبل والبقر والغنم ينعت له من الوجع ، هل يجوز له أن يشرب ؟ قال : نعم ، لا بأس به » وهي ضعيفة بأحمد ابن فضل . راجع الوسائل 25 : 113 / أبواب الأطعمة المباحة ب59 ح4 ، 8 ، 7 ، والكافي 6 : 338 / 2 ، والتهذيب 1 : 284 / 832 ، والوافي 20 : 687 / 2 ، 19 : 351 / باب68.

وفي دعائم الإسلام ] 2 : 476 / 1711 [ روينا عن أبي عبدالله عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : « قدم على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قوم من بني ضبة مرضى ... فأخرجهم إلى إبل الصدقة وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها يتداوون بذلك » الخبر . وهي ضعيفة بالإرسال . راجع المستدرك 17 : 27 / أبواب الأشربة المباحة ب23  ح1 .

ــ[57]ــ

والعامة(1).

نعم هناك روايتان إحداهما(2): رواية قرب الإسناد ، تدل على جواز شرب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في السنن الكبرى للبيهقي 10 : 4 عن أنس أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) أمر العرنيين أن يشربوا ألبان الإبل وأبوالها ، وعن أنس أنّ رهطاً من عرينة أتوا النبي (صلّى الله عليه وآله) فقالوا إنّا اجتوينا المدينة وعظمت بطوننا وارتهست أعضادنا ، فأمرهم النبي (صلّى الله عليه وآله) أن يلحقوا برّاً الإبل فيشربوا من ألبانها وأبوالها ، فلحقوا براعي الإبل فشربوا من أبوالها وألبانها حتى صلحت بطونهم وأبدانهم ثم قتلوا الراعي وساقوا الإبل ، الحديث . ورواه البخاري في الصحيح 1 : 67 باب الأبوال بأدنى تفاوت .

وفي القاموس ] 4 : 314 [ مادة الجَوى ، اجتواه كرهه ، وأرض جوية غير موافقة . وفيه ]  2  : 220 مادّة الرَهْس [ : ارتهس الوادي امتلأ .

وفي مسند أحمد 1 : 483 / 2672 عن ابن عباس قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «  إنّ في أبوال الإبل وألبانها شفاء للذربة بطونهم » . وفي القاموس ] 1 : 68 / مادّة ذَرِب [الذربة ـ محرّكة ـ فساد المعدة .

(2) ما عن قرب الإسناد ] : 156 / 573 [ : « إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قال : لا بأس ببول ما أُكل لحمه » . وهي ضعيفة بأبي البختري وهب بن وهب .

ــ[58]ــ

أبوال مأكول اللحم على وجه الإطلاق . والثانية(1): رواية الجعفري تدل على جواز شرب بول الإبل مطلقاً ، وأنه خير من لبنه .

وفيه : مضافاً إلى ضعف سنديهما ، أنه لابدّ من تقييدهما بمفهوم موثّقة عمار المتقدّمة ، وحينئذ فيختص جواز شربها بالتداوي فقط . على أنّ رواية الجعفري ليست بصدد بيان الجواز التكليفي ، بل هي مسوقة إلى بيان الوجهة الطبية وأنّ أبوال الإبل مما يتداوى بها الناس ، ويدل على ذلك قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية : «  ويجعل الله الشفاء في ألبانها » .

دفع توهّم : قد استدل بعض الأعاظم(2) على حرمة شربها بقوله تعالى : (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)(3) حيث قال : وعندي أنّ هذا القول هو الأقوى ، وفي آية تحريم الخبائث غنىً وكفاية بعد القطع بكون البول مطلقاً من الخبائث .

وفيه : أنّ المقصود من الخبائث كل ما فيه مفسدة وردائة ولو كان من الأفعال المذمومة المعبّر عنه في الفارسية بلفظ « پليد » ويدل على ذلك إطلاق الخبيث على العمل القبيح في قوله تعالى : (وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ)(4)ويساعده العرف واللغة(5). إذن فالآية ناظرة إلى تحريم كل ما فيه مفسدة ولو من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ما روي في الكافي والتهذيب عن الجعفري قال : « سمعت أبا الحسن موسى (عليه السلام) يقول : أبوال الإبل خير من ألبانها ، ويجعل الله الشفاء في ألبانها » . وهي مجهولة ببكر بن صالح . راجع الوسائل 25 : 114 / أبواب الأطعمة المباحة ب59 ح2 ، 3 ، والكافي 6 : 338 / 1 ، والوافي 19 : 352 / 5 ، 20 : 687 / 1 ، والتهذيب 9 : 100 / 437 .

(2) المامقاني في غاية الآمال : 13 ، السطر 9 .

(3) الأعراف 7 : 157 .

(4) الأنبياء 21 : 74 .

(5) في المجمع ] 2 : 251 ، مادّة خبث [ : الخبيث ضد الطيّب ... وقيل : الخبيث خلاف طيّب الفعل من فجور ونحوه ، والخبائث الأفعال المذمومة والخصال الرديئة ، وفي الحديث : « لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم » وفي حديث أهل البيت « لا يبغضنا إلاّ من خبثت ولادته » أي لم تطب ، وخبث الرجل بالمرأة من باب قتل : زنى بها . وفي تفسير التبيان 4 : 56 الخبائث يعني القبائح ، وفي 7 : 265 (وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ) يعني أنّهم كانوا يأتون الذكران في أدبارهم ، ويتضارطون في أنديتهم (مجالسهم) وهي قرية سدوم على ما روي .

وفي مفردات الراغب ] 272 [ مادّة خبث : المخبث والخبيث ما يكره رداءة وخساسة محسوساً كان أو معقولا ، وأصله الرديء ، وذلك يتناول الباطل في الاعتقاد والكذب في المقال والقبيح في الفعال (ويطلق على) ما لا يوافق النفس من المحظورات ، وإتيان الرجال والأعمال الفاسدة ، والنفوس الخبيثة ، والحرام ، والأفعال الرديئة ، والكفر والكذب والنميمة .

وفي تاج العروس 1 : 617 مادّة خبث : الخبيث ضدّ الطيّب ، الخابث وهو الرديء من كل شيء ، ومن المجاز الخبث بالضم الزنا ، وقد خبث بها ككرم أي فجر ، وفي الحديث : إذا كثر الخبث كان كذا وكذا ، أراد الفسق والفجور ، ومنه حديث سعد بن عبادة أنه أتى النبي (صلّى الله عليه وآله) برجل مخدج سقيم وجد مع امرأة يخبث بها أي يزني ، وفي حديث أنس : أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) كان إذا أراد الخلاء قال : أعوذ بالله من الخبث والخبائث ، أراد بالخبث الشرّ ، والخبائث الشياطين . وقال ابن الأثير في تفسير الحديث : الخبث بضم الباء جمع الخبيث ، والخبائث جمع الخبيثة ، أي من ذكور الشياطين وإناثها ، وقيل : هو الخبث بسكون الباء ، وهو خلاف طيب الفعل من فجور وغيره ، والخبائث يريد بها الأفعال المذمومة والخصال الرديئة ، والخبيث نعت كل شيء فاسد ، يقال : هو خبيث الطعم خبيث اللون خبيث الفعل ، والحرام السحت ، يسمّى خبيثاً مثل الزنا والمال الحرام والدم وما أشبهها مما حرّم الله تعالى .

ــ[59]ــ

الأعمال القبيحة ، فلا تعمّ شرب الأبوال الطاهرة ونحوها مما تتنفّر عنها الطبائع .

ــ[60]ــ

قوله : لا يوجب قياسه على الأدوية .

أقول : هذا الكلام بظاهره مما لا يترقّب صدوره من المصنّف ، وذلك لأنّ التداوي بها لبعض الأوجاع يجعلها مصداقاً لعنوان الأدوية ، فكما يجوز بيعها حتى إذا كانت نجسة فكذلك يجوز بيع الأبوال مطلقاً لكونها مصداقاً للأدوية ، وانطباق الكلّي على أفراده غير مربوط بالقياس ، وتوضيح ذلك : أنّ مالية الأشياء تدور على رغبات الناس بلحاظ حاجاتهم إليها على حسب الحالات والأزمنة والأمكنة ، ولا شبهة أنّ المرض من الحالات التي لأجلها يحتاج الإنسان إلى الأدوية والعقاقير طاهرة كانت أم نجسة ، ولأجل ذلك يجلبها الناس من أقاصي البلاد ، فإذا كانت الأبوال عند العرف من الأدوية وتعدّ من الأموال في غير حال المرض كانت كسائر الأدوية التي يحتاج إليها الناس في حال المرض ، ولا مجال لتفريقها عنها ، اللهم إلاّ أن يكون مراد المصنّف سقوط مالية الأبوال لكثرتها .

وفيه : ـ مضافاً إلى كونه خلاف الظاهر من كلامه ، وإلى منع كثرتها في جميع البلاد ـ أنّ الكثرة لا توجب سقوط ماليتها بعد إمكان الانتفاع بها في بعض الأمكنة  ، وإلاّ لزم سلب المالية عن أكثر المباحات ، نعم لا يبعد الالتزام بسقوط ماليتها إذا لم ينتفع بها في محلّها ولم يمكن نقلها إلى محل ينتفع بها فيه .

ومما ذكرنا علم أنّ التداوي بالأبوال من المنافع الظاهرة لها ، فلا وجه لعدّها فيما لا نفع فيه ، كما لا وجه للنقض على ذلك بأنه لو كان التداوي بها موجباً لصحة بيعها لجاز بيع كل شيء من المحرّمات ، لقوله (عليه السلام) : « ليس شيء مما حرّم الله إلاّ وقد أحلّه لمن اضطر إليه »(1) وذلك لما بيّنا من أنّ المرض من الأحوال المتعارفة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عن سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « ليس شيء ... » وهي مرسلة . راجع الوسائل 23 : 228 / كتاب الأيمان ب12 ح18 ، والمستدرك 12 : 258 / كتاب الأمر بالمعروف ب24 ح3 . والبحار 2 : 272  / 9 .

 
 

ــ[61]ــ

للإنسان ، فلا يقاس بالاضطرار الذي لا يتّفق في العمر إلاّ نادراً .

ومن هنا يتّضح الفرق بين الأبوال وبين الميتة ولحوم السباع وغيرهما من المحرّمات التي يحتاج إليها الإنسان عند الاضطرار ، ولذلك فلا يتّجر أحد بلحوم السباع ونحوها لاحتمال الحاجة إليها ، وهذا بخلاف الأدوية فإنّ بيعها وشراءها من التجارات المهمة .

قوله : ولو عند الضرورة المسوّغة للشرب .

أقول : لا تعرض في شيء من الروايات العامة وغيرها لتعليق جواز بيع الأبوال الطاهرة غير بول الإبل على جواز شربها .

قوله : ولا ينتقض أيضاً بالأدوية المحرّمة .

أقول : قوله : لأجل الإضرار . تعليل للحرمة ، وحاصل النقض : أنّ الأبوال الطاهرة تكون بحكم الأدوية ، فكما أنّ الأدوية محرّمة الاستعمال في غير حال المرض لإضرارها بالنفس ، ومع ذلك يجوز بيعها واستعمالها عند المرض في حال المرض ، لأجل تبدّل عنوان الإضرار بعنوان النفع ، وهذا بخلاف الأبوال فإنّ حلّيتها ليست إلاّ لأجل الضرورة ، فالنقض في غير محلّه .

ولكن الإنصاف أنّ ما أفاده المصنف نقضاً وجواباً غير تامّ .

أمّا الجواب : فلأنّا لا نجد فرقاً بين الأبوال وسائر الأدوية ، وإذا كان الاحتياج إلى الأدوية موجباً لتبدّل عنوان الضرر إلى النفع فليكن الاحتياج إلى الأبوال في حال المرض كذلك ، مع أنّ الأمر ليس كذلك ، فإنّ من الواضح جداً أنّ الاحتياج إلى الأدوية والعقاقير حال المرض ليس من قبيل تبدّل موضوع الضرر

ــ[62]ــ

بموضوع النفع كانتقال موضوع التمام إلى موضوع القصر ، وإنما هو كالاحتياج إلى سائر الأشياء بحسب الطبع .

وأمّا النقض ففيه أولا : أنه لا يجوز أن تعلّل حرمة الأدوية في غير حال المرض بالإضرار ، لأنه من العناوين الثانوية ، فلا يمكن أن يكون علّة لثبوت الحرمة للشيء بعنوانه الأولي ، ولو صح ذلك لم يوجد شيء يكون حلالا بعنوانه الأولي إلاّ نادراً ، وذلك لأنه لابدّ من عروض عنوان الضرر عليه في مرتبة من مراتب استعماله فيكون حراماً .

وثانياً : أنّ عنوان الإضرار ليس مما تكون الحرمة ثابتة عليه بالذات أو بعنوان غير منفك عنه ، لأنه ليس أمراً مضبوطاً ، بل يختلف بالإضافة إلى الأشخاص والأزمنة والأمكنة والمقدار ، وربما يكون الشيء مضرّاً بالاضافة إلى شخص حارّ المزاج دون غيره ، وبالنسبة إلى منطقة دون منطقة ، أو بمقدار خاص دون الأقل منه ، بل لو كان عنوان الإضرار موجباً لحرمة البيع لما جاز بيع شيء من المشروبات والمأكولات ، إذ ما من شيء إلاّ وهو مضرّ للمزاج أزيد من حدّه ، نعم لو دل دليل على أنّ ما أضرّ كثيره فقليله حرام كما ورد في الخمر : « فما أسكر كثيره فقليله حرام »(1) لتوجّه ما ذكره من النقض .

وقد تمسك بعض العامة بذلك عند بحثنا معه في حرمة شرب التتن ، وأجبنا عنه بأنه لو صح ما أضر كثيره فقليله حرام للزم الالتزام بحرمة جميع المباحات ، فإنّ من الواضح أنه ما من شيء في العالم إلاّ وتكون مرتبة خاصة منه مضرّة للمزاج .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّم مصدره في ص27 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net